المحرر موضوع: التطرف الشيعي على خطى السني... من المحلية إلى العالمية  (زيارة 207 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31502
    • مشاهدة الملف الشخصي
التطرف الشيعي على خطى السني... من المحلية إلى العالمية
أهداف الأول تحمل صبغة إستراتيجية بينما لا يزال الثاني تكتيكيا.
هشام النجار

البوصلة إيرانية
مع إعلان جماعة الحوثي الموالية لإيران استهداف المصالح الغربية، برز إلى الواجهة التطرف الشيعي، الذي يقول مراقبون إنه أخطر من نظيره السني، باعتباره يخدم أهدافا إستراتيجية لدولة الولي الفقيه.

القاهرة - أدى استهداف عدد من أذرع إيران في المنطقة لمصالح أميركية وأوروبية إلى تحول في بعض الأدبيات الغربية التي ظلت لسنوات طويلة تصنف التطرف الشيعي كحالة أقل خطورة بالمقارنة مع التطرف السني، الذي تمثله تنظيمات القاعدة وداعش وبوكو حرام، على أمن واستقرار العالم.

وتحدى زعيم جماعة الحوثيين اليمنية الموالية لإيران عبدالملك الحوثي، خلال خطبة ألقاها الخميس الولايات المتحدة وحلفاءها، واصفًا الضربات الأميركية والبريطانية على اليمن بالفاشلة، وأن وضع جماعته على لوائح الإرهاب بـ”السخيف”، وتوعد بمزيد من الهجمات وجنّد 165 ألف مسلح بجانب 600 ألف آخرين، بالتوازي مع تطوير القدرات العسكرية.

ودشن ظهور زعماء جماعات مسلحة شيعية موالية لإيران في صدارة مشهد تهديد المصالح الغربية، مرحلة جديدة من التطرف العابر للحدود تقوده هذه المرة كيانات شيعية، بعد عقدين قاد خلالهما تنظيمان سنيان هما القاعدة وداعش حربًا مفتوحة ضد الغرب، بدءًا من طائرات الحادي عشر من سبتمبر 2001 الموجهة إلى العمق الأميركي وصولًا إلى ذئاب داعش المنفردة داخل بعض المدن الأوروبية.

وجاء هذا التطور على وقع كثافة هجمات جماعة الحوثيين وخطورتها، منذ اغتيال جهاز الموساد الإسرائيلي لعدد من القادة والرموز المؤثرين بمحور المقاومة الذي تتزعمه إيران، فيما كان يُنظر في الماضي للتهديد الإيراني وأذرعه على أنه ضئيل وأقل خطرًا بكثير من العنف السُنّي الذي تمارسه تنظيمات مثل القاعدة وداعش أو التطرف الذي يمارسه عنصريون بيض.

فروق جوهرية

لمن الولاء
يفوق العنف الشيعي نظيره السني خطورة كون الأول يحمل صبغة إستراتيجية، ومصنوع بغرض خدمة خطط دولة توسعية تسعى إلى فرض هيمنتها على المنطقة ومواردها ذات الأهمية الدولية.

ويظل العنف السني، وإن كان يمثل خطورة، تكتيكيًا حيث يهاجم أهدافًا عشوائية، مثل مسرح في باريس أو جسور مشاة في بريطانيا، ما يعني عدم خدمته مصلحة ثابتة لدولة أنشأته ليتوافق مع خططها وأهدافها، على عكس العنف الشيعي الذي يخدم إيران ومشروعها الإقليمي.

وقد منع مزيج من الإرهاق السياسي والأمني والأولويات المتنافسة والعراقيل السياسية صانعي السياسات الغربية في السابق، من أن يراوحوا بين مواجهة تهديدات العنف السني والشيعي في وقت واحد.

وتبدو القوى الغربية مصممة الآن على التعامل مع العنف الشيعي خاصة الذي تمارسه جماعة الحوثي بالحزم والقوة ذاتها التي تعاملت بها مع العنف السني، مع بعض التركيز الثانوي على المخاطر الناشئة من تنظيمي داعش والقاعدة وأهدافهما المركزية.

أسبقية ترامب

ظهور زعماء جماعات مسلحة شيعية موالية لإيران في صدارة مشهد تهديد المصالح الغربية دشن مرحلة جديدة من التطرف العابر للحدود تقوده هذه المرة كيانات شيعية
يُحسب هذا التحول في نظر صانعي السياسات الغربية لمجابهة خطر العنف الشيعي للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي يُعد أول رئيس أميركي يتعامل بقدر من الواقعية مع هذا الملف، حيث اعتبر إيران أخطر نظام حكم إرهابي، وانسحب من الاتفاق النووي لعام 2015، وصنف فيلق القدس في الحرس الثوري كمنظمة إرهابية أجنبية عام 2019 مع فرض عقوبات قاسية في وقت لاحق، ما مثل ذروة الضغط على طهران.

وأصدر دونالد ترامب في العام 2020 أمرا باغتيال قاسم سليماني، وهو الحدث الذي يماثل تصفية أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وأبوبكر البغدادي على مستوى العنف السني، حيث أنشأ وطور الشبكة الميليشياوية الشيعية في كل من اليمن وسوريا والعراق على قاعدة علاقات طهران الوثيقة بحزب الله، مستفيدًا من تجاربه ومعاركه ضد إسرائيل.

ونظر ترامب إلى الإرهاب الإيراني مبكرًا من زاوية كونه إستراتيجية دولة تواصل ثورتها المذهبية وتصدرها للعالم، وتستخدم العنف في إطار حرب غير متماثلة لتعويض ضعف النظام من الداخل.

وكان البناء على قرارات ترامب وسياساته تجاه إيران ضامنًا لمواصلة هذا الضغط ولبعث رسائل واضحة إلى طهران، مفادها أن تجاوزها الخطوط الحمراء ودعمها للعنف له عواقب وخيمة، وهو ما كان سيغير بشكل كبير سيناريوهات الأحداث التي أعقبت السير في عقد اتفاقيات سلام بين بعض الدول العربية وإسرائيل، وصولًا للجرأة غير المسبوقة التي اتسمت بها ممارسات أذرع إيران العسكرية في المنطقة.

وجاء تصويت البرلمان الأوربي مؤخرًا، على إدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب التابعة للاتحاد الأوروبي وتشكيل تحالف دولي لحماية الملاحة في البحر الأحمر والضربات التي وُجهت لميليشيا الحوثيين في اليمن بعد تهديد التجارة العالمية وإمدادات الطاقة، بمثابة صحوة متأخرة بعد رؤية الأخطار بوضوح ما دفع للتفكير بشكل واقعي بشأن ما يجب القيام به حياله بمعزل عن المجاملات والعواطف.

تكتيكات متشابهة

زاوجت أجنحة العنف الشيعي بين استهداف العدو القريب وهو الأنظمة المحلية والعدو البعيد، أي القوى الغربية، وهو ذاته النسق التكتيكي الذي اعتمدته أجنحة العنف السني، وفقًا للظروف ومقتضيات التدرج والانتقال بين المراحل بعد مُراكمة القوة.

ويتسق هذا النوع من التوحهات مع سياسة إيران المتمثلة في زرع ميليشيا مسلحة داخل البلاد التي تسعى لترويضها، وتخلق نفوذًا كافيًا لتحدي سيادة الدول التي تتواجد فيها، وبالتالي ضمان خضوعها للمركز في طهران.

ومارس الحوثيون العنف المحلي ضد العدو القريب وفقًا لأدبيات العنف السني، وعززوا قبضتهم الأيديولوجية والاقتصادية على المجتمع اليمني وأقاموا في المناطق التي سيطروا عليها جمهوريتهم الإسلامية الوليدة التي تشابه كثيرًا داعش في القسوة، ومارسوا نهبا ممنهجا لثروات الشعب.

ومثل مختلف فصائل الإسلام السياسي السنية والشيعية، وجدوا في عولمة العنف ما يعزز مكانتهم ويُنسِي الناس فشلهم الإداري في الداخل والخارج.

وانتقل الحوثيون نحو استهداف العدو البعيد وفقًا لخطط مركز المشروع، ليس فقط لأنهم راكموا ما يلزم من قوة وسلاح ومقاتلين مُدرَبين، إنما لأن مشروعهم النهائي إقامة دولة إسلامية شيعية فيما وراء اليمن على طريقة داعش السنية، من خلال إقامة حكم حصري في اليمن، ثم التوسع نحو السعودية واحتلال مكة والمدينة المنورة، وتاليًا التقدم على طول الطريق إلى ساحل شبه الجزيرة العربية لمحو إسرائيل والسيطرة على القدس.

وفسرت الأحداث الأخيرة عديد من النقاط الغامضة في تاريخ اليمن والمنطقة، ووضح أن الانقسام الأيديولوجي في حركة النهضة الزيدية كان مُدبرًا من قبل إيران، والتمرد الذي قامت به حركة الشباب المؤمن في العام 2004 كان مُخططًا له منذ فترة طويلة.

ويثبت بعد أن انتقل الحوثيون إلى مرحلة العنف العابر للحدود، أن ما قام به حسين بدرالدين الحوثي وفصيلاه في حركة الشباب المؤمن لم يكن مجرد رد فعل على المظالم المحلية وانتشار السلفية في المناطق الزيدية، إنما من منطلق علاقة أيديولوجية ربطت بين الحوثيين وإيران تعود لعام 1979.

كيانات شيعية تقود أجندة إيرانية
ولم يكن التدبير المدروس والصبر الإستراتيجي الذي تحلت به إيران منذ تعليم مؤسس الحوثيين حسين الحوثي وشقيقه عبدالملك أصول المنهج الإثنى عشري في مدينة قم في الثمانينات، وسفر مجموعات من الشيعة اللبنانيين والعراقيين المرتبطين بحزب الله للتدريس بمراكز تديرها عائلة الحوثي، وصولًا إلى توفير التدريب والدعم والمال والسلاح، لمجرد تحرك جانبي لمضايقة السعودية، بل للتحرك على نطاق أوسع لتصدير الثورة كمحرك رئيسي للسياسة الإيرانية منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية.

ويتفوق الحوثيون على داعش بامتلاك القدرة على تطوير تكنولوجيا الصواريخ والطائرات المسيرة، كما ينضوون داخل تحالف قوي تعاظم نفوذه بالعمل الجماعي، متحديًا النظام الإقليمي الذي أنشأه الغرب ودافع عنه في الشرق الأوسط لعقود من الزمن، مستغلًا صمت القوى الغربية من بينها الولايات المتحدة ودول أوروبية رئيسية.

وتقف وراء الحوثيين قوة إقليمية غير عربية تستثمر الصراعات والحروب بالوكالة للمطالبة بالاعتراف بدورها في البحر الأحمر ولبنان والعراق وسوريا وغزة لتكريس نفوذ موسع في المنطقة والعالم.

وكما كرست إيران نفوذها وأدوارها على الساحات الفلسطينية والسورية واللبنانية والعراقية، تريد من خلال جهود وممارسات الحوثيين ليس تخفيف الضغوط على غزة وإنقاذ أهلها، إنما لتكون إحدى أبرز الدول الشريكة في تقرير مصير الملاحة في البحر الأحمر.

وتريد طهران عبر تحريك أدواتها وأذرعها أن تكون طرفًا نافذًا على المستويين الإقليمي والدولي وتفرض نفسها كشريك في أي تفاهمات وتسويات شاملة تحتاج إليها المنطقة.

ومع ازدياد هجمات الحوثيين البحرية ضراوة بواسطة الطائرات المسيرة والصواريخ ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وسط عمليات تصد وقصف أميركية، تتجاوز إيران الإشهار الاستعراضي، كما كان الحال في الثمانينات، لتنتقل لممارسة العنف كرسالة موجهة في حرب غير متماثلة.

وليس من المرجح، أن تحقق القوى الغربية في تصديها للتطرف الشيعي النتائج نفسها التي حققتها مع تنظيم داعش السني، لأن عنف الدول يقتضي مواجهته بالتصدي للدولة التي ترعاه وليس الاكتفاء بتقويض وكلائها.