المحرر موضوع: النوازع الطائفية تخترق الأجهزة الأمنية العراقية وتهدّد وحدتها الداخلية  (زيارة 219 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31627
    • مشاهدة الملف الشخصي
النوازع الطائفية تخترق الأجهزة الأمنية العراقية وتهدّد وحدتها الداخلية
تحديد المذهب ضمن المعلومات المطلوبة من مترشحين للالتحاق بجهاز مكافحة الإرهاب.
العرب

وجوب تحديد المذهب ضمن المعلومات المطلوبة من الشبان المترشّحين للالتحاق بجهاز مكافحة الإرهاب العراقي مظهر على تغلغل الاعتبارات الطائفية داخل أجهزة الدولة وتحكمها في عملية تشكيل تلك الأجهزة وفرز منتسبيها وفقا لمعايير جانبية بديلة عن معيار المهنية والكفاءة، وبعيدا عن مقتضيات الانتماء الوطني الجامع الآخذ في الاضمحلال في البلد في مقابل بروز الهويات الفرعية المتنافرة.

بغداد - أعاد وجود خانة لتحديد المذهب في استمارة للتطوّع ضمن صفوف جهاز مكافحة الإرهاب العراقي تسليط الضوء على ظاهرة تسرّب الاعتبارات الطائفية إلى صفوف الأجهزة الأمنية في البلد الذي لم يتوصّل بعد إلى تحقيق استقراره التامّ ومازال يعاني العديد من التوترات الداخلية والإقليمية، وسبق له أن جرّب خطر تدخّل العوامل غير المهنية والاعتبارات غير الوطنية في تشكيل قواته المسلّحة من خلال عجزها سنة 2014 عن مواجهة بضع مئات من مسلّحي تنظيم داعش ومنعهم من الاستيلاء على ما يقرب من ثلث مساحة البلاد.

وأعلن مؤخّرا عن فتح باب التطوّع أمام الشبان العراقيين للالتحاق بجهاز مكافحة الإرهاب وذلك ضمن عملية هادفة إلى تدعيم صفوفه بمجندين جدد. وتمّ للغرض تخصيص رابط إلكتروني لقبول الترشّحات الأوّلية.

ووُضعت على الرابط استمارة يتعيّن على المترشّح ملء خاناتها بمعلوماته الشخصية المعتادة ومن ضمنها تحديد قوميته وديانته. لكن الخانة التي مثّلت مفاجأة للعراقيين وأثارت استغراب بعضهم وغضب البعض الآخر تضمنت طلبا بتحديد المذهب ضمن أحد خيارين؛ سنّي أَم شيعي.

ورأى عراقيون أنّ وراء طلب تحديد المذهب من مترشّحين للالتحاق بجهاز أمني عملية “تطييف” ممنهجة لأجهزة الدولة العراقية بشكل يزيد في إضعاف العوامل الوطنية في تجربة الحكم القائمة على المحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية.

مجاهد الطائي: تنظيم داعش لا يفرق في إرهابه بين علي وعمر
وعبّر مترشّحون عن مخاوفهم من خضوع عملية التوظيف في القوات الأمنية لفرز طائفي، خصوصا وأن طائفة بعينها هي من تتولّى أهم المناصب في تلك القوات وتتحكّم في تعيين قياداتها من خلال سيطرتها على الحكومة.

وقال متابعون للشأن العراقي إن الأمر مرتبط بالصراع الطائفي الشرس على الأجهزة الأمنية والمستمرّ منذ أكثر من عقدين من الزمن عندما شرع كبار قادة الأحزاب الشيعية القائدة لتجربة الحكم الحالية في الاستيلاء على المواقع القيادية الحسّاسة في تلك الأجهزة ومنحها لثقاتهم وحلفائهم سواء من داخل طائفتهم أو من خارجها.

وتمّ في إطار الصراع نفسه حشو تلك الأجهزة بالآلاف من المنتسبين من مختلف الرتب وفقا لمقتضيات المحاصصة والمجاملة والترضية والمحسوبية، ودون مراعاة لعوامل التجربة والكفاءة.

ويذكر متابعون للشأن العراقي ظاهرتين ميّزتا عملية التوظيف في القوات المسلّحة العراقية وكان لهما أسوأ الأثر على أدائها، ويتعلّق الأمر بظاهرة ما يعرف بـ”الفضائيين” والتي تعني وجود الآلاف من المنتسبين الوهميين الذين يقتصر انتسابهم لتلك القوات على تسجيل أسمائهم ضمن قوائم منتسبيها والتمتّع بالرواتب مثلهم دون تقديم أيّ خدمة فعلية. ولهذه الظاهرة ارتباط بظاهرة الفساد الأشمل داخل أجهزة الدولة العراقية.

