المحرر موضوع: في رحيل المطران ربان القس: قراءة في لقاء وثائقي معه لمجلة الفكر المسيحي، مع إحدى رسائله الخطية  (زيارة 756 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل الأب نويل فرمان السناطي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 169
    • مشاهدة الملف الشخصي
في رحيل المطران ربان القس[/b][/size]

قراءة في لقاء وثائقي معه لمجلة الفكر المسيحي، مع إحدى رسائله الخطية

المونسنيور نويل فرمان السناطي

مرت أيام على رحيل مثلث الرحمات مار ربان القس، مطران دهوك الفخري. خلال هذه أيام العزاء لرحيله، شهدنا في وسائل التواصل الاصداءات عنه، من قبل من عرفوه مسيحيين وغير مسيحيين، من مختلف المذاهب والقوميات. ولقد بحثت كي اقدم عنه اشارة وفاء لمحبته وصداقته عبر سنوات التلمذة المشتركة والخدمة العلمانية والكهنوتية والزمالة بمعيته في المدرسة الدولية التي أسسها في دهوك؛ فلم أجد افضل من تقديم صفحات مؤونة عن لقائي الصحافي به إذ كنت موفدا، لهذا الغرض، إلى قريته كوماني عن مجلة "الفكر المسيحي" بإدارة الاباء الدومنيكان .هذه المجلة التي مع مؤسسيها الأوائل، كهنة يسوع الملك، انتظم رعيلنا ومن سبقه، مع بعض أجيال لاحقة، انتظمنا للدراسة في إكليريكية معهد مار يوحنا الحبيب للدومنيكان.[/shadow]

رحلة البحث عن المقال والرسامة الكهنوتية للاب (المطران) فيلكس
 للبحث عن المقال، ولعدم توفر الاعداد الورقية المنشورة خلال سنوات خدمتي في "الفكر المسيحي"، امضيت وقتا في تصفح قرص الارشيف الليزري لأعداد المجلة عبر تاريخها عن طريق البحث عن السنة والعدد وفتح الصور المستنسخة عن كل مقال. ثم استذكرت الأم فيليب قرما رئيسة راهبات الكلدان آنذاك، التي زارتنا في المجلة مبشرة باختياره مطرانا (سنة 2002) مشيرة إلى المقال إياه. ثم خطر على بالي انني خلال معايشتي (للقس) ربان في كوماني، كان قد زارنا الكاهنان الجديدان الاب فيلكس والاب وسام. فوجدت المقال في سنة الرسامة الكهنوتية للاب (المطران) فيلكس 1998 والذي تشاء العناية الربانية أن يكون خلف المطران الراحل في ابرشية زاخو.
وقبل أن أدخل في صلب المقابلة، هذه بعض الإشارات.

تسليط الضوء على الحياة المشرقة للكهنة في القرى النائية
استجد لدى المجلة التي كنت نائبا لرئيس تحريرها الاب الدومنيكي (المطران) يوسف توما، ان ثمة حاجة لتسليط الضوء على حياة كاهن مثل أبونا ربان، كان قد امضى سنوات عديدة في خدمة قرى بعيدة. ولهذا الغرض أوفدتني المجلة إليه في قرية كوماني مكان ولادته، ومقر خدمته لها وقرى الجوار. وكان قد احتفل بيوبيله الكهنوتي الفضي، ولكن عندما سألت في الكراج عن سيارات النقل الى كوماني، دلني عليها أحد الاخوة الأكراد، مضيفا: هي القرية التي فيها ذلك الكاهن الشاب...

