المحرر موضوع: الشاعر الشعبي ساسون اليهودي :  (زيارة 317 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حامد الجبوري

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 385
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الشاعر الشعبي ساسون اليهودي :
حامد كعيد الجبوري
العراق / بابل / الحلة
      يتداول الكثير من متذوقي الادب والتراث الشعبي الأبوذيات والدارميات وحتى الموالات وينسجون لها القصص من مخيالهم الخصب لتحبيب تداولها بين المتذوقين . قبل أيام بعث لي أحد الاصدقاء فديو يتحدث فيه احد الشعراء عن قصة نسجتها مخيلة الناس وتداولتها الألسن حتى عدت من المسلمات، وحقيقة وجدت ان القصة مختلقة وغير مترابطة الأحداث، وفيها الهنات التي قادتني لتكذيب ما ورد فيها، ومن المؤكد لا يمكن تكذيب كل ما ورد في التسجيل المصور، ومعلوم للجميع أن الادب والتراث الشعبي يتداول شفاهيا ، ويحفظه الرواة وعشاق التراث، ولم يتم تدوين ذلك التراث الضخم الذي لو دوّن لأصبح سفرا جميلا وحكايات فيها الكثير من العبر.
         الشاعر الشعبي ساسون اليهودي ولد في محافظة بابل / ناحية الكفل نهايات ١٨٩٩ م او بدايات ١٩٠٠ م ، واغلب العوائل اليهودية تعد من الاغنياء وملاك الأراضي والاطيان، انتقل والد الشاعر ساسون لمحافظة الديوانية عام 1919 م بعد أن عجز عن شراء الأراضي الواسعة لاستثمارها زراعيا وتجاريا ، لأنها اصلا مملوكة لكبار ملاكي اليهود في بابل، وحين استقر بهم المقام في الديوانية / ناحية الشامية يقول الاستاذ مدير مركز الذاكرة الموسوعية في الديوانية (غالب الكعبي) أن عائلة ساسون اليهودي اشترت أكثر من نصف الأراضي الزراعية العائدة لناحية الشامية مع بعض من العوائل اليهودية الأخرى، واشتهرت زراعتهم بالحنطة والشعير والرز ( العنبر) ، وبدأت تصدر الفائض من الرز لخارج العراق وبماركة خاصة لتلك العوائل اسميت حينها شركة (الخلاصچي) نسبة لاحد العشائر اليهودية هناك ، كما نشرت ذلك صحيفة المدى بعددها ١٤٤٥ الصادر في ١٤ / ٩ / ٢٠١٥ وتحت عنوان (ذكريات العم ساسون واثار اليهود).
       يروى عن الشاعر ساسون الكثير من المواقف الشعرية الطريفة ومنها، علم الشاعر ساسون ان احد شباب اليهود تعلق قلبه بفتاة قروية مسلمة، تم اللقاء بين العاشقين لأكثر من مرة، وتعلق أحدها بالآخر، والظاهر ان القروية انتبهت للخطأ الذي وقعا فيه، فقالت لحبيبها يجب أن نفترق إذ لا مجال لزواجهما، بل يعد ضربا من الجنون ، وقالت له من المحال ان يوافق اهلك اليهود من زواجك من مسلمة قروية، وكذلك لا يوافق اهلي المسلمون من الزواج منك وانت على غير ديننا، قال العاشق لحبيبته لماذا وضعت هذه المعرقلات بطريقنا، دعي الأمر كما يريد الله، وفعلا خطبها لأهلها وامتنع الاهل من تزويجها، بل زفت لابن عمها عروس، بعد زواجها من ابن عمها وانجابها لأكثر من طفل ، علمت ان حبيبها اليهودي اصيب بمرض عضال، وبعث لها بيتا من الدارمي يقول فيه،
عندك عوض لبتوت گلبي من اداعيك
مو خلِّصن تگطيع من ونتي عليك
ويقال ان ساسون اليهودي هو الذي كتب ذلك الدارمي على لسان العاشق المريض ، وطبيعي ينتظر العاشق الرد، ومعلوم أيضا ان وزن شعر الدارمي يسمى غزل البنات او شعر البنات، ويمتاز شعر الدارمي بتكثيف المعنى ووضوح الغاية ، فكان جواب المعشوقة التي ذهبت للمقهى الذي يجلس فيه الشاعر ساسون وسألت عنه، فقيل لها انه ذهب صباح اليوم لمركز لواء الديوانية، وعادت في اليوم الثاني ووجدت الشاعر ساسون وسلمته الجواب الذي قالت فيه،
شنهو العوض لبتوت گلبك تريده
ما سنت العربان للچتله بيده
وهنا لابد من التوضيح، تقول لعاشقها انت تريد العوض عن ما اصابك، ولكن عليك ان تتذكر اني قد نهيتك وقلت لك أمر زواجنا مستحيل، لذلك ليس لك عندنا اي تعويض مادي او معنوي، لأنك كمن نحر نفسه بيده، ومعلوم أيضا ان للعشائر العراقية قوانينها الصارمة وتسمى ( السانية او السنينة)، بمعنى ان العشائر وضعت الغرامة لمن يقتل النفس، او يسرق، او ينهب - يهرب بمعشوقته وبموافقتها - حبيبته، لكل ذلك وضعت السنائن العشائرية، وبما ان العشائر لم تضع غرامة لمن يقتل نفسه فعليك ان تحمل وزر ما جنيته بنفسك، نلاحظ هنا كيف صيغت القصة بهذا الشكل الذي يكتشف بساطة موضوعه بل سذاجته اي متمعن، فليس من المعقول ان تتنقل المعشوقة باحثة في مقاهي المدينة لتسليم ردها عن رسالة الحبيب السابق، وهي ابنة عشائر تعد هكذا تصرف معيب، بل وتعاقب عليه بقتل العاشقة.
    ويروى ان الشاعر ساسون اليهودي وبمناسبات الزيارات لضرائح الائمة والأولياء كان ينقل الزائرين بسيارات الحمل التي يمتلكها مقابل أجر معين ، وفي إحدى الزيارات لمدينة كربلاء تعطلت السيارة في الطريق الترابي الموصل من الشامية لكربلاء، ومعلوم آنذاك قلة وسائط النقل بل كانوا يعتمدون على الحيوانات كالجمال والخيول والبغال والحمير عبر قوافل محمية من بعض الرجال، خوفا من قطاع الطرق والسراق، هنا وبعد تعطل السيارة نظر الشاعر ساسون إلى الزائرين مرتجلا هذا الدارمي فقال
ماينفع الطك بيه نوّخ ذلولي
عد رأس ابو السجاد ربعي اندعولي
يقول هذا حدي معكم أيها الزائرون وما عليكم إلا أن تنقلوا سلامي للأمام الحسين عليه السلام متمنيا لكم سلامة الوصول ، قال له أحد الزوار حاول أن تجد سبب عطل السيارة، وحاول اصلاحه، وفعلا أخرج عدته وبدأ يفتش عن عطل محرك السيارة وسرعان ما اهتدى لذلك، واصلحت السيارة وعاودت مسيرها متوجهة لكربلاء الحسين عليه السلام.
        عام ١٩٤٨ بدأت الحكومة العراقية تسفير اليهود العراقيين بعد أن اسقطت عنهم الجنسية العراقية تنفيذا لاتفاق مبرم ، والكثير من اليهود العراقيين هجروا قسرا لدويلة إسرائيل، والكثير أيضا من اليهود حاولوا البقاء في العراق حيث بيوتهم واملاكهم وأموالهم الغير منقولة ، ومنهم ساسون اليهودي، الذي حاول أن يختبئ ولكنه لم يفلح، وحين وصول الشرطة الملكية العراقية لداره اُخرج عنوة من الدار، فخاطب جمع الناس حوله قائلا هذا الدارمي،
أُماطل اويّه الروح عاوني يل مار
ما ترضه تمشي الروح ومچلبه بالدار
        ويذكر أيضا ان الشاعر ساسون اليهودي كان يبعث بنتاجه الشعري الغنائي لدار الإذاعة العراقية، وغنى له المطرب الريفي الراحل داخل حسن أكثر من اغنية.
      بعد عام ٢٠٠٣ وسقوط صنم الدكتاتورية يقول الباحث الكعبي ان احد اولاد الشاعر ساسون زار مدينة والده والتقى ببعض جار بيتهم وهو يحمل معه سندات ملكية عقاراتهم الكثيرة.
ملاحظة :
وجدت من يقول ان عائلة ساسون اليهودي انتقلت من الحلة / الكفل لمدينة السماوة عام 1919 ولم تستقر فيها ، وانتقلت بعدها لمدينة الشامية ، وتم شراء الكثير من الأراضي الزراعية ، واوكلوا مراقبة ومتابعة واملاكهم لأشخاص يسمون ( السراگيل) ، واستقر بهم السكن في مدينة الديوانية، واعقب الشاعر ساسون ولدين هما صالح وعزت.