المحرر موضوع: عيد ميلاد بارد للسيدة دالاوي  (زيارة 237 مرات)

0 الأعضاء و 2 ضيوف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31502
    • مشاهدة الملف الشخصي
عيد ميلاد بارد للسيدة دالاوي
العباقرة يجدون صعوبة في السباحة ضد تيار عصرهم. وفي حين أن إلهامهم قد "يأتي دون مس عقلي" فإن سرعان ما يصبح واقعهم يعاني من الخذلان والخيبة.
كرم نعمة

حفيد وولف جوار تمثالها، احتفال طفولي بعيد ميلادها
لا يزيد رسم محرك البحث غوغل صورة السيدة دالاوي، في صدر صفحته الأولى، من حرارة الاحتفال بعيد ميلاد فيرجينيا وولف الذي مر في الخامس والعشرين من يناير الحالي.

فهناك احتفال تاريخي بارد في ذلك اليوم، لكن سخونة استذكار هذه السيدة مستمرة وبعد عقود على انتحارها. لماذا؟ لأنها أكثر من كاتبة. وقصتها تثير المزيد من التأمل بالنسبة للقارئ العربي، فيما تحول فيلم “الساعات” الذي جسد حياة السيدة دالاوي، أشبه بلازمة يمكن أن تعرّف بها الممثلة نيكول كيدمان، برغم كل الانتقادات التي وجهت إلى الفيلم.

لأنني أحببت وولف عندما قرأت للمرة الأولى السيدة دالاوي في بغداد بترجمة عطا عبدالوهاب الصادرة عن دار المأمون للترجمة في ثمانينات القرن الماضي، لم تغادر ذاكرتي فيرجينيا وولف، وشاء القدر أن أسكن قريبا من بيتها العتيق منذ أكثر من عقد. بيد أني عندما عرفت فيرجينيا الصحافية أكثر، ازداد حبي لها.

مثل الآلاف من سكان ريجموند، مررت يوم الخميس الماضي في عيد ميلاد هذه السيدة، المولودة قبل 142 عاما، والمنتحرة قبل 83 عاما، أما تمثالها في ضاحية ريجموند، من دون أن أحظى بشيء مختلف، فليس أكثر من صور السلفي التي يلتقطها المارة.

ثمة ما هو أكثر مما قدمته السيدة دالاوي، ففيرجينيا وولف أكثر بكثير من روائية، وبعد شهرتها ككاتبة لمراجعات الكتب في ملحق جريدة التايمز، ألفت كتابها “القارئ العادي” وصارت تقرأ بانتظام يذكرنا بغوته، الملاحظات التي خلفتها حول قراءتها تملأ لوحدها نحو ثلاثين مجلدا.

كانت هذه المرأة صحافية بامتياز، ونشرت شهادات مؤثرة لمعاناة النساء من الفقر آنذاك رغم العمل الشّاق، وتحدثت في مقالاتها الصحفية أيضا عن حق البريطانيات في التصويت الانتخابي، وكتبت “في هذا الجمهور الواسع، من بين هؤلاء النساء اللواتي يعملن واللواتي لديهن أطفال، اللواتي ينظفن ويطبخن ويساومن على كل شيء ويعرفن كيف يصرف كل قرش، لم يكن لأي واحدة منهن الحق في التصويت”.

عندما كانت البريطانيات يخرجن في احتجاجات للمطالبة بحقهن الانتخابي، سأل أحد مساعدي ونستون تشرشل عن الإجراء المناسب لمواجهة هذه الاحتجاجات، رد تشرشل بغطرسته المعهودة وعنصريته ضد النساء، بأنه سيخرج غدا مع حفنة من الرجال في تظاهرة أمام أكبر مستشفى في لندن للمطالبة بحق الرجال في الحمل والولادة!

“منحت بريطانيا المرأة الحق في التصويت الانتخابي عام 1928”.

ليس معروفا إن كان تشرشل يقرأ مقالات وولف أو يتعاطف معها أصلا، لكننا نتحدث هنا عن روائية وصحافية وهي ميزة مثالية تعرفنا أكثر على هذه السيدة التي كابدت الأحزان، وكانت تواجهها بالكتابة.

وبالعودة إلى سيرتها الذاتية، نشعر بالألم بسبب الفجائع التي أظلمت شبابها، وتذللت عندما غطت وجهها بطبقة من دخان الكلمات الحارق، لذلك نعجب بعملها في مواجهة مرضها العقلي، ونحسدها على دخولها إلى عالم الأدب، مثلما نحزن على انتحارها المبكر.

فكرتُ، في عيد ميلاد وولف، برغبتنا كقراء في وضع أبطالنا الأدبيين على المنصات العالية، لأن كتبهم أثرت فينا. مع ذلك يبدو أننا لا نعرف كيف نتعامل مع حياة وأعمال الكتّاب والصحافيين الذين هم في الوقت نفسه مُلهمون.

فحتى العباقرة منهم يجدون صعوبة في السباحة ضد تيار عصرهم. وفي حين أن إلهامهم قد “يأتي دون مس عقلي” فإن سرعان ما يصبح واقعهم يعاني من الخذلان والخيبة.

مع ذلك، لا تزال كتابات فيرجينيا وولف حية بالنسبة لنا، وتحرّض على المزيد من الاكتشاف، بأن الحياة عبارة عن مستنقع فوضوي ومربك من العاطفة والعقل اللذين يدوران معا ويتباعدان، مما يُعمينا، أو يعيقنا، أو يدفعنا إلى الأمام نحو أخطائنا الفادحة وانتصاراتنا.