المحرر موضوع: أمانة الراعي  (زيارة 309 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل المونسـنيور بيوس قاشا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 242
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
أمانة الراعي
« في: 23:52 07/11/2023 »
أمانة الراعي

المونسنيور د. بيوس قاشا

     في البدء...
يقول الرب يسوع في إنجيل متى (38:9) "اطْلُبُوا مِنْ رَبِّ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إِلَى حَصَادِهِ" لذلك اختار الرب خدّاماً للمؤمنين في عهدنا الجديد، إنهم رسل المحبة والخدمة،
ليقوموا بمهمة الرعاية بكل أمانة وإخلاص وبروح وفيّة وبعطاء لا حدّ له. إنهم المكرَّسون والخدّام الأمناء لربّ الحصاد، معطين أنفسهم كرعاة صالحين، فالرب يقول "الرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ" (يو11:10) وهذه رسالتهم الأمينة، إنها مهمة سماوية أرضية، فشعوبنا متعَبَة "كَغَنَمٍ لا رَاعِيَ لَهَا" (متى36:9) ومن أجل هؤلاء كانوا ولهذا دعاهم الرب، والدعوة لا يمكن أن تشهد لها إلا بالصلاة وما أصعبها على المكرَّس نفسه وإن كان قريباً منها فإنه لا يبالي بها، وعليهم أن يمتلئوا من هذه الروح ليستطيعوا أن يقدموا عطاءهم بكل تفانٍ وإخلاص، ويخدموا بتضحية أمينة دون حساب، وهذا ما هو إلا مهمتهم.

      طريق السماء...
فكل رجل مكرَّس لا يُعلّم الناس طريق السماء فانبذوه خارجاً مهما كانت درجته لأن الرب يسوع كان يدرك جيداً وهو مع تلاميذه – واليوم أيضاً مع الكنيسة الأمينة – أنْ ليس كل المكرّسين والرعاة على نفس الدرجة من الإخلاص والأمانة، فهناك ما بين التلاميذ والرسل مَن لم يكن وفيّاً مثل يهوّذا الاسخريوطي ويقال عنه أنه خان معلّمه وباعه بحفنة من المال وبقبلة مزيّفة علامة لخيانته ثم ذهب وشنق نفسه نتيجة خيانته لسيده. وكذلك نجد مثل الكرّامين مَن هم فاسدين وخانوا الأمانة التي أوكلت إليهم (متى33:21-41) لذلك علينا أن ننظر بروح التأمل وبعين الإيمان إلى الوفاء لرسالة الناس الذين اختارهم الرب، الراعي الصالح والأمين، ليكونوا أمناء لمحبته ويبادلوه هذا الحب، ويطلب منهم أن يكونوا صالحين في مسيرة حياتهم وعَمَلة مخلصين، وهذا أهم شرط يجب أن يتوفر في أولئك المكرّسين والعَمَلَة ضمن حصاد الرب الذي أعطى لنفسه تسمية "الراعي صالح"، وعلى مثاله يجب أن يكون الذين اختارهم فعلى "التِّلْمِيذ أَنْ يَكُونَ كَمُعَلِّمِهِ" (متى25:10) وليس كما يريد ويشاء الشخص نفسه. فيسوعنا هو الراعي الصالح، ومن المؤسف أن الكثير من كبار المعابد يدركون جيداً ما هو إنجيل الراعي الصالح ولكنهم ينسون أنهم هم الراعي، وراعي صالح وليس شيئاً آخر، فتراهم يذهبون ويتركون الذئاب تأكل في غنمهم ورعيتهم ما تشاء ولا يبالي بها لأنه لا يهمّه "أَمْرَ الخِراف" (يو13:10). فالراعي الأمين هو المسيح، ومنه نطلب أن يُرسل إلى مؤمنيه وشعبه عَمَلَة صالحين وكهنة أمناء وأساقفة خدومين ومضحين. هؤلاء هم الرعاة الأوفياء لدعوتهم ولرسالتهم المملوئين بعلامات العطاء والتضحية والبذل والحب والخدمة والرحمة.
 
