المحرر موضوع: حديث عن بعض مظاهر الشرّ  (زيارة 626 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل شمعون كوسا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 201
    • مشاهدة الملف الشخصي
حديث عن بعض مظاهر الشرّ
« في: 15:46 22/08/2023 »
حديث عن بعض مظاهر الشرّ
شمعون كوسا
عاودتُ اللقاء بصديق قديم كان قد التقاني منذ حفنة من السنوات ، وكان قد دار بيننا حديث صاخب عن الحياة ومواضيع الدين وانعكاساتها على مجريات الاحداث آنذاك،  وكان قد احرجني ببعض طروحاته وافكاره الغريبة التي كنتُ احاول الردّ عليها بما كنتُ قد استقيته ، في فترة ما ، من دروس وكتب أشغلتني لمدّة إحدى عشرة سنة .
بعد شوط لا بأس به من سَير أفضى بنا الى فسحة تطلّ على شبه وادٍ جميل مُخضوضِر الجانبين ، إنتَقَينا  مقعدنا على صخرتين متجاورتين تتوسّدان  شجرتَي صنوبر . كنّا ساهمَين بأنظارنا التي  بدأ مداها يبتعد قليلا ، لِما كانت تُقع عليه من جمال الطبيعة. في هذه الاثناء كان الصمت يقود حديثنا ، غير ان اللسان لم يتريث كثيرا للإفصاح عمّا كنا نفكر به ، فبدأنا بكلام تخللته  خواطر وافكار واقتراحات والكثير من التساؤلات .
صديقي ، الذي كان يحمل اسم جان فيليب ، استهلّ الحديث  بالقول :
كما تعرف ، إنّي كثيرُ التفكير والتحليل والاستنتاج في كل ما اقرأه وألاحظه ، ولقد خطر ببالي ان ابدأ كلامي اليوم بالاستفهام عن مصير مفهوم الشر ّ.
 استغربتُ لطرحه هذا وخشيت من المنحى الذ سيتخذه  صاحبنا في طريق محفوف بالمخاطر ، لذا  قلتُ له : ما هذا الاستفهام الغريب ، وأيّة ذبابة وخزتك او لدغتك  كي تختار هذا الموضوع ؟
أجابني قائلا : ألم تلاحظ  لحدّ الان ، كيف يتصرف الكثير من الناس الذين لا همّ لهم غير الهرولة وراء مصالحهم المادية  الى حدّ  عدم التراجع أمام أيّ رادع أو قوّة . إنهم يسمحون لنفسهم استخدام كافة الاساليب دون استثناء،   لتحقيق مآربهم ؟ فالكذب والنفاق والنميمة والتزوير والإضرار بمصلحة الغير،  اصبحت لديهم أمرا عاديا ، لان المطلب النهائي هو الحصول على المكسب المادي الفلاني ، الفوز بالمناقصة الفلانية ، او الحيازة على المنصب الفلاني . بعضهم يقرر التخلص من منافسه،  بإبعاده، أو حتى تصفيته. أهواء شريرة  تأخذ مسارها في العلن  دون خوف او تبكيت ضمير . ومن بين هؤلاء ، نفرُ لا يرحمون حتى ذويهم ،  فالأخ يوقع بأخيه او اخته او امه دون وازع ضمير ، طمعاً بالميراث ، او من اجل حفنة تراب ، بيتاً كان او أي مُلك آخر.
 صاحب المصلحة بات لا يخشى شيئا ، فالله المعروف بقدرته على كل شئ ، والذي ينهى عن الشرّ ، لا يتدخل .  لذا لم تبقَ هناك قوة تردعه ، ولم يعد مكان في نفس الجاني لأي خوف من العقاب،  لان صاحبنا مرّ بتجارب كثيرة وافلح فيها  ، وكان أيضا شاهد عيان على الكثير من تجارب الغير  .
قلتُ لصاحبي : إن ما تقوله صحيح جدا ، ولكنه إذا لم يكن هؤلاء آبِهين بالعقاب في هذه الحياة ، ألا يخشون  من محاسبة اليوم الاخير ؟
نظر اليّ  صديقي شزرا وقال لي بازدراء : هل انت بكامل عقلك فيما تقوله ؟ هل انت شخصيا مقتنع حقا بهذا ، ومن بات أصلاً مؤمنا بعقاب اليوم الاخير ؟
قلتُ له : إنه الايمان يا صاحبي ، والايمان لا يتطلب قناعة .
