المحرر موضوع: في امتطاء رجل الدين للسلطة  (زيارة 230 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل لويس إقليمس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 428
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
في امتطاء رجل الدين للسلطة
لويس إقليمس
بغداد، في 12 كانون أول 2023
بين السلطة والدين تقاطع وتناحر وصراع إلاّ في واحدة يصحُّ فيها شكل الاقتحام لرجل الدين بتسيّد المشهد السياسيّ حين تناولِه معولَ الإصلاح بهدف تنقية البيدر من فساد أخلاق الساسة الذين يمتطون السلطة والعمل على تربيش الحقل المتهالك والسعي لإنعاشه من جديد كي يأتي بثمار أفضل فيغيّر من المعادلة الطبيعية في حياة البشر الزائغة عن الطريق. وبغير هذا لا يصلح لرجل الدين كي يقتحم سلك السياسة ويتشبث بالسلطة الدنيوية إلاّ إذا نزعَ رداءَه الذي يتستّرُ به مظهريًا مغادِرًا لغير رجعة جمالياتِ وخصوصيات هذا السلك وأخلاقه وطبيعة نشاطه الروحي والإرشادي والإصلاحي للبشر من الأتباع وغيرهم. مشكلتنا القائمة في بعض مجتمعات اليوم في شرقنا الإسلامي خاصة، أخذت بالتفاقم بسبب تقاطع الأدوار وتداخلها وتهارشها لدى عقليات مغمورة من رجالٍ يدّعون استمكانهم واستئثارَهم واحتكارَهم لمفاتيح الفهم والوعي والعلم والحقّ من خلال عباءة الدين أو العمامة أو القلنسوة أو أيّ غطاء رمزي يتشحه العديد من رجال الدين هذه الأيام فارضين سطوتَهم  وصوتَهم الظالم في صناعة السياسة الهزيلة المتهرّئة من أساسها من أجل بلوغ غاياتٍ ومآرب لا تليق برجال الدين الحقيقيين الصادقين مع ربهم وعباده من الأتباع والموالين وأصحاب الوطن مهما كان وجه الاختلاف في الرؤى والفكر والدين والمذهب.
من الواضح ممّا نعيشه من واقع مخزي وفاضح، أنَّ جلَّ ما يسعى إليه رجل السياسة المشبوه القادم من أصولٍ دينية غير رصينة يتعكّزُ على كيفية مسك السلطة وتسيّد المشهد السياسيّ بأيّ ثمن بغاية السيطرة على شؤون البلاد والعباد والتركيز على فرض فكرة أو أيديولوجية أو صيغة مساومة أو فرض سطوة دنيوية بمظهر ديني ومذهبي إتجاهَ الغير، سواءً ضمن حظيرة البلد الواحد في الداخل أو مع المحيط الإقليمي والدولي. وهذا يتطلب مواهب وعقليات كبيرة ترسم لها استراتيجيات وخططًا وبرامجَ للوصول إلى شكل هذا المبتغى بأساليب الدجل والكذبِ على الغير ولاسيّما من بسطاءَ الشعب والسذّج منهم، وعبر استخدام الكثير من وسائل المكر والخديعة والتشارك في تقاسم المغانم، بل وفي التخادم أحيانًا لو اقتضت الحاجة اقتناصًا للفرص. ومن الطبيعي أن يقع هذا الصنف من رجال السياسة المتلوّنين الذين يتصدرون المشهد المحلّي والدولي عرضةً لأشكالٍ من النقد والانتقاد، سلبًا أو إيجابًا مبطنًا بمجاملات خسيسة من ضعاف النفوس والحيّل. وما على هذا الصنف من أدعياء الدّين، وهم كثرٌ، إلاّ تحمَّلَ هذه الانتقادات والملاحظات، لكونهم ارتضوا لأنفسهم خوض هذه التجربة غير الجديرة بمقاماتهم والإشكالية الصعبة والحساسة في آنٍ معًا.
في اعتقادي أنَّ رجل الدين، حين يقتحم أضواءَ السلطة بمثل هذه الوسائل غير الرصينة ويسعى لتصدّر المشهد السياسي مستفيدًا من صفته الدينية التي تسوّغ له، بحسب رأيه هو، فرضَ ما يسعى إليه بدون وجه حق مستغلِاً الأتباع البؤساء وقاصري الفكر وضعيفي الحال ومحتاجي المال والخبز دون الأخلاق والعلم والتربية، فهو في مثل هذه الحالة يخسر دينه ودنياه بسبب بخسه بما تعلمَه من علومٍ وأخلاقٍ وتوجيهات سديدة كانت تصلحُ فقط للمشورة والحكمة في توجيه العباد من البشر المحتاجين للنصح ومعرفة الحق وطريق الصواب والصراط المستقيم. وبغير هذه الأمور والتوصيفات الأخيرة لا يصلح لرجل الدين أن يلبس العباءة الدينية المحترمة ويمزجها بجلباب السياسة المتسمة غالبًا بالنفاق والكذب والدجل  والضحك على عقول البسطاء والسذّج من أهل الدار. فهو في نهاية المطاف سيشكّلُ قالبًا مستبدًّا  من خلال السطوة التي يستأثرُ بها على الأتباع المرغمين في غالبيتهم لاتّباعه وفق ما يريد هو ويوجّه به لبلوغ مآربه الخبيثة وغير النظيفة. ولنا في هذه الأمثلة ما يجري في عراقنا ومحيطنا العربي والإسلاميّ من نماذج سيّئة الصيت والسمعة لحدّ فوحان ريحة جيفتها ويأسِ حتى السماء السابعة ومحبّي الإصلاح للتخلّص منها ومن ترّهاتها وتأثيراتها السلبية التي زرعتها قوى الشر الغازية في لحظة ظالمة في مجتمعاتنا المتعايشة منذ القِدم. وماتزال هذه الأخيرة تحصدُ نتائجها السلبية المتخلفة في كلّ شيء وأيّ شيء، إلاّ لما له توقٌ لحياة أفضل للبلاد والعباد في انتظار الخلاص من أمثالها وأشكالها ووجودها وشخوصها غير المرغوبِ بهم.

السياسة أخلاق وقيم إيجابية
سمعنا كثيرًا من حكماء عصرهم وعلماء دينٍ وفقهٍ وسياسة وسادةِ أخلاق وتربية وعلومٍ بعدم جواز السماح لرجل الدين أن يمتطي السلطة طالما لم يخلع جلباب هذا الدين وعباءتَه "المقدّسة تقليديًا" التي يتمظهرُ بها لإبراز رمزية الطهر الروحي الذي نشأ عليه أو يدّعي ابتداءَ مشواره الروحي به في الحياة الدنيوية المحددّة بأيامها وأشهُرِها وسنينها المعدودات قياسًا بعمر الخليقة وحكمة الخالق. وفيما الحكمة والحكماء والعقلُ والعقلاءُ  يشهدون ببقاء رجل الدين بعيدًا عن مخاطر السلطة وإغواءاتِها وإرهاصاتها حفاظًا على روحه وفكره ووعيه وحكمته وعقله وقدرته على إصلاح الغير حين الطلب والسؤال، فهذا من أجل الحفاظ على سمعته ودوره البناّء والإيجابيّ وسط مؤيديه وبني جنسه. بل يمكن أن يكون هذا التحذير والتحوّط والحظر، إن صحّ وصفُه، داخلاً ضمن خانة الاحترام الذي يستحقه هو وكُلُّ مَن اختار هذه الطريق وهذا المسلك وهذه الحياة، ومنها احترامُه هو لنفسه ولحاله ولشخصه ولسمعته وسط ناسه وأهلِه ومحيطه. وهو من دون شكّ، آيلٌ إلى فقدان كلّ هذه الصفات الجميلة والطيبة حين يُقحمُ نفسَه في السلطة أو يسعى لاقتحامها بما أمّنت له صفتُه الدينية من سطوة روحية زائفة على الغير، لاسيّما السذّج من البشر والأتباع المصدّقين بما يروّجه البعض من رجال الدين بالولاية العقلية على المؤمنين والأتباع، بحيث يكادُ البسطاء يفقدون قدراتهم التفكيرية بما أوتوا من كمياتٍ محدوداتٍ من عقلٍ وحكمة وفكر وتقييم وفعلٍ وقولٍ معًا. وخوفي أن يفقد أمثال رجال الدين هؤلاء، وهُم كثرٌ هذه الأيام، مصداقيتهم في الحياة فيضيعوا في متاهات لا حدَّ لها، بل ويخسروا الدين والدولة التي يبغون السيطرة عليها وحكمَها معًا بسبب القصور في السلوك والتصرّف المتصف غالبًا بشيءٍ من الاستبداد بدعوى الإيمان والاعتقاد بتوصيفات قاصرة لما هو متعارف عليه بكهنوت "الدين والدولة" نيابة أو وكالةً عن الله خالق الكون. في حين أن هذا الإله ليس بحاجة إلى وكلاء عنه لسيادة عباده في الأرض، إنّما فقط وُجد شكل هذا الكهنوت في أي دينٍ للتوجيه والنصح وتربية الأجيال في مناحي العلم والأخلاق والسيرة الحسنة استعدادًا لحياة أفضل في العالم الثاني الذي لا يزول ولا ينتهي وليس فيه ملذات حسية وجنسية وبشرية، بل التمتع برؤية الخالق وبهاء مجده وسط الأخيار والطيبين والأبرار والصديقين والأئمة الصالحين وغير المنافقين من أمثال العشارين والفرّيسيين وأرباب العباءات والجلابيب والعمائم والقلنسوات الكاذبة التي تسعى لتسخير الدين والروحانيات لمصالح ومكاسب ومآرب خاصة. وما أكثر مَن يدّعون مثل هذه الترّهات ويضحكون على بسطاء البشر والعباد الطيبين ويبشرونهم بالخير الوفير القادم، لاسيّما في مواسم الانتخابات التي أثبتت الأيام والسنوات زيف مثل هذه الادّعاءات وكذبَها في عراق ما بعد السقوط والغزو الأمريكي والغربي مثلاً، بدعوى تصدير الديمقراطية لهذا البلد. أليسَ المجرَّب لا يُجرَّب؟ وقل ما شئتَ مثله في بلاد العرب والدول النامية في العالم!
هذه دعوة ملحة ونصيحة من مواطن صادق بحق الوطن والشعب، لكلّ رجل دين، من أي دينٍ أو مذهب، سعى أو يسعى للرقص على أنغامِ السياسة عبر أنماط استغلال وسيلة الدين ومظاهره الكهنوتية والروحية الفاتنة من أجل تحقيق مكاسب وغايات وأرباح مادية ونفوذ وجاه ومال، نزعَ عباءة الدين الذي يتوشحه قبل الخوض في غمار وبحار هذا المسلك العميق وغير الآمن. فالدينُ الصحيح أخلاقٌ عالية وقيمٌ موجبة قبل أن يتمرّغَ به أساطنة السياسة في مكرهم وخداعهم وكذبهم وزيفهم بسبب اختلاط أوهام الاثنين معًا وصعوبة تلاقيهما في مسارٍ إيجابيّ لخدمة الوطن والمواطن وفق الظروف والأسس بلا محاذير. وأخيرًا، فالدين يُفسدُ السياسة حين امتطاء رجاله للسلطة!