أما الظاهرة الثانية التي لا تنفصل عن الاعتبارات الطائفية والحزبية فتتمثل في ما يعرف بمنتسبي “الدمج”، وهم عبارة عن عدد كبير من الأشخاص غالبيتهم العظمى من أبناء الطائفة الشيعية الذين أدمجوا ضمن القوات العراقية بعد سنة 2003 وتحصّلوا على رتبة ضابط دون سابق خبرة بالعمل فيها، ولمجرّد مكافأتهم على معارضتهم السابقة لنظام حزب البعث الذي أسقطه الغزو الأميركي للعراق.

وتعليقا على إقحام الاعتبارات الطائفية في اختيار منتسبي جهاز مكافحة الإرهاب قال الباحث العراقي مجاهد الطائي إنّ “داعش لا يفرّق في إرهابه بين علي أو عمر، والميليشيات أيضا لم تفرق في إجرامها بين متظاهرين في تشرين أو مدنيين في المدن المستعادة من داعش”، مضيفا في تدوينة على منصّة إكس أنّ “داعش والميليشيات وجهان لإرهاب واحد”.

وأحرجت الانتقادات الحادّة لوجود خانة الطائفة في الاستمارة المذكورة قيادة الجهاز التي حاولت تبرير هذا الإجراء الشاذّ بالسعي للعدالة بين الطوائف والمكوّنات في اختيار المنتسبين الجدد.

جهاز مكافحة الإرهاب يعتبر من أقوى الأجهزة الأمنية العراقية، وله دور فاعل في حماية البلد في فترات صعبة

وأصدر رئيس الجهاز الفريق الركن كريم التميمي بيانا قال فيه إنّ “جهاز مكافحة الإرهاب أثبت محاربته وبكل قوة للطائفية والتفرقة والعنصرية منذ اليوم الأول لتأسيسه”، مضيفا “لن نسمح لأحد أن يتهم الجهاز بالتحيز أو العنصرية أو الطائفية أو القومية”.

ووصف التميمي منتقدي وجود خانة المذهب في الاستمارة بأنّهم “متصيدون في الماء العكر”، معتبرا أن “ذكر حقل المذهب في استمارة التطوع الغاية منه هو تحقيق العدالة بين مكونات الشعب في جميع المحافظات المختلطة وكي تأخذ جميع المكونات استحقاقها في الانتماء إلى جهازنا”.

ويعتبر جهاز مكافحة الإرهاب من أقوى الأجهزة الأمنية العراقية، وله دور فاعل في حماية البلد في فترات صعبة تميّزت بانخرام شديد في الأمن وتصاعد في ظاهرة الإرهاب وصولا إلى ظهور تنظيم داعش الذي لعب الجهاز دورا مفصليا في محاربته وهزمه.

لكن الجهاز بما له من خصائص أصبح خلال السنوات الأخيرة مدار صراع شرس لاختراقه والسيطرة عليه من قبل قادة الميليشيات المنضوية ضمن الحشد الشعبي والذين نظروا إليه كمركز قوّة وممانعة لتوسّع الحشد وتسيّده للمشهد الأمني.

وتجسّد ذلك في تحييد قيادات في الجهاز معروفة بمهنيتها العالية وكفاءتها المهنية، وفي مقدّمتها الرئيس السابق للجهاز عبدالوهاب الساعدي الذي لم تشفع له إنجازاته الكبيرة في محاربة داعش، حيث تم مؤخّرا إبعاده من رئاسة الجهاز من قبل رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، بعد أن كان قد أبعد في مرّة أولى سنة 2019 من قبل رئيس الوزراء الأسبق عادل عبدالمهدي ثمّ أعيد وتمت ترقيته من قبل رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي.

وكان الساعدي على رأس القوات التي خاضت أشد المعارك وأصعبها في محافظات الأنبار وصلاح الدين والموصل وكركوك والتي عانى سكانها من اعتداءات تنظيم داعش، وكذلك اعتداءات الميليشيات الشيعية التي شاركت في الحرب ضدّه، ما جعل طريقة الساعدي في إدارة الحرب بعيدا عن الاعتبارات الطائفية تخلق له شعبية في مختلف مناطق البلاد، الأمر الذي أثار مخاوف السياسيين الشيعة وقادة الميليشيات ودفعهم إلى محاولة تحييده، وهو ما نجحوا فيه بالفعل من خلال حكومة السوداني التي شكلها هؤلاء السياسيون والقادة أنفسهم.

وكثيرا ما تتّهم دوائر سياسية عراقية كبار قادة الحشد والميليشيات المسلّحة المعروفين بولائهم لإيران، باستخدام نفوذهم لتحجيم المؤسسة الأمنية والعسكرية وتقليص دورها وذلك لمنع عودة الجيش العراقي إلى سالف قوّته حتّى لا يكون مصدر ممانعة لنفوذ إيران في العراق.