المحرر موضوع: روح الإنجيل الحقيقية  (زيارة 54 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل المونسـنيور بيوس قاشا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 241
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
روح الإنجيل الحقيقية
« في: 19:59 20/03/2024 »
روح الإنجيل الحقيقية
المونسنيور د. بيوس قاشا
    في البدء
إن روح العالم مسيطر وبجميع مظاهره على مسيرة الإنسان، وهذه الروح مليئة بانحرافات عديدة وعيوب متنوعة وربما مميتة وقتّالة، إذ حب العظمة والسعي وراء نفوذ عظيم وترفّع لا يوصف في مصلحة شخصية ونغمية ومحسوبية في كثير من الأحيان.
وانشغل الجميع بالمال وجمعه وإيداعه هنا وهناك "وهو أصل لكل الشرور" (1تيمو10:6) إضافة إلى سياسة العولمة المزيَّفة والإدمان على الانترنيت والتكنولوجيا الحديثة والتي كانت للمنفعة وأصحبت تعادي البشر أنفسهم. وأقولها: لقد حلّ بنا ما لايمكن أحياناً احتماله حيث الروح العالمية المدمِّرة وكأننا أصبحنا كلنا أزاء عالم لا بدّ من شرّه مهما كان هذا الشر، وما علينا إلا التعايش معه. وأصبح العالم الروحي بعيداً عن الإنسان ولا يمكن أي أُذنٍ أن تصغي إليه إلا "مَن له أُذنان سامعتان" ولكن فاهمتان (متى9:13و15:11) وربما نشعر أحياناً بأن هناك شيء يهدد وجود كنائسنا أو كنيستنا وفي مشرقنا بالخصوص إذ ربما نفكر بحلول كارثة انهيار التعليم المسيحي أو الإيمان المسيحي وحقيقة الإنجيل، ونسأل: هل نحن في ظلال أم في خيال أم في حقيقة الحياة؟.

     العالم الحر
كلنا نعيش في هذا العالم تحت نير الخوف والفزع مما يحصل ومما يحمله إلينا تيار العولمة. ومعظم المسيحيين يقولون ويفكرون بأن الحرية الإيمانية بعيدة عنهم، وإن العالم أصبح حرّاً فهو يعتقد بما يشاء، فهم ليسوا بعد أحراراً بل مغلوباً على أمرهم شاءوا ذلك أم لا وخاصة في انتمائهم الديني وقيام منظمات وحركات أصولية عديدة تؤمن بطريقة أو بأخرى بالعولمة المزيفة، وتعمل من أجل اقتباس أهل البيت إلى جانبها عبر أصولية مقيتة وإن كان أحياناً ربما من إبداع كبار دنيانا وزمننا ومعابدنا، مدركين جيداً أن التعصب إثمٌ، وترويجُ هذه البضاعة إثمٌ أكبر وهو يقضم في جسم المعبد والطائفة قضماً لأنه يُعاش باسم المسيح والمعبد وينقلب ضدهما، وهو يعمل معهما لتشويههما، فتراه يهدّد ويخرّب ويقتل ويشرّد ويميت باسم الأصولية، كما قلتُ. إنها الأصولية الآثمة وتعصباً غريباً أنانياً وإن كان دينياً أحياناً كثيرة.

     رسالة المسيح
إن رسالة المسيح هي أن يعود الإنسان إلى إنسانيته لأننا أصبحنا اليوم تحت رحمة الملوك والأباطرة والرؤساء وكبار الزمن والدنيا والمعبد، وخضعت مصداقيتنا لامتحان كبير، فَمَن يؤمن بالمسيح يجب عليه أن يكون مطيعاً لهم جميعاً وهذا قانون الحياة. وتسرّب الروح العالمية (العولمة) إلى المؤسسات المعبدية بات حالة عادية ووباء عالم فتّاك لا يرحم ومن حيث لا ندري، فمعظم مسؤولي المعابد لا يتميزون عما في الدولة المدنية. فالله نجده في إنساننا الداخلي وفي كل إنسان ولكن الإنسان هو وجه الله الحي والملموس أمام البشر. من هنا ندرك أن الإيمان المسيحي هو من أجل الإنسان، فالله تنازل إلى مستوى الإنسان متأنساً من أجل كرامته. والبابا لاون الثالث عشر يقول:"اعرف كرامتك أيها المسيحي". لذا عليك بذل ذاتك من أجل الآخرين وهذا ما يحتاجه عصرنا وهو إيجاد مفردات جديدة لعصرنا وواقعنا لأن الأمانة هي للدعوة والرسالة والشهادة لأنه كلما زادت مظاهر التدين في بلدٍ ما ازدادت مظاهر الجرائم والفساد، والدين الحقيقي لا يحتاج إلى إعلان ومظاهر.