تلقيتُ من جان فيليب هذه المرّة  نظرةً أشدّ ازدراء ،  وقال : هل يؤمن الناس بحقّ وحقيقة بالعقاب والثواب ، وخاصة بالنعيم الموعود بعد الموت ؟ اذا كان ما تقوله صحيحا ، لماذا لا يستقبل الناس الموتَ بلهفة وفرح ؟  لماذا لا  يشتاقون الى الموت كي ينتقلوا بأسرع وقت الى دار السعادة  الابدية ، حيث يقطن أعزّاؤهم ؟ ولماذا يبقى الناس الى آخر رمقهم  ، وبالرغم من امراضهم ، يتوقون لإطالة عمرهم وبقائهم على الارض ؟
لم يُتِح لي جان فيليب المجال حتى في ردّ قصير، لأنه استأنف حديثه قائلا : إن ما هو متّبع الان ، لا يعدو كونه تقليدا أو عادة  ممزوجة ببعض الشكّ والكثير من الخوف . فإن من يردّد عبارة ،  رحمه الله ،  للمتوفَّين مثلا  ،  لا يفكر في ما يقول . انها مجرد عبارة يؤدي فيها قائلُها واجبَه ، مع التمني  العارم  في سرّ نفسه ان يُبعده الله عن الموت. كلام يُقال لرفع العتب دون اية قناعة . لقد قمت بكل هذا الحديث الطويل كي استخلص ما يلي : إذا كان هذا الخوف معدوما ، لماذا لا يُطلق الانسان العنان لنزعاته الانانية ، خدمةً لمصالحه ؟
قلتُ له : لقد ذهبتَ بعيدا في تحليلاتك ونفيتَ كل شئ ، وماذا عن ضمير الانسان ؟ اجابني : نعم هناك ضمير ، ولكنه في ايامنا هذه  قد توسّعتت مقاساته لدى الكثيرين ، واكتسب مواصفات مطاطية  تُساير صاحبها لأبعد الحدود  والمساحات التي يرتئيها . لقد إمّحت المقاسات الضيقة السابقة، ومن شدة الضغط على حافات الضمير بدأ يتسع لاستقبال الخير والشر على حدّ سواء .
قلتُ له وماذا عن القانون وحقوق الانسان ؟ قال إنها قوانين بشرية وُضعت فعلا  لتقود الانسان وتصون حقوقه ، ولكن ماذا لو كان من بيده القانون  متواطئا ، لأنه موعود بحصة مهمة من الغنائم ، ألا يكون هذا ايضا قد وسّع مساحة ضميره ؟ وماذا عن المحامين الذين لهم اساليب للإلتفاف على القانون فهم يَعِدون المجرم الحقيقي بالبراءة  ويتوصلون الى قرار الحكم المطلوب ، وسيان عندهم اذا حمل الذنب شخص بريء .
قلتُ له : بالرغم من كل هذا، هناك اناس مؤمنون ، يُخلصون  لرسالتهم الانسانية .
قال : هذا صحيح ، ولكن اغلبية الناس قد تغيرت مفاهيمهم ، ولم يعودوا يسمعون  المواعظ ، ولا يخشون من العقاب الديني ، لان المعتقدات   الان القديمة قُدّمت لهم بصورة خاطئة والغيبيات لم تعد تخيفهم ، لقد مرّوا بالكثير من التجارب وشاهدوا تجارب غيرهم . فالمجرم  يستمر في الحياة دون خوف ، ولا يتأثر  بايّ دُعاء عليه كي ينال عقابه ، او ابتهال لإيقاف شرّه . واضاف أيضاً : ما رأيك بمن يُشعلون الحروب ، ويبيدون حياة الالاف من الناس رجالا ونساء واطفال ؟ هؤلاء يرتكبون ابشع الجرائم ويعيشون هانئين دون الخوف من أي عقاب  ، بل منهم من يعمّرون طويلا ، واذا لاقوا حتفهم ،  تكون صُدَفُ الحياة قد اصابتهم ، كما تصيب أي كائن بشري صالحا كان ام شرّيرا. لربما تقول لي هنا بان الله يحترم حرية الانسان ولا يتدخل ، وانا اجيبك بكل بساطة : هل حرية رجل شرير أثمن من  الالوف ومئات الالوف الذين يموتون بسبب حرية هذا الشرير ؟!!
ما هو تعليقك على كل هذا  ؟ قلتُ له هناك اشياء لا ندركها نحن البشر ، لذا نقول بان نوايا الله غير قابلة لإدراكنا البشري .
قال لي : ان جوابك هو جواب المغلوبين على امرهم ، وهو مطابق لما يقوله رجل الدين الذي عندما يُحشر في زاوية ، يستنجد بمثل هذا الجواب.
قلت له ، ألا تعرف اين تلقيت تعليمي ، وفي اي محيط تربيتُ ؟ واضفت : إنك ذهبت بعيدا هذه المرّة في تحليلاتك ، غير اني اقول : انت حرّ في رأيك وانا احترمه ،  لان الكثير من الفلاسفة والمفكرين لم يَفرُقوا عنك كثيرا في طريقة تفكيرهم وتحليلاتهم.
عند هذا تركني جان فيليب دون التفاتة او كلمة وداع .

