عيد شمعون الشيخ وعيد الدنح ( تطهير مريم – تقديم يسوع للهيكل – العماذ )
بقلم / وردا إسحاق قلّو تحتفل الكنيسة الكلدانية في 5 كانون الثاني من كل عام بعيد تقدمة يسوع إلى الهيكل ، والمعروف بعيد شمعون الشيخ . وفي اليوم التالي 6 كانون الثاني . تحتفل الكنيسة بعيد الدنح المقدس
( عماد الرب يسوع ) . كان الإحتفال بهذا العيد معروفاً منذ القرن الرابع في أورشليم . يسند هذا العيد على نص إنجيل لوقا ( 2: 22-28 ) والذي يحتوي على ثلاث مواضيع بارزة نتناول كل منها بالتسلسل التالي:
1-تطهير مريم لوضعها مولوداً ذكراً : موضوع تطهير المرأة بعد الولادة كانت تعتبر نجسة سبعة أيام ، وفي اليوم الثامن يختن قلفة مولودها . كما على المراة أن تبقى ثلاثة وثلاثين يوماً أخرى ، أي أربعون يوماً بعد الولادة لكي تتطهر من نزيفها ( طالع لا 2:12-8 ) . وبعد ذلك تستطيع أن تدخل المقدس .
أما إذا كان المولود أنثى تتضاعف المدة لتصل إلى ثمانين يوماً . تقف المرأة عند باب خيمة الموعد ، إلى الكاهن تقدم تقدمة
( حمل حولي ) لكي يكفر الكاهن عن المرأة فتطهر ، أو زوج يمام أو فرخي حمام من دون الحمل إذا كانت العائلة فقيرة كيوسف ومريم . أما الفرق ما بين ذبيحة المحرقة وذبيحة الخطيئة ، فذبيحة المحرقة يدنو المرء من الله ليحظى برضاه . إنها رائحة سرور الرب ( لا 17:1 ) . أما ذبيحة الخطيئة ، فللتكفير عن ثمة خطيئة التي لها صلة بسيلان الدم عند المرأة بعد الولادة ، وهذا ما صنفه العقل العبري عمل نجس يحتاج إلى تطهير وتقديس ليسمح للمرأة الدخول إلى المقدس . على أن الإنطباع الذي يعطيه لوقا في إنجيله هو أن الأم وإبنها معنيان بموضوع تطهير الأثنين ، علماً بأن نصوص الشريعة لم تذكر إلا تطهير المرأة . للتطهير وجهان ، الأول شرعيّ والذي ذكرناه ، ووجه مسيحاني خلاصي ، لم يكن والدة الإله في عمق الحقيقة الإلهية بحاجة لا إلى تطهير ، ولا إلى تكفير ، فما يختص بالشرع هو فعل الطفل وأمه لكي يتمموا ما يخص بالشريعة . والخضوع على شرع الذبائح والمحرقات . في العهد الجديد لم نعد بحاجة إلى تكفير عن الخطايا بدم الحيوانات ، لأن المسيح هو كفارة خطايا العالم كله ( 1 يو 2:2 ) . فقدوم المؤمنين في العهد الجديد إلى الله أضحى بالمسيح وحده فقط . بتنا نطّهر لا عتبات الهيكل الأرضي وحسب ، بل عتبات ملكوت السموات بدمه كحمل الله الذي صالحنا مع الله .
2- تقديم الوالدين بكرهما من الذكور للرب : كان أيضاً واجباً شرعياً ( عد 15:18 ) لهذا تم تقديم الرب يسوع طفلاً إلى هيكل الرب ، وهذا تخطى العرف والعادة ، ليدشن زمناً جديداً انتقى معه معنى وجود الكهنوت اللاوي ، أولاً لم يعد للذبائح الحيوانية ما يبررها . وثانياً لأن المسيح أضحى الذبيحة الأبدية ، وهو رئيس الكهنة الجديد .
( المقرِّب والمقرَّب ) . ولأن المسيح يبقى إلى الأبد وله كهنوت لا يزول ( عب 25:7 ) . ومن بعده الأبكار لا يؤدون فدية مالية بل على مثال الإبن الوحيد ، بكر كل خليقة ، يقدمون أنفسهم ذبيحة لله إستجابة لدعوته ، يقول الرسول بولس
( أطلب إليكم أيها الأخوة برأفة الله أن تقدّموا أجسادكم ذبيحة حيّة مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية ... ) " رو 1:12 " .
