المحرر موضوع: حرب غزّة، مَن يتحمّل إشعالَها؟  (زيارة 99 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل لويس إقليمس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 426
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
حرب غزّة، مَن يتحمّل إشعالَها؟
لويس إقليمس
بغداد، في 8 آذار 2024
ماذا يقول العقلاء عن أحداث غزة وفي الحرب الجديدة ضمن سلسلة الحروب العديدة ضدّ إسرائيل والتي مرَّ على إشعال آخرها في 7 تشرين أول 2023 زهاء خمسة اشهر بالتمام والكمال. في واقعها السياسي والجغرافي، فهي حربٌ غير متوازنة الجوانب بين دولة معترَفٍ بها دوليًا على نطاقٍ واسع ومنبوذة في أنٍ معًا من دولٍ تدّعي التقدمية واليسارية ومحاربة العنصرية والدفاع عن حقوق الشعوب وبين حركة مسلحة منفردة تمثل فئةً متمردّة اتبعت طريق المقاومة المسلحة من طرفٍ واحد بخروجها عن إرادة سلطة عليا معترَف بها دوليًا هي الأخرى كممثلٍ للشعب الفلسطيني. فهل مَن لديه الحدس كي يتوقع لهذه الحرب المفصلية بحسب البعض نهايةً أو تسويةً في كيفية انتهاء هذه اللعبة القذرة التي تشترك فيها بصورة مباشرة أو غير مباشرة دولُ المنطقة وعدد لا بأس به من دول العالم وشعوب متورطة من حيث تدري أو لا تدري، إلى جانب تنظيمات لتصطف جميعًا حول حتمية نوعين من الصراع القائم حاليًا بشكليه التاريخيين إتنيًا ودينيًا؟ ففي الوقت الذي ينحاز فيه الغرب وعلى رأسه أميركا بدعمهم الوقح اللاّمحدود للكيان المحتل بكلّ عجرفته بسبب تماديه المستمرّ غير المحسوب وسيره ضدّ تيار التسوية والسلام الدائم الذي يكفل لطرفي الصراع حياة هادئة وسلامًا دائمًا ضمن مواثيق التعايش السلمي وتكافل الاحترام المتابدل بين الشعبين المتصارعين وجوديًا على أساس دولتين متعايشتين من دون انتقاص أو ازدراء أو استخفاف لطرفٍ ضدّ آخر، نصطدم بواقع عربي مرير متهرّئ القرار والإرادة غير قادر أو مقصِّر في الأخذ في الحسبان كلَّ أو بعضَ معايير الانتصار للأخوّة العربية كحالة جمعية وحدوية في المنطقة لا تقبل الانقسام والتشظّي والتجزئة في النظرة إلى كينونتها التاريخية والجغرافية والجيوسياسية على المدى الطويل مستفيدة من تجارب الأمس العديدة الفاشلة القاسية.
    في الوقت الذي لا يستبعدُ بعض هؤلاء العقلاء في هذا الصراع المصيري غير المتجانس انحيازَ دولٍ وشعوبٍ إلى جانب إسرائيل على أساسٍ إنساني مشوَّه باعتبار اليهود أقليةً واجبة الحماية ضمن مستنقع هذا الصراع الدولي غير المتوازن أصلاً للأسباب التي لا يجهلُها الجميع، فإنّ آخرين يرون فيه صراعًا دوليًا لإدامة تلاقي مصالح وتسريب مفاهيم دولية وأممية عبر التعامل بمعايير متناقضة أحيانًا لا تتناغم مع أهداف العيش المشترك والسلام الدولي المأمول والمصالح المتبادلة ضمن مواثيق الاعتراف المتبادل بين الأمم والشعوب. هذا إذا لم نتجاهل فعلاً أسبابًا غيرها حينما تم إدخال الدين وحتى المذهب كأيديولوجية مؤثرة كغطاءٍ آخر إضافيّ لكلّ هذه الأفعال والسلوكيات غير المتزنة التي لا تخدم شعوب المنطقة ومنها شعبي الطرفين المتصارعين، ضحية هذه الممارسات والحروب. هذا بالإضافة إلى حالة الفوضى واللاسلم القائمة منذ تشكيل الدولة اليهودية قبل عقودٍ خلت، وكأنّ الإشكالية المزمنة أضحت مسألة صراعَ أديانٍ وقوميات وليست صراعًا من أجل الوجود والجغرافيا والتاريخ التي خلقت  مع مرور الزمن سلسلةً من الأطماع والأحقاد المتأصلة في صفوف دول المنطقة.
صراع تاريخي بغطاء ديني-عنصري
من الواضح أن الأطراف المشاركة في هذه اللعبة القذرة قد استغلت الغطاء الديني -العنصري الحساس في أحداث الصراع بين العرب وإسرائيل في جميع حروب المنطقة بحجة الحفاظ على المقدسات التاريخية مثيرة الجدل أحيانًا وصيانة المصير والدفاع عن الوجود في أحيانٍ أخرى ضمن مساعي هزيلة لفرض الذات والكينونة ومنح الحق بالفوز في هذا الصراع المزمن، بغض النظر عن الوسائل المستخدمة من طرف اسرائيل في اختراق العقل العربي-الفلسطيني غير الناضج في معظمه واستغلال مواقع الضعف لديه، قياداتٍ وشعبًا، من أجل بلوغ المآرب والوصول بشعب فلسطين إلى واقعه اليوم ومعه كل العرب في المنطقة. لذا ليس بغريبٍ أن تُستغلَّ العباءة الدينية طورًا كأداةٍ من أدوات ما يُسمّى بالمقاومة والممانعة باستخدام العديد من أدوات التحريض بغية فرض الإرادات وكنوعٍ من إدامة ما يُسمّى بصراع الأديان في إثبات الوجود من جهة، فيما تسعى غيرها لاستخدام النزعة القومية لدى الطرفين المتصارعين كوسيلة لفرض الواقع إقليميًا ودوليًا بسبب ما خبرته شعوب كلتا الإتنيّتين على مرّ التاريخ وخصوصًا ما شهده الطرفان من أحداث وحوادث في آخرٍ قرنٍ من الألفية الماضية.
