المحرر موضوع: أنا والشاعر كريم العراقي في ظل بقايا وطن اسمه العراق  (زيارة 404 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31502
    • مشاهدة الملف الشخصي
أنا والشاعر كريم العراقي في ظل بقايا وطن اسمه العراق
قلة هم الذين نجوا من الاستخفاف السياسي، وكثير أولئك الذين ذاع صيتهم في ظل السياسة وأصبحوا ينعمون برغد العيش. ثمة بلد قد أصبح بمثابة خرابة للثقافة الاصيلة، لكنه بمثابة الجنة لأشباه الساسة وأدعياء الثقافة.
MEO
كوران مريواني


كريم العراقي امضى أيامه الأخيرة في دار زايد
ترجمها من الكردية: نزار جاف

أواسط السبعينيات
أيام كان يقال فيها، المصريون يكتبون، واللبنانيون يطبعون، والعراقيون يقرأون. في عصر أحد الايام الحارة في بغداد، قام بعض الاصدقاء بإجراء تعارف بيني وبين كريم العراقي في أحد المقاهي الشعبية.

في أيام الصيف وبعد الدوام الرسمي، كان يعمل في المقاهي الشعبية في بغداد. ولذلك كنا نلتقي كلما سنحت لنا الفرصة. الحديث بيننا كان يدور دائما حول الادب، والشعر قبل ذلك. كان يحفظ وبصورة ملفتة للنظر الشعر الشعبي. المثير هنا، إن أصدقائي كانوا يحسدونني على قدرتي في حفظ الشعر والفلكلور لكنني لم أكن مطلقا بمستوى قدرة كريم العراقي بهذا الصدد. أعتقد إنه كان في معهد المعلمين. كريم العراقي الذي كان جذوره تعود الى أطراف البصرة، كانت له معرفة جيدة في الادب الشعبي لتلك المناطق العراقية.

بستان جده

كان يتحدث كثيرا عن جده الذي كان فنانا شعبيا حتى أخذني يوما الى ساحل نهر الفرات وبقينا هناك الى وقت متأخر. وبعد أيام جاء وقال لي: يقول جدي كل أصدقائك في جانب وذلك الشاب الكردي الذي يمتلك اسما صعبا بجانب آخر.

السويد

جاءت الايام ومرت، وهربت من العراق عام 1979، وإنقطعنا عن بعضنا. أريد أن أكون صادقا، فقد نسيت كريم العراقي، لأنه لم تكن هناك قناعة بالتقائنا يوما.

في أحد أيام العقد التاسع من الالفية الماضية، جاء لاجئ الى مؤسسة الهجرة السويدية، وكنت يومها موظفا هناك كمترجم محلف. وما أن جلسنا في غرفة التحقيقات، وذكرت اسمي أمامه كمترجم له، فقد بادرني كريم العراقي: ألست أنت فلان؟ بموجب الاجراءات السائدة لم يكن يحق لي البقاء في غرفة التحقيقات لأننا نعرف بعضنا البعض، إذ أن القانون لا يسمح بذلك.

وطبقا للقوانين المعمول بها فقد تم إبلاغ مديرة المؤسسة (وكانت يومئذ إمرأة)، فذهبت الى غرفتها ورويت لها قصتي مع كريم العراقي، وكانت مفاجأة لهذه المديرة بأن رأت إهتماماتي الادبية وبعد أن قامت سكرتيرتها بتدوين كل ما ذكرته أمامها، فقد سمحت لي بأن أبقى الى جانب كريم وأترجم له. مع ملاحظة أنه وفي تلك الايام كان الكثيرون يسجلون أنفسهم كعراقيين لكي يحصلوا على حق اللجوء، لذلك كانت الثقة كانت معدومة من هذا الجانب.

بعد بضعة أيام، هاتفني كريم وقال بأنه قد حصل على حق الاقامة الدائمة كلاجئ سياسي! وإن المحامي يقول بأن أشكر كوران. وهنأته وقلت له أن هذا من حقك.

كريم العراقي

في أكثرية مقابلاته في وسائل الاعلام، كان يتكلم عن ماضينا ويقول: أنا سعيد لأنني أينما أذهب أجد ثمة صديق يتكفل بي وكمثال على ذلك أنا وكوران في السويد.

بدر شاكر السياب وكريم العراقي

عندما إنتشر خبر المرض العضال لكريم العراقي في الارجاء، فإن المسٶولين في الامارات قد تابعوا حاله وإستدعوه لتلقي العلاج في أفضل المستشفيات. بدون أن يطلبوا شيئا منه مقابل ذلك، علما بأنه كان يمتلك حق المعالجة التامة في السويد. في حين إن بدر شاكر السياب بادر الى كتابة قصيدة في مدح أمير الكويت الذي سمح مقابل ذلك بمعالجته في احدى مستشفيات الكويت.

السياب الذي ضحى بفترة شبابه والفترة التي كان فيها طالبا جامعيا من أجل الحزب الشيوعي العراقي، لكنه عندما توفي لم يذكروا خبر وفاته لأنه كان قد انتقد الحزب الشيوعي. والسياب الجد الاكبر للشعر الحر في الشرق العربي.

قلة هم الذين نجوا من الاستخفاف السياسي، وكثير أولئك الذين ذاع صيتهم في ظل السياسة وأصبحوا ينعمون برغد العيش. وثمة بلد قد أصبح بمثابة خرابة للثقافة الاصيلة، لكنه بمثابة الجنة لأشباه الساسة وأدعياء الثقافة. العراقي الذي توفي الجمعة الماضية، لن أسمع صوته بعد الان.