المحرر موضوع: هدية عيد الميلاد* للكاتب الامريكي : O.HENRY(1862_1910)  (زيارة 62 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

متصل marqos yousif

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 26
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
ترجمة : الاستاذ يوآرش هيدو (من الآثورية الدارجة  وبشيء من التصرف )

دولار واحد وسبعة وتسعون سنتاً.هذا كل ما استطاعت ديلا توفيره.
كانت تنوي ان تشتري هدية لزوجها بمناسبة عيد الميلاد. هل كانت مخطئة في الحساب . احصت المبلغ  من جديد. كلا لم تكن مخطئة . كان المجموع نفسه ، دولاراً واحداً وسبعة وتسعين سنتاً. تنهدت ديلا بأسى . ان ما وفرته طيلة تلك الاشهر بأمتناعها عن شراء العديد من الحاجات ، لايكفي لشراء شيء ذي قيمة  تقدمه هدية لزوجها بمناسبة عيد الميلاد الذي يحل غداً. كانت  ديلا امرأة  جميلة ممتلئة حيوية ونشاطاً. لكن الآن خيم عليها حزن عميق .
استلقت على الأريكة واجهشت بالبكاء. انسكبت من عينيها  دموع غزيرة. كان منزلها بناءً قديماً واطئاً يشي بفقر  ساكنيه.
لكن رغم ذلك كانت ديلا تسعى دوماً لاسعاد زوجها وتبعث البهجة في  قلبه الحزين  وتمنحه الأمل بمستقبل افضل.
كفكفت ديلا  الجميلة دموعها . نهضت من الأريكة  العتيقة  وخطت بضع  خطوات في الحجرة.كانت تفكر  بالغد، لأن الغد هو عيد ميلاد الرب يسوع المسيح . وعليها ان تشتري هدية لزوجها. وهل هناك مناسبة اجمل من مناسبة عيد ميلاد المخلص  لتقديم الهدايا؟!
نعم لابد ان تقدم ديلا هدية لزوجها حتى وإن كانت هدية بسيطة ومتواضعة .
لكن ما وفرته لايزيد  عن دولار  وسبعة وتسعين سنتاً!
ما العمل اذن؟! وقفت ديلا امام  المرآة  وتأملت  وجهها  الجميل وعينيها  المشعتين  وشعرها الذهبي  الباذخ . انتابها حزن عميق للحظات.
في هذا المنزل الفقير كان هناك ‏شيئان فقط يدعوان للافتخار والاعتداد، اولهما ساعة جيم الذهبية  التي ورثها عن جده وكانت بمثابة ثروة صغيرة ثمينة،وثانيهما شعر ديلا الجميل المتميز المثير للأعجاب . ديلا الزوجة الشابة الجميلة واقفة الان امام المرأة تتامل شعرها الذهبي الغزير  الطويل الذي يصل الى ركبتيها .
‏خطرت لها فكرة، فكرة  تبعث على الحزن والمرارة . لكن لا بأس في ذلك.ففي الفكرة حل لمشكلتها .وعلى الفور ارتدت معطفها العتيق ووضعت قبعتها البالية على رأسها  و خرجت
مسرعة وسارت متجهة  الى محل كتب على واجهتهِ ( السيدة سفروني  بائعة الشعر المستعار).
‏أسرعت ديلا  بالدخول .  كانت صاحبة المحل امرأة مسنةٌ .نظرت إليها باتي  هنيهة ثم قالت : "سيدتي … هل تشترين شعري؟"
نظرت السيدة سفروني الى شعرها نظرة فاحصة ثم قالت: " مهنتي كما ترين هي بيع وشراء الشعر . ارفعي قبعتك لارى شعركِ على نحو أفضل . رفعت ديلا  قبعتها بيد مرتجفة واسترسل شعرها الذهبي على كتفيها.  كادت الشارية ان تطير فرحاً واقتربت من ديلا وقالت: " نعم أشتري شعرك بعشرين دولاراً. " انتهت الصفقة وتسلمت ديلا  ثمن شعرها وغادرت المكان .
مرت ساعتان وديلا  تبحث عن  متجر تجد فيه ما كانت تبحث عنه في حلمها : سلسلة جميلة مصنوعة من الذهب الخالص بيد صَنّاع ماهر تناسب ساعة زوجها الثمينة . كان سعر السلسلة ( 21 $ ) واحداً وعشرين دولاراً.  حسناً ، أنها تمتلك الآن هذا المبلغ من المال ، فضلا عن سبعة وتسعين سنتاً إضافياً .ستحتفظ بها.
 عندما اخذت السلسلة وعادت إلى البيت لم تكن تفكر الا بسعادة جيم زوجها الحبيب لدى رؤيته السلسلة الذهبية التي ستجعل ساعته موضع فخر واعتزاز اكبر عنده .
فتحت الباب ودخلت وهي راضية وسعيدة . وقفت أمام المرآة ومشطت شعرها القصير ورتبته لئلا تبدو اقل جمالاً  في عيني زوجها وتذكرت المقولة : "شعر المرأة ‫ نصف‬ جمالها." غابت الشمس وحل الظلام .
كانت  ديلا  تنتظر  عودة جيم  من العمل بفارغ الصبر . وقفت أمام المرآة مرة تلو الأخرى وهي تتأمل صورتها بقلق  ، ثم اخذت السلسلة الجميلة بين يديها ولسان حالها  يقول : يقيناً
سيفرح جيم كثيرا برؤيته السلسلة .
انفتح الباب ودخل جيم  .سمعت ديلا وقع خطوات زوجها وتسارعت نبضات قلبها  وصلّت في صمت : " يا إلهي ، لا تدع جيم يدير ظهره  عني ، اشفق علي وأعنّي في أن أبدو جميلة في عيني جيم ."
‏كان جيم  متعباً جداً  كعادته وملامحه تشي بعدم ارتياحه  في عمله الطويل المضني.  وحين وقعت عيناه على ديلا ، وقف في مكانه كتمثال ولم يكد يصدق ما تراه عيناه. ترى  اهذه
حقاً  زوجتي ديلا!
 مرت هذه الدقائق والثواني ثقيلة متباطئة مليئة بالخوف والقلق والحيرة . لم تستطع
ديلا الانتظار اكثر . نحّت الطاولة جانباً واقتربت من جيم  وخاطبته بصوت مرتفع: "جيم ، حبيبي لماذا تنظر إلي هكذا؟
ان  كان منظر شعري القصير يدهشك ويزعجك،   فأنا آسفة جدا .لكنني أرجو أن تسامحني .
أنت تعلم ان عيد الميلاد سيحل غداً وسيحتفل  الناس بهذه المناسبة العظيمة ويتبادلون التهاني والهدايا . وهل كان بمقدوري  أن استقبل العيد دون أن أقدم لك هدية؟
أنت تعلم جيداً أننا نفتقر  إلى المال لذا فقد بعت شعري الذي كنت معجباً به كيما استطيع أن اشتري لك هدية.  وأملي الآن هو الا تنزعج من منظر شعري القصير .
صحيح إنك لم تكن تتوقع أن ترى شعري يوماً كما تراه الآن .لكنه سيطول من جديد لم يكن أمامي خيار اخر. هلم  بارك لي العيد ودعنا  نفرح ونبتهج معاً.
‏كان زوجها لا يزال مندهشاً وينظر إليها غير مصدق  ما يرى وبنظراته هذه كان  يزيد قلقها وخوفها  حتى اوشكت ان تنفجر باكية.
‏بدأ جيم  يستعيد وضعه الطبيعي و تلاشت شيئاً فشيئاً تلك المشاعر المزعجة و أدرك أنه لو ظل صامتاً دون أن ينبس ببنت شفه لأمتلأت عينا ديلا  بالدموع وذلك سيؤلمه اكثر. اقترب منها
وضمها بين ذراعيه وطيب خاطرها. لقد حدث ما لم يكن بالحسبان ولكن ما جدوى الحزن والأسف.
فالرياح تجري بما لا تشتهي السفن. كان جيم يريد أن يفاجىء زوجته بهدية كانت تحلم بها. لكن ذلك الحلم لم يتحقق . فالهدية الجميلة التي  اشتراها لزوجته الحبيبة لم تعد لها اية قيمة الآن . مد جيم  يده الى جيب معطفه العتيق واخرج منه علبة انيقة ووضعها على الطاولة وقال : "حبيبتي ديلا ، خذي هذه الهدية المتواضعة ، لكن المؤسف انك لن تستطيعي استعمالها.ومهما  يكن من امر افتحي العلبة  لتدركي لماذا  شعرت بالحزن  والاحباط حينما فوجئت بمنظر شعرك القصير. لاتظني ان ذلك سيقلل من حبي لك. كلا، لكن  سبب حزني وأسفي هو …!!
‏فتحت ديلا العلبة بأصابع مرتجفة ونظرت الى داخلها وصاحت من شدة الفرح لكنها سرعان مالاذت بالصمت.لقد تذكرت الحقيقة المرة ثم انسكبت الدموع على خديها. كانت محتويات العلبة طقم  امشاط  ذهبية طالما كانت  ديلا تتمنى ان يكون بمقدورها يوماً ان تشتريها.
في تلك اللحظات المفعمة بمزيج من الفرح والحزن نظرت الى الامشاط للحظة  ثم بكت .التقطت الامشاط وضمتها الى صدرها. نظرت الى عيني زوجها الممتلئتين حزناً والماً وقالت:  حبيبي جيم ، انت لا تعلم مقدار  فرحي بهذه الهدية ..انا واثقة بأن شعري سيطول ويعود كما كان  ، من جديد . وحينذاك ساستعمل هذه الامشاط وسيبدو  شعري جميلاً. لكن جيم ظل واجماً لا ينبس بكلمة . لم يكن قد راى  الهدية التي اشترتها  ديلا حتى تلك  اللحظة  ذلك  لانها  لم تجد متسعاً من الوقت  لتريه  الهدية . بعد لحظات من الخوف والامل وبوجه ارتسمت عليه ابتسامة مشرقة مدت يدها نحو زوجها قائلة :"جيم ، انظر  أية سلسلة جميلة  قد اشتريت لك: اتعجبك؟ ، هل راقت لك ؟ ، لقد امضيت  وقتاً طويلاً  في البحث حتى عثرت على هذه السلسة.هاتني ساعتك لنرى إن كانت تناسبها ام لا ."
لم يستجب جيم لطلبها لكنه استلقى  على الاريكة المتهالكة وبابتسامة  تشوبها المرارة قال: حبيبتي ديلا  يحسن بنا الآن ان نضع هديتينا جانباً ونحتفظ بهما لمناسبة اخرى.
 أنا ممتن جداً منك على هذه السلسلة الجميلة  والثمينة في آن معاً، لكن الحقيقة هي انني قد بعت ساعتي لكيما يكون بمقدوري ان اشتري لك بثمنها هذه الامشاط.
والان  لا تحزني من الافضل ان تعدي العشاء فأنا جائع  يا حبيببتي.


*انظر مجلة (ܐܠܦ ܘ ܬܘ ) العدد5 لسنة 2001 ص 45 _46_47_48.