في كلّ الأحوال، ما كان يُعتبر في الغالب كلامًا استهلاكيًا عن الصراع التاريخي الاسرائيلي-العربي قد انقشعت الكثير من أقنعته المزيفة بعد فرض الواقع أصولَه وهدفَه عبر مساعي التطبيع العديدة الأخيرة بين عدد من الدول العربية ودولة إسرائيل المحمية من المجتمع الدولي المقامر والراعي الرئيسي المتحيّز دومًا في المحادثات والمؤتمرات والاجتماعات بالتعاون والتشاور مع شركائه في المنطقة والعالم. وهذا ممّا أبقى صورة المقاومة الموهومة حصرية في صفحاتٍ تضمرُ شيئًا وتفعل نقيضَه في الواقع السياسي المشهود. لذا ليس مستبعدًا أن تكون بعض الدول المتورطة في شكل وإدامة هذا الصراع ومنها "إيران" نفسُها الدولة الداعمة لشكل المقاومة بتوكيل الحركة الإسلامية "حماس" وغيرها من مثيلاتها، لتكون الحاضن الأساسي والمُشعِل والمحرِّض لفرضية المقاومة والممانعة ظاهريًا لكلّ ما يجري في حرب طوفان الأقصى التي أشعلتها حماس، وربما ما بعده على شكل مساعٍ استهلاكية بهدف إبعاد شبح الحرب والاحتكاك المباشر معها للموجبات التي يعرفها العالم وأرباب الثقافة والفكر المتنور. وهذا ما بدا جليًا من دون رتوش ولا تردّد في واحدٍ من لقاءات الفلسطيني منتفخ الخدود "هنية"، زعيم ما يُسمى بحركة المقاومة الإسلامية الذي يعيش مثل غيره من الزعامات الإسلامية الفسلطينية في بحبوحة ورغد مع أبنائهم والمقربين منهم في أفخم الفلل والقصور والفنادق تاركين أدوات المقاومة الحقيقية والاحتكاك المباشر مع الجيش الاسرائيلي وسائر الأجهزة الأمنية للمقاتلين الأشداء من مواطنيهم المغرَّر بهم ومن السذّج المؤمنين بفرضية الدفاع عن المقدسات والأرض من الذين تلقوا تدريباتهم على مدى سنوات من الجارة الشرقية "الأرجنتين" بغية تحقيق هدف هذه الأخيرة وهو إبعاد أراضيها ونظامها عن مخاطر حربٍ مباشرة مع الدولة اليهودية الفتية وداعميها الدوليين، وعلى رأسهم أميركا عدوّة الشعوب.

هل من نهاية قريبة للمأساة؟
وفق الأحداث الراهنة والتسريبات المتداولة إعلاميًا، لا يمكن التكهن بفترة انتهاء التراشق المأساوي والقتل اليومي بين الطرفين، إلاّ في حالة خروج هذه المنازلة الجديدة عن حدودها المرسومة لها من قبل اللاعبين الكبار واتخاذها منحى آخر نحو العالمية الثالثة التي ستحرق الأخضر واليابس معًا، لا سمح الخالق العادل العارف وحده بعقول خلقه. حينها ستُعاد هيكلية جغرافية المنطقة وفق المعطيات الجديدة. لكنَّ مالا يمكن تجاهلُه في هذه المنازلة الجديدة وفي سلسلتها الحديثة، تلك الخسائر الكبيرة لطرفي الصراع في الأرواح البشرية البريئة، لاسيّما في صفوف المدنيين كالعادة. هذا إضافة إلى الخسائر الكبيرة التي تتحملها دولة إسرائيل لأول مرة في تاريخها حصريًا في هذه المرة في المعدات والآليات وأنواع الأدوات الحربية المستخدمة في الصراع لإثبات القدرات التفوقية لديها. ناهيك عن الإنهاك في اقتصاد هذه الأخيرة الذي تراجع بسبب استمرار استنزاف القدرات على أشكالها نتيجة لاشتداد المقاومة وما تعرّض له هذا الكيان المنبوذ من تفكّك في بنيته الداخلية، مضافًا له تزايد الامتعاض الدولي والتشظي البنيوي الداخلي للمجتمع الاسرائيلي نفسه بسبب الإصرار على أدوات التصعيد الاستيطاني، ما عرّضّه لانتقادات داخلية صارخة وتمرّد ناضج من داخل مؤسساته وحصول هروب معاكس لمواطنيه بسبب فقدان الموجبات المتعلقة ببوصلة الوطن البديل التي بدت هزيلة وضعيفة أمام الرفض الدولي المتصاعد والمرافِق للعناد الفلسطيني المقاوم للاحتلال ومَن يدعمه من دول العالم. ومن المؤسف أنَّ دولاً إقليمية وعربية تصرّعلى إبقاء خيوطٍ هزيلة ضمن ما يُسمى