المحرر موضوع: الانسحاب الأميركي من العراق حقيقة أم تضليل؟  (زيارة 202 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31502
    • مشاهدة الملف الشخصي
الانسحاب الأميركي من العراق حقيقة أم تضليل؟
ليس بوسع الساسة الأميركيين ولا قادتهم العسكريين القبول بانسحاب غير منظم من العراق على شاكلة ما جرى في أفغانستان.
MEO

هكذا يرى الإيرانيون الوضع في العراق
ما يزال المراقبون والمتتبعون للشأن العراقي يدركون حقيقة أن كل الترويجات الأميركية عن إحتمال إنسحاب قواتهم من العراق من خلال الاعلان عن تشكيل لجنة عسكرية عليا مشتركة لمتابعة عملية الإنسحاب ماهي إلا مناورات عسكرية وعمليات تضليل أو مخادعة سوقية وما يجري الحديث عنه الآن إنما هو مجرد ترتيبات أمنية وليس إنسحابا كما أشار اليه مسؤول عسكري أميركي لقناة الجزيرة القطرية رفض ذكر إسمه.

بل أنه حتى تصريح وزير الدفاع الاميركي الجنرال لويد اوستن الذي أوضح في تصريح له "أن هناك رغبة لدى الجانب الأميركي بإجراء حوارات معمقة مع الجانب العراقي وتشكيل لجنة عليا (عسكرية وأمنية) من الطرفين للوصول الى تحقيق تلك الرغبة" هو محاولة من الولايات المتحدة لإمتصاص غضب الجماعات العراقية المسلحة التي شنت حملة شعواء ضد حكومة السوداني لإخراج القوات الأميركية من العراق بالقوة في وقت يدرك الأمريان أن السوداني محرج أمامهم، ومثل هذه التصريحات يمكنها أن تخفف حالة التذمر لدى الجماعات العراقية المسلحة لكي لا تسير بإتجاه التصعيد ضد القواعد العسكرية ومصالحها في المنطقة. ويقول مراقبون إن تصريح أوستن هذا من شأنه أن يجنب العراق ردة فعل سلبية من الاميركان جراء خروجهم بالقوة من العراق كما حصل عام 2011.

وبالرغم من أنه لا أحد من العراقيين بمقدوره أن يشكك بوطنية رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ولا في حرصه على أن يتمتع العراق بقدر كبير من السيادة الوطنية التي تحفظ للبلد كرامته وقدرته على أن تكون لديه قوات قتالية قادرة على حفظ أمنه وإستقراره بعد أكثر من عشرين عاما من هيمنة أميركية سبقها إحتلال كامل للعراق، إلا ان هناك محاولات دول الجوار الأقليمي وبخاصة من إيران تجعل من تحقيق تلك الرغبة أمرا مستحيلا كونها هي من تعتاش على الوجود الأميركي في العراق وتعطيها الذريعة للتواجد والهيمنة من خلال أذرعها للبقاء في العراق والسيطرة على مقدراته بحسب محللون.

بل أن الأميركان على يقين من أنهم إذا إنسحبوا من العراق فيستركون فراغا كبيرا في العراق وهذا الفراغ تستغله إيران لملئه وهي تعيد تمركزها العسكري مجددا في هذا البلد للهيمنة على مقدراته ويكون بوسعها أن تهيمن جيبولتيكيا وأمنيا ودون عوائق على دول المنطقة إبتداء من العراق بإتجاه سوريا ولبنان وحتى اليمن ومن ثم التوجه نحو الجزيرة العربية لإسقاط أنظمتها التي تعدها حليفة للولايات المتحدة.

وسارعت قوى الاطار بمختلف توجهاتها الى الترحيب بالقرار الأميركي بشأن الإنسحاب من العراق وتشكيل لجنة عسكرية تبحث الرغبة العراقية هذه ووجدت فيه ضالتها أن مثل تلك الخطوة تخفف عنها عبء ضغوط الجماعات المسلحة التي ترى نفسها في وضع أقوى من قوى الإطار وهي من تفرض وصايتها عليها بالرغم من أن تلك الجماعات لديها قناعة بأنها هي نفسها تشير الى أن الخطوات الأميركية عن قبولها الإنسحاب لاتعد اكثر من مناورة عسكرية وعمليات تضليل ومخادعة، كونها تدرك ان الأميركان لن يتركوا العراق في كل الأحوال.

وتدرك قوى الإطار السياسي من جانبها أنها حين رشحت السوداني لتولي منصب رئيس الوزراء بعد مخاض عسير من النقاشات والحوارات والمناكفات التي سبقتها مع التيار الصدري وخروجه من البرلمان والحكومة أن السوداني قد تعهد لقوى الإطار بأنه سيعيد جدولة إنسحاب القوات الأميركية على مراحل وقد منحته الفصائل هدنة لمدة عام على الأقل وتعهدت بعدم مهاجمة الأهداف الأميركية لحين التأكد من أن لدى الجانب الأميركي الرغبة الفعلية في الإنسحاب وليس مجرد مناورات أو تصريحات مضللة تهدف الى الإستفادة من الفرصة السانحة لها لاعادة تمركز قواتها في العراق بطريقة لايفهم منها أنها إنسحاب كلي بقدر ما هو ترضية لرغبة شعبية ترفع فيها الحرج عن السوداني الذي تعهد لجماعة الإطار بتحقيق هذه الرغبة.

لكن هذه الهدنة إنهارت بعد أحداث غزة في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول ووجدت فيها الفصائل أنها أمام فرصة أن تشارك بالضغط على الأميركان داخل العراق وعلى مقربة من الدول الإقليمية في سوريا واليمن في محاولة قبول مغادرة قواتهم للعراق لكن تلك الهجمات أدت الى تعنت الاميركان وشنت بالمقابل أكثر من هجوم إستهدف معسكرات وافراد تلك الفصائل في محاولة لايقاف هجماتها على القواعد العسكرية في العراق وسوريا، لكن هذا لم يحدث وإستمر التصعيد بين الطرفين.

وقد تعرضت القوات الأميركية في العراق وإقليم كردستان العراق وسوريا إلى أكثر من 100 هجوم بالصواريخ أو المسيرات، من بينها هجوم صاروخي تعرضت له السفارة الأميركية في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وكان السوداني قد جدد لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال زيارته للعراق بعد أحداث غزة موقف العراق الرافض لأي اعتداء تتعرض له الأراضي العراقية لكنه "جدد في الوقت ذاته التزام الحكومة العراقية بحماية مستشاري التحالف الدولي الموجودين في العراق".

ويرى مراقبون أن خطابات حكومة السوداني كانت شديدة الوطأة على الفصائل إذ إن بعض البيانات وصفت إستهداف السفارة الأميركية بأنه عمل إرهابي، وهذا الخطاب لم نره حتى في عهد حكومة مصطفى الكاظمي الذي لم يكن مقربا من الفصائل على عكس السوداني الذي يعد ترشيحه من الإطار التنسيقي الذي يضم قوى سياسية وفصائل قد إشترط عليه أن يجد فرصة مناسبة في أقرب وقت لتحقيق هدفهم بالإنسحاب الاميركي من العراق بحسب محللون.

وعلى صعيد مراكز البحوث الأميركية ووجهة نظرها من الإنسحاب الأميركي فقد أشار البروفيسور ستيف سايمون أستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة واشنطن والمدير السابق لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجلس الأمن القومي الأميركي في عهد الرئيس أوباما الى أن "هناك عددا كبيرا من المكونات العراقية تستفيد من الوجود العسكري الأميركي، وهي ضمن توجهاتها تشعر بقلق على مستقبلها إن إنسحب ألاميركان وسلموا العراق لغمة سائغة لإيران وبخاصة السنة والكرد الذين لن يطمئنوا على أحوال محافظاتهم من أنها قد تتعرض لاحتلال داعش مجددا أو أن تهيمن عليها إيران وهي لديها فصائل داخل تلك المحافظات تسهل عليها الهيمنة واخضاعها لسيطرتها، وتشاركهم تلك المخاوف الولايات المتحدة نفسها من أن مصير المحافظات المحررة قد تعود اليها حالات من الفوضى والإنفلات يصعب على الحكومة العراقية السيطرة عليها مرة أخرى."

ويجدد البروفيسور سايمون تأكيده "أن العراقيين لا يرغبون في الخضوع للهيمنة الأميركية، لكنهم في الوقت ذاته لا يرغبون في الخضوع للهيمنة الإيرانية ويقول أن الجيش العراقي يحصل على تدريب عالي الجودة وكذلك على معدات من الجانب الأميركي ولذلك يفضل بقاء الولايات المتحدة كما أن الأكراد العراقيين يرون أن الوجود الأميركي يحميهم من تركيا وإيران وبغداد وهم كذلك يستفيدون من الناحية المالية من الوجود الأميركي".

أما الصحفي والكاتب الأميركي ديفيد بولوك زميل برنامج برنشتاين بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى فيرى "الإبقاء على علاقات ودية مع العراق والتصدي للنفوذ الإيراني"، ومنع إيران من "استغلال النفط العراقي" مشيرا الى أن انسحاب القوات الأميركية "يخلق تهديدات إضافية لأمن إسرائيل" وأن "بلدان مجلس التعاون الخليجي كافة ترى القوات الأميركية في العراق أساسا للوحدات العسكرية الأميركية التي تستضيفها على أراضيها وعاملا حيويا في دفاعها عن نفسها ضد إيران".

ويرى محللون أميركيون أن "اقتراب الانتخابات الأميركية سيتسبب في حالة من الحرج للحكومة الأميركية والرئيس بايدن في حال تعرض هذه القوات لاستهداف تنتج عنه خسائر في صفوف الجانب الأميركي ولاسيما في الأرواح. لذا هم يعون خطورة الموقف وليس أمامهم الآن سوى الانخراط في مفاوضات تنظم هذا الانسحاب".

ويؤكد محللون عراقيون على أنه يجب على المفاوض العراقي أن يكون قادرا على استيعاب إقتراب الانتخابات الأميركية ومتعلقات الأزمات الإقليمية وحرب أوكرانيا وروسيا والصراع بين إسرائيل وغزة للضغط بإتجاه ترتيب عملية إنسحاب أميركي من العراق.

والخلاصة التي يمكن أن نصل اليها في خاتمة هذا العرض أنه من الممكن إجراء ترتيبات الإنسحاب الأميركي من العراق على مراحل لكن الأميركان يسعون الى تهدئة من الجماعات الإيرانية وليس ممارسة ضغوط قد لا يكون بوسع الساسة الأميركان ولا قادتهم العسكريين قبول إنسحاب غير منظم على شاكلة ما جرى في أفغانستان كما أن العراق من وجهة نظر الاميركان يبقى حليفا قويا لهم وهو يختلف جيبولتيكيا عن أفغانستان وعندهم إن حماية أمن إسرائيل وبخاصة من غربي العراق من فصائل مسلحة أو تمدد إيراني بإتجاهها قد تستهدفها مستقبلا مهمة لها أولوية قصوى ولن يكون بمقدور الأميركان التخلي عنها بأي شكل من الأشكال.