وإلى الكهنوت الجديد والشريعة الجديدة لنا هيكل جديد ، الرب يسوع المسيح ، فبدخول الرب يسوع إلى هيكل أورشليم نقضه وأوله إلى مبتغاه ، صار عتيقاً ، كان صورة لجسده المبارك . لهذا قال الرب لليهود
( إنقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه ) وكان يتحدث عن هيكل جسده . بعد هذا لم تعد عبادة الله أسيرة المكان ، هو الهيكل الجديد ونحن ايضاً لأننا جسده . نحن هيكل الروح القدس ، وروح الله ساكن فينا . فالعبادة صارت بالروح والحق ، والعتيق مضى . ( طالع يو 4: 21-24 ) .
3-لقاء سمعان الشخ وحنة النبية : لما صعد مار يوسف والعذراء بالطفل يسوع إلى هيكل الرب في أورشليم ، إلتقاه هناك شيخان ليس معروفاً تماماً من يكونان . إنهما شهدا للطفل وقالا فيه بالروح كلاماُ نبوياً كبيراً . فلوقا يصف حال سمعان نبوية الطابع ، فقال عنه
( الروح القدس كان عليه ) ،
( أوحى عليه بالروح القدس ) ،
( أتى إلى الهيكل بالروح ) . فيما يدعو حنّة نبية بصراحة .، علماً بأن موهبة النبوءة كفت في إسرائيل منذ زمن أنبياء العهد القديم ، وهذا كان إعتقاد المعلمين اليهود .
سمعان وحنّة كانا من الفئة المدعوة فئة
( المنتظرين فداء أورشليم ) فكانا يعبدان بالصوم والطلبات ولا يفارقون الهيكل . اما شهادتهما فتنطوي على عناصر جمة ، منها :
إن الوعد الذي طالما قطعه الرب الإله لشعبه عبر إشعياء النبي وسواه من الأنبياء يتحقق الآن في شخص يسوع ، وسمعان شاهد بالروح لذلك . لكي يرى ما تنبأ به إشعياء النبي في ( 10:52 " قال (
شمر الرب عن ذراع قدسه أمام عيون كل الأمم ، فترى كل أقاصي الأرض خلاص إلهنا ) . في شخص هذا الطفل يشرق النور على العالمين ليصبح
( نوراً للعالمين ) " أش 6:42 " . ومن بعده
( الشعب السالك في الظلمة أبصر نوراً عظيماً ، الجالسون في الظلمة وظلال الموت نور أشرق عليهم ) " أش 2:9 " .
صار الطفل يسوع سبب لتغيير الأمم .
( ها أن هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل ) . ( طالع أيضاً أش 14:8 ) .
وحنّة أيضاً تشهد . تحدث عنه المنتظرين فداء في أورشليم . شهادة إثنين حق ( يو 8: 17-18 ) هذا أكثر إنسجاماً مع إعتبارات الشهادة في إسرائيل ، في التلمود اليهودي عدد النبيات في إسرائيل سبعة فقط . حنّة علامة العهد الجديد ، إنها خاتمة سابقاتها الستة .
أما عيد الدنح : يسمى أيضاً بعيد الغطاس ، يوم عماد الرب على نهر الأردن على يد يوحنا المعمدان والذي أظهر فيه يسوع ذاته للعالم كمسيح الإنسان والإله معاً ، كان في الثلاثين من عمره تقريباً . بعد العماد ، ظهر الله بأقانيمه الثلاثة على نهر الأردن
( الظهور الإلهي ) . فبدأت كنيسة المشرق بالإحتفال بهذا العيد يوم 6 كانون الثاني من كل عام ، ومنها إنتقل إلى كنيسة الغرب بعد منتصف القرن الرابع . وكما إنتقل الإحتفال بعيد ميلاد الرب 25 كانون الأول من كنيسة الغرب إلى كنيسة الشرق .
يسمى هذا العيد بعيد الدنح المشتقة من كلمة
( دنخا ) الكلدانية السريانية ، والتي تعني
( الظهور ) والتي تعبّر عن ظهور المسيح للعالم يوم عماده . ويوحنا المعمدان شهد له بعد أن رأى السماء قد إنفتحت فوق المكان ، ونزل الروح القدس على شكل حمامة وينزل عليه ، ثم سمع صوت من السماء يقول (
هذا هو إبني الحبيب الذي عنه رضيت ) " مت 3: 17 " .
أخيرا نقول : في مقابل فرخي الحمام أو زوجي اليمام المقدمين إلى الهيكل ثمة ذبيحة جديدة تقدم في شخص سمعان وحنّة ، إنهما الحمامات أو اليمامات الجديدتان المقربتان إلى الهيكل الجديد ، الرب يسوع ، إنهما خلاصة البقية الأمينة منذ القديم وإطلالة على الكنيسة الآتية بالروح والحقّ . خدما العائلة المقدسة خدمةً طاهرة . بعد العماد بدأ زمن نشر رسالة العهد الجديد ، وإعلان مجىء ملكوت الله .
توقيع الكاتب
( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "