المحرر موضوع: ليس لدى المالكي مَن يراسله  (زيارة 474 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31553
    • مشاهدة الملف الشخصي
ليس لدى المالكي مَن يراسله
رجل مثل المالكي لابد أن ينفصل عن الواقع فلا يرى في نفسه إلا زعيما وحيدا مطلق الصلاحيات ينبغي أن يسبح بحمده الآخرون لأنه ولي نعمتهم والقائد المتوج للميليشيات التي تحميهم.
MEO

زعيم المقاومة في اجتماع ودي مع العدو
تزامنا مع التحركات العسكرية الأميركية الغامضة والمريبة داخل العراق يمهد نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق الطريق في اتجاه عودته إلى السلطة بعد أن يتحول إلى كبير اللاعبين حين تفوز كتلته في الانتخابات البلدية التي ستجرى قريبا في ظل مقاطعة معارضيه ومعارضي تحالف الإطار التنسيقي الذي يقوده.

لا يخطط الأميركان لإزاحة الأحزاب الشيعية الحاكمة في العراق. أولاً لأن ما جرى ويجري في العراق على مستوى إدارة الدولة والتصرف بأموالها لا يتعارض مع المشروع الأميركي فيما يتعلق بالعراق الجديد وثانياً لا تملك الولايات المتحدة أسبابا لزيادة الضغط على إيران واستفزازها وإدخالها في فخ الدفاع عن مصالحها بطريقة مفاجئة.

المالكي هو أشبه بعميل مزدوج. فهو رجل أميركا وفي الوقت نفسه رجل إيران في العراق. يوم وقع اختيار سلطة الاحتلال الإميركي على المالكي بعد عام 2005، قالوا "وجدنا الرجل المناسب". ولقد عبر المالكي عن شكره وامتنانه لأميركا في كلمة ألقاها أمام أعضاء مجلسي الكونغرس عام 2006. أما بالنسبة لإيران فإن علاقة المالكي بها ليست على درجة من التعقيد. أن يكون إيرانيا ذلك هو الطبيعي بالنسبة لزعيم حزب تأسس في إيران وولاؤه لها.

غير أن المالكي الذي لم يشبع من الحكم وهو صاحب مقولة "لن نعطيها" في إشارة إلى السلطة لا يقرأ مزاج الشعب العراقي المتقلب، لا لجهله به، بل لاستخفافه بمعارضيه الذين استهانوا بقوتهم التي هي مزيج من الإرادة الشعبية المضطربة في ظل عباءة مقتدى الصدر والمطالب الشعبية التي تم نسفها من قبل ممثليها الذين سحبوا البساط من تحت أقدام المحتجين حين صاروا جزءا من تركيبة سلطة تشريعية لا قيمة لها في ميزان القوى.

ولأن المالكي لا تُخيفه التحركات العسكرية الأميركية التي أحدثت اضطرابا وسط الطبقة السياسية وهو ما انعكس من خلال مشاعر الخوف لدى العراقيين البسطاء فإنه يمضي قدما في اتجاه هدفه الذي كان عليه أن يتفادى التفكير فيه حفاظا على قيمته السياسية باعتباره عرابا صوريا للوجود الشيعي في السلطة. فالرجل لم يتخل عن نزعته الطائفية. كما أنه على المستوى الشعبي صار عنوانا للفساد الذي استشرى في العراق واسس دولة موازية هي الأقوى.

ليس لدى المالكي مَن يراسله (استعارة مموهة من الروائي النوبلي ماركيز) ليقول له "إما أن تذهب إلى إيران متقاعدا أو تظل تًرجئ رحيلك مقاوما خشية مَن حولك الذين يعتبرون وجودك خطرا عليهم". رجل مثل المالكي، سمح له الأميركان بإعدام صدام حسين وإلقاء جثته أمام بيته، لم يسألوه عن مصير الأسلحة الحديثة التي سلمتها القوات المسلحة العراقية لتنظيم داعش الإرهابي يوم احتلال الموصل لابد أن ينفصل عن الواقع فلا يرى في نفسه إلا زعيما وحيدا مطلق الصلاحيات ينبغي أن يسبح بحمده الآخرون لأنه ولي نعمتهم والقائد المتوج للميليشيات التي تحميهم.

حين يعلن المالكي أنه زعيم المقاومة فإنه لا يقصد الأميركان بوجودهم العسكري وهو أيضا لا ينوي تقليد صديقه حسن نصرالله كما يفعل مقتدى الصدر. فإسرائيل ليس لها وجود على خارطته النفسية والعقائدية. لطالما تحدث في خطاباته على "نحن" و"هم". نحن أتباع الحسين وهم أتباع يزيد. وهو يكذب حين يستعمل واقعة تاريخية في غير مكانها من أجل أن يمارس خداع الجمهور الجاهل وتضليله.

كان الرجل المناسب فعلا للمشروع الأميركي. جاهل مترع بنزعة طائفية استثنائية يخاطب الجهلة بلغتهم. وفي الوقت نفسه كانت إيران في حاجة إليه لكي يكمل إفراغ العراق من محتواه. اجتماعيا وثقافيا وسياسيا كان المطلوب أن يكون هناك عراقا آخر. والأهم في ذلك أن لا يكون العراق عربيا. وفي ذلك مكسب أميركي إيراني مشترك.

غير أن العراق بعد احتجاجات تشرين 2019 تغير. صورة الملايين التي ملأت مركز العاصمة بغداد دخلت التاريخ. لا يمكن محو ذلك العصف من الذاكرة العراقية. تلك ذاكرة غاصة بالألم. لقد ابتذلها الكثيرون واستخفوا بها وخانوها وحاولوا أن يبرمجوا اتجاهاتها حسب ما تمليه عليه أقنعتهم غير أنها تبقى ماثلة في الأذهان. وإذا ما كانت الولايات المتحدة قد حمت المالكي وشركاه وارتضت أن تكون شريكة في جريمتهم فإنها عبرت عن حرصها على استمرار مشروعها الذي يمثل المالكي واحدا ن أهم رموزه.

تمنى العراقيون هذه المرة أن تحتل القوات الأميركية العراق مرة أخرى وهي أمنية ذهبت إلى السراب مثلما سيمضي المالكي هو الآخر إلى السراب.