كاهنان: واحد في قرية كوماني وآخر في العاصمة عمان
وجاءت فكرة وضع ملف للقائين، الواحد مع فقيدنا (الاب) ربان والاخر مع الاب الأردني الراحل موسى عديلي الذي كنت التقيته، لأول
مرة في قاعة قصر المؤتمرات للمشاركين في المؤتمر المسيحي في بغداد، وفيما بعد، أجريت اللقاء معه، خلال مروري بعاصمة بلاد البتراء. وفي التقديم لكليهما في مطلع المقال الذي بفضل تطبيق الكرتوني حديث تم تحويل نسخته المصورة إلى نص... جاء ما يأتي :
الأبوان ربان القـس في قـرية عراقية نائية (كوماني) وموسى عديلي في عاصمـة متحضرة (عمـان)، كاهنـان علـى جانب من الثقافـة والحيوية، أمضى كـل منهما في خدمته أكـثـر مـن ربع قرن.. أحدهما يخدم في خورنة القريـة وقـرى الجـوار، والآخـر يـولي عنايـة خاصة للإرشـاد الروحـي والاهتمـام بالآخر.. ويلمـس المرء الانتعـاش في حياتهما المكرسة، وبمـا يكشـف تعـدد نماذج الدعـوة الكهنوتيـة المعـاصرة المتجـددة.. وكلاهمـا يظـهرعنفوانـا يرجعه إلى المسـيح.
وهنا اقتصر في هذا المقام، بشأن المقابلتين، على  ما يخص الحبر الذي رحل عنا في هذا الايام.

الاب ربان القس: القرية أسرتي الدافئة   

من قريـة كومـاني، إحـدى الخورنات الكلدانية ضمن محافظة دهـوك، تطالعنـا شهادة الاب ربـان حزقيـال القـس، الـتي تتمحـور حـول السؤال : هذا القـس الشـاب الـذي عـرف في معـهـد مـار يوحنـا الحبيب بحيويتـه وتفوّقـه.. مـا هي، يا ترى، حصيلـة حيـاتـه المكرسة للـرب روحـا وجـسـدا.. لتأتي الإجابـة بأسلوب الخطـاب المباشـر الـذي يحـدّث القـارئ ويتساءل معه، وأحيانا يختصـر لـه الطريـق إلى المتوقـع مـن المداخلات والاستيضاحات، نترك لـه الحديـث في استرسـال تلقـائي :
ما زلت أذكر عبـارة قلتها في خطـاب الرسامة الكهنوتيـة ( 7 أيار 1973): "ولـّى الزمـان الـذي كـان فيـه الكـاهن يكتفـي بقرع الناقوس، فيـهرع النـاس إلى القـداس". فـإذا كـان الإنسـان بطبيعته ينشـد السـعادة، فـان الذي اختار الحيـاة المكرسـة في الكهنوت، إنمـا يؤكـد أن هـذا ينسجم مع تطلعات حياته. ذلك أن مستقبل الإنسـان وسعادته همـا مـن صلب رسالة الكنيـسة. ولها أن توليـه كـل الاهتمـام الـذي يستحقه، بحضورهـا المتفـاعل والحـي في الحيـاة والمجتمـع. والكاهن هـو الأنمـوذج الذي ينبغي بحياتـه وفرحه أن يشـيع هـذه الرسالة. وليست مجلة "الفكر المسيحي" وحدها التي واجهتني بالسؤال عـن عـبرة حيـاتي الكهنوتيـة، بـل سـبق وأن طرحه علـي منـذ مطلـع خـدمـتي في كوماني، قبـل ربع قرن، اصدقاء غير مسيحيين.. وبقيـت الإجابـة في كف الأيام، قبل الكلام، كـي توضع فيـها النقاط علـى الحروف.

مكتبة وكرة ونظام   
المحرر: هنا أود أن أقول، وفي معرض الروح الرياضية لأخي الروحي الراحل: كان الصعود معه عبر الشارع المؤدي إلى المدرسة الدولية بدهوك، مهمة شاقة، وذلك بسبب خطواته العملاقة الواسعة، قياسا بخطواتي، ولسرعته التلقائية. ومن ناحية أخرى، حدثني جانبيا، انه واجه يوما احد الزوار الفرنسيين في كوماني. إذ قال لي الزائر بنوع من الاستخفاف: أنكم عموما ليس لكم لياقة رياضية، مثلما عندنا نحن في فرنسا. فتواعد الأب ربان معه للصعود إلى الجبل المطل على كوماني، صبيحة اليوم التالي. وعندما حان الموعد، وبعد ان شرب أبونا قدح حليب طازج انطلق للسباق معه. وسرعان ما تركه منهارا من عدم اللحاق به، ودفع ثمن ذلك احساس خيبة كبيرة وحرج.
 أما عما سوف يسميه الاب ربان بـ "نظام الطعام المقنن" فإن المرء، ما كان يجد في ثلاجته وإلى جانبها، لا بيرة ولا شيء من ذلك،  بل ما قلّ ودلّ لزاهد مسؤول، واذا كان يزوره كهنة من خورنات او ابرشيات اخرى، حيث كانت كوماني محط استجمامهم، كانوا يتصرفون بشأن ما يشربون بخصوصية متفرّدة. وتحدث العزيز الأب ربان في معرض اللقاء بالقول:
لقد لمست أن ثمة قناعات تساعد الإنسان على عدم الذبول، مع مرور السنين. تكمـن في أسـلوب استثمار الوقت في خدمـة فكـره وروحه وصحته الشـبابية : إنـها روحانيـة ملتصقة بمثال سام، مع الموازنـة مـع عـنـاصـر الرياضـة الملائمـة و"الطعـام المقنـن المناسب" والمكتبة المختـارة..   
 فلـئن كنـت منـذ طفولتي محبا للرياضة، وادير الآن ناديا رياضيا -وهذا مـن بـاب الهواية المفضلة- بقيت اعتقـد أن علـى الإنسان أن يهتم بهوايـة أو يتخصص في انشغال قريب إلى قلبـه. إنـه بحاجة، مهما كان سنه، إلى أن يروّض جسمه علـى نـوع مـلائـم مـن الرياضـة ممـا يتطلب نظامـا غذائيا سليما، وهذا من أسس الحفاظ على الحيوية. امـا الكاهن، فهو قبـل غـيره بحاجة إلى نشـاط فكري منتظـم ومـن ثم الحاجة إلى كتب منسجمة مع رسالته وشخصيته، ليواكب أحـدث الدراسات والبحوث، وما ينتج عن ذلك من شغف بالدراسة والبحث والترجمة، ممـا تعلمناه مـن منهجية ولغات في المعهد الكهنوتي.
وعرّج في حديثه إلى تجربة تساهل بعض الكهنة مع العزائم والولائم قال:   
 ... كمـا أحسـب انـه ولّى الزمـان ايضـا، وفي الأقـل في رعيـتي، الذي فيـه يحتار المختار في مسألة جمـع قوت الكاهن ومؤونتـه وتنظيـم جدول وجبات طعامه لدى ابناء القرية. فقـد أرسـيت هنا سـياقا لا يكون فيه التواصل مع أبنـاء الرعيـة والناس، معتمدا على مجرد الدعوات والولائم المتبادلـة. هذا السياق يحـرر الكاهن كثيرا مـن ضياع الوقـت والمجاملات ، ويتحاشى ترهـل الفكر والبـدن. فليست حاجات نشـر البشـرى مرتبطـة بالتزام الناس بتوفير الطعام لـخادم البشــرى. لنـدع كل أسرة مشغولة برزقها، واكـثر مـن ذلـك، فقـد سـعيت لأطبـق المزيد في الشأن التنموي:

استثمار الأرض كوديعة ربانية بيد الانسان   
فلقد آن الأوان للكنيسة، إن لم يكـن متـأخرا بعض الشيء، بأن تؤدي دورها "كأم ومعلمـة"، حسـب توجيه المجمع الفاتيكاني الثـاني. فمنـذ الخليقـة، أراد الله أن يرفع الإنسان مـن مسـتوى عطاء الأرض، وأراد للإنسان النمو وزيادة الإنتاج، للمشاركة في عمـل الخلق، وقد خُلق الانسان مدبرا للخليقة أمـام الله. وللكنيـسة، اليـوم بـل وكـل يـوم، أن تأخذ المبادرات التي يتطلبها كل ظرف وعصر بشان قضايا البشر، بالصيغـة الإنسانية والأسلوب الملائم لدفع مجتمعها إلى أمام، إلى جانب نقل قيم الإنجيل إلى الحياة العائليـة وبمـا يجعلها تنسجم مع الحياة المعاصرة.

الدور التنموي للكنيسة والابداع في ازدهار القرى   
وفي هذا الصدد لا يسعني سـوى الإشادة بحديـث غبطـة ميشـيل صبـاح، بطريرك اللاتين، مـع "الفكر المسـيحي"، حين أكد على دور الكنيسـة في التنميـة الاقتصادية. ومـن نـاحيتي وبقـدر ما توفر من إمكانـات متواضعة، سعيت إلى التركيز على مجال تطويــر إنتاجيـة الزراعـة في مجتمعنـا، والإسهام في إيجـاد السكن الملائـم والمعـاصر لابـن القريـة. فعندمـا تتوسـع عوائـل القرية، يفكـر شـبابها بـالرحيل، إذا لم تتوفر لهـم فرصة توسيع البناء، وهـذا مـا حـاولت الخورنـة تحقيقه هنا على المديات المتاحـة. إلى جانب هذا، ثمة حاجة للسعي المتواصـل في تعميق الاستعداد لتقبـل عمـل الروح القدس في حياة كـل يـوم. فالمسيحية هي قضيـة حيـاة برمتها، وليست فقط معنية بالخبرة الدينيـة المجـردة عـن الواقـع. الكنيسـة تحمـل بشـرى هـذه الحيـاة، بشـرى محبـة الله بالمسـيح، ونحن علامة هـذه البشرى.

القرية واعدة بمعمّريها   
 وسألته: بعد الذي تقـدم، هل ثمة مقومات لما يشاع ان كاهن القرية، ينبغي اختيـاره ضمـن الشمامسة المتزوجين، خشية أن ينفجـر مـن السام والعزلة؟ ليقول:
 للإجابـة عـن هـذا التساؤل، لعلـي لسـت الوحيـد في تبني المفهوم الـذي سوف أسـوقه. وهـو أن في المدينـة حاجـة أكـثر إلحاحا إلى دار تجمـع الكهنـة في الخورنـات الكبيرة. وإلا فعندمـا يدخـل الكاهن إلى بيتـه، سيكون وحيدا في جزيرة. أما الحياة التي تكونت لدينا في القريـة، ضمـن أسـرة الكاهن والتعـايش اللصيـق مع الأسر الأخرى، فتتوفر في هذا الطراز حيـاة شبه جماعيـة. إنـها حياة عائليـة دافئة، فلا نحتاج في القريـة بـالضرورة إلى دار للكهنـة المسنين، كما في المدينة، فـالمعمرة الجـدة بسّي (١١٤ سنة ونيـف) تعيش بسلام وسط أبنـاء القريـة، وما زال معمر أصغر منها بكثير، العم ايزرايل الضرير الذي يقارب المئة سـنة، يعيـش شـيخوخة منتظمـة وهادئـة، مـن البيـت إلى الكنيسـة.
المحرر: وفي مرة تجولنا الى وادي خلف كوماني، لفت نظري أخي الأب ربان، إلى مكان استشهاد البطريرك الكلداني مار يوحنا سولاقا سنة 1555. وهنا أشار الأب ربان إلى خيار الحفاظ على عدد من المشتركات مع الكنائس الشقيقة ليقول:
هذه الكنيسـة، بصليبـها المجـرد وفـق تقاليدنـا المشـرقية، الـتي نشترك بها مع الإخـوة مـن كـنـائس أخـرى، وصورتـها الوحيـدة للعذراء التي تتبوّأ أحد أركان الحـوش. فأصبحت -هذه الكنيسة- قلـب الحياة في القرية.

