المحرر موضوع: مابين أغا بطرس وفريدون أتورايا نظرة مقارنة  (زيارة 783 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل أبرم شبيرا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 396
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
مابين أغا بطرس وفريدون أتورايا
نظرة مقارنة   
 

=====================================================
أبرم شبيرا
كلما أنظر إلى صورة بطرس إيليا المعروف في تاريخنا القومي بـ (الجنرال أغا بطرس إيليا البازي) وإلى صورة فريدون بيت  أوراهم والمعروف أيضا في تاريخنا القومي بـ (الشهيد فريدون أتورايا) والى جلوسهم بنفس الشكل أمام الكاميرا، وهي نفس الجلسة الكلاسيكية التي كان الكثير من مشاهير المفكريين والسياسيين من الأمم الأخرى يجلسونها أمام الكاميرا. جلسة يترجمها علماء النفس بأن لها دلالات عميقة لأفكار وتأملات ومشاريع بداخلهم، وهي الجلسة التي يمكن أن نستمد منها أفكار ومسائل وحوادث ومشاريع قومية يمكن مقارنتها من حيث الإشتراك والتشابه بينهما من جهة، والإختلاف لا بل التناقض بينهما من جهة أخرى. ولد الجنرال إغا بطرس في الأول من نيسان عام 1880 في قرية جنوب منطقة باز في جبال حيكاري من ولاية وان العثمانية. في حين ولد الشهيد فريدون أتورايا عام 1891 في قرية قرهباش في منطقة أورمي شمال شرقي بلاد فارس (إيران)، أي كان إغا بطرس يكبر الشهيد فريدون أتورايا بـأحدى عشر سنة وهو الفرق البسيط الذي لم يحول دون أن يعيشا ويتفاعلا مع الأحداث والمأساة والفواجع التي عانت أمتهم الآشورية قبيل الحرب الكونية الأولى وأثنائها وما بعدها والتي شكلت مصدر إلهام لأفكارهما ومشاريعهما القومية. على الرغم من أن الفيلم (رجل سابق زمانه) الذي هو جزء عن قصة حياة الشهيد فريدون أتورايا يظهر فيه هو وأغا بطرس مجتمعون مع الضابط المخابراتي البريطاني كابتن كريسي، إلا أنه لا توجد أية وثيقة تؤكد لقاء الشهيد بالجنرال ومع الجاسوس البريطاني الكابتن كريسي.
درس أغا بطرس في أحدى مدارس المبشرين الكاثوليك في منطقة باز التي  تكثلك فيها بعض العوائل البازية ومنها عائلته. وبالنظر لكون منطقة أورمي في تلك الفترة منبعاً للفكر القومي الآشوري والتي أشتهرت بمدارسها الحديثة،  أنتقل الجنرال أغا بطرس إليها للدراسة ثم عين سكرتيرا لقنصل الدولة العثمانية في أورمي فتزوج من السيدة زرييفة أبنة القنصل داود رسام. وفي عام 1909 أصبح قنصلا للدول التركية. وعلى العكس من هذا بالنسبة للشهيد فريدون أتورايا، درس أيضا في أحدى مدارس المبشرين المنتشرة في منطقة أورمي والتي الكثير من عوائلها الآشورية صبئوا إلى الطوائف الأخرى الكاثوليكية والبروتستانتية والأرثوذكسية الروسية ومنها عائلة الشهيد فريدون أتورايا التي أعتنقت المذهب الأرثوذكسي الروسي. وإنطلاقاً من هذه الحقيقة يتأكد لنا بالحتم والمطلق بأنه ليس الجنرال ولا الشهيد فحسب بل الكثير من رواد الفكر القومي الآشوري كانوا من غير المنتمين إلى كنيسة المشرق الآشورية، ولكن كانوا في إتصال دائم مع بطريرك الكنيسة، خاصة مع الشهيد مار بنيامين شمعون، وكانوا يعتبرونه قائدا للأمة الآشورية قبل إستشهاده، لا بل كانوا أيضا يرسلون مساعدات مالية للكنيسة في حيكاري. ومثل هذه الحالة نجدها أيضا في عهد البطريرك مار شمعون إيشاي حيث كان معظم المفكرين المساندين له في مطالبه القومية المرسلة للمنظمات الدولية من غير أتباع كنيسة المشرق الآشورية. 
بعد فقدان الأمن والإستقرار في منطقة أورمي أنتقلت عائله الشهيد فريدون أتورايا إلى مدينة تيفلس عاصمة جورجيا ودرس في مدارسها ومن ثم دخل الكلية الطبية وتخرج منها كطبيب ليخدم في الجيش الروسي ثم السوفياتي. ونفس الشيء بالنسبة للجنرال أغا بطرس حيث بعد مأساة الحرب أنتقل مع غيره من الآشوريين المهجرين من أوطانهم في حيكارى وأورمي إلى وسط بلاد ما بين النهرين الذي سميً فيما بعد بـ "العراق". كان أغا بطرس عسكريا وقائدا بكل معنى الكلمة وأستحق لقب جنرال ونال العديد من أنواط الشجاعة من دول كبرى كروسيا وفرنسا. وخلال تلك الفترات المأساوية شكل قوات عسكرية آشورية وقادها في معارك شرسة وأنتصر في معضمها. في حين كان الشهيد فريدون أتورايا طبيبا عسكريا ومبدعاً في المجالات الفكرية والأدبية والثقافية والصحفية وعرف عنه كأكبر وأعظم شاعر آشوري في زمانه وبعض من نتاجاته الفكرية وصلت للإجيال اللاحقة وأشهرها "يا نشرا د خوما" أي نسر الحدود.
كان الجنرال أغا بطرس دبلوماسياً ليبرالياً في الفكر والتوجه متأثراً بأفكار الثورة الفرنسية التي أمتدت للفترة من 1789 لغاية 1799 وبمبادئ حقوق الإنسان وفصل الكنيسة عن الدولة وتجلت هذه الأفكار في حملاته العسكرية وفي مشروعه لإنشاء وطن قومي مستقل للآشويين في مناطقه التاريخية. في حين على الجانب الآخر كان الشهيد فريدون أتورايا يسارياً ماركسياً متأثرا بالثورة الروسية الأولى عام 1905 والتي في البداية أيدها معظم الآشوريون في الأمبراطورية الروسية. وعلى أثر ذلك وجد مع زملاءه بنيامين أرسانس و شليمون دسلامس بأنه لا وسيلة لتحقيق حقوق الآشوريين إلا بتأسيس حزب سياسي. ففي عام 1917 أسسوا حزب الوحدة الآشورية ويقال بأنه حضره أكثر من 200 آشوري من مختلف مناطق الإمبراطورية الروسية. ثم في أكتوبر عام 1917, وبعد إستلاء البلاشفة (الحزب الإشتراكي الديموقراطي الروسي) والذي سميً فيما إلى بـ "الحزب الشيوعي السوفياتي" السلطة في  أكتوبر من عام 1917 وبقيادة لينين، وتكيفياً مع الأوضاع الجديد تغير أسم الحزب إلى "الحزب الآشتراكي الآشوري"، كمحاولة  لأبعاد الصفة "الشوفينية" التي كانت السلطات الستالينية تتهم بها القوميات. كما حاول إبعاد الصفة الإلحادية من ماركسيته لتكون أكثر قبولا من قبل المجتمع الآشوري المحافظ في تلك الفترة.
كان جلً إهتمام الجنرال أغا بطرس في تشكيل قوات آشورية وفي حملاته العسكرية هو تأسيس دولة آشورية مستقلة في مناطقة التاريخية ودعى بشكل مباشر أو غير مباشر إلى فصل الكنيسة عن السياسة. وكان يجد في الإنكليز ثم الفرنسيين دعما لمشروعه القومي. والحال نفسه كان مع الشهيد فريدون أتورايا حيث كان في معظم أفكاره وأدبياته دعوة لتأسيس دولة آشورية مستقلة وبينً ذلك بشكل واضح عندما أصدر مع رفاقه بنيامين أرسانس وشليمون دسلامس البيان المعروف باسم (منافستو أورمي) أي إعلان أورمي مقلدا بذلك وبشكل غير مباشر (البيان الشيوعي) المعروف بـالمنافستو الذي كتبه كارل ماركس وزميله فريدريك أنجلز ونشر في عام 1848، ودعوا في منافستو أورمي إلى فصل الكنيسة عن الدولة وتأسيس دولة آشورية حرة مستقلة ترتبط في البداية إقتصاديا وإداريا بالإتحاد السوفياتي.
