المحرر موضوع: الطفل اليانع  (زيارة 806 مرات)

0 الأعضاء و 2 ضيوف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل آدم دانيال هومه

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 120
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الطفل اليانع
« في: 18:39 18/11/2023 »
الطفل اليانع
بقلم: آدم دانيال هومه.
كنتُ طفلا يانعاً
 أنمو رويداً... رويدا
في تلك القرية الساحرة الخلابة
الزاخرة بالوحول والمستنقعات
ونقيق الضفاضع
في أقصى أقاصي الأرض
ممسوخة من ذاكرة الوطن
والعالم 
وكنت أرى براعم الشعر
تتفتق أكمامها على جدران منزلنا
وعلى أغصان أشجار بساتين قريتنا
وتتلألأ في الغيوم الداكنة
في الشتاء
وتومض كالشهب في ليالي الصيف
حين كنتُ أستلقي على فراشي
فوق سطح بيتنا
ممعناً النظر في السماء
حيث يتوسد الإله آشور فراش االشمس
وممالك السموات.
******
وتتفتح أزاهير الأمل أمام ناظري
 أكثر جمالا وبهاء
كلما طال قوامي شبرا
واستقام عودي.
*****
كان أبي يركع خاشعاً
للمقدسات الكامنة في أعماق الأرض
قبيل شروق الشمس
ثم ما يلبث أن ينفخ في التراب
فيخلق لنا أرغفة خبز أطيب من اللوز
ومن العنّاب
وفي المساء
يعلق في سقف بيتنا قمراً من الأرجوان
وفي النهار
يفجّر لنا الماء من قلب الصخر
ويهز أغصان النجوم
فتنهمر الأثمار من كل صنف ولون 
وفي آخر الليل
يذرع السماء جيئةً وذهابا
ويمر مزهواً تحت ظلال الموت
تحوم فوق رأسه هالة من الشموس
فيوحي إلى الله
ما خطه في كتاب أساطير سومر
وبابل... وآشور.
******
قال جدي
مخاطباً كاهن قريتنا البدين المخنّث الأبله:
أيها الأغبى من الصرصار
من أين لك أن تعرف أسرار الكون
وتتكلم باسم الله
وأنت تتضور جهلا
 في شرنقة مزوّقة بالخرافات
صلِّ لإلهك كما تشاء
وكيفما تشاء
ولكن دعني وشأني
أصقل صورة إلهي كما أشاء
ودع أفكار جميع الناس
تنطلق من قوقعة أفكارك الحلزونية
 إلى رحاب الإنسانية الشاسعة
حيث المحبة والعطاء
ومنجزات العقول المتحررة
في كل بقاع الأرض
في خدمة الإنسان
أي إنسان
كائناً من كان
فمن لايجيد فنون السباحة
لن تنجيه دعوات الأولياء والقديسين
من الموت غرقاً.
*******
أيها الإنسان!
كائناً من كنت
من أي عرق أو لون
لو تنزهتَ عن المعتقدات البالية
ووضعت يدك في يدي
بكل صدق
ومحبة
ووئام
سترى السماء أكثر جمالا
والشمس أكثر سطوعا
والعالم أرحب ما يكون
وسيعيش جميع أهل الأرض
في بحبوحة وطمأنينة
في منأى عن الأحقاد والحروب
وسفك الدماء
والمناحات المتتالية
يومذاك....
سنبني عالماً جديدا
راودنا في أحلامنا
ونحن صغارا
ورسمناه على جدران طفولتنا
حيث ينبت الخبز على أرصفة الشوارع
وتجوب الطيور الفضاء آمنةً
وحرةً طليقة
وسيتلألأ الفرح على كل شفاه أطفال العالم
وسيلهون بجدائل الشمس
وسيصبح صعود الأجيال القادمة
على مرتقى السماء
أكثر أمناً وبهجةً وسلاما
وستتلفع جميع مدن وأرياف العالم
بالعطور والأضواء
المنهمرة من نهود الشموس
ويعبر الإنسان بوابة الموت الرهيبة
آمناً... مطمئنا
ويضع زهرة على شاهد قبره
ثم ينام نومة هانئة
في أرجوحة الأبدية.
******
السنابل الباذخة على ضفاف دجلة
يلفها الظلام الدامس
وتصليها أنفاس التنين الأسود
وهي تتأجج شوقاً إلى قطرة ماء
في شواظ الهجير
لتبلّ جذورها الظمأى
برحيق الأمطار.
*******
لن أغفر على الإطلاق
على الإطلاق
جرائم الأنبياء الكذبة بحق شعبي
فتراب الأرض
وحيطان الشموس والنجوم
مخضبة بدماء أطفال أمتي الأبرياء.
******
دثّريني بهدبك
وارميني في بحر الهذيان
وامنحيني رعشات الحمى اللاذعة
لكي أتطهر من ذنوبٍ
 تمنيتُ لو أني اقترفتها
منذ أيام قصيّة
حينما أغلقت فمي على حلمة النار
تساقطت في حضني الأقمار
ثم ما لبث أن انهار سقف السماء
وانهمر الضوء على ضفائر الأمطار.
*******
أمضي في أروقة الليل
أمشي على سلك أوهن من خيط العنكبوت
هو الخيط الفاصل ما بين الظلمة
وأحضان التننين
فصعدت غصن الغيم
لأقطف شعاعاً من النور
حين لمحتُ وجهها يومض في واحة الشمس
ويمتطي خفق أجنحة طيور الرعد
حيث أكواخ العرافين
الذين يقومون بتحضير أرواح الموتى
على ضفاف الخابور الظامي
الذي يشع في الظلمة
والذي كلما ذكرناه
نرتعش حزناً وألما
ولكن..... لا بدّ غداّ
ستتدفق من باطن الأرض ينابيع الضوء
لتغسل وجه الأرض المعفّرة بخطايا الأنبياء.
*******
أغسل وجهي في بركة الشمس
وأتمسح بمنديل الشفق
وأذكر اسم أمي القدّوس
قبل صياح الديك
ثم أعزف على قيثارة أور
أغاني الفتيات العاشقات
يرددها الصدى
في وهاد بلادي
وفي شعاب جبالها
المطلة على مساكن الآلهة
أتهادى مع صوت الناي الجريح
وأنساب في أخاديد الغيم
وأسبح في بحيرة النجوم
حيث ألمح حاملي الراية المرصعة
بجمجمة الإنسان
يلعقون دماء فرائسهم
وقبل أن يلتهموا جثث ضحاياهم
يقسمون ألف مرة
باسم الحمار المقدس
الذي يطل من كوة الماضي السحيق
على مشارف القرن الواحد والعشرين
وهو يتقيأ الوحول والدماء
 والحجارة السوداء.
******
أنا الذي رأى كل شيء
من كوة الغيب
أوغلت في غابة الأسرار
كاشفاً النقاب عن كل خفايا الكون
عثرت على سفر الأقدار
وصرت أكشف خبايا ما قبل الطوفان
وما سيحدث قبل
وبعد قيام الساعة
وأصبحت أدرك ما لا يدركه الأنبياء
اختارني الآلهة العظام
آنو
وأنليل
 وإيّا
وصلى عليّ
وباركني (أدد) الجليل
وأمسكت بيدي ربة الجمال والجلال
(عشتار) المبجّلة
وأدخلتني المقصورة الإلهية
حيث العرش الإلهي
الزاخر بالألوان التي لا يتخيلها الشعراء
والعرّافون
والمنجمون
مهما سما بهم التصوّر أو الخيال.
******

سدني- استراليا
adamhomeh@hotmail.com