غير متصل افسر بابكة حنا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 497
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: حديث عن بعض مظاهر الشرّ
« رد #1 في: 23:49 22/08/2023 »

الاستاذ شمعون كوسا المحترم
يا ايها اليفن المجيد تحية طيبة

يا أبن شقلاوا
لا تستغرب
من ثورة الشك
ما برحت تدغدغ
خلايا الابدانْ
قد كاد يشك المؤمن
بايمانه
من فرط الأذى
وفرط الهوانْ
فكيف يا ابن شقلاوا
 بمفكر يمقت الخرافة
لا يعترف بالغيبِ
مهما روجت له الاديانْ
لو كان كن فيكن
لما استباح طاغٍ 
قدسية الفرد
خشية العدلِ
في الميزانْ
لو كان كن فيكن
لكان الخير   
كشعاع الشمس ساطعٌ
والشر ممنوع من الصرف
بقدرة الرحمن
يا ابن شقلاوا
 إن بعض الشر 
مدعاة الشكِ والريبة
مهما تجذر الأيمان
والف سؤالٍ بلا جوابٍ
يثقل كف الحكمة
باحثاً
عن دليلٍ دامغٍ
وبرهانْ
يا ابن شقلاوا
عذراً
إن فتحت مواجعاً
فبعض الاستفهام  كفرٌ
والفكر علمٌ
به لا يستهانْ

أفسر بابكه حنا

غير متصل شمعون كوسـا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 220
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: حديث عن بعض مظاهر الشرّ
« رد #2 في: 15:24 23/08/2023 »
اخي افسر
يسععدني قراءتك والامعان في تفكيرك وجمال صياغاتك . لقد اختصرت باسلوبك الجميل حالة الشك التي تعتري ذوي الحجى. انا افكر كثيرا واحلل مثلما فعل جان فيليب .ولعل هذا هو الذي جعلني اتوقف عن متابعة طريق الكهنوت الذي كنت سلكته منذ خمسين سنة ونيف ، ارضاء لرغبة ابي .جان فيليب يعبر عن شكوك لا يمكن دحضها لانه يأخذها من الممارسات الدينية اليومية التي نقوم بها دون تفكير ، وجلها صحيح . انا شخصيا لم أقوَ على تأييده خشية وقوعي تحت حكم الاسطر الثلاثة قبل الاخيرة من قصيدتك : ان فتحت مواجعا ، فبعض الاستفهام كفر.. . دمت لنا سعيدا وسالما 

غير متصل وليد حنا بيداويد

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 3070
    • مشاهدة الملف الشخصي
رد: حديث عن بعض مظاهر الشرّ
« رد #3 في: 16:56 24/08/2023 »
ميوقرا شماشا شمعون كوسا
شلاما
ابداع واتقان قوي في فن الكلمات وصياغة الجمل وترتيب العبارات والمعاني
من واقعنا المادي الذي تنعدم فيه روح الحياة وغاب عنه الضمير وغلبت عليه المادة والمصالح وفقدت الروابط العاطفية والابوية والاخوية نعيش في ظلالها هذا واقعنا اليوم، انها ظلال الموت الحقيقي الذي سوف لاتشرق عليها شمس الحياة مجددا ماتت لا قيامة لها.
احييك وتنورنا دائما بما هو الجميل والاجمل
تحيتي

غير متصل شمعون كوسـا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 220
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: حديث عن بعض مظاهر الشرّ
« رد #4 في: 11:07 25/08/2023 »
اخي وليد
شكرا لتواصلك معي . تأكد باني اكتب مثل هذه المقاتلات من كثرة غيرتي على ما تعلمته وما عشقته في الدين اعني تعاليم المسيح التي لا يعلو تعليم على سموّها .وانا عندما اكتب اذهب للاعماق ولا اجامل احدا . اين نحن في تصرفنا مما كرز به المسيح ، اين نحن من روح الانجيل . لقد نسينا كل هذا ؟ والدين اصبح قشرا وتظاهرا ليس الا. نحن كالذي قال عنه عنه المسيح : اذهب وبع كل ما تملكه واتبعني ، فذهب الاخ حزينا لانه كان كثير المال ولم يشأ التخلي عنه . هذا ينطبق ايضا وبفيض على من يرشدونا ، اعني رجال الدين لانهم قد مالوا كثيرا الى الماديات ، فلا عتب على الرعايا . شكرا لك واتمنى لك سعادة واطمئنانا يريحان نفسك .