المحرر موضوع: كلمة العلامة سماحة الشيخ حسين شحادة  (زيارة 51 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبد الحسين شعبان

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1288
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
كلمة العلامة سماحة الشيخ حسين شحادة

حفل تكريم د. شعبان
بيروت - 6 شباط /  فبراير 2024

الدكتور عبد الحسين شعبان
  قديس حريّة الكلمة
 وصانع اللوبيات القانونية والحقوقية من أجل فلسطين
 

   يوم كتب المفكر العربي الكبير، الدكتور عبد الحسين شعبان عن فقه التسامح، كنا سيادة المطران جورج خضر وأنا وآخرين من المتابعين لأعماله الفكرية من يساريين وقوميين وعلمانيين، قد انتبهنا إلى سنّ قلمه المضيء، في منعطف الأسئلة الحرجة من تحولات الفكر السياسي العربي المضطرب، تحت لعلعة البنادق، التي سبقتنا وسبقت محابرنا، فكانت وفق الروزنامة الفلسطينية هي الزمن الفلسطيني.
   كان الفجر العربي داكنًا، لم يكن العقل سيّد التنوير، وقد التبس النهوض العربي بالشروط والشروط المضادة بالتخوين والتخوين المضاد، إلى أن انتهى المشهد الظلامي عن الكوارث الدامية، التي أصابت الجميع ومن دون استثناء، في واقع ملتهب وبائس، امتلأت فيه أقبية السجون.. بسجناء الرأي وسجناء الجهل المقدّس، فيما الأحزمة الإرهابية الناسفة، كانت، إذا فرغت من جنون انتحاري إلى انتحار حضاري، تسأل عن دم البعوض، أطاهر هو؟ أم نجس؟!
   وأمام هذا التحدي، اتّجه الدكتور شعبان إلى لملمة شظايانا ومراجعة تجاربنا بروح انتقادية منفتحة وجامعة، وفي باله سؤال المستقبل الجارح والمجروح، وكان لابدّ من البوصلة، وكانت بوصلته كل فلسطين، من النهر إلى البحر، ولا ابالغ إن قلت:
أن الدكتور عبد الحسين شعبان، الأكاديمي الثوري، واليساري الصوفي، والإنساني الشاهد والشهيد على العصر الفلسطيني، والمحب للحياة أيضًا، هو صانع اللوبيات القانونية والحقوقية من أجل فلسطين على المستويين العربي والدولي.
   فخاض معاركه الفكرية والثقافية والنهضوية، وهو يرى بأحزانه، ومن عمق قلبه وفؤاده، كيف انهار البيت العربي، وكيف سقط  سقفه على رؤوس الجميع، ورأى بآلامه كيف لوينا عنق الزمن الفلسطيني، وأدخلناه في جدل انقساماتنا حول الحريّة والهويّة وبناء الدولة الحديثة وأولويات النهوض، واحتدم السجال عميقًا، هذه المرّة ليصبح، ويا للأسف حول أي فلسطين نريد؟ هل نريد فلسطين الدينية أم فلسطين العلمانية؟
   أقول، أمام هذه التراكمات المتصحّرة والمتكلّسة، كان لا بدّ للدكتور شعبان أن يخوض معاركه على أكثر من جبهة،  بدءًا من جبهة الوعي بالذات، مرورًا بجبهة تصحيح المفاهيم والمصطلحات وصولًا إلى جبهة الخندق الفلسطيني الأمامي المتقدّم، ويسعني القول أن:
الجبهة الأولى - على الصعيد الفكري، التي فتحت أمامه الأفق ليكون من فرسان الحوار، فنادى بوجوب ردّ الاعتبار لحوار التكامل، لا بين  العروبة والإسلام فحسب، ولا بين الماركسية والإسلام وعموم الأديان، بل بين ثلاثية الدين والسلطة والمجتمع من منطلق إيمانه، أن الحوار هو الوسيلة الوحيدة لشرف الدخول إلى الزمن الفلسطيني بأفقه العربي - الإنساني، القائم على الحق والعدل والتعدّدية والتنوّع وقبول الآخر.
والجبهة الثانية، كانت على الصعيد العملي، فقد بذل جهودًا  حفظتها لنا وثائق المؤتمرات والندوات والمحاضرات، ليلفتنا جميعًا إلى قدسية الاهتمام بتنقية الذاكرة من دواحس العلمانية ومن غبراوات السلفية التكفيرية ومن أوهام التغريب والانبهار بأمركة العالم وعولمته، كذلك أرادنا الدكتور شعبان، بوصفه قديسًا لحريّة الكلمة، أن ندخل إلى الزمن الفلسطيني بثياب نظيفة وصلاة طاهرة وبنادق تتّقي الله بسفك الدماء وتتقي الله بجاهليات العنف والتطرّف وصنميات العقول، التي لم تدرك مغزى أن نخلع نعالنا الحزبوية والسياسية والطائفية في حضرة فلسطين.
الجبهة الثالثة - نقض السردية الصهيونية، ونقض السرديات المنبهرة بأوهام التطبيع مع العدو "الإسرائيلي"، هكذا حفر الدكتور شعبان رؤيته الصادقة بين الحفرتين، وقارب بموضوعية عميقة  أسئلة النهضة ذاتها، ولكن من وجهة  مغايرة ومختلفة، قوامها:
 أولًا - تحرير الحوار من الأدلجة
ثانيًا - تحرير المعرفة من المخيلة الموروثة
ثالثًا - تحرير الشموليات من نزعة التفوّق وذهنية الإقصاء ولوثة الهويّات القاتلة.
   ولأن قلم الدكتور عبد الحسين شعبان، هو القلم المعافي الخالص من الشوائب، شوائب الفتن وشوائب الانقسام وشوائب التنظير للتسويات المهينة والمذلّة بشهادة الأوسمة والدروع، التي منحته إيّاها بغداد وبيروت ودمشق وعمّان والقاهرة وتونس والخليج، وسواها من العواصم الأوروبية وغير الأوروبية، فقد أصبح الدكتور شعبان، من بيننا، قدوةً للمثقف العربي المناضل، ومثالًا يحتذى للذين جاهدوا ويجاهدون بالقلم.
 إنه ربيب النجف، ربيب الكلمة الروحية، وبكامل أوصافه العلمية والأخلاقية، لم يُصب شعبان بالوهن ولا أخذته العزّة بالغرور.
 قبّل شعبان الخريطة العربية وقبّل ترابها وأخذنا إلى "دين العقل وفقه الواقع"، واستراح، لكنه لم يهدأ وكمثل عصفور الشرق، حطّ على أغصان كرمته، واعدًا بأن نهاية التاريخ لم تُكتب بعد، وبأن الزمن الفلسطيني قد بدأ، وبأن فضّ الاشتباكات الفلسفية والدينية والسياسية، تبدأ من سؤال الحريّة قبل سؤال التحرير، وبأن الزمن الفلسطيني الواعد بالحق والخير والعدل والكرامة والجمال والعنفوان، هو للذين لا يريدون علوًّا في الأرض ولا فسادًا، وهو للقابضين على مفاتيح العودة الكاملة إلى فلسطين الكاملة.
وتلك هي فرادة الاستثناء، وفرادة المفكر والفيلسوف السياسي عبد الحسين شعبان، وتلك هي فرادة أصحاب القيم وأصحاب الرسالات من جيل إلى جيل.