المحرر موضوع: كنيسة المسيح ... أم كنيستي! (الحلقة الثانية والأخيرة)  (زيارة 61 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل المونسـنيور بيوس قاشا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 241
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
كنيسة المسيح ... أم كنيستي!
(الحلقة الثانية والأخيرة)
المونسنيور د. بيوس قاشا
     في البدء...
ما أكثر الذين يريدون ولا زالوا إلى اليوم محاربة المسيح وكنيسته وتعاليمه
الإنجيلية وبطرق مختلفة ومتنوعة، كما لا زال الكثير من البشر في هذا الزمن الفاسد والحاقد يطرد المسيح وكنيسته من مسيرة حياته وينكره من لائحة الأديان، ومن المؤسف أن يكون هناك بعض من هؤلاء المسيحيين يريدون حصر المسيح وتعاليمه وكنيسته في دائرة تصوراتهم المحدودة والمتخلفة والمريضة بتدنّيهم الشكلي فيعتبرون أنفسهم أن الله وكنيسته يجب أن يسمعا لهم، وهذا إيمانهم المنافي لمسيرة حياتهم هو الدليل الأكيد لهم، ويعملون ذلك لتشويه حقيقة الذي أحبّنا حتى الموت على الصليب، فهم ينفذون إليه من زاوية بشرية وصورة إيمانية موافِقة لمشيئتهم عبر عالمنا المنظور وتعاليمه المدمِّرة للإنسانية وللأخوّة. ورغم ذلك فالكنيسة مؤسسة إلهية وبيت إلهي وحبٌّ لا يسمو عليه حُبّ، فهي جماعة المؤمنين بالمسيح وليس المؤمنين بـــ "أنا"، فهي أمّ جميع الأحياء حيث المسيح في الكنيسة هو رأسها وكلنا أعضاء هذا الجسد أيّاً كان عِرقنا ولغتنا ولوننا.

     ظاهرة الطوائف
المشكلة هي أننا في كنائسنا تقسيمات عديدة، وهذه التقسيمات ضربت الكنيسة وجعلتها كنائس مختلفة وعديدة ومتعددة تنادي بمسيح واحد، وقانون الإيمان نردّده جميعاً بقولنا "نؤمن بكنيسة واحدة، جامعة، مقدسة، رسولية" فإن كان إيماننا واحد فنحن لسنا كنائس متعددة ولكن هذه التقسيمات جعلتنا كنائس متعددة. ومار بولس يقول:"رَبٌّ وَاحِدٌ، إِيمَانٌ وَاحِدٌ، مَعْمُودِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، إِلهٌ وَآبٌ وَاحِدٌ لِلْكُلِّ، الَّذِي عَلَى الْكُلِّ وَبِالْكُلِّ وَفِي كُلِّكُمْ. وَلكِنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أُعْطِيَتِ النِّعْمَةُ حَسَبَ قِيَاسِ هِبَةِ الْمَسِيحِ" (أفسس 5:4-7) فلا أظنّ أن هناك انحطاطاً على الصعيد الكنسي والديني انحطاطاً أكبر من الذي وصلنا إليه في هذه الأيام من جرّاء قبولنا تسمية فُرضت علينا، ومن جرّاء جرّ المؤمنين إلى غير كنيسته مدّعين أنه لنا، وما هذه الظاهرة إلا من أيام العثمانية حيث دُعينا طوائف وقُسّمنا أشخاصاً وكنائس وذلك أفقَدَنا مجد المسيح الحي وحقيقته الواحدة. فنحن اليوم فرقاً ومذاهب وطوائف وأحزاب، والمطلوب هو التعاون بين الكنائس المختلفة، فالعالم لا يريد من تقسيماتنا إلا غِنىً له إذ يسهل عليه حكمنا وكما يشاء. فلنعلم أن كنيستنا واحدة، ولنكن منتبهين كما يقول مار بولس:"إن اسم المسيح سيُجدَّف عليه بسببنا بين الأمم" (رو24:2) فكلنا أبناء الله، ومن خلال إخوتنا يجب أن نحب البشر جميعاً وهذا ما علّمنا إياه المسيح الحي. والحياة رغم قساوتها، والمراحل التي تمرّ علينا، لكن سيبقى المسيح حامينا وشاهد للمحبة والخلاص.

     الكنيسة ... خادمة
الكنيسة ليست إدارة فقط وإن كان هذا الزمان وما نراه وما تراه الدنيا جعلها إدارية حصراً أكثر مما هي مبشِّرة. وقبل أن تعمل ما تشاء بواسطة رجالها، عليها أن تكون خادمة ومليئة بالرحمة، ولا يجوز أن يتصرف القائمين عليها كما يشاؤون وحسب هواهم فهي قبل كل شيء مبشِرة وليست دكتاتورية تتصرف كما تشاء وتنسى أن القطيع له آراءه، ولا تؤمن بكلام الآخرين وإنما تسيّر الجميع بما تراه عبر كبار زمننا ودنيانا، وتنسى طريقها الأمين الذي ما هو إلا حمل وإيصال البشارة إلى الآخر، فهي بالنهاية ليست إدارية وإنما رسولية، وإدارتها ما هي إلا لتنظيم مسارها... ليس إلا! كما أن الكنيسة ليست مُلكاً لأحد مهما كانت درجته ومنزلته بل هي لجميع المؤمنين. فمن الغريب عند سؤال الناس عن الكنيسة فإنهم يحدّدون المبنى الذي يترددون عليه (رو5:16) فمعلّمنا واحد، ومخلّصنا واحد، وما نحن إلا خدم لهذا المخلّص ولهذه الرسالة، وهدفنا ليس إلا إرشاد الناس وتشجيعهم على السير في طريق السماء. فالناس ليسوا إلا مجموع حبات القمح المتحدة في الخبزة الواحدة، ومجموع حبّات العنب المتحدة في كأس واحدة.

    كنيسة المسيح
إنْ كان المسيح إله الجميع ومخلّص الجميع فلا يجوز أبداً أبداً أن نحتكره لأنفسنا أو نقلّبه كما نشاء ونستخدمه لغاياتنا في آنية من صفائحنا ومصالحنا. لا يجوز أبداً أن نعلن البشارة ونحن نجعل من المسيح مستمعاً لمطالبنا كما نشاء وننسى أنه هو الله وما علينا إلا أن نسمع ونعمل بأقواله وعبر إيماننا به. فالإيمان هنا هو الحياة، ولا إله إلاّ هو (1كو4:8، يشوع 5:36)، وليس نحن آلهة هذه الدنيا رغم الشقاء إذا ما حلّ بيننا، فالمسيح ربنا هو الإله بكل معنى الكلمة كما أنه إنسان أحبّنا وهذا كله تأكيد على نعمته المخلِّصة دون النظر إلى البشر ومصالحنا. فما علينا إلا الإيمان وليس النظر إلى شكليات البشر وتصوراتهم وتديّنهم ومصالحهم الآنية وغاياتهم الدنيوية الزائلة، ولكن مَن يسمع ومَن يقرأ ومَن يعمل "فمَن له أُذنان سامعتان فليفهم" يقول القديس لوقا الإنجيلي (8:8).

    الكنيسة ... حصاد وافر
ورغم زوغان البشر عن طريق الحقيقة والمحبة والسلام لنحمل البشارة رغم أن الإيمان هذه الأيام مهدد في كل مكان، وهذا ليس بالمستغرب فمنذ بشارة المسيح إلى اليوم لا زال إيماننا بالمسيح مهدَّد. فالكنيسة مُلك المسيح وما نحن فيها إلا خدّام أمناء، وليس علينا أن نسيّرها كما نشاء ولكن علينا أن نسيّرها ونعمل فيها كعمّال الكرم مخلصين وحاملين اسم البشارة بعد أن نحياها ونزرع بذرة البشارة لكي يكون الحصاد وافراً. فالكنيسة أمّنا تدعونا إلى ذلك وحينذاك سنكون أمام كنيسة المسيح الرب وليس كنيستي أنا. فيسوعنا مؤسِّس الكنيسة وأساسها ومحرّكها وغايتها، فلا يحق لنا أن نسيّر وكأنه لم يؤسس الكنيسة، كما لا يعقل أن تتصرف هذه وكأنها لا تنتسب إليه أو كأن لا كلمة له على حياتها ولحياتها اليوم وغداً وإلى الدهور. فالكنيسة لا تستمر ولا تصمد إلا بفضل دعوة مَن دعاها، ولا يحق لها أن تبقى في الوجود إلا إذا ثبتت في خط الأمانة لرسالتها وحملت هذه الرسالة بجدارة لمجد مخلّصها الذي دعاها وأرسلها.

الخاتمة
فالبشارة من صلب رسالة الكنيسة، منطلقة من حقيقتها، لا عيب فيها ولا غضن فأولى الأعمال التبشيرية هي الصورة التي نعطيها عن المسيح من جراء المشكِّكة والمُظِلّة إزاء عالم بات يبحث لاهثاً عن كيفية الدخول بسرعة ونجاح في حقيقة العولمة للبشرية جمعاء. فلننتبه إلى مسيرتنا ولنكن – أقولها ثانية – أمناء نعم وأوفياء ... ليس إلا!!!.