أدرك الجنرال أغا بطرس بأن مشروع تأسيس دولة آشورية مستقلة ليس بالأمر السهل مالم يتم حشد أكبر عدد ممكن من أبناء شعبه في حملته هذه، خاصة من مؤمني الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية،  فتبنى التسمية المركبة "كلدو آشوري" سبيلا لذلك وهي التسمية التي نالت بشكل أو بآخر رضى الكنيسة الكاثوليكية وعلى رأسها بابا الفاتيكان ودولة فرنسا. هذا التبني لهذه التسمية المركبة لم يكن بسبب "كاثوليكية" أغا بطرس، بل بسبب إدراكه للعامل الموضوعي المتمثل في الأكثرية الكلدانية وضرورة حشدهم في حملته لبناء دولة لجميع طوائف شعبنا. في حين على العكس من هذا تبنى الشهيد فريدون أتورايا التسمية الآشورية المفردة لشعبه من دون أي إشارة أو تضمين لطوائف شعبنا. وإذا كانت هذه التسمية نابعة من فكره القومي القائم على إعتبار كل طوائف شعبنا جزء من الأمة الآشورية، فأنها تأتي من جانب آخر من العامل الموضوعي السياسي الذي كان سائداً في تلك الفترة في بناء الدولة الحديثة على أساس قومي من جهة و إبعاد التسميات الطائفية والدينية من المسائل السياسية من جهة أخرى، خاصة في فترة قيام الإتحاد السوفياتي. 
كان من الطبيعي جدا أن تثير مشاريع إغا بطرس "الكاثوليكي" ومحاولته في تأسيس دولة آشورية مستقلة مدعومة من قبل فرنسا ومتبنياً التسمية المركبة "كلدو آشوري" غضب وهيجان بعض أعضاء العائلة البطريركية لكنيسة المشرق الآشورية ومن ورائهم الإنكليز. والموقف نفسه بالنسبة لدعوة الشهيد فريدون أتورايا "الأرثوذكسي" المتبني للفكر اليساري التقدمي الماركسي في مشروعه لتأسيس دولة آشورية مدعومة من قبل روسيا ثم الإتحاد السوفياتي. ومن المعروف بأن علاقة الجنرال أغا بطرس مع البطريرك الشهيد مار بنيامين قبل إستشهاده كانت حميمة وصميمة قائمة على التعاون والتنسيق خاصة في المسائل العسكرية حيث كان البطريرك الشهيد يعتبره اليد القوية الضاربة لأعداء الكنيسة والأمة الآشورية ويعتمد عليه كثيرا في المسائل العسكرية بغنى فيما إذا كان كاثوليكياً أو من غير طبقة "ماليك". كما كان موقف البطريرك الشهيد غير عدائيا مع الشهيد فريدون آتورايا ولم يثبت معارضته لمشروعه في تأسيس دولة آشورية مستقلة، خاصة وأن البطريرك الشهيد كانت له نظرة إستراتيجية بعيدة المدى في إعتبار روسيا ثم الإتحاد السوفياتي الحليف الممكن للآشوريين أكثر مما أن تكون بريطانيا أو فرنسا حليفا لهم. وحتى الرسالة التي يقال بأنه بعثها البطريرك الشهيد لوالي جولامارك العثماني يعبر فيه عن إحتجاجه على منافستو أورمي وطالباً منه إعطاء أسماء الذين كانوا من وراء نشر هذا المانفستو، غير مؤكدة. وهناك شكوك فيها بأنها مدبرة من قبل أعداء الشهيد فريدون أتورايا ومن دون علم البطريرك الشهيد، وهذا ما أكده بعض ممن عاصروا الشهيد فريدون أتورايا.
غير أن الأمر تغير بعد إستشهاد البطريرك مار بنيامين على يد المجرم سمكو الشيكاكي عام 1918 وتولي زمام قيادة الأمة والكنيسة بعض من أفراد عائلته وتحديدا أخت البطريرك سورما خانم وأخوه السيد داود ومن خلفهم الإنكليز. يقول الأديب الكبير المرحوم الشماس كوركيس بيت بنيامين د أشيتا عن إستشهاد البطريرك  " لو لم يكن مار بنيامين قد ضاع من جراء هذا الجرم لربما كان لتاريخ أمتنـا شكلاً آخراً، ومن دون شك شكل أفضل مما هو عليه اليوم … فمار بنيامين كان مقتدراً بحيث لم يكن ليسمح لللاعبين أن يلعبوا لعبتهم