المحرر موضوع: غزة في الضمير الإنساني  (زيارة 231 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل لويس إقليمس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 428
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
غزة في الضمير الإنساني
« في: 10:36 06/01/2024 »
غزة في الضمير الإنساني
لويس إقليمس
بغداد، في 24 تشرين أول 2023
متى كانت الحروب، بما تجرّهُ من ويلاتٍ جسامٍ وقتل ودمار وانتهاك لأبسط الحقوق الآدمية، حلاً للمعضلات البشرية؟ ومتى كان غياب العقل والحكمة والروية سبيلاً لتقدم الشعوب ورفاهتها واستقرار حياتها وتنمية حوائجها،  وما أكثرها؟ ومتى كانت النرجسية والمكابرة والاستخفاف بعقول الشعوب، ولاسيّما البسيطة والساذجة والمظلومة منها، أدواتٍ حقيقية وواقعية لمبادئ المساواة والعدالة والاستحقاق بفعل الجدارة والكفاءة من دون تمييز ولا انحياز ولا مواربة؟ وبعد كلّ هذا وذاك ممّا نعرفه ويعرفه العقلاء وحكماء البشرية وروّاد الفكر والكلمة والصوت الصارخ بوجه الظلم، على قلّتهم، هل آن الأوان لاستفاقة البشرية وصحوتها من فقدان الضمير الإنساني بعد ما تعرّضت له غزّة وأهلُها من قتل وبطشٍ ونزوح بالتوازي مع ما حصل لسكان المستوطنات المسالمين من اليهود من دون تمييز ولا تحيّز؟ فالقتل أيًا كان بحق المدنيين العزّل محرّمٌ شرعًا وقانونًا وإنسانيًا.
من الواضح أنّ هناك جهاتٍ دخيلة وغريبة سعت وتسعى منذ عقودٍ لزرع بذور الكراهية بين شعوب المنطقة التي أبدت في غالبيتها التعايش ضمن مشروع  الدولتين بسلام وأمان، والكف عن أية ظواهر أو مظاهر للتحريض بين العرب واليهود، ولاسيّما بعد أن أدرك زعماء الطرفين أن الحل الوحيد يكمن في الركون إلى طاولة التفاوض والتفاهم وفق الواقع المعاش والجغرافيا الآنية وليس وفق نظريات إدامة الحقد وتعزيز الكراهية التي تسعى هذه الجهات الدخيلة المخرِّبة زرعَها في عقول البسطاء من الشعوب العربية بتبريرات دينية وحججٍ تتولاها عقولٌ متطرفة تفرض سطوتها عبر المنابر المنخورة وأدوات التجييش الخارجة عن الحكمة الغائبة عن العقل الراجح والبعيدة عن الرأي المدرك لنتائج هذه الكراهية التاريخية. فالشعوب تتلاقح وتتعشّقُ في الزمان وفي المكان. كما أنّ الجغرافيا تتغير والتاريخ يصنع نفسه بنفسه ويطول أو يقصر بحسب الظرف والزمان. وفقي اعتقادي، لم يعد هناك مكانٌ لفقدان بوصلة الحكمة واستبدالها باستحكام عوامل الكراهية التي زرعتها مثل هذه الأيادي الخبيثة بين العرب واليهود وهي مازالت تسعى لإدامتها عبر ميادين عديدة في عيش ظاهرة القطيعة الإنسانية. بل إنّ ما سعت إليه الفصائل المسلحة للحركة الإسلامية في غزّة والتي تُعتبر في نظر السلطة الفلسطينية الرسمية المعترَف بها دوليًا في هجماتها الأخيرة، قد لا تختلف عمّا فعلته تنظيمات القاعدة وداعش بحق سكّانٍ آمنين في مناطق أخرى من العالم، ومنها عراقنا الذي مازال ينزف دماءً زكية بسبب هذه التدخلات القاتلة من الدخلاء على مكوّناته من عربٍ وكردٍ وسريان وكلدان وآشوريين وبهائيين وإيزيديين وصابئة مندائيين وشبكٍ وتركمان وما سواهم. بل أصبح من الواضح، أنّ أيّ بلد دخله هؤلاء الأغراب أعملوا فيه الكراهية والحقد والقتل كما حصل في تدمير بلدان المنطقة في العراق ولبنان وسوريا واليمن وليبيا وفلسطين، وربمّا غيرها في طريق ذات القطار الجارف. وهذه حقيقة يدركها العقلاء جميعًا ولا تخفى إلاّ على البسطاء من المُسَلِّمين (بشدّ اللاّم وكسرها) بأفكار تجار المنابر باسم الدين والطائفة والمذهب، ومن الفاسدين والمفسدين في الأرض مستغِلّي الشعوب المقهورة السائرة كالقطيع وراء جلاّديها.
من الواضح، ووفق ما تعيشه شعوب العالم والدول من أزمات متتالية وصراعات وأحداثٍ دامية، هناك في الأفق مشروع كبير وواسع البعد يُحاكُ في مطابخ الكبار خلف الكواليس من أجل استمرار استنزاف قدرات الشعوب البشرية والمادية في المنطقة، قد تصل لغاية إحداث تغييرات جغرافية والبدء بمسارات غير واضحة المعالم. فطبيعة الجغرافيا التي تتحكم بها زعامات العالم وأسيادُه وفق هذه الترتيبات لا يمكن التكهن بها، بل ستحفظها طياتُ التاريخ كما عملت مع غيرها في غابر الأزمان. فما سادَ من حضارات الأمس قد باد عبر العصور والقرون، ولم يشعر بها إلاّ القليل ممّن عايش الأحداث الدامية والمتغيرة. وليس ببعيد أن يكون هذا المشروع مشتركًا ومن صنع الأعداء الألدّاء من اليهود والفرس وبرعاية العم سام الذي اعتاد الرقص على جراحات الشعوب المغلوبة ضمن سطوة القطب الواحد بغياب المنافسين الذين ينتظرون دورهم في هذه اللعبة القذرة. وهذه في نظر الكثيرين، لا تبتعد كثيرًا عن اللعبة الشعبوية التي سعت إليها أطرافٌ متطرفة باختلاق هذه الحرب المدمّرة الجديدة غير المبررة. وهذا ما حصل. فقد أوقعت حربُ غزّة الكثيرَ من شعوب المنطقة والعالم في فخاخها بعدما انساق بعضُها خجلاً أو تكابرًا وراء مبتكريها ومدبّريها ومنتجيها ومستغلّيها. لكنها في كلّ الأحوال حربٌ لا تخلو من رؤى مستقبلية ومصيرية لإحداث تغيير في مسارات دول وشعوب المنطقة، قد يكون الرابح الأكبر فيها بروز قطبين رئيسيين تحدّثَ عنهما المتابعون للأحداث منذ سنوات وما زالوا، من أجل استكمال المشروع العالمي الجديد الذي ينتظره العالم، راغبًا أم مرغمًا. ففي الحروب فقط تتحقق غاياتُ الأشرار وتتعزّز مصالح الأسياد. أمّا الشعوب المهظومة، فلا يُترك لها غير نزيف الدماء وبكاء الثكالى وتراقص الأشلاء البشرية التي تمزقها مدافع الحروب وطائرات الدول وصواريخُ الأعداء رغمًا عن الذي يريد أو يمتنع. سلامًا وبردًا لغزةّ وأهلها ولسائر المدنيين المسالمين من اليهود الأبرياء الراغبين في العيش بسلام في جيرة تعرف المحبة واحترام الآخر برغم الاختلاف في الدّين واللغة والرؤية والفكر والرأي. فالجيمع في الأخير"إخوة في الإنسانية".