المحرر موضوع: ميلادنا ... حقيقة وجودنا (الحلقة الثانية والأخيرة)  (زيارة 100 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل المونسـنيور بيوس قاشا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 242
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
ميلادنا ... حقيقة وجودنا
(الحلقة الثانية والأخيرة)
المونسنيور د. بيوس قاشا
   في البدء
أكيداً كلنا نعلم أن وجودنا وحضورنا عبر إيماننا بساكن المذود ليس عبثاً أو
صدفةً أو ضياعاً، وإنما وجودنا - حسب علمي ومعرفتي - رسالة نحملها لنكمل مشيئته، وهذه الرسالة مملوءة بشارة ومحبة الآخر. فحضورنا يتطلب منا حضوراً حقيقياً لإثبات وجودنا كي لا نكون حملاناً أو غنائم لكراهية الآخرين ودعواتهم التي تُرتَكَب بحقنا عبر قوانين لا ناقة لنا فيها ولا جمل، ويُطلَب منا أن نكون لكل كلامهم طائعين ولا شيء غير ذلك.
فالميلاد يدعونا إلى أن ننظر إلى الآخرين نظرة جديدة مبنية على الحب والاحترام، لأن الميلاد سرٌّ حيث تواضع الرب ليرفعنا، وافتقر ليُغنينا، كما لبس بشريّتنا ليزيّننا بألوهيته. فالكل متساوون أمام الله بالحب والكرامة، وهذا الحب كشف لنا تعلّق المسيح بالأرض التي فيها خلق الإنسان وفيها وضعه، ومن خلال الأرض هذه نشهد لسرّ التجسد في عالم الشهوة والجسد.

   رسالة ... ولكن
ولكن أسأل: أبهذه الطريقة نرحل أو نكون سبب رحيلنا لأننا نسينا أن نسهر؟ وهل لا نعلم أن الرب قال أيضاً "ارفعوا رؤوسكم فإن خلاصكم قد دنا" (لو28:21)؟ فأين هي غيرتنا الإيمانية وليس غيرتنا المتدينة والعمل من أجل الدنيا وننسى رسالة الرب التي وجّهتْها لنا السماء وليس كبار الزمن الأرضيين والزائلين يوماً ما؟.
ولكن ما أعرفه أن ذلك ستبقى المسيحية رغم الألم رمزاً من أجل الحياة، فقد عُرفت بأن مسيحيتنا في مشرقنا ولدت عبر مخاض عسير، وبقيت شاهدة لمسيرتها وشهيدة في حياتها وحتى الساعة وستبقى، إذ لا زالت مضطَهَدة علناً أو قانوناً أو ضمناً، ويعتبرها الجميع عثرة لجميع اشلعوب (رو33:9 و1كو23:1) فالشهادة عنوان مسيحيتنا وقد أعلمنا بذلك إذ قال ربنا "سيسلّمونكم إلى المجالس شهادة لهم ويضطهدونكم ويطردونكم" (مر9:12) ومن هنا يأتي سرّ إيماننا بالنسبة للذين قدّموا رقابهم بدلاً منا، ووجّهوا أنظارهم كي نقتفي آثار أقدامهم لنكون مثلهم شهوداً وشهداء لأنها  كانت شهادة حق وصدق ولم يكن الصليب وحمله عاراً إنما حملوه فخراً، ومار بولس يقول "إنني أكمّل في جسمي ما نقص من آلام المسيح. فالصليب هو نصرٌ لي" (كولوسي24:1) لذلك سنبقى وتبقى المسيحية التي انطلقت شرارتها من شرقنا، وشعّت أنوارها في المسكونة، ستبقى صامدة وثابتة في القلوب، قلوب المؤمنين أينما حلّوا وأينما كانوا، لا تزعزها رياح الهجرة والعولمة المزيفة والرحيل وترك الأرض إلى بلد آخر.

  كنيسة الرحيل
نعم، أقول: انقلوا حقيقة إيمانكم إلى أولادكم، واحملوا هذه الأمانة معكم في هجرتكم ورحيلكم عبر موبايلكم وحاسوبكم، وأعلموهم أن حقيقة إيمانهم فخر لهم، وقولوا لهم كونوا شهداء لصليبكم فالرب يسوع قال "مَن أنكرني قدّام الناس أنكرتُه قدّام أبي الذي في السماوات" (لو9:12) فحقيقة عماذكم سلاح لكم من أجل زرع طريقكم بمحبة وحنان. واجعلوا أنفسكم دائماً من أجل المسيح. وكونوا محبة حيث البغض، والمسامحة حيث الحقد والكراهية. واعلموا أن كنيستكم ليست حجارة وإنما بشراً وهو أنتم. فأنتم كنيسة حية عبر طرق الزمان وليس كنيسة الرحيل والعولمة والهجرة. لأن الشرق كان ولا يزال يحتاج إلينا وإليكم لحمل رسالة الإنجيل، فلنرسم لهم طريقاً ملؤه حرية ومسؤولية وحقيقة وليس رسالة أشخاص أمنياتهم ومصالحهم وافقت مصالحكم. فإذا فرغ العالم من تعاليم الإنجيل كان الخراب عنوان هذا الفراغ وبسبب ذلك سيديننا الرب لأنه قال "ماذا ينفع لو تحبوا مَن يحبّونكم" (لو32:6 ومتى46:5) فالهجرة والرحيل حق لكم ولكل واحد أو واحدة منكم، وإن أردتم ترك أرضكم فذلك شأنكم ولكن اعلموا أن البقية الباقية ستبقى شاهدة لإنجيل المسيح ولأرضكم ومهما أُفرغت من أصولها عنوةً أو إرادةً، خوفاً أو طاعةً، ستبقى شاهدة لمسيحيتها ووجودها في هذه الأرض. فكما غيّرت المسيحية وجه التاريخ فهي لا زالت تحارب الشرير وحركاته الفاشلة. والرسالة تكمن لا فقط بالكلام ولكن بالعمل عبر رسالة آبائنا البطاركة في الحضور المسيحي في الشرق "وتكونون لي شهوداً".

  الطفل بيننا
فالميلاد الذي نحتفل به هذه الأيام يجعلنا دائماً أن نتأمل عظمة الابن الذي أحبكم وأحبنا جميعاً، وجاء إلينا وسكن بيننا في مذود صغير لفقراء الرعاة، ما هو إلا كنز العطاء وهو ملك للرعاة البسطاء وكل الناس الأبرياء والذين يشهدون الحقيقة في مسيرتهم. لذلك لا تخف ولا نخجل من أن نحمل الرسالة المسيحية. فاحمل هذا الإيمان عبر مسيرتك وإن كنتَ مضطَهَداً من قبل كبار الزمن والدنيا ولو من كبار المعابد والذين يشوّهون وجه الرب ويجعلون وجوههم هي المبتغاة. لذلك لا نفتش عن الدنيا فالطفل بيننا جاء ليزرع الحب في قلوبنا. فإفراغ البلد من مسيحيتنا ارتكاب لخطيئة جسيمة إذ نتنكر لحقيقة الشرق الساكنة فينا. فالرجاء في الميلاد عنوان إيماننا المسيحي. ولنترك جانباً تديّننا فنحن مؤمنون وليس متديّنون، حاملو الشرق وإيماننا في قلوبنا.
فالثبات علامة لمسيرة إيماننا بسبب الرجاء الذي زيّن نفوسنا، ولسنا جاليات أو أقليات أو مكوِّنات أو بدو رحّل، حيث الخضار نحطّ، وحيث الراحة ننصب خيمنا، وحيث الماء نكون هناك فذلك ما يطلبه أبناء العالم، فنحن في هذا العالم المخيف ولكن لسنا منه (يو19:15).

   الخاتمة
فالميلاد جاءنا ليقول لنا: لا تخافوا فأنا سرتُ أمامكم. اجعلوا مسيحيتكم ليست انقساماتكم. والويل لكبار الزمن الذين يشترون ويبيعون بمصالحكم كما يشاؤون. فأنتم يومياً تحيون في الميلاد ما دامت مسيحيتكم تعيش فيكم. ولا زلتم أنتم لا مكان لكم إلا مذود الفقراء والبسطاء والحقراء. وهذه رسالة السماء وليس الذين أرهبوكم وأرهبوا السماء فأخذوها غصباً. والحقيقة تقول: أن طفل المذود هو يقودكم كما قاد النجم الرعاة. فليكن وجودكم ميلاد المسيح بل ميلادكم، وهو رسالة مسيحيتكم وشهادتكم، وتلك شهادة لأرضكم... نعم وآمين.