المحرر موضوع: ميلادنا ... حقيقة وجودنا (الحلقة الأولى)  (زيارة 116 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل المونسـنيور بيوس قاشا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 242
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
ميلادنا ... حقيقة وجودنا
(الحلقة الأولى)
المونسنيور د. بيوس قاشا
   في البدء
أكيداً كلنا نعلم أن وجودنا وحضورنا عبر إيماننا بساكن المذود ليس عبثاً أو
صدفةً أو ضياعاً، وإنما وجودنا - حسب علمي ومعرفتي - رسالة نحملها لنكمل مشيئته، وهذه الرسالة مملوءة بشارة ومحبة الآخر. فحضورنا يتطلب منا حضوراً حقيقياً لإثبات وجودنا كي لا نكون حملاناً أو غنائم لكراهية الآخرين ودعواتهم التي تُرتَكَب بحقنا عبر قوانين لا ناقة لنا فيها ولا جمل، ويُطلَب منا أن نكون لكل كلامهم طائعين ولا شيء غير ذلك.
فالميلاد يدعونا إلى أن ننظر إلى الآخرين نظرة جديدة مبنية على الحب والاحترام، لأن الميلاد سرٌّ حيث تواضع الرب ليرفعنا، وافتقر ليُغنينا، كما لبس بشريّتنا ليزيّننا بألوهيته. فالكل متساوون أمام الله بالحب والكرامة، وهذا الحب كشف لنا تعلّق المسيح بالأرض التي فيها خلق الإنسان وفيها وضعه، ومن خلال الأرض هذه نشهد لسرّ التجسد في عالم الشهوة والجسد.

   تاريخ ... وأصلاء
مرّت الأيام، وكانت الحروب على أجدادنا وآبائنا وشعبنا، وها هي اليوم تمرّ علينا ولو بصور أخرى وربما غير التي ألفناها، ولكن كانت وستبقى نتيجتها هي هي، وإن كان لكل مرحلة مآسي خاص وحقد دفين وتكفير وسجود للوثن والتعبّد للبشر وتقديس وجوههم كما تشاء مصالحهم خوفاً من الموت والدمار والفرار. فالشرّ بأيديهم مستعد أن يلوّث أياديه بدمائنا البريئة عبر تدمير معابدنا وهجرتنا، وتلك حقيقة لا يمكن نكرانها، ومَن ينكرها ما هو إلا من المزيفين الحاقدين وذوي المصالح الخاصة، وسبيلهم معروف إذ أقاموا أنفسهم وكلاء لله على هذه البسيطة الفانية إذ يعتبرون ما يقومون به ما هو إلا سماوي وربما إلهي، وإنهم منها انحدروا وعبر دساتير كاذبة ودون وجه حق وذلك استشهاداً بقانون العيش المشترك، وأصلاء الدار هم فعلاً الأصلاء في حقوقهم كبشر بريء وكل ذلك بعيداً عن تعاليم الرحمن الرحيم إنما شهرتهم وبذلك يعلنون وفاءهم للسماء دون خوف أو وجل وبكل كبرياء وحقد وأنانية عبر مناسبات عدة ومؤتمرات وبذلك يسدلون الستار عن حقيقة المسيح الحي والمسيحيين ووجودهم وهجرتهم المؤلمة. فحتى متى هجرة أولادنا وعوائلنا ورحيل أكبادنا من أرضهم، فأسماؤهم مُحيت من سجلات بلادهم وأرضهم التي من أجلها كانوا، كما ضاعت أحوالهم من سجلات تربتهم وهم يدركون أنهم الأصلاء ولكن ليس في اليد من حيلة لهجرتهم.

   نحن ... والزمن
في الحقيقة وهذا ما أعرفه أن المسيحية تتعرض من وقت لآخر إلى هزة لتطهيرها من العناصر الضعيفة، وترى المسيحية أن الاضطهادات مفيدة، وهذا ما يعلّمنا إياه بولس الرسول إذ يقول "إنني أحتمل في جسدي ما نقص من آلام المسيح" (كولوسي24:1) وهذا ما يجعل المسيحيين صامدين وثابتين في أرضهم وبلادهم إلا بعضاً منهم من الذين يجعلون من مسيحيتهم ديناً، فتراهم متدينين، والحق لهم أن يكونوا هم في الصفوف الأولى، وعلى حساب المسيح يربحون كل شيء وينسون ما قاله بولس الرسول "أن ربما بسببنا يُهان المسيح". وهذا ما نراه اليوم عند كبار الزمن إذ لا يريدون إلا إرادتهم، ومن أجل مصالحهم يعملون وليس شيئاً آخر. ولكن لنعلم أن المسيحي لا يجوز أن يحيا إيمانه خوفاً وعلى طرقات الحياة كأنه لا أرض له ولا موطئ قدم. والحال فكبار دنيانا وزمننا يجب أن يكونوا هم المثل لمسيرة الحياة عبر مسيرة مشرقة دون التباهي بالمركز أو المنصب بل بالخدمة والعطاء، ودون القول هذا ما يريده الزمان. فالزمن هو لنا وليس نحن للزمن. فلننتبه إلى مؤمني أرضنا ومجتمعنا، ونجعل من أنفسنا شهداء ومحاربة كل المصالح والقرارات الطائفية وتعمل من أجل تدمير الآخر البريء فما هذا إلا طريق الفساد والشر الذي جعل من شعبنا غريباً وهو أصيل، وكتب أسماء صغاره عبر الهجرة والرحيل وترك أرضه ووطنه لأن الكراهية طردته وربما أحياناً يأتينا الصوت: لماذا تهاجرون وترحلون؟ أليس هكذا يريدون أن يجعلوا من كنيسة المسيح بناءً في خطر؟ وهذا ما يحصل اليوم وما أراه، إنه مخيف ومخيف جداً إذ يشعر الإنسان المهاجر والمصاب بداء الرحيل أن الأرض التي احتضنته لم تعد تحبّه بل تلفظه ولا تبادله الحب عبر البناء، فلا مجال للبقاء وإنما ما هو الحل؟ أليس هو الأرض البديلة؟.

  الرحيل ... مشكلة
واليوم، ومن المؤسف أن أرى أناساً كباراً في الدنيا وهكذا يعتبرون أنفسهم ولكن الكبير فيهم هو الخادم كما يقول ربنا يسوع وفي ذلك هؤلاء الكبار لا يرون إلا مصالحهم وأنانياتهم ولا يفكرون إلا بإله المال والجاه والسلطة والكرسي والمركز، فيكونوا هم علاماتٍ وسبباً لهجرة العديد من العوائل الذين لا يفكرون إلا في دنياهم ومصالحهم دون أن يعرفوا ماذا تعني الشهادة وإن كانت أساس حياتهم. لذا على هذه العلامات أن يكونوا مثالاً للعوائل الراحلة، وليعلموا أن الرحيل لا يحلّ المشكلة بل يعملون على ترك العديد من الأخوة تحت نير العبودية وما ذلك إلا سرقة بشرية في إفراغ المجتمع من الأصلاء ليس إلا...!.
وما يؤلمني أن أرى أبناء مدينتي يرحلون خوفاً من وممّا حصل لهم عوائل وأفراد، وهجرتهم من حقيقة العيش ومستقبل أولادهم الصغار. لنعلم جميعاً هل ذلك لا يعمل إلا ليُحبط عزيمة البقية الباقية ناسين أن الرب سبق وأعلمنا بكل شيء إذ قال "سبق وأعلمتُكم وقلتُ لكم اسهروا، لأنكم لا تعلمون الساعة" (متى13:25) أليس هو صوت الله الذي قال لآدم "موتاً تموت" إنه صوت التأمل والانتباه... وإلى الحلقة الثانية