المحرر موضوع: باتت الدنيا ساحة مكرّسة للأشرار  (زيارة 563 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل شمعون كوسا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 201
    • مشاهدة الملف الشخصي
باتت الدنيا ساحة مكرّسة للأشرار
شمعون كوسا

كانت قد راودتني هذه الفكرة منذ زمن طويل ، بعد هذا  احتسبتها قد غادرت جدول المواضيع التي تشغلني وامّحت ، غير انها عادت في هذه الازمنة الاخيرة واحتلت المقام الاول في القائمة واعلنت عن هويتها بأحرف كبيرة.
في كل يوم نرى ، ونسمع،  ونقرأ عن تصرفات ، وتطورات ، ووقائع تؤكد بانه لم يعد مكان في هذه الدنيا للمستقيمين ، والصادقين ، والنزهاء ، والابرياء ، والشرفاء ، والمؤمنين بقوة الحقيقة والعدل . لقد اضحت الدنيا مرتعا لكل من سخّروا ضمائرهم وعقولهم لخدمة أهوائهم ومصالحهم  التي تلجأ ، وبسهولة ، لوسائل شريرة تحقق مآربهم الملتوية ، وسيّان لدى هؤلاء ،  إن كانت سُبلهم ووسائلهم  هذه تضرّ بالغير ، حتى اذا كان هذا الغير صديقا ،  او قريبا ، وحتى أخا او أختا او أمّا او أبا، ولدى جميعنا امثلة على ذلك.
يقوم هؤلاء بارتكاب أبشع الموبقات واشنع الجنايات بدم بارد ، لانهم مُتّكئون على جدار صلب،  و المكلفون بتنفيذ أوامرهم،  يقومون بمهمتهم باطمئنان كبير لان هناك قوة ستحميهم.  وآخرون ، يقومون باقتراف جرمهم معتمدين  على محامين ذائعي الصيت ، معروفين ببراعتهم ، وقوة اقناعهم ،  وخبرتهم  في الالتواء على القانون  . هؤلاء يُنقِذون المجرم الحقيقي ليضعوا محله البريء والفقير المُعدم الذي لا حول له ولا قوة. وقبل هذا وذاك ، انه امرؤُ تَنهيه مَبادؤه عن اللجوء الى هذه الاساليب ، لأنه مؤمن برسوخ تام  بان الحقيقة هي التي سوف تنتصر ، ولكنه يكتشف متأخرا بان هذا الكلام كان صحيحا في أزمنة سابقة ، عندما كان الناس جميعهم يحملون مبادئ ويتحلون بأخلاق حميدة ، ولا يحيدون عن الحقيقة مهما كلفهم الامر .
إمرأة تتعرض لحادث سيارة يقوم بتنفيذه سائق قد باع ذمته لشخصية قوية شريرة ذات سطوة لا تقاوم . لا تموت ضحية الحادث هذا ، غير انها تبقى طريحة الفراش في غيبوبة تستغرق أشهر طويلة. أول خطوة يقوم بها مدبّر الشر هذا ، يوصي أيديَ اثيمةً أخرى بتصفية السائق ، وبعدها يضع أعينَ تتابع حالة الضحية النائمة وتراقب تطورها ، وبالإضافة الى ذلك يُجرى صاحبنا اتصالات بأطبائها ، وبفضل ماله واساليبه الخاصة ، يقنعهم بالعمل لإطالة أمَد غيبوبتها ، واحتياطا لفرضية تحسنها ، يطلب بان يعثروا لها على  لها ادوية تخلق فجوات في ذاكرتها كي لا تتذكر السائق الذي ارتكب الجريمة لحسابه .
بالرغم من كافة المحاولات التي قام بها هذا الشرير الموسر ، استعادت المريضة حالتها واكتشفت الاحابيل وتذكرت تماما المكان التي تعرضت فيها  للحادث ، واتضحت صورة السائق في مخيلتها، سائق تعرفه تماما  وتعرف لحساب من كان يعمل . ذهبت للقضاء  موقنة بانها ذاهبة الى العدالة التي ستأخذ حقها وتعاقب المجرم . تفاجأت ضحيتنا بتلقّي اتصال من الطبيب المعالج  يدعوها للحذر ممّا تقوم به ، قائلا لها ومؤكدا بان  ما تراه حقيقةً في ذهنها حاليا ، قد لا يمثل الواقع ،  لان ذاكرتها تعرضت لخلل جرّاء الادوية الثقيلة التي تناولتها ، وكان تحذير هذا الطبيب إيعازا مدفوع الثمن  من مدبّر العملية  الذي بدوره ارسل هذه التقارير الى المحكمة . ولكي لا اطيل عليكم القصة ، نفذ صاحبنا الشرير من العقاب ، ولم يترك الضحية  بحالها إلى ان افضى بها الى مرحلة  اعتُبِرت فيها فاقدةً لعقلها ، وانتهت  في مصحّ الامراض العقلية .
هؤلاء لديهم من الامكانيات والوسائل الشريرة ما يوقف العقل ، فاذا حدث وأن اقتيد امثال هؤلاء صدفةً الى السجن،  فانهم لا يطيلون المقام هناك ويخرجون في نفس اليوم ، بعد احتساء فنجان قهوة مع رئيس الشرطة او المحقق.   لان لهم من القوة والمال  ما يمكّنهم من شراء القائمين على تنفيذ العدل ، ولهم ايادي  لدى كافة اصحاب القرار.
حادثة بسيطة جدا ، وكأنها حلقة صغيرة من المسلسلات  التي نراها ، والتي فعلا لا تعبّر الا عن الحقيقة المرة التي نعيشها كل يوم . هذا مَثل بسيط  للحالة التي وصلنا اليها في زمننا الحالي ، حيث النفاق والكذب والغش والتزوير اضحت من فضائل هذا الزمن . فالإنسان العادي اذا اراد ان يعيش دون مشاكل ويحمي نفسه ، يجب ان يتحلى بهذه الفضائل  على الاقل ، ويتعلم اساليبها وكيفية استخدامها ، لأنه ليس كل كذب ، مثلا ، قابلا للتصديق .
المتملق والمنافق ناجحان في حياتهما  ،والبريء الفقير المسكين الذي يخجل من هذه التصرفات ، لا يقبل حتى الدفاع عن نفسه ، لأنه يفتقر لهذه الاساليب وحتى اذا اقتناها ، تمنعه تربيته عن استخدامها.
في سابق الازمان ، كان للناس عقائد ، ومبادئ ، وقيم ، يؤمنون بها  ولا يفكرون باتباع طرق ملتوية . كان القدامى يتحلون بأخلاق تدعوهم للعيش بوئام ومحبة وصدق. عندما خفّت هذه المعتقدات ، وتلاشت قليلا فقليلا ، ولم يبقَ للإنسان أية خشية من عقاب غير منظور،  رأى  نفسه قادرا على شراء الناس ، وازالة أية عقبة تعترض تحقيق اهدافه مهما كانت ، لأنه على يقين بانه لم يعد أمامه رادع او خوف. وبهذه الصورة خلت الساحة من الشرفاء والنزهاء لإفساح المجال للمتملقين  والكذابين  والاقوياء الاشرار.
لقد عمّ الشرّ ، ووصل التحايل الى شبكات التواصل الاجتماعي . كم جريمة وعمليات تحايل ، وتشويه سمعة ، وتهديد وابتراز ، تُرتكب عبر الانترنيت ؟
كان الوشاة والحساد والنمامون موجودون منذ البدء ، ولكنهم الان قد استولوا على زمام الحكم . هناك مثلا من  يحسدون الناس على خير أصابهم ،  ويحاولون منع هذا الخير ارضاءً لحسدهم . نفر آخرون يتقربون من اشخاص ابرياء ، يفاتحونهم  بثياب الحملان وهم ذئاب خاطفة .  يستدرجون مخاطبيهم  بالكلام ، وهدفهم هو نقل ما سمعوه الى جهات شريرة ستكافئهم بمال قذر.
 وهل لي ان اذكر من يرتكبون الظلم والاعتداء  والقتل انطلاقا من عقيدتهم .  أليست داعش مثلا حيّا حديثا على ذلك؟ الا يريدون إخضاع العالم كله لأفكارهم ومعتقداتهم ، فإمّا يرضى الناس بذلك او يموتون.
حتى الابرار والقديسين والشهداء ، قُتلوا في سنّ مبكرة لان لم يحيدوا عن الحقيقة ورفضوا الشر ، وكانوا الضحية لأمثال داعش  وجميع هؤلاء أخلوا الساحة للأشرار الذين فرضوا نفسهم  عبر الإرهاب والقوة كي   ويستمتعوا معمّرين  بهذه الحياة ، هم دون غيرهم . أوليس أيضا ، الذين يشعلون الحروب نموذجا آخر على هذا الشر؟ يأتون بأسلحتهم الفتاكة ويفرضون نفسهم على الناس العزّل الذين لا خيار لهم غير الهرب  وترك الساحة.
أوَ لا تشهد دنيانا الان ساحةً احتلّها الاشرار ؟!!
 


 


غير متصل شوكت توســـا

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2243
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الصديق الاستاذ شمعون كوسا المحترم
تحيه طيبه
جنابكم خير من يعرف بأن الشعب لا يمكن ان  يحس بالأمان ما لم تؤتمن أقداره بأيادي نظيفه و أمينه, وهذا ما لا يمكن تحقيقه اليوم في العراق ,لا بل سأزيد واقول لا يوجد اليوم شعب مطمئن على مصيره, حتى الدول التي كنا نحسبها متحضره تحترم حقوق الانسان و تعتمد السبل الديمقراطيه في انتخاب النخب الحاكمه, باتت شعوبها تتشكى مما تسببه لها الهيئات الحاكمه من مشاكل الشعب في غنى ً عنها, خير مثال على ما اقوله نعيشه اليوم في هولنده التي يُعرف شعبها بسلميته ومحبته للحريه والوئام, تعال جرب  وقم باستفتاء في احد شوارع مدنها, لن أبالغ لو قلت بان  الناقمين على الوضع العام تزيد نسبتهم على التسعين في المئه.
هذه النسبه المئويه المخيفه هي اشاره ودليل على صحة عنوان مقالكم,انا أعزو ذلك الى ان قوى الشر في العالم التي كانت وراء صناعة الحروب الكونيه والمناطقيه وافتعال الازمات  بالجائحات والفايروسات والمجاعات أفلحت في ترويض البشريه و إزاحة ما كان يشكل عائقا لها,فأصبح المجال مفتوحا امامها للشروع بحصاد ما زرعوه لنا. إن كانت اوضاع الدول المتقدمه في هذا الحال , فكيف بحال بلداننا الشرق اوسطيه.
تقبل تحياتي     

غير متصل شمعون كوسـا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 219
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
اخي شوكت
 من المؤلم فعلا ما نراه وما عشناه والظاهر ايضا ما سنشاهده فيما بعد. لماذا كل هذا في الوقت الذي كل شئ في متناول الانسان كي يعيش بحب وسلام وصدق ولا يحتاج هذا لا للمال ولا للسلاح ولا للامكانيات الاخرى ، ما يحتاجه الانسان هو مجرد ارادة صلبة لنهج هذا الطريق متناسين قليلا انفسنا وانانيتنا . فعلا ما كتبته هنا نابع من الم اشعر به للوضع العام هنا وكما قلت تقريبا في كل مكان لان الانسان تغير ، ونابع ايضا من الم يخلقه الاصدقاء والاقربون الينا. لقد تغيرنا وابتعدنا عن منابعنا ومفاهيمنا وقيمنا التي كانت تقودنا بقانون يقرّ به الجميع ، قانون الوئام والمحبة . حديث طويل لان جل ما نكتبه كل يوم يدخل في خانة هذا الشر والظلم وكافة الرذائل التي تعمذت حديثا واتخذت اسم الفضائل  . أنا أرثي حال الاجيال القادمة وما سيراه اولادنا واحفادنا . شكرا يا ايها الصديق العزيز شوكت.

غير متصل وليد حنا بيداويد

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 3064
    • مشاهدة الملف الشخصي
القدير الشماس شمعون كوسا المحترم
تحية طيبة
وانا اطالع هذه القصة وكانها تراجيديا فعلية حدثت بالامس القريب ولكن اكيد وبلا شك ان شبيهاتها حدثت عندما كان سوق الدواعش الفاسد رائجا ومن كان عميلا عمل في هذا السوق
كان يفترض ان يتم احراق هذا السوق من قبل المسؤلين ودعاة الشرف والانسانية ودعاة التجدد ولكن كان الكثير من هؤلاء ينادي بتغير اسمه وابقاء فعلته لابل كان مشجعا لاستمراره لفائدتهم الانية والشخصية.
نعم منذ البدء كان افعال الشيطان لم تتوقف ولكنها لا تستمر وسرعان من يتهاوى من هؤلاء الى الحضيض وبئس المصير
ما طار الطير وارتفع ولكن مثلما طار وقع
تقبل تحيتي

غير متصل شمعون كوسـا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 219
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
اخي وليد بيداويد

ما اصدق ما تقوله يا اخي وليد. انانية الانسان طغت عليه منذ البدء اليس هابيل وقايين اصدق مثل على ذلك ؟ لقد اتجه الانسان نحو كل ما هو سهل والشر سهل لانه يشبع غرائزنا ويشفي غليلنا ويخدم رذائلنا ، ولكن الخير الذي يطلق صرخته من اعمق اعماقنا ، امر يتطلب الكثير من التضحية والتجرد وهذا لا يخدم من لا يرون ابعد من انوفهم ولا يرون الا نفسهم وباتوا يعتقدون بانهم هم السائرون في الطريق الصحيح  .شكرا لمرورك الوفي حفظك الله .