"حيث ما تكون، بوسعك أن تجعل المكان مركز الكون"    المطران ربان القس

ويمضي أبونا ربان بوصف مشاعره عندما يقيم القداس في كنيسة كوماني بالقول:
 ويطـلّ الـكـاهن، وهـو واقـف أمـام المذبـح، علـى فتحة جانبية صغيرة يرى مـن خلالهـا أضرحـة الراقديـن مـن الاخـوة والأخـوات، يشركهم في الصـلاة، فيصبح القـداس، هكـذا، مناسـبة تناظر لطرازيـن مـن الحيـاة عنـد المؤمنين، هذه الحياة الأرضية، والحياة الأبديـة. وتغدو القريـة الـتي تمتـاز، دون غيرهـا بحـضـور کـاهن، محـورا للقـرى المجـاورة والمطلـة علـى وادي صبنا، من ديري والعماديـة وبيناثـا واينشـكـي وبـــــــردرش، وسرسنك. وتكـون خدمة هـذه القــرى تعويضـا لافتقارهـا إلى كـاهن، إلى جـانب مقاسمـة الإنجيـل دوريا، مع الشباب، في دهوك مقـر الأبرشية.   
وأعود فأقول، لا توجد حاجة إلى أي عـذر، في دراسـة أو غيرهـا، لـترك قرانـا الطيبـة البسيطة، إلى أوهـام المدينة. ففي النظـام الحيـاتي الـذي عـشـته، بقيـت أؤمـن بمبـدأ أن الإنسـان حيثما كان، وفي أية بقعـة نائيـة كانت، إذا مـا عـاش ضمـن قناعاته، فهو يعـد حـاضرا بتمـيز، في هـذا العـالم، ويمسي مكانـه الصغـير مركـز الكـون.

الدعوة نعمة ومعجزة   
المحرر: وأعادني أبونا ربان إلي ذكرى لقائي بالمرحوم والده العم حزقيال، في اوائل أيام اقتنائهم البيت في بغداد، فزرته قبل أن يستقروا فيه برفقة التلميذ ربان وزملاء آخرين. جاءت الذكرى انه تحدث عن  دور الوالد الراحل في دعوته الكهنوتية، قال:
لعل مقولة الإنجيل: "ليـس لـدى الرب أمر عسير"، هي التي تفسر نظرتي للحياة مـذ كنـت ابـن ۱۲ سنة، إبان حـوادث الشمال في الستينيات، يـوم طلبت مـن المرحوم والدي الذي كان في سلك الشرطة ، أن يأخذني إلى المروحية العسكرية المغـادرة إلى الموصـل، لأذهـب فــادخل السـمنير (المعـهد الكهنوتي).   
 وبالفعل تـُقـلُّ الطـائرة ذلـك الصـبي المتـأبط كيـس ملابسه وتحط بـه في الموصل؛ وأرشـدوه إلى الطريـق نـحـو مـركـز المدينـة (بـاب الطـوب)، وهنـاك يصادف أحـد أقاربـه لينقـذ الموقـف، ويدلّه إلى طريق السمنير. ذلـك الصـبي يصبح كاهنا، بنعمـة الـرب الـتي تنير كـل واحـد نحـو خصوصيـة الدعـوة التي يعيشها، سواء في الحيـاة الرهبانيـة او الكهنوتيـة أو العلمانيـة .

