المحرر موضوع: سلام البنفسج  (زيارة 393 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل رياض شابا

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 16
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
سلام البنفسج
« في: 15:44 28/09/2023 »
سلام البنفسج
رياض شابا
نسمات برد لاسعة ، تاتيني من شرفة تعانقها عيوني على الدوام .
هي الامطار اخيرا ، بعد نهارات قيظ شديد ، تغسل هواجس الدخان و الحرائق . بين عشية و ضحاها تحولنا من المكيفات الى المدافئ ! طقس غريب الاطوار ،و دنيا نعيش ايامها بين احداث ليست من صنعنا ، و ذكريات تطلع من ركام الايام ، على شكل وردة تتمايل اذعانا لريح جامحة ، او بطاقة هوية تعيد الروح الى بيت بغدادي قديم ،احببته بصدق .
كل الزهور بدت مكتئبة ذلك النهار ، لكن اكثرها حزنا تلك المتشحة بالبنفسج .
. لا ازعم انني عرفته جيدا ، و علاقتي به لم تكن مثل التي عشتها مع موسيقيين و مطربين و كتاب اغاني بالعشرات، بدات التقيهم في مطلع سبعينيات ، ارادت ان تحملنا في قطارات سعادة ، اكسبريس ، تحث الخطى نحو احلامنا الجميلة :
مساء الخير ابو مازن . صحتك ؟ احوالك ؟ اخبارك استاذ ياس ؟
اصافحه بحرارة كل مرة ، فيرد على تحيتي باحسن منها ، بهدوئه و رزانته و تواضعه ، و هذا ما يفعله مع الكثيرين ، بين معانق او متحدث او مرحب .
هو يتردد على المكان كثيرا ، لكنه لا يطيل الجلوس و لا المكوث . اصادفه في القاعة الداخلية المحاطة بجدران يكسوها خشب معتق ، او واقفا عند الدرجات المؤدية الى الحديقة الكبيرة المكتظة صيفا ، الزاخرة بالقفشات و الضحكات و الدندنات .
صحيح انني كنت اراه بين الحين و الاخر في مبنى المؤسسة العامة للاذاعة و التلفزيون ، لكن و بمرور الايام ، بدات اشعر ان حضوره الدائم في الجمعية ، هو وشيجة محبة و تكاتف و وفاء ، لمكان يجمع كلمة الموسيقيين و يوحدهم و يعبر عن تطلعاتهم . و عندما يتغيب بعض الوقت ، اسمع من زملائه ، انه في زيارة فنية الى مدينة ما ، عربية او خليجية ، تلبية لرغبات جمهوره و محبي ادائه و لونه المتميزين . و في جلساتي كنت اسمع ايضا كلاما عن اغنية له ممنوعة ، محظورة ، حتى كانت ليلة من ليالي بغداد الساهرة ، بجمهور يتوزع الموائد ،
لم يكن مسرحا ، انا متاكد ، بل حديقة ما او قاعة ، و لا يحضرني الزمان ولا تفاصيل المكان ، ولا الموسم ، و العتب كل العتب على الذاكرة ، فما كاد ينهي احدى اغنياته المعروفة ، و من دون اية "دخلة " او مقدمة موسيقية للفرقة المصاحبة ، اذ بحنجرته الماسية تصدح ب "ليل البنفسج " ،فتلتهب الاكف بالتصفيق و تتمايل الرؤوس طربا و النفوس انفعالا و انسجاما : و ياعمر عمرين ، و يا شنهي و احبك .
هل لما قلته في سطوري السابقة اية اهمية تذكر ؟
حقا لست ادري . و لكن تلك كانت ذكرياتي الشخصية عن فنان كبير خالد ، و ياليتها كانت اكثر و اكبر عمن سمي لاحقا بصوت الارض .و صرت اتذكر تلك الليلة البنفسجية كلما استمعت الى صوته ، في التلفزيون او الراديو او الهواتف ، في فوردات بغداد و مايكروات دمشق و الحسكة و سرافيسها ،او في المسلسلات السورية الشيقة ، و صرت ايضا ،اعود بذاكرتي الى ذلك المبنى الهرم في ساحة الاندلس ببغداد، جمعية الموسيقيين العراقيين التي افتخر بانني منحت عضوية شرف فيها مطلع السبعينيات بعد اقامة دائمية طويلة ، متابعا و صائدا لمواد صحفية ، اودعها بحرص ، الزاوية التي كنت احررها لمجلة الاذاعة و التلفزيون تحت عنوان ؛ نادي الموسيقى ؛، و لغيرها من الابواب ،
و تلك حكاية اخرى .
و لان الشيء بالشيء يذكر ، فان الفنان الكبير فاروق هلال الذي كان عضوا بالهيئة الادارية للجمعية ، ثم رئيسا لها بعد سنوات ، بات يستقبلني ، صديقا صحفيا هناك ، بعدما عرفني ذات يوم طالبا جامعيا ، نشط اجتماعيا ، حيث قصدته ذات نهار بصدد احياء حفل تعارف لطلبة كليتي ، الادارة العامة ، و حصل ، و حضر فاروق هلال و مائدة نزهت و اخرون ربما، بصحبة فرقة موسيقى الجمهورية ، و تفاعل الطلاب وحلق بهم الطرب و النغم عاليا مع ردت انساك و اسالوه لا تسالوني ، و قد كان الجماعة كرماء معنا ، كرم وجدته و عشته ايضا مع اصدقاء عديدين ، في بيت ابو فؤاد القريب من كليتنا، حيث جسر الصرافية الحديدي يحكي بصرير عربات الريل و صافرات النهار و الليل، اشياء و صورا من تاريخ بغداد عشناه و نتناقله محبة لاجيالنا القادمة علها تعيش حياة اجمل و احسن مما عشناه و نعيشه نحن .
و سلاما و الف سلام لصاحب البنفسج .