    رسالة بركة
نعم، لقد اختارتنا مشيئة الله ودعت الإنسان للعمل وليس للإنسان والمصلحة والدنيا، فالإيمان والثقة يعملان من أجل طريق السير في مسيرة لا عيب فيها ولا شائبة، وهذه الشهادة لا تتمّ إلا إذا كانت تشتعل بنار القداسة وتجعل من المدعو والمختار رسولاً وشاهداً حقيقياً وللحقيقة النابعة من حب المسيح. فانتسابنا لطائفةٍ ما أو لمعبد معين ما هو إلا لخدمة الإنسان وأيّاً كان، ومن المؤسف تشويه هذه التسوية بمنطق الدين فقمنا اليوم نتكلم عن النظام والدين، عن السياسة والدين، بينما مسيحيتنا هي فقط روح وإنجيل ورسالة لأن المسيحي في حدّ ذاته نعمة وبركة وإن كانوا يقابلون ذلك اليوم بحذر، لذلك علينا أن نخرج من عزلتنا ومن كبريائنا، فوجودنا ليس هامشياً بل وجود أصيل. فما نفع معابدنا وكثرتها ونحن نتجاور ولا نتحاور، نتعايش ولا نتقارب، نجلس على كراسينا ولا نتنازل، فنحن مستقلون الواحد عن الآخر ولا نسأل عن سواها، فلا يحق لطائفة أو لمعبد أن تبقى على عرش العظمة وإن كانت عظمتها مزيفة وتنسى رسالة التواضع والخدمة والبشارة والتي هي الطريق الأمين والسبيل الوحيد للوصول إلى ما يطلبه منا المسيح في إنجيله.

     قيم ... وأفكار
لذلك ترانا اليوم في الواقع أزاء مصائب كثيرة وربما أدعية وألحان مرعبة سببها تأليه ما نشاء وعبادة تراثنا بطريقة عمياء دون أن ندرك ماذا نقول ولمن نقول بعدما اختلفت كثير من الأساليب القواعدية والأدبية وحتى الاجتماعية، وتغيّرت اليوم القيم ولا زالت وباستمرار وبحركة غريبة وعجيبة وسريعة فروّضت أفكارنا على طريقتها الخاصة في فهم الحركات والأشياء بنهج مخالف لما تصبو إليه ألحاننا وتراثنا وطقوسنا وليس غريباً اليوم أي شيء فهناك الحلول الجاهزة لجواب على سؤال ربما يخطر في ذهنك. وهنا يكمن السؤال الحقيقي لجواب حقيقي أولا وهو السكوت والصمت أزاء ما يحدث ولن تقبل إلا ما تقوله العولمة وما علينا إلا قبول ذلك. ولكن لندرك أن النفس لا تفتش إلا على الحياة الحقيقية ولا تهمّها الأشكال بقدر ما تهمّها حقيقة الرب وكلمته.

     الخاتمة
أجل، نحن في أزمة دنيوية كما في أزمة روحية. فالشعب يريد أن يفهم ما يجب أن يحييه، فمشكلتنا أننا ندرك كل شيء والحقيقة غير ذلك تماماً فنحن بحاجة إلى مَن يعلّمنا ويرشدنا ويقول لنا أين هي طريق السماء كي لا تأخذ أعيادنا الروحية طابعاً دنيوياً زائلاً فقط بل طابعاً روحياً أميناً للرب، ولكي لا تبقى التجارة فقط لربح مادي مقدسةً العيد وخاصة في المجالات الروحية، وكي لا يكون النجاح المعبدي هو مقياس القداسة عبر كلمات إعلامية وبيانات منمّقة ونكتب كلماتنا لأجل بقائنا عبر الانترنيت ونتاجر بها إعلامياً فنكون بذلك قد جعلنا من هياكلنا المقدسة هياكل تهدد القداسة التي نبتغيها فنختار مَن نشاء ونجعله في مكان لا يستحقه من أجل مصالح أو صداقات أو محسوبيات، فهذه كلها ما هي إلا مواقف مزيفة دنيوية وزائلة وربما أفعال متشنجة تحول دون قول وعيش حقيقة وجودنا وحقيقة دعوتنا ومسيحنا الذي دعانا. فلا يجوز أن نفسر ما نحتاج إليه كما نشاء، ولكن لننظر إلى ما يحتاجه معبدنا وليس إلى ما أريد أنا كي لا نحطم جسور الحياة بيننا وبين السماء لأن مؤمنينا ليسوا عبيداً كي يطيعوا ما أنا أشاء وأقول بل أن نقودهم إلى حقيقة المسيح. فالكاهن أو الشماس أو المرجعية المعبدية إذا لا تعلّم الإنسان طريق السماء فليُترَك بعيداً وليُبتَعَد عنه ولا يُجعَل هدفاً للحياة، بل ليكن المسيح لمعرفة الحقيقة ضماناً للوصول إلى الغاية ألا وهي الخلاص "فمَن يحب المسيح يتبع إنجيله ويتبعه" (يو20:21) "فكل شيء للمسيح وأنتم للمسيح والمسيح لله" (1كو22:3) هكذا يقول مار بولس. فواقعنا مؤلم وهو عكس ما نحياه، ونتألم من هذه المواقف والمؤمنين ساكتين، فإلى متى نبقى نُرفَع على الصليب، والمسيح مات على الصليب من أجلنا ومن أجل الآخرين، فالله تنازل إلى مستوانا متأنّساً، وما ذلك إلا روح الإنجيل الحقيقية، ألا كن ذلك رجاءً، ولا شيئاً آخر وكما تشاء بل كما يشاء الرب يسوع، هو الذي دعاك وليس أنت الذي دعوتَه... نعم وآمين.