مار ربان رجل التعايش في المنطقة   
المحرر: في تلك الايام، أخذني أبونا ربان اكثر من مرة، الى مجالس عزاء لاصدقائه المسلمين، فكان تلقائيا معهم، وكانوا يرحبون به بحرارة. مما ذكرني، بما نقل لي عن أحدهم الذي كان السبب لحادث سيارة مع الكاهن. فكان الرجل مع جماعته مستغرقين في الحرج وفي مسؤوليتهم للتعويض عن الحادث والاضرار التي حصلت على سيارة القس. فعفا عنهم الاب ربان بنحو تام. عندئذ عُرف عن أحدهم هذا التعليق عن الأب بعد هذه المسامحة الكريمة: أليس هذا الرجل من نمط من يلقي المرء ابنه أمام قدميه.    

وهكذا عن الشهادة المسيحية قال سيدنا الراحل:
فبفضل عمـل الـروح القدس في كل مؤمن، من الممكـن جـدا ان تُعـاش حياة مليئة بالمنجزات والمعجـزات ولا غرابة في الأمر. فإنه إلى جـانب مسؤولية الدعوة المسيحية الموكلـة إلى المتزوجين، للكـاهن العـازب أيضـا شـهادة للمسـيح، يقبلـها بمـلء اختيـاره، مـع مـا تتطلبـه هذه الشهادة من تضحيـة. لكـن هذه التضحية، وبحسب وعـد الإنجيـل تعـود فتغمرنـا بمئـة ضعف، فتشــيع حبـا، في القريـة وجوارها بين ابناء كنيستنا وسائر الكنائس الأخـرى، وبـين المسـيحيين والمسلمين. إنـني أحيانا كـثـيرة لا أفهم كيف يتحقـق ذلـك فينـا وفي سائر المدعوين، لكنني لم أعـد أسـتغرب ما تنجـزه النعمـة مـن عمـل كبير فينـا. أجـل تعـوّدت الا أستغرب

نفتقده
المحرر: بعد أن اوردت نص المقابلة التي تعود الى 1998، مع ما اقتضى من تأوين والمزيد من العناوين الفرعية والتنويهات، لا بد لي أن اورد في الختام هذه الذكرى شبه الطفولية: كان ذلك لمناسبة حضوري مع اكليروس الابرشية في كندا مراسيم تكريم البطريرك مار لويس ساكو بالرتبة الكاردينالية في 29 حزيران 2018. فإني لحدّ الان افتقد لحظة، لن افتقدها بكفاية، وهي اللحظة التي كنت فيها عصر احد تلك الأيام، اتمشى في شارع قرب ساحة القديس بطرس بالمدينة الخالدة روما. وعلى حين غرّة مَـرّ المطران ربان من أمامي  بسرعته المعهودة، مر كالسهم بحيث إني في لحظة التفاجؤ تلك، لم تتح لي الفرصة بأن أصيح في اثره، وأكلمه، وليتني فعلت... حتى غاب عن نظري...   
وفي هذه الايام أيضا يختفي فقيدنا المطران ربان، لنفتقده أيما افتقاد مع الاطمئان بالرجاء الصالح على مكان افضل له، ولتبقى عنه في القلب ذكريات لا تنسى ترافق العمر. والعزاء، كما قال لي أحد اعضاء اسرته،  العزاء هو في كل ما ذكره الكثيرون عنه، وعن مكانته في القلوب. أجل ان هذا العزاء مشترك لنا جميعا مع اسرته الكريمة جمعاء.

