المحرر موضوع: تطبيق العدالة والأمن وما يهديد أركان الدولة  (زيارة 358 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ماجد الزاملي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 158
  • الجنس: ذكر
  • منتديات عنكاوا
    • MSN مسنجر - majidhady2009@yahoo.com
    • مشاهدة الملف الشخصي
تطبيق العدالة والأمن وما يهديد أركان الدولة   
                   
د. ماجد احمد الزاملي                                      
 إن التحـول يتطلـب تقييـد السـلطة الرسـمية وغيـر الرسـمية لأصحـاب السـلطة.  ويجب على الجميع أن يُرسي نهجــاً لثقافــة ســيادة القانــون لتحقيــق ســيادة قانــون قوي ,وهــو النهــج الــذي يضــع فــي صميمــه الديناميــات الإنســانية والإجتماعيــة والتاريخيــة والسياســية والمتعلقــة بالســلطة. وتنــزع النهــج ىالتقليديـة لتعزيـز سـيادة القانـون إلـى وضـع دور مؤسسـات الدولـة فـي مرتبـة الأولويـة وتبنـّي اسـتراتيجيات تقنيـة قائمـة علـى القانـون. وفـي المقابـل يـدرك نهـج ثقافـة سـيادة القانـون أن الجهـود الراميـة إلـى تعزيـز سـيادة القانـون لا تحـدث من الفـراغ وإنمـا فـي سـياق معيـن بيـن الدولـة والمؤسسـات الإجتماعيـة وفـي إطـار ديناميـات وتداخـلات معقـدة بيـن السياسـة والسـلطة والأفـراد. ويُشـدد نهـج ثقافـة سـيادة القانـون علـى أنـه ُحـدد مـن نقـاط الضعـف بصـورة منهجيـة. وأنهـا يتعيـن النظـر إلـى نظـام العدالـة بصـورة شـاملة ومعالجـة تقتضـي المشـاركة والإنخـراط المتسـاوي لـكل مـن مسـؤولي الدولـة وأفـراد المجتمـع وتـدرك أن تعزيـز سـيادة القانـون عبـارة عـن عمليـة تغييـر ينبغي  أن تشـتمل علـى تغييـر الإفتراضـات وطـرق التفكيـر والسـلوك لـدى جميـع الأفراد سـواءً المسـؤولين أو المواطنيـن علـى حـد سـواء. ومـن الممكـن أن يحـدث تصـادم بيـن الأعـراف الإجتماعيـة والقانونيـة، وهـو أمـر يعكـس وجـود اختـلاف فـي الــرؤى الإجتماعيــة، والثقافيــة، والأخلاقيــة، للعالــم. وقــد يتصــادم القانــون المحلــي مــع القانــون الدولــي؛ أو الأعـراف والتقاليـد مـع القانـون الوطنـي الرسـمي. وقـد يقـع التصـادم فـي حالـة غـرس قوانيـن نابعـة مـن أماكـن أخـرى، سـواءً أكان هـذا الغـرس مفروضـاً أم مقتبسـاً بشـكل طوعـي. وقـد لا تتطابـق قيـم القانـون المغـروس، ومبادئـه، مـع قيـم الكثيـر مـن أفـراد المجتمـع ومبادئـه. وانظـر، علـى سـبيل المثـال، إلـى التصـادم الواقـع بيـن القوانيـن الرسـمية للمسـتعمرين، مثـل البريطانييـن فـي إفريقيـا، وبيـن القوانيـن العرفيـة والطبيعيـة التـي كانـت تنظـم شـؤون تلـك المجتمعـات قبـل وقـوع الإسـتعمار. فقـد تختلـف لغـة القانـون نفسـها عـن اللغـة المشـتركة للجماعـات التـي يتألـف منهـا المجتمـع، كمـا هـو الحـال فـي باكسـتان، حيـث جاءت قوانيـن مـن بريطانيـا باللغـة الإنكليزيـة، فأصبـح وقـع تلـك القوانيـن غريبـاً وغامضـاً. وفـي مثـل هـذه الحـالات،لا يـؤدي القانـون سـوى دور هزيـل فـي الحفـاظ علـى النظـام الإجتماعـي. فـإذا لـم يؤمــن النــاس بالقانــون، فسيشــعرون أنــه غيــر متوائــم مــع واقعهــم، ولا يلبــي حاجاتهــم الفعليــة. ومــن شــأن فتـرات الحـرب الطويلـة،وفتـرات الخـروج علـى القانـون،وكـذلك الفسـاد والمحسـوبية؛مـن شـأن كل تلـك الظـروف أن تؤثـر علـى كيفيـة رؤيـة النـاس للقانـون واسـتجابتهم لـه. وقـد ينشـأ اسـتعداد لـدى النـاس للتحايـل علـى القواعـد، لأن النظـام لا يعمـل علـى نحـو يحقـق لهـم مصالحهـم، أولأن انتشـار الفسـاد يـؤدي بهـم إلـى الإعتقـاد بـأن كل مـن عداهـم يتغافـل عـن تلـك القواعـد، أو لأن القوانيـن أصبحـت قديمة ، أو معقـدة، أو عسـيرة الفهـم. وبمجـرد أن يكـون هنـاك ضغطـاً سياسـياً نحـو الإصـلاح، ينبغـي علـى البلـدان أن تنشـئ هيـاكلَ معينـة لتقييـد السـلطة،لأن التخلـص مـن النظـام القديـم لا يضمـن أن الجديـد سيكـون أفضـل. وبـدلًا مـن ذلـك، يتعيـن علــى البلــدان أن تشــرع فــي وضــع ضوابــط رقابيــة علــى الســلطة. وأحيانـاً مـا تبـدو عمليـة ”بنـاء المؤسسـات“ هـذه عمليـة تكنوقراطيـة،لأن تعزيـز الوضـع القانونـي والإحترافيـة لشــتى عناصــر الحكومــة، يمكــن أن يتضمــن التدريــب، والمعــدات، والأزيــاء الموحــدة، والمبانــي، وهــي أشــياء تبعـث فـي هـذه العناصـر الشـعوَر بالإحترافيـة والإسـتقلالية.والغالـب فـي كل مرحلـة أن تنشـأ مقاومـة مـن ِقبل بيـن السـلطات وبرغـم وجـود حاجـة إلـى الخبـرات لتوجيـه الأعمـال الإصلاحيـة، إلاّ أن الضغـط السياسـي للبقـاء علـى المسـار الصحيـح ينبغـي أن يسـتمر. وتحتـاج الأطـراف غيـر الحكوميـة، التـي تمـارس ضغطـاً لإحـداث تحـوِّل نحـو سـيادة القانـون، إلـى مؤيديـن مـن داخـل الحكومـة،ممـن يتمتعـون بالقـدرة السياسـية والمهـارة المؤسسـية، لإحـداث التغييـرات المنشـودة.       
يميـل الأشـخاص، حيـن تقـع علـى مسـامعهم عبـارة ”سـيادة القانـون“، إلـى التركيـز علـى كلمـة ”القانـون“، فهـم يرغبــون فــي معرفــة مــا إذا كان هنــاك قوانيــن، ومــا إذا كانــت القوانيــن مطبقــة، ومــا إذا كان الأفــراد يبــدون التزامـاً بهـذه القوانيـن. ومـن المفتـرض أن أفضـل مـن يسـتطيع فهـم سـيادة القانـون هـم أولئـك الذيـن يعرفـون القوانيـن، ويدافعـون عنهـا، ألا وهـم: المحامـون، والقضـاة، والمدعـون العامـون، والعاملـون فـي جهـاز الشـرطة. ويبـدو أن فهـم سـيادة القانـون يسـتلزم منّـا أولًا فهـم معنـى القانـون. ولا تعتبـرالقوانيـن التـي تقرهـا الدولـة وحدهـا القواعـد الحاكمـة لتصرفاتنـا، أو الحاميـة للنظـام الإجتماعـي، فقـد تكـون هنـالك أيضـاً قواعـد أو مبـادئ عرفيـة أو تقليديـة. وهنـاك التقاليـد الدينيـة وتقاليـدالأسـرة، وهنـاك الآداب الإجتماعيـة وآداب العمـل، هـذا بالإضافـة إلـى أنمـاط التعامـل مـع أمـور معينـة.           
ويُمثـل التعـاون مـع الجمهـور بخصـوص المشـكلات المتعلقـة بالنظـام القضائـي جـزءاً مهمـاً للغايـة مـن عمـل الحكومـات لضمانـة الإحتـكام إلـى القضـاء وإلـى نظـام قضائـي معتمـد ومـن ثـم بنـاء الثقـة فـي المؤسسـات القضائيــة والتأكيــد علــى شــرعيتها. وينبغــي أن يتضمــن هــذا التعــاون تبــادل المعلومــات حــول المجهــودات ُمَكـَّـنَ الأفــراد مــن الإســتعانة المبذولــة لإصــلاح وتوضيــح الحقــوق القانونيــة وخدمــات التعليــم للعامــة، وبفعاليـة النظـام القضائـي ومـن ثـم إرسـاء ثقافـة سـيادة القانـون. ويجـوز تدشـين حمـلات تعليميـة عامـة فيمـا يتعلـق بالمشـكلات القضائيـة محـل النقـاش علـى يـد أصحـاب المصلحـة المحلييـن مثـل المتحـدث باسـم المحكمـة أو النقابـة أو رابطـة القضـاة أو المنظمـات غيـر الحكوميـة المتعلقـة بالقضـاء. ومـن شـأن هـذا الالتـزام بالخدمـات العامـة المسـاهمة فـي ترسـيخ احتـرام منظومـة القضـاء وتقديرهـا. ويمكـن الإشـارة إليـه ”بالمعرفـة القانونيـة“ أو ”بنـاء الأهليـة“ أو ”التدريـب القانونـي“ أو الوعـي القانوني الـذي ُمَكـن للوعـي القانونـي المسـاهمة فـي تصحيـح النظـام القانونـي والآليـات الخاصـة والإجـراءات القانونيـة والمفاهيـم العامـة المتعلقـة بـأن المحاكـم مـكان مرعـب أو يصعـب الوصـول إليهـا أو الثقـة فيهـا.       
الاحتلال الأمريكي ساهم في تغيير موازين القيادة داخل العراق بعد سقوط النظام، حيث أدى إلى ظهور الإسلام السياسي كقوة فاعلة في العراق، تزامناً مع فشل المشروع القومي ، وتَعثّر اليسار العراقي والعربي بشكل عام. فأصبح العراق تحت قيادة أحزاب إسلامية انعكس ذلك سلباً على الداخل السياسي العراقي، من حيث تعامل الحركات السياسية الطائفية مع بعضها بعضاً دون الاعتماد على النهج الديمقراطي في تَسيير عجلة العملية السياسية. دور العراق في المشروع الأمريكي فيما بعد الانسحاب حددته الأطراف الرئيسية في العملية السياسية ، ويتحدد ذلك من خلال المفاوضات بين الجانبين على أسس وطنية تسهم في تصحيح مسار العملية السياسية، وذلك بإلغاء المحاصصة الطائفية في تشكيل الحكومة الوطنية، وتفعيل دور المصالحة الوطنية، واستيعاب كافة الأطراف في بناء مركز الدولة. كل ذلك من شأنه أن يدفع باتجاه بناء عراق قوي يستعيد مركزه وقوته الداخلية والإقليمية، وإفشال مؤامرات المشروع الأمريكي التي تسعى إلى إعادة المشروع من الخارج للتأثير فى الداخل العراقي، بعد استغلال الضعف الداخلي. تكمن ازمة الدولة في المنطقة بشكل عام وفي العراق بشكل خاص انها كانت نتيجة طبيعية للإستعمار الكولنيالي، فهي لم تكن نتاجا طبيعيا للبيئة المحلية ولا تعبيرا عن رغبات الجماعات السكانية المتنوعة او تمثيلاً طبقياً للمجتمع، بل انها كانت نتاجاً فوقياً. لقد أدركت النخب العراقية الحاكمة إنَّ برنامج الإصلاح المطلوب يعني إلغاء وجودها نفسه لصالح صعود نخبة جديدة، وبالتالي أنها عملية انتحار ووقفت بجميع الوسائل ضد برنامج الإصلاح الذي يشكل برنامج انقلاب على النظم المركزية واستبدالها بنظم تعددية.وبالتالي من المستحيل تجاوز المحاصصة الطائفية في الدولة ما دامت موجودة في الاحزاب نفسها. إذا كانت الاحزاب الاسلامية غير قادرة على تجاوز طائفيتها والتحول الى أحزاب اسلامية جامعة لكل الطوائف، فكيف يمكنها أن تجعل الدولة تتجاوز الطائفية, ومن أهم مهمات المثقفين العراقيين العمل على نشر الفكر الوطني الذي يدعو الى جعل الوطن ووحدته فوق كل إعتبار . فهذه الثقافة الوطنية وحدها القادرة على تحويل الاحزاب الطائفية الى أحزاب وطنية. وبالتالي إلغاء الطائفية من الدولة والمجتمع والثقافة. لو أخذنا كمثال، حالة عنفية معروفة، هي الحرب العالمية الثانية أواسط القرن الماضي، لوجدنا إن هذه الحرب اندلعت كتعبير عملي عن ثقافة العنف التي كانت سائدة حينذاك، من الحقد والعداء للآخر التي تراكمت في نفوس الاوربيين، خلال سنوات طويلة من المظالم الوطنية والطبقية. والذي يراجع النتاجات الثقافية السائدة في أوربا قبل اندلاع الحرب، يلاحظ بكل وضوح طغيان النصوص والخطابات التي تدعوا الى العنف وتبرر التضحية بالذات وقتل الآخر. أية حرب، دولية كانت أم حزبية أم طائفية، تقوم بتأثير مجموعة من القادة والمحاربين والمتطرفين. بل هي تقوم أولاً، وتتغذى وتبرر ديمومتها، بواسطة شبكة واسعة ومعقدة من القناعات والمواقف الثقافية والنفسية التي تمنح للمحاربين زخماً للتضحية بالنفس وللحقد على الخصوم وتبرير قتلهم. وهذه الشبكة الثقافية الواسعة، لا يمكن أبداً لحزب أو منظمة أو جهاز، وحده أن يصنعها، وفي فترة زمنية قصيرة، بل تشترك في صنع هذه القناعات والمواقف جهات ثقافية وسياسية ودينية متعددة ومختلفة وليس بينها أي تنسيق بل ربما هي مختلفة ومتصارعة، لكنها خلال فترة طويلة اشتركت من دون قصد وبأشكال مختلفة ببث وتبرير هذه القناعات والمواقف التي تُشجع الحقد على الآخر وتبرر مفهوم التضحية بالنفس بأسم الاستشهاد، والانتقام من الآخر وقتله بأعتباره عدواً.               
العراق في عهد النظام السابق عاش حالة من الحرمان من ابسط مقومات الحياة ,وبسبب العقوبات الاقتصادية انتشر الجهل والتخلف بشكل كبير في اوساط الشعب. لقد اتبّع النظام السابق سياسة داخلية قمعية واستبدادية وقاسية عانى العراقيين من جرائها الويلات وكثرت الانقسامات وزاد الفساد الذي نعيش نتائجه إلى اليوم. وبعد سقوط النظام السابق، بدأ الارهاب وكل وسائل التدمير بتدمير ماتبقى.. إن تقوية الدولة والجيش والأمن يبدأ بإلغاء الفساد الذي تتمّثل أولى مظاهره في جانبه الرسمي والعلني والقانوني. إن القضاء على الفساد يتمّ بإصلاح سمعة القيادات والمسؤولين وأعضاء البرلمان وكبار موظفي الدولة، بِدءاً بتقليل رواتبهم وامتيازاتهم التي تفوق حتى مستويات الدول الكبرى, أن المشكلة الحقيقية لكل الأطراف السياسية في العراق هي غياب المشروع الحقيقي لبناء الدولة. أن قيمة المشروع السياسي تكمن بأن هناك آيديولوجية معينة قائمة على مباديء واضحة في بناء الدولة، ان مشروع بناء الدولة ينبغي ان ينطلق من الواقع , بل يعتمد على الرؤية المستقبلية لما يجب أن يكون عليه شكل الدولة ومؤسساتها وكيف يمكن للمجتمع التواصل مع تلك المؤسسات.
لكننا نجد  لدى الشعب تصورا مشوها لمفهوم الديمقراطية والحرية والمساواة وما تعني المواطنة ومن هو الآخر وما هي الهويات الفرعية وكيف يمكن الحفاظ عليها، إذ نجد أن هناك خلطا بين الدين والسياسة ولاتوجد حدود فاصلة بينهما ليعرف المتدين والسياسي حدودهما فيتحركان ضمن الأطر المرسومة في الدستور.