المحرر موضوع: مع حفيدي في إحدى مقاهي كوفي تايم في بلدتي ... / كندا  (زيارة 319 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل صباح پلندر

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 125
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
مع حفيدي في إحدى مقاهي كوفي تايم في بلدتي ... / كندا
في إحدى الأمسيات وأنا مع حفيدي كنا جالسين في إحدى المقاهي المنتشرة في البلدة و كالعادة طلبت قهوة سادة فيما اختار حفيدي عصير برتقال وكان يقابلنا عن قرب رجل عجوز وزجته ومعهم حفيدهم وكانت يد الرجل ترتجف وقد تكون حالة صحية شائعة تصيب عددًا كبيرًا من الأشخاص المسنين حيث لم يكن باستطاعة حمل فنجان القهوة وحفيده يتكلم معه بصوت مسموع ويسأله أن يقص له عما جرى في حياته ، فكانت ابتسامة تملاء وجه العجوز وهو يتكلم مع حفيده... وهنا سألني حفيدي عما يتكلمون به ، فأجبته بانه يسرد له حكايات من أيام شبابه وكيف كان يعمل في إحدى الوظائف بجد ونشاط ويبدو الآن أحيل على التقاعد والدولة تهتم به وتخدمه، فلكزني حفيدي بأصبعه الصغير قائلاً : جدو يبدو هذا الرجل فرحان جداً بحياته رغم تقدمه في السن  ؟ أجبته : الفضل يعود إلى الدولة التي منحت له افضل حياة ليعيش بكرامته أولاً وبراحة تامة ثانياً من حيث الرعاية الصحية والاجتماعية وراتبه مستمر ويعيش أفضل عيشة من حيث الأمان في بلد بعيد عن الحروب الخارجية والداخلية ويسكن داراً لا ينقطع عنها لا الكهرباء ولا الماء والتدفة مستمرة شتاءً وفي نهاية السنة يدفع ما عليه من الضرائب مع فرص للعيش الكريم وهي سهلة ومتوفرة طوال مسيرة حياته ولهذا تجده سعيداً فرحاً بقهوته التي يحتسيها بيده المرتجفة وهو مطمئن البال ... وهنا جائني سؤال كوى جميع جروحاتي وأرجعني بالذاكرة لأكثر من خمس وثلاثون سنةٍ خلت عندما سألني لماذا لست مثله فرحاً وأراك في أكثر الأوقات مهموماً ؟ قلت له عزيزي بولص لماذا تذكرنى بالماضى الأليم ،فردَّ قائلاً إحكي كما حكى العجوز لحفيده . أجبته سمعاً وطاعةً فالماضي الأليم الذي عشته كان متزامناً مع الحروب الداخلية والخارجية للبلد ولن أتحدث عن معيشتنا حيث كنا كباقي الناس البسطاء نعيش مع خط الفقر منذ أن وعيت إن لم أقل منذ ولادتي وإلى أن تركت فيها أرض الآباء والأجداد بعد أن عاصرت أوقاتاً كانت تقاتل الأحزاب فيما بينها وبقي ولا يزال صراع الإنسان مع أخيه الإنسان مستمر وقد استشرى الفساد والرشوة والمواطن في أغلب الأحيان محروم من ابسط متطلبات الحياة منها الخدمات بصورة عامة واما عن الصحة فلا تسأل إذا لا سامح الله إن مرضِ أحدهم فقد يخسر كل ما يملك للأطباء والمستشفيات دون فائدة وبالتالي قد يلجأ إلى خارج الوطن للمعالجة إن كان ميسور الحال واما العلْم في المدارس والجامعات لا تسأل عنهما حيث تغير كثيراً عن الأمس ومعلم اليوم ليس  كمعلم الأمس فهو محرومين من أبسط حقوقهم بعجز الحكومة المحلية من دفع رواتبهم وإنعكس الوضع سلباً على المعلم والتلميذ... فقال وما عن والدك ؟ أجبت من حقكَّ أن تسألني لتعرف من أكون بالنسبة لكَ، يا صغيري كان والدي عامل بسيط يعمل بكل ما بوسعه لكى يؤمن لأفراد العائلة العيش الكريم ولكن بسبب انتماءنا إلى أحزاب كوردية التي كانت تناضل من أجل نيل حقوقها من الحكومة المركزية فتم إعدام أكثرية أفراد العائله حتى بنت عمك سوران وهي طفلة رضيعة لم تتجاوز الأربعون يوما من عمرها وكذلك إثنان من عماتكَ وهن بعمر ثلاثه عشر سنه والآخرى سبعة عشر وبحسب القانون لا يشملهم حكم الاعدام ولكن للأسف لعدم وجود قانون العدالة فيحق لكل حاكم أن يقرر العقوبة التي يشاؤها  وقد يكون الآمر بالعقوبة مدير أمن النظام نفسه هو الحاكم . هنا قاطعني ليسألني : كيف انت نجوت ولم تعدم ؟ أجبته بأني كنت متزوج ولي داري المستقل ولكن الحكومة أمرت بسجني لمدة عام وشهرين وكانت معي اختي برنا وكان زوجها مفقوداً في الحرب بين ايران والعراق لهذا السبب لم يتم إعدامنا . فردَّ قائلًا فكيف وصلت إلى كندا ؟ أجبت إنها هذه قصة طويلة حيث خرجت من قريتي تاركاً ورائي كل شيء من ذكرياتي وأصدقائي وأحبتي من أجل إنقاذ اولادى لكي لا يصيبنا مرة اخرى ما أصابنا سابقا بسبب الاقتتال الاخوي بين الحزبين الكبيرين ، ومن العجب أن يقول لي كيف يتقاتلون الأخوة ؟ أجبت: تتقاتل الاحزاب فيما بينهم لأجل المال والسلطة(الكرسي) قاتلوا وانا كنت مع احد هذه الاحزاب وتم سلب ونهب بيتي بما فيه من ممتلكات واخذت جدتكَ بالاختفاء مع أعمامك وعماتك لحين ايجاد طريق للخروج خارج البلد ، وانا اشكر بعض من الاخوة الذين ساعدونى لإنقاذ عائلتنا من الهلاك ومنهم جمال ولطيف والمرحوم نجيب وبيت عمو غازي وابن بولص أثوري... وبعد ان أصبح الوضع هادئاً خرجت ليلا من عنكاوا الى اربيل ومنها الى ديانا والى تركيا مشياً على الأقدام مع اربعة من اولادى وأحدهم بعمر خمسة سنوات حتى وصلنا إلى إحدى كنائس في منطقة مارسين ومنها تقدمنا إلى منظمة الأمم المتحده وقبلونا كلاجئين وكان حظي كندا يا صغيري بولص .
بقلم صباح بلندر