المحرر موضوع: المرحوم زكريا عوديشو زكريا بين الولادة في 14/01/ 1932 و الوفاة في 14/01/2024  (زيارة 743 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل أبرم شبيرا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 395
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
المرحوم زكريا عوديشو زكريا

 
بين
الولادة في 14/01/ 1932 و الوفاة في 14/01/2024

================================
أبرم شبيرا
عندما يأتي الإنسان إلى هذا العالم ويغادرها إلى العالم الآخر في نفس اليوم والشهر، أي بعبارة أخرى، عندما يولد في يوم معين وشهر معين ثم بعد عقود طويله من الزمن يتوفى في نفس اليوم والشهر أمر يقارب الخيال ويدخل عالم الميتافيزيقا ويثير التساؤل والإستغراب والعجب والحيرة عن هذه الصدفة التاريخية الغريبة. ولكن مع هذا كله، فإن ولادة المرحوم زكريا عوديشو زكريا في الرابع عشر من شهر كانون الثاني عام 1932 وبعد عمر جاوز تسعة عقود ويتوفى في نفس اليوم والشهر في عام 2024 يمحي غرابة الصدفة التاريخية و تصبح حقيقة واقعية نادرا جداً أن لم تكن مستحيلة في حياة الإنسان، وعلى الأقل في عصرنا الحالي.
ولد المرحوم زكريا عوديشو زكريا البيلاتي في الرابع عشر من شهر كانون الثاني من عام 1932 في قرية إقري في منطقة بروار في شمال بلاد آشور، وهي قرية ضمن مجموعة قرى سكنتها قبيلة البيلاتي، أكبر قبائل عشيرة تياري السفلى المستقلة والمعروفة ببسالتها وصلابة مواقفها المبدئية والتي ضحت بمئات من رجالاتها من أجل الدفاع عن القيم التي آمنت بها وحافظت على تراثها وتقاليدها وعلى طيبة علاقتها مع بقية العشائر الآشورية، وبالأخص مع العائلة البطريركية لكنيسة المشرق الآشورية.
أنتقل المرحوم، وعمره لم يكن يتجاوز اربعة أعوام، مع عائلته المتكونة من والدته وشقيقتين إلى الحبانية مع والده الذي أنضم إلى القوات الآشورية المعروفة بـ "الليفي". 
والحبانية في تلك الفترة، والتي كانت تشكل أكبر تجمع جغرافي متجانس للآشوريين والأرمن، هناك ترعرع وعاش أيام شبابه بعد أنضمامه إلى مدرسىة رابي ياقو المشهورة في تلك الفترة في الحبانية والتي جمعت بين الآشوريين والأرمن وتخرج منها الكثير من الشباب الآشوري المبدعين في مختلف مجالات الحياة الفكرية والثقافية والفنية والقومية والسياسية ومن بينهم المرحوم زكريا الذي تعلم  فيها اللغة الآشورية والإنكليزية والعربية. وبهذه المناسبة يجب أن لا ننسى أوسطه موشي يوخنا مؤسس أـول تنظيم قومي آشوري الذي عرف بـ "خيت خيت ألب" في الحبانية. وهناك وفي مقتبل حياته الشبابية  قام المرحوم زكريا بدراسة أصول الفن الموسيقي واللغة الموسيقية (Music Notes) وممارسة العزف على عدة ألات موسيقية منها الكمان والكلارانيت والساكسفون وبرع بالأخص في آلتي الساكسفون والكلارانيت، فأنضم إلى الفرقة الموسيقية للجيش البريطاني في الحبانية. وبسبب براعته في العزف على الساكسفون أشتهر في تلك الفترة بـ (زاك عازف الساكسفون الذهبية) فكان العازف الآشوري الوحيد بين العازفين البريطانيين ضمن فرقة موسيقية عرفت بـ "ميلو باند". وخلال الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي قام مع أصدقائه الآشوريين بتأسيس أول فرقة موسيقية آشورية سميت بفرقة (بابيلون – أي بابل) والتي كانت تعتبر الفرقة الموسقية الآشورية الوحيدة التي قامت بإحياء الكثير من المناسبا في بغداد و البصرة وكركوك والرمادي وحتي عزفت هذه الفرقة في أحدى المناسبات الآشورية في إيران، كذلك قامت بأحياء حفلة في السفارة الأمريكية في بغداد في الرابع من تموز بمناسبة عيد الاستقلال الأمريكي.
ثم، مع بداية تقلص نفوذ البريطانيين في الحبانية بدأ الآشوريين بالإنتقال إلى بغداد ومنهم المرحوم زكريا وعائلته، وهناك أيضا أسس مع أصدقائه فرقة موسيقية عرفة بـ (اربائيلو) والتي بدأت أعمالها الموسيقية بإحياء العديد من الحفالات والمناسبات، فكانت أول فرقة موسيقية آشورية تعزف في محطة تلفزيون بغداد بعد ثورة تموز عام 1958. وخلال كل تلك الفترات، تبوئ المرحوم العديد من المناصب والوظائف المختلفة في مجال العمل المهني  وكذلك في الأعمال الحرة، سواء في الحبانية أو في بغداد.
وبعد أحداث ثورة تموز عام 1958، هاجر الكثير من الآشوريين إلى بريطانيا وأكثرهم كانوا من الحبانية وأستقر معظمهم في منطقة إيلينك في المنطقة الغربية من لندن ومنهم المرحوم زكريا. وبعد عام 1968 وإستيلاء حزب البعث العربي الإشتراكي للسلطة في العراق، أزدادت وتيرة هجرة الآشوريين لوطنهم إلى الخارج. وفي لندن لم يتوانى المرحوم زكريا في الإستمرار بنشاطه الفني والإجتماعي والقومي، حيث ألتقى هناك ببعض أصدقائه القدامى فأستمر في ممارسة نشاطه الفني بالعزف على آلة الساكسفون.
ثم بإزدياد عدد الآشوريين في لندن تطلبت الحاجة إلى تأسيس نادي آشوري هناك فكان المرحوم من بين المؤسسين له. وهذا النادي لحد هذا اليوم لا زال قائماً والذي يعرف بـ "Assyrian House". وأستمر المرحوم بنشاطه الفني والإجتماعي وفي الأعمال التجارية في لندن حتى عام 1980 حيث هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية متنقلا بين كاليفورنيا وشيكاغو. وهناك لم يستكين الأمر به إلا وأن يستمر في أبداعاته الموسيقية كعازف على الساكسفون، فشارك في إحياء العديد من المناسبات القومية ومنها على شاشة التلفزيون الآشوري بيت نهرين، لا بل وشارك أيضا بمعزوفاته الشجية والجميلة مع عدة فرق سمفونية وأوكسترات وعزف أيضا في بعض المناسبات في الجامعات الأمريكية في كاليفورنيا، لحين بدأت السنين تتراكم عليه وتزيد من شيخوخته فتدهورت صحته تدريجيا مما أضطر لمغادرة كالفورنيا إلى شيكاغو بعد وفاة رفيقة حياته  السيدة هيلين عام 2008، حيث أستقر هناك بالقرب من شقيقه بنيامين وشققاته وأقاربه حتى ضاقت به الشيخوخة وبالتالي سلم روحه الطاهرة إلى خالقها في يوم الأحد المصادف في 14/01/2024، وهو نفس يوم ميلاده الثاني والتسعون.... يا لها من صدفة غريبة قلما نجد مثلها في التاريخ. وبمناسبة الأربعينية سيقام قداس إلهي على روحه الطاهرة يوم الأحد المصادف 25/شباط/2024 في كنيسة القديسين مار سركيس ومار باكوس في مدينة سكوكي في ولاية ألينوي الأمريكية.
شخصياً عرفت المرحوم زكريا كإنسان ممتلئ بالنشاط والحيوية حتى في آخر أيامه، فكان في غاية الطيبة وهادئ الطبع ودمث الأخلاق وجميل المعشرة مع الجميع بحيث كان من بين أكثر الناس الذين عرفتهم له أصدقاء كثر بعيدا عن الإنانية والتكبر ملئه التواضع والبساطة في حياته الطويلة.. وأخيرا، وبهذه المناسبة، إذا كان بعد المسافة قد حال دون حضوري لمراسيم دفنه و القداس الأربعيني على روحه الطاهرة، فأرجو أن تكون هذه السطور فرصة لأعبر عن خالص تعازي الشخصية لشقيقه الصديق بنيامين عوديشو أسخريا وزوجته السيدة شميران مالك كوركيس وشقيقاته ميمي وخاتون وأسمر وجيني ولأولاده وبناته أدمون وأدلين وفابيان ولندا ولجميع أحفاده و أقربائه وأن ينعمهم ربنا يسوع المسيح بالصبر والقوة والسلوان وأن تبقى ذاكرة المرحوم مكللة بالفخر والإعتزاز بين الجميع  ومحمية برحمات ربنا يسوع المسيح وأن تنعم روحه الطاهرة بالراحة الأبدية في جنات الخلد.