المحرر موضوع: نيقولا الثاني( 1868 _1918 )  (زيارة 362 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل marqos yousif

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 27
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
نيقولا الثاني( 1868 _1918 )
« في: 06:14 06/11/2023 »
                                            بقلم : ديل كارنيجي
                                 ترجمة: يوآرش هيدو



كان واحداً من اغنى ‏الرجال الذين عرفتهم أورپا،  وواحداً من أشهر الرجال في العالم باسره.
 كان يمتلك من الأراضي ما يساوي خمسين مليون دولار،
ومن اللآلئ   وغيرها من الاحجار  الكريمة ما قيمته ثمانين مليون دولار وكان مدخوله الشهري ‏ مليون دولار   اي عشرين دولاراً في الثانية الواحدة.  ومع ذلك ، بعد منتصف ليلة السادس عشر من تموز ( 1918 ) بقليل ، حشر مع أسرته في قبو قذر تملؤه  العناكب والصراصر وأطلق عليهم النار .
‏أن قصة مقتلهم  هي واحدة من أكثر القصص إثارةً  عبر التاريخ كله. هذا الرجل هو نيقولا الثاني آخر قيصر في سلسلة قياصرة  الإمبراطورية الروسية المترامية ، الرجل الذي حكم بيد من حديد   لما يقرب من ربع قرن من الزمن سدس اليابسة من كوكبنا .
في سنة ( 1917 )، وبعد ثلاث  سنوات  تقريباً من المجازر العبثية  ثارت جيوش قيصر روسيا ورفضت مواصلة  القتال ، وقبل دقائق قليلة من منتصف  ليلة الرابع  عشر  من آذار( 1917 )  ، اجتمعت لجنة من القادة  العسكريين الى قيصر روسيا في مقصورة بقطاره الخاص  وامرته بالتخلي عن السلطة والتنازل عن العرش.
‏لقد كانت صدمته من الشدة  بحيث  انه بدأ يترنح يمنة ويسرة وبدا وجهه شاحباً  شحوب الموت،  وكاد ان يسقط على الارض مغشياً عليه.


أوى الى فراشه لكنه وجد النوم مستحيلاً. نهض من فراشه  وامضى بقية الليل بقراءة ( يوليوس قيصر )،  احدى مسرحيات  شكسبير العظيمة .ومع بزوغ النهار وفي الساعة الحادية عشرة  والنصف  تناول قلم رصاص عادياً ووقع على قرار تنازله عن العرش .
وقال : "اشكر الرب . ‏بمقدوري  الآن أن افعل ما كنت دوما أريد أن افعله. بامكاني  الان ‏أن أذهب إلى بيتي في القرم وازرع الزهور "٠
‏أمضى القيصر وأسرته الأشهر الأخيرة من حياتهم  في  غرفتين من منزل قديم  بضواحي مدينة صغيرة على سفوح جبال الأورال . هناك وقد احتجزوا   كسجناء من قبل الثوار  ،ارغموا  على أن  يعيشوا  عيشة الفلاحين .
لقد منع عنهم ‏الشاي والقهوة والملح والزبد  والقشدة.
واقتصر طعامهم على الخبز الاسود البائت، ونوع من حساء  الخضار الثخين كان يقدم لهم مرتين في اليوم.
‏كان زجاج شبابيك المنزل مطلياً  لتحجب  عنهم الرؤية
 ‏ولم يسمح لهم بفتح الشبابيك.  ذات يوم وفيما كانت  الاميرة  الاصغر عمراً  ( اناستاسيا  ) تحاول فتح الشباك  لتتنشق  نسمة الهواء العليل ، اطلق عليها أحد الجنود
النار . كان يُسمح ‏لهم بالخروج إلى الحديقة الصغيرة والسير فيها لمدة خمس دقائق كل يوم .
كان ابن القيصر  الصغير مريضاً واهناً  لا يقوى على السير فكان والد الصبي يحمله بين ذراعيه  .
كان الجنود الذين يحرسونهم  يدورون حول  المنزل ‫نصف عراة ويوجهون تعليقات بذيئة الى بنات القيصر  الشابات  ويغنون  أغاني مليئة بالفحش والبذاءة  تحت نوافذهن  ليلاً .
‏ذات يوم انتزع أحد الجنود محفظة النقود من الإمبراطورة وأخذ نقودها قائلاً:" أنت لست بحاجة إلى النقود من الآن فصاعدا ،  أليس كذلك؟ "
‏كان القيصر إنساناً وديعاً ورقيق الفؤاد ولم يشْكُ او يتذمر لكن زوجته كانت على النقيض منه تماماً فكانت تتذمر بمرارة  وعلى نحو متواصل واقسمت اغلظ اليمين بأنها ستثأر   لنفسها يوماً  من هؤلاء الوحوش .
‏بعد وقت قصير من منتصف ليلة السادس عشر من تموز( 1918 ) ، ايقظ قائد الحرس القيصر و أفراد أسرته من نومهم واخبرهم  بأن أعمال شغب قد اندلعت في المدينة وأن عليهم أن يرتدوا ملابسهم على جناح السرعة وينزلوا إلى القبو وينتظروا  ريثما   تأتي سيارات تنقلهم إلى مكان آمن.
 عندما وصلوا إلى القبو ، كانت  الإمبراطورة ترتجف من الخوف ولم يكن بمقدورها الوقوف على قدميها ، فجاءوا بكرسي  لتجلس عليه وهي ممسكة  بولدها الصغير المريض في حضنها.  اندفع الجنود على الفور إلى داخل القبو وهم يصيحون قائلين: "  أصدقاؤكم حاولوا  إنقاذكم   لكنهم فشلوا وها قد جئنا لنقتلكم"٠
 وبسرعة  ، ومن مسافة قصيره جداً ، أطلق أحد الجنود النار على القيصر وإصابه في قلبه فخر على الأرض صريعاً.
‏وفي الحال شرع الجنود بإطلاق النار على النساء المغلوبات على  أمرهن وهن يصرخن ويختبئن  خلف بعضهن البعض ويحاولن أن يسترن انفسهن بوسائد من الريش.
‏لكن الجنود استمروا في إطلاق النار عليهن.  بعد دقائق قليلة كان الصوت الوحيد المسموع في ذلك القبو المأساوي هو نباح الكلب الصغير الذي ظل يحوم حول الجثث الهامدة  محاولاً العثور على سيدته.  الا ان  احد الجنود  طعن الكلب الصغير  المسكين  بحريته .  ثم مزق الجنود اجساد الاسرة   الملكية ارباً ارباً ثم صبوا عليها البنزين  واحرقوها ثم القوا  بالبقايا  المتفحمة  في أعماق حفرة  لمنجم  حديد قديم .
بعد أيام قليلة شوهدَ الجنود وهم يبحثون في الرماد
حيث أحرقت الجثامين وعثروا على أحجار كريمة .
اذ ان الإمبراطورة  وبناتها كن  قد خبأن  تلك الأحجار
في حواشي  اثوابهن. إن مقتل الاسرة الملكية  لم يحدث  بأمر صادر من الحكومة الجديدة . فالحكومة السوفييتية في الحقيقة ألقت القبض على عدد من الثوار وحاكمتهم  على جريمة قتل القيصر وأسرته وأصدرت حكم الإعدام رمياً بالرصاص بحق خمسة منهم ونفذ الحكم .
 إن مقتل العائلة الملكية جرى على أيدي قلة من الثوار المتعطشين للدم الذين لم يتلقوا الأوامر من احد.
 أن البقايا المتفحمة للأسرة الملكية هي اليوم مدفونة في باريس وكان العلم الأمريكي قد ساعد على نقلها  إلى هناك.
 ففي كانون الثاني من عام 1920 ، اخذ القنصل الأمريكي العام في سايبيريا،  بناءً على  إلتماس من صديق ، اخذ صندوقاً خشبياً غير مصقول مربوطاً  بحبل ، عبر سايبيريا وسلمه إلى المندوب السامي البريطاني في هاربن( Harbin ).
‏لم يكن القنصل الأمريكي يعلم ما بداخل الصندوق لكنه لم يعبأ بذلك . كان القطار بارداً وكان القنصل يرفس الصندوق بقدميه ليدفئهما !!
عند بلوغه هاربن دهش كثيراً حين علم ان  الصندوق كان يحوي رفات القيصر وأسرته المُحرَقة والمشوهة .
ارسل الصندوق إلى شانغهاي ومن هناك إلى العاصمة الفرنسية باريس حيث فتح . وقد عُثرَ فيه ، من بين أشياء أخرى،  على اصبع للامبراطورة  وعليها  خاتم زواجها .
كان القيصر نيقولا الثاني مولعاً  أشد الولع بقراءة شكسبير ويقيناً أنه قد قرأ مراراً هذه  الكلمات: " أولئك  الذين يحتلون  مقاماً  شامخاً يواجهون رياحاً عاتيةً كثيرةً تزعزعهم ، فإذا ما سقطوا  تحطموا".

الهوامش:
____________
1- ديل كارنيجي  ( DALE  CARNEGIE ( 1955_ 1888  كاتب امريكي له مؤلفات عدة منها : (كيف تكسب الاصدقاء وتؤثر في الناس ) ، و( كيف تتخلص من القلق وتبدا الحياة ) ،
وكتب اخرى منها  LITTLE  KNOWN FACTS ABOUT WELL _KNOWN PEOpLE
وهذا الاخير هو مجموعة مقالات عن اشخاص مشهورين
نساءً ورجالاً  من مختلف المشارب بعضهم معاصروه  وآخرون من التاريخ  : علماء، كتاب وشعراء ، ملوك واباطرة ، ساسة ورجال دولة ، رجال اعمال ومؤرخين ومخترعين وغيرهم .
( المترجم )