في هذه الأمة مثلما يفعلون اليوم" (كتاب رؤوساء الآشوريين في القرن العشرين، باللغة الآشورية، مطبعة نينوى، شيكاغو، 1987، ص 24 – 25). بدأت القيادة الآشورية المتمثلة في العائلة البطريركية ومن خلفها الإنكليز بمحاربة أغا بطرس ضمنا وجهارا والتشهير به وإلصاق التهم به مثل كونه أبن أرملة وليس من طبقة الماليك ولا من أتباع كنيسة المشرق ويسعى بمشاريعه العسكرية والسياسية إلى سلب قيادة الأمة من العائلة البطريركية وتدمير كنيسة المشرق الآشورية وذلك ليس إلا لتحقيق مصالحه الخاصة، فأصبح أغا بطرس شوكة في خاصرة الإنكليز وعثرة أمام تحقيق مصالحهم الخاصة في العراق كما أصبح أمر التخلص منه من أولياتهم السياسية. لذلك دبروا له حملة لقيادة القوات الآشورية بالتعاون مع ماليك خوشابا من تياري السلفى وساندوه بالمال والسلاح للزحف نحو شمال بيت نهرين وإسترجاع المناطق الآشورية في منطقة أورمي وحيكاري، وهي الحملة التي كانت بأبسط المفاهيم العسكرية والإستراتيجية والجيوبولتيكية مستحيلة وذلك لكون معظم أفراد القوات الآشورية منهمكين بسبب التشرد وعدم الإستقرار من جهة، وعبورهم بمناطق جبلية وعرة وبمناخ شتائي قارص والدخول في معارك لإنتزاع جزء من أراضي أقوى دولتين في تلك الفترة، الفارسية والتركية، المعروفتان بشراسة عدائهما للآشوريين خاصة بعد وصول كمال أتاتورك للسلطة في الدولة التركية، من جهة أخرى. ثم جاءت العشائرية المقيتة لتدق المسمار الأخير في نعش هذه الحملة وتفشل فشلا ذريعاً  لتكون حجة قوية للإنكليز لإلقاء لوم الفشل على أغا بطرس ومن ثم نفيه من العراق إلى فرنسا في شهر آب من عام 1921.
أما بالنسبة للشهيد فريدون أتورايا الذي كان مواطناً جورجياً ضمن الإتحاد السوفياتي، لم يكن للإنكليز اليد الطولى المباشرة للقضاء عليه وعلى أفكاره في تأسيس دولة آشورية ضمن نطاق الإتحاد السوفياتي. فكان الإنكليز يرون في هذا "الأرثوذكسي الروسي" و "الشيوعي الغوغائي" وفي دعواته لفصل الكنيسة عن الدولة وتضمين مشروعه القومي لجزء من شمال بيت نهرين مسائل تتداخل وتؤثر على مصالحهم في العراق وتقلل من هيبة ومكانة حلفائهم من بعض أفراد العائلة البطريركية في قيادة الأمة والكنيسة. لذلك دبر المناؤون للشهيد خطة مبنية على العقلية الإستخباراتية البريطانية في تلفيق كتاب يتضمن طلب الشهيد فريدون أتورايا من بريطانيا مساعدته لتحقيق مشروعه في أقامة دولة آشورية. فقام بعض الآشوريين المتعاونين مع الإستخبارات البريطانية ورجال الكنيسة بأرسالها إلى الشهيد فريدون أتورايا لتقع في أيدي الإستخبارات السوفياتية ومن ثم أتهامه بكونه جاسوس بريطاني فزج به في السجن عام 1926 ومن ثم إعدامه وهو في الخامسة والثلاثين من العمر. هناك وثائق في الأرشيف الروسي تثبت هذه الحقيقة وقام بعض الآشوريين المثقفين في روسيا الإتحادية بدراستها والتحقيق فيها ومن ثم نشرها. وكانت هناك إشاعة حول النهاية المأساوية للشهيد تقول بأنه أنتحر وهو في السجن ولكن المنطق يثبت بأنه أعدم من قبل السلطات الستالينية في الوقت الذي أعدم أيضاً المئات من الآشوريين في تلك الفترة وما بعدها بتهم ملفقة كقوميين شوفينيين مناؤون للإتحاد السوفياتي. والدليل على ذلك هو عدم العثور على جثة الشهيد ولا على مكان دفنه، وهو الأسلوب الذي تتبعه الأنظمة الإستبدادية في القضاء على المعارض لها لكي لا يكون قبره رمزا نضاليا ومزارا لأبناء شعبه.
أما بالنسبة لأغا بطرس فقد كانت فرنسا بمثابة سجن كبير له يعيق نضاله القومي ويبعده عن ساحة المعركة الذي كان بطلها الحقيقي، لهذا لم يهدأ للسكينة والراحة خاصة بعد انكشاف نوايا الإنكليز في منح العراق الاستقلال السياسي عام 1932 وتهيئته لاكتساب عضوية عصبة الأمم من دون إيجاد حل منصف للمسألة الآشورية أو تقييد الحكومة العراقية بقيود وقوانين أو إلزامها بحماية الأقليات. لذلك حاول جنرال الأمة جلً جهده العودة إلى بيت نهرين والالتحاق برفاق النضال القومي للحركة القومية الآشورية التي كان قد بدأت بوادرها بالتبلور وتصاعد عنفوانها من جهة، وزيادة سعير حقد النخبة العراقية الحاكمة للانتقام من الآشوريين وسحق مطالبهم بالطرق العسكرية الفاشية من جهة أخرى. أدرك الإنكليز والنخبة العراقية الحاكمة جدية وخطورة وجود أغا بطرس على أرض العراق وبين الآشوريين المطالبين بحقوقهم  في تلك الفترة الحرجة وما سيكون له من تأثير في تنظيم أو توجيه وقيادة الحركة بالشكل الذي قد يؤثر على مشاريع بريطانيا في العراق. وقد تجلى خوف وخشية بريطانيا من أغا بطرس في رفض القنصلية البريطانية في مدينة بوردو الفرنسية السماح له بالعودة إلى العراق. وعندما أحس الإنكليز والحكومة العراقية إصرار أغا بطرس وبكل السبل والطرق للعودة إلى بيت نهرين والالتحاق بالحركة القومية الآشورية المتصاعدة، حاولوا اللجوء إلى أبخس الوسائل وأرذلها لمنعه من ذلك. فبعد فترة وجيزة وهو خارجاً من القنصلية البريطانية أنهار جنرال الأمة في شارع عام بوسط مدينة تولوز الفرنسية في الثاني من شباط من عام 1932 ومات وبشكل مفاجئ وهو لم يتجاوز أكثر من أثنان وخمسين عاما ومن دون وجود أية أعراض مرضية مسبقة، وضمن ظروف غامضة ومثيرة للتساؤل عن سبب وفاته في هذه الفترة الحرجة والحساسة. عند ذاك توجهت أصابع الاتهام إلى الحكومة العراقية والإنكليز وبعض أعوانهم من الآشوريين لتقول بأنه تم تدبير أمر تسميمه وقتله بهدف إسكات صوته ومحو صورته من التاريخ القومي الآشوري والتخلص منه في مرحلة وصلت ذروة المؤامرة في سحق الوجود الآشوري في العراق إلى مراحلها النهائية، وهذا ما تم تنفيذه فعلاً في عام 1933 في مذبحة  سميل وما أعقبها من مأساة سياسية واجتماعية واقتصادية أثرت بشكل عميق على مسار تطور الحركة القومية الآشورية وأفرزت نتائج سلبية على المجتمع برمته تواصلت لفترات لاحقة.... أفلا يستحق جنرال الأمة أكليل الشهادة ... نعم وألف نعم لأنه ناضل ومات في سبيل أمته.
وأخيرا، إذا كان الإنكليز وأعوانهم سواء من الحكومة العراقية أو من بعض الآشوريين المتخاذلين في تلك الفترة قد وفقوا مرحلياً في مهمتهم هذه للقضاء على الرموز الآشورية في البطولة والنضال،  فإنهم اغفلوا بأن البذور التي زرعها جنرال الأمة الشهيد أغا بطرس  والشهيد فريدون أتورايا وغيرهما من أبطال التاريخ الآشوري كانت قد بدأت تتجذر في الأرض وأخذت في الفترات اللاحقة تنمو وتورق وتزهر في ربيع جبال آشور وتثمر أبطالاً وأبطالاً يتبعون خطى جنرالهم الكبير وشهيدهم الخالد من أجل إعلاء بناء كرمة الأمة العامرة بتلك القيم والمبادئ التي من أجلها أريقت دماء الكثيرين من أبناء هذه الأمة. وهنا من الضروري أن  نقول بأن كنيسة المشرق الآشورية التي رفعت راية الأمة الآشورية عالياً وعبر مراحل تاريخية طويلة تخللتها بعض المواقف السلبية لبعض أعضاء العائلة البطريريكية تجاه الشهيدين أغا بطرس وفريدون أتورايا، فأنه من المؤسف أن نرى إستمرار هذه المواقف لفترات لاحقة وأقلها تجاهل نضال هاذين الشهيدين من أجل الأمة الآشورية، وهو الأمر الذي لا يستقيم مع أصالة وصمود كنيسة المشرق الآشورية  في حملها لراية الأمة الآشورية عبر مراحل تاريخية مأساوية وماحقة. كان شهيد الكنيسة والأمة البطريرك مار بنيامين شمعون يعتبر حتى المخالفين لأفكاره ومعتقده أبناء أمته وكنيسته سواء أكانوا من أتباعه أم لا، فليكن أسمه نبراساً ينير طريق الجميع في مثل هذه المسألة تجاه كل أبناء الأمة سواء أختلفوا مع البعض أم أتفقوا فهذا هو سُنة التطور والحياة.