ملحق
في  هذا الملحق، سمحت لنفسي، تمجيدا للرب، ووفاء لذكرى الراحل الكبير، ان اورد جانبا من رسالة خطية كتبها المطران مثلث الرحمات مار ربان، في 1 كانون الثاني 2005 غداة رسامتي الكهنوتية، وتكشف الرسالة عن تعبيره الخاص ومشاعره الاخوية الطافحة، ليقول في كاتب السطور، من محبته، أكثر مما يستحقه. وجاء في رسالته الخطية:
إنها نعمة، والنعمة اكتملت عندما ادرج الرب، أخينا وعزيزنا وزميل دراستنا الاب نوئيل فرمان، ليعمل فعلا من أجل الكلمة لا متفرجا بل فاعلا أي كاهنا، خادما ومعطيا الاسرار. هنيئا لنا جميعا بأن هبّت ريح نعمة الرب ليعمل من أجل كنيسة المسيح التي أحبها وخدمها.
إن حياته المسيحية وقابلياته أهلته للكلمة المقروءة والحياة الصامتة والعطاء المستمر واللقاءات الكثيرة التي بدوري أقدر أن أقول كان هو الذي يمتحن من قابلهم وكنت واحدا منهم.
ويعرف كاهننا الجديد أن سر الاوخارستيا هو القلب النابض للحياة الكهنوتية والوجه الآخر لهذا السر الذي اخذه في 29/12/2004. كما وعرف عزيزنا نوئيل أن عمله من خلال سر الكهنوت لا يمكن أن ينفصل عمّن عمل ويعمل معهم ومن أجلهم ليعطى بذلك معنى لحياته الكنسية اي اخوته المؤمنين الذين هم الكنيسة.
أضع الكاهن الجديد تحت حماية أمنا مريم العذراء، ولتكمل ما ينقص فيه. والمهم في كل هذا أنه سمع صوت النادي وقال بكل ثقة وإيمان بعد سنوات من الانتظار: ها أنذا يا رب.
التوقيع: المطران ربان القس، ابرشية العمادية.




غير متصل شمعون كوسـا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 220
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
اخي القس نوئيل فرمان

قرأتك مرتين ، كي استلذ بما سطرته عن عزيزنا المطران ربان . اضافاتك ضروررية ولعلها هذه ايضا لاتفي لحد الان بمعرفة شخصية ربان الحقيقية . بقي رشيقا بمظهره وهذا كان نتيجة زهده في الطعام والشراب وهذا ما لا نلاحظه مع زملائه . لقد آمن بفضائل ساهمت في بناء شخصيته ، في البساطة والتواضع والاحترام . كان ربان مؤمنا وهذا اهم شئ لا يمكن لاية دراسة او شهادة ان توفره ، نهل من معهد مار يوحنا الحبيب الاساس في تربيته ووضع الانجيل نصب عينيه في حباته اليومية ، فعاش كفلاح يحرث ويركب الجرار ويقطف الجور ويربي النحل ويلتقي برعاياه كي يمنحهم مما كان قد حباه المسيح به .لا اريد الاطالة لانك قد افدتنا كثيرا باضافاتك الجديدة . وفقك الله.

غير متصل الأب نويل فرمان السناطي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 169
    • مشاهدة الملف الشخصي
أخي العزيز الاستاذ شمعون المحترم
شكرا جزيلا على كلماتك الطيبة المحملة ثراء ومحبة في التعليق على هذا المقال المتواضع بشأن أخينا الراحل، مثلث الرحمات المطران ربان القس.
 ولا يفوتني أن أقول بأن حضرتك ذكرت تفاصيل عن المجال التنموي الزراعي، ليس يملكها إلا من عرفه عن كثب. ولدوره الكبير، في معايشة شعبنا، في احلك الظروف والترحيل والنزوح من القرى، آمل أن لا يمر رحيله مرور الكرام، ويتم الاكتفاء ببرقيات التعازي، بدون ان توضع له رسمية بصمة خاصة به، في تاريخ المنطقة.
ونعم ما وصفته أخي العزيز، في كلمة الرثاء له، حال اعلان خير رحيله.
 دمت بخير وسلام.

غير متصل Odisho Youkhanna

  • عضو مميز متقدم
  • *******
  • مشاركة: 20817
  • الجنس: ذكر
  • God have mercy on me a sinner
    • رقم ICQ - 8864213
    • MSN مسنجر - 0diamanwel@gmail.com
    • AOL مسنجر - 8864213
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • فلادليفيا
    • البريد الالكتروني
may l never boast except in the cross of our Lord Jesus Christ