     ما نحتاجه اليوم...
ما نحتاجه اليوم ليس إلى رعاة يفتخرون بما يرتدون من أزياء المعبد الخاصة، ولكن نحتاج إلى رعاة يرسمون لنا طريق السماء لنسير فيه ونصل إلى الملكوت الموعود. لهذا يجب أن يكون لنا رجل المعبد ليس رجل السياسة ولكن يجب أن يدافع عن حقوق شعبه ورعيته ولكن بتانٍّ وحكمة وفطنة دون الخوض في المجال السياسي، فهذا يجب أن يترك شأنه للسياسيين وليس إلى رجال المعبد. فإنْ اهتموا بأمور السياسة فمتى يهتموا برسم طريق السماء للمؤمنين من أجل إرشادهم إلى طريق الصواب بخوف الله كي يضع نصب عينيه حيث المسيح الرب ونوره ينتظرانه فيُرجع الغنم التي فُقدت ليجدها (متى12:18) والشاردة ليعيدها.
لذا عليه أن يمتلئ من روح الصلاة والتي بدونها لا يمكن للكلام أن يقيم علاقة مع السماء، ولكن الصلاة هي الحديث مع الله ومفتاح باب السماء. فالصلاة عبر التأمل الحياتي بروح الإنجيل وشريعة الدعوة باستقامة الإيمان وحب الفضائل برجاء أمين ومحبة معطاء دون النظر إلى أمور أو مصالح شخصية أو مآرب فردية ولا مكاسب مادية ولا منافع عائلية أو عشائرية ولا حتى مقامات دنيوية ومناطقية، وكل ذلك عبر حكمة فؤادية وفطنة سماوية، إذ دفعت هذه الحالة المسيح الرب إلى تصنيف رؤساء اليهود وكبارهم موبِّخاً إياهم بلهجة شديدة بابتعادهم عن حقيقة وصايا الله وشريعة موسى الذي قال "أَحْبِب الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. واحْبِب قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ" (متى37:22و39).
فوجود الراعي بعيداً عن رعيته وينام في ساعة متأخرة ويصحو في ساعة متأخرة من النهار دون أن يقيم الذبيحة الإلهية أو يقرأ الإنجيل أو يتلو صلاة سبحة الوردية المقدسة أو يتأمل تأمله اليومي، ويلهو بنفسه ويفتش عن مآربه الخاصة، سيؤدي ذلك بالقطيع إلى حالة من التشتّت والضياع شاء أم أبى، إنه صحراء لا ماء فيها ولا غذاء. وليعلم مَن كان راعياً ناقصاً دون حكمة ولا دراية وإنْ سَمّوه الآخرون لهم فهذا يعني سيادة مظاهر الاضطراب والتخبّط والضياع وعدم إحساسه بقطيعه وغنمه، ولا يعلم مَن هي المريضة وما هو الدواء الذي تحتاجه غنمته وكأنه إنسان غريب، فيصدق عليه قول المسيح "إِنَّمَا أَتَى لِيَهْلِك" (يو10:10). وفي كثير من الأحيان يكون المدعو غير مؤهل لعملية رعاية القطيع ورعاية البشر والرعية ولكنه اختير لمصلحة أو سياسة ما، فتراه أحياناً كثيرة يهتمّ بنفسه وصحته وسفره ومستقبله وشؤونه الخاصة وينسى أنه مسؤول وأب لرعية سُلِّمت إليه، فيُهمل رسالته وعمله الراعوي فتجد الرعية "كَغَنَمٍ لاَ رَاعِيَ لَهَا" (متى36:9) فيزيد الإهمال وتعمّ عدم المسؤولية ولا أحد يستطيع أن يعرف مَن هو الخروف ومَن هو الذئب. وقد وصف ربنا يسوع ذلك حينما قال  إِنَّ الَّذِي لاَ يَدْخُلُ مِنَ الْبَابِ إِلَى حَظِيرَةِ الْخِرَافِ، بَلْ يَطْلَعُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، فَذَاكَ سَارِقٌ وَلِصٌّ. وَأَمَّا الَّذِي يَدْخُلُ مِنَ الْبَابِ فَهُوَ رَاعِي الْخِرَافِ" (يو1:10-2).

     الختام...
وختاماً، لا يسعنا إلا أن ندرك عظمة رسالتنا الراعوية وإيماننا بها وبما تحمله من هموم ومحبة وعطاء من أجل الآخرين في الرعية نفسها. وما علينا إلا أن نرفع صلاتنا وخاصة في هذا الزمن القاسي حيث تفترّ المحبة ولا يفكر الراعي إلا بنفسه وينسى رسالته المقدسة الأولى والأخيرة فيتهاون من حمل نير الرعية ولا يكون أميناً لرسالته، فتراه لا يحمل ثمراً لأنه لا يعرف أن يحادث الله من أجله ومن أجل رعيته، والحديث مع الله هو الصلاة التي هي السبيل الوحيد الذي يجعلنا نكتشف طريق الدعوة والرعية، وعبر هذا السبيل نكتشف أن الرعية تقودنا إلى المسيح الحي، الراعي الأمين والصالح، الذي يعطي كل حياته من أجل الرعية وفي سبيل حفظها من ذئاب هذا الزمان وما أكثرهم. فيا ربّ، شدّد مَن تراخت همّتهم وفترت عزيمتهم، واجعلهم أن يكونوا في الطاعة صالحين وأوفياء. ذكّرهم بذلك واحفظهم من سقطة الخطيئة وحبّ الدنيا والمصلحة الشخصية. واجعل كل مدعو أن يكون أميناً لدعوته في البذل والعطاء والرعاية الأمينة... نعم وآمين.