المحرر موضوع: ولي العهد رودولف بقلم: دَيْل كارنيجي(1888_1955)  (زيارة 235 مرات)

0 الأعضاء و 2 ضيوف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل marqos yousif

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 26
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
      ترجمة : الاستاذ يوآرش هيدو

‏ذات صباح بارد كثير الضباب قبل شروق الشمس بوقت قصير  ، في كانون الثاني ،
[1888 ]  دوى صوت ثلاث اطلاقات نارية  في
( بيت الصيد ) * الخاص برودولف  ولي عهد الامبراطورية النمساوية - المجرية.
اصدقاء رودولف الذين أمضوا الليلة تحت سقفه اسرعوا الى الباب المؤدي الى غرفة النوم الملكية  وشرعوا يطرقونهُ بعنف وعلى نحو مستثار . ولما لم يسمعوا جواباً ، خلعوا  الباب  من مفاصله واندفعوا  بقوة إلى داخل الغرفة.
 
ويا لهولِ ما وقعت عليه أعينهم ؛!  كان ما رأًوه مشهداً  مريعاً  تقشعر له  الأبدان. كانت الغرفة في حالة فوضى تامة.
‏الكراسي كانت مقلوبة ، قناني الشامپين كانت مبعثرة شذر مذر  على أرضية الغرفة .
الوسائد على السرير كانت ملطخة بالدم الأحمر القاني . وكانت هناك بقع من الدم على الحيطان.  ولي العهد رودولف بكامل ملابسه كان ممدداً  على الفراش وقد تهشمت قمة رأسه . وبجانبه كان  ممدداً  جسد المرأة التي أحبها قلبهُ . كانت الرصاصة قد اخترقت
صدغها ، وكان الجرح العميق مغطى بخصل شعرها البني الباذخ  الذي كثيراً ما داعبه رودولف  برقة وحنان . ولم يكن هناك ندبة أو خدش في بقية أنحاء جسمها.  كانت جميلة مثل إلهة من إلهات  الإغريق ، اجل كانت فاتنة  في الموت تماماً كما كانت في الحياة.

‏حدثت هذه المأساة  منذ أربعين سنة في النمسا ،  ومع ذلك  فسواء  كانت جريمة قتل
أو عملية إنتحار ، فهي ، ربما ، تؤثر على حياتنا حتى اليوم ، كما كان لها تأثير  عميق على تاريخ العالم.  و توضيح ذلك في غاية البساطة .

‏فلو عاش  ولي العهد رودولف ذو النزعة الديمقراطية  ،  فمن الممكن جداً أنه  كان سيرفض ، سنة ( 1914 ) ,  انضمام القوات النمساوية إلى قيصر ألمانيا  الذي كان ولي العهد رودولف يكن له احتقاراً شديداً .كما أنه من الممكن تماماً أن رودولف كان سيرفض مقاتلة إنگلترا  التي أحبها كثيراً. وبالتالي كان من المحتمل أن يتجنب العالم حربين عالميتين كبريين .

‏ولنتسائل هل أطلق رودولف النار  على حبيبته ثم انتحر ؟ أم أن طرفاً ثالثاً اغتال كليهما ؟
لا أحد يعرف الجواب . لقد أثارت قصة الغرام المأساوية هذه رغبة  وفضول العديد من الكتاب الالمان والإنگليز والإيطاليين فألفوا  كتباً حولها كل بلغته الأم . ومهما يكن من أمر سيظل لغز هذه المأساة الملكية ، ربما ، دون حل الى الابد . عندما حدث إطلاق النار ، لم يكن في ( بيت الصيد ) سوى صديقين من أصدقاء ولي العهد ، الامير فيليب من( كوبرگ )Coburg
والكونت ( هويوس ) Hoyos ، وكلاهما اعتقدا أن الحادث كان انتحاراً. اذ كانا يعرفانِ - كما كان الجميع في فينّا يعرف - بأن ولي العهد لم يكن سعيداً في زواجه.
‏قبل ثمان سنوات من المأساة، كان رودولف قد تزوج الاميرة (ستيفاني )  Stephanie ذات الشعر الذهبي ، ابنة ملك بلجيكا . لكنه لم يكن يحبها كما أنها لم تكن تحبه . لقد فُرضَ الزواج عليهما قسراً  لأسباب أو دوافع سياسية. و لسنين كان الأثنان متباعدين و متنافرين . ونادراً ما كانت ستيفاني تزوره في  منزله ؛  ومع ذلك كانت تغار بجنون من اهتمامه  بنساء أخريات .

كان رودولف قد قام برحلات عديدة،  وكان يتكلم عشر لغات ، وكتب عدة كتب ، و كان محبوباً جداً.
 في الحقيقة كان معبود الجماهير ، لا بل كان معبود الإمبراطورية برمتها  . قبل سنة من وفاته،  أي في  ( 1888 ) التقى  البارونة
( ماري فيتسيرا )  Marie Vetsera ، المرأة الفاتنة المفعمة بالحيوية والنشاط ذات الأصول الإغريقية القديمة .
كانت في التاسعة عشرة  من عمرها  وكان هو في التاسعة والعشرين فوقعا في الحب على نحو رومانتيكي وانجذاب  صوفي.
 أن قصة الحب المضطرم  هذة  روعت حتى المولعين بأشاعة  الفضائح .  وكان هناك
تذمر عام بلغت اخباره أسماع الإمبراطور
العجوز القاسي ،  فرانتس جوزيف  Franz Joseph .
في بادئ الأمر،  تغاضى الإمبراطور عن تتبع المسألة  , ذلك لأنه هو نفسه لم يكن قد
ارتدى يوماً عباءة ً ناصعة لاشائبة  عليها .
لكن القصة  استمرت وازدادت سوءاً .  لقد أضحت فضيحة يتناقلها الجميع .  فينّا وبودابست  عن بكرة أبيهما  انهمكتا في القيل والقال.
‏استدعى فرانتس جوزيف ابنه إلى القصر وقال له أن هذه العلاقة الطائشة المحرّمة   يجب أن تنتهي على الفور .
لكن رودولف تحدى الامبراطور  العجوز وأقسم يميناً بانه لن يتخلى عن ماري ابدأ.  ثارت ثائرة فرانتس جوزيف وهدد وتوعد وضرب الطاولة بعنف محدثاً دوياً. لكن ذلك لم يجد نفعاً ،
لأن ماري كانت بالنسبة لرودولف  أثمن من مظاهر الشرف والثروة وتاج ال هاپسبورغ
المرصع باللاليء . في الحقيقة كان مستعداً
لأن يتنازل عن حقه في العرش ويطلق زوجته ويتزوج  من ماري .
لكن الإمبراطور العجوز انتابته سورةَ  من الغضب والشجب والأستنكار .

بعد ذلك ،  كان رودولف وماري يلتقيان مراراً
خفيةً  ، في ( بيت الصيد )  المستكن بين أحضان غابة الصنوبر  على بعد ثلاثين  ميلاً ليكونا  بمنأى  عن العيون المتطفلة والالسنة  التي تتحرك بالقيل والقال في فينا.

الى هناك كان الحبيبان قد ذهبا في ذلك الأسبوع الدامي من شهر كانون الثاني ليختلسا
 من الزمن اياماً قليلة  سعيدة حافلة بمباهج الحب ، حين دوى صوت إطلاقات ثلاث  غيرت مجرى التاريخ .
في صباح يوم المأساة،  أيقظ خادم  رودولف
الخاص سيده في الساعة السادسة والنصف ، للذهاب  للصيد . لكن الخادم أخبره بأن الطقس كان كثير الضباب و بارداً جداً .  لذا تخلى رودولف عن فكرة الذهاب للصيد وأمر بأحضار  عربته قائلاً انه عائد إلى فينا .
كان  الخادم اخر  من رأى الامير حياً وصرح بأنه ، أي الامير ، كان سعيداً   وعلى وجهه ابتسامة مشرقة ذلك الصباح.
 كان الخادم واثقاً  دوماً  ومتيقناً بأن رودولف  وماري قد أغتيلا  إغتيالاً .
 ترى أي دافع كان من الممكن أن يحث رودولف
على الاقدام  على الانتحار !!

‏قلائل هم  الرجال الذين عاشوا على هذه البسيطة وكان لهم الكثير من الأشياء التي
يعيش الإنسان من أجلها .
لم يكن الامير يفتقر إلى شيء البتة .
كان يمتلك ثروة ضخمة ويتمتع بشعبية عظيمة وكان شاباً ممتلئاً حيوية،  محبوباً  وذا  شهرة واسعة فضلاً عن كونه وريث عرش آل هاپسبورغ  .
 كان الامبراطور تواقاً  لطمس القصة أو لمنع  انتشارها على نطاق اوسع ،  فاستدعى  طبيب البلاط وأمره بتوقيع تصريح  مفاده ان رودولف مات بالسكتة الدماغية .  لكن الطبيب رفض ذلك رفضاً قاطعاً.
أقيم  لرودولف موكب جنائزي  عظيم وبأبهة ملكية  ودفن مع أسلافه من آل هاپسبورغ  الذين حكموا النمسا ستة قرون .
اما جثمان حبيبته فقد نقل إلى حجرة رئيس الخدم في ( بيت الصيد )  لتظل  مهملة هناك
لا تحظى باي اهتمام  لعدة ايام . واخيراً  دفنت  ليلاً في  دير موحش في أعماق غابة  صنوبر كثيفة . لقد وضع الرهبان جثمانها في تابوت بسيط من خشب الصنوبر الخشن.

والقبعة التي كانت ترتديها بمرح وابتهاج 
 عندما تلتقي بحبيبها رودولف،  وضعت تحت رأسها في التابوت بمثابة وسادة.   وكان تنهد الريح  الحزينة النائحة   بين اشجار الصنوبر
الترنيمة الوحيدة على روح الفقيدة .


(*) بيت الصيد ( Hunting Lodge ) عبارة عن بيت خارج المدينة عادة ينزل فيه مؤقتاً هواة الصيد في موسم معين . ( المترجم )

(1) انظر ( ص23_26 ) من كتاب:
‏  LITTLE  KNOWN FACTS ABOUT WELL _KNOWN PEOpLE
By Dale Carnegie