المحرر موضوع: لا زلت أعيش ذكريات طفولتي  (زيارة 103 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل صباح پلندر

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 125
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

لا زلت أعيش ذكريات طفولتي
اقترب اليوم عمري من سن الشيخوخة وأنا دائم التفكير كيف قضيت سنوات من عمري بدءاً بطفولتي التي أتذكر منها القليل  وبالأخص عندما كنت أركض وراء المرحومة والدتي (الله يرحمها) ممسكاً بعباءتها وأنا أضحك من الفرح وهي في طريقها إلى البيدر لحلب المواشي. وعند العودة كنت التقي أصدقائي ونلعب في تلك الدروب الضيقة إلى أن يأخذ التعب منَّا مأخذه ...كما أتذكر تلك الأيام الجميلة التي كنت أذهب مع المرحوم والدي عندما كان يرعى الأغنام، وأنا أركض هنا وهناك وراء المواشي لمنعها من دخول الزروع.
كما أتذكر تلك الغرفة البسيطة من دارنا التي كانت مقسمة إلى قسمين،حيث كان الجزء الخلفي مخصصًا لتخزين العلف للمواشي والجزء الآخر لمبيتها  وفي صبيحة كل يوم كان علينا النهوض مبكرًا لنرفع معه غطاء النوم البسيط ونفتح الباب لتتمكن الماشية من الخروج وهذا كان حالنا عندما كان يأتي الراعي ليأخذهم إلى المرعى والساعة كانت تشير إلى الرابعة صباحاً. وعندما دخلت المدرسة لأول مرة، كان من الصعب على طفل مثلي وهو متعود على جزء بسيط من حياة الفلاح التكيف مع الوضع الجديد بالاستيقاظ باكراً والذهاب إلى المدرسة بسبب التعب اليومي وأعباء العمل في ريف بلدتي الجميلة... تغلبنا على كل المعوقات وسعينا واجتهدنا مع أصدقاءنا وطفولتنا كانت دوماً مليئة بالأفراح وخاصة عندما كنا نتسامر ونستمتع ببعض الألعاب الشعبية التي كانت سائدة يومها إن كان في المدرسة في درس الرياضة أو خارجها ... كما أتذكر جيداً ومنذ نعومة أظفارى كنت متعاوناً مع عائلتي كما كنت اساعد الجيران دون كلل إن كان في سلق الحنطة لعمل البرغل ومشتقاته أو نقل الناتج من الحنطة أو الشعير أو العدس إلى دورهم وكنت أشعر بالمسؤولية الملقاة على عاتقي في إعالة عائلتي عندما كانت تكلفني المرحومة والدتي بالجلوس أمام باب الكنيسة لبيع اللبن لأساعد اسرتي في توفير لقمة العيش الهني لها.
اليوم أعيش تلك الأيام بسراءها وضراءها كمن هو في حلم جميل لا أود إنتهاءه حيث أعشق تلك الايام كعشق الطير للسماء... نعم، ذهبت تلك السنين الجميلة ولن تعود إلاَّ مع أحلام اليقظة  وعندما أسأل  نفسي كيف مرت كل تلك السنوات ولم نشعر بها والسبب هو في نقاء سريرتنا وصفاء نيتنا ...
في تلك الأيام  كنَّا  نرى الشباب البالغ والمستعد للزواج كيف كان يحوم حول حبيبته وكثيراً ما كنا نسمع بأن فلان يحب فلانة وأكثرية أهل قريتي كانوا يصبحون على دراية بحبهم ، أما الكبار في السن (رحمهم الله جميعاً)  كانوا يجلسون في ظلال جدران بيوت أحدهم وهم يقصون حكايات عن ماضيهم وماضي من سبقوهم عن سفر بولك.
حينما دخلت عمر الشباب كانت الحروب تلوح في الأفق أحيانًا الأكراد والحكومة المركزية واخرى مع إيران، حتى خسرنا الكثير في تلك المرحلة الجميلة من العمر وبدء الحزن يخيم على أكثرية بيوت بلدتي لفقد أحد ابناءها وهو في ريعان الشباب إن كان مفقود أو أسير أو شهيد في حرب لا طائل منها دامت ثمان سنوات... هكذا هي الحياة لأ ندرك قيمة الشيء إلآَّ بعد أن نفقده حيث لم ندرك قيمة الطفولة وكأننا نعيش أطفال طوال عمرنا ولم نتهنَّى بشبابنا مذ أن وعينا ونسينا كم لعبنا ومن تعبنا كنا ننام لنستيقظ ونشرب الماء البارد المتروك في الفخارة كما لو كان ماء مثلجاً... يا ليت أن تعود البعض من تلك الأيام لنستذوق بحلاوتها مع الجيران ومع أهل القرية والأصدقاء، فقدنا الكثير مما تعودنا عليه من السلف الصالح ونتذكره اليوم عسى الذكرى تنفع ، محبتي إلى أصدقاء الطفولة فالرحمة لمن رحل والعمر المديد مقروناً بالصحة والعافية لمن تقاعد أو لا يزال مستمراً في الوظيفة ويقضي أوقاته مع أولاده وأحفاده وفي نفسه غصة وقد تخنفه أحياناً الحسرة لتلك الأوقات والأيام الجميلة التي مضت ولن تعود .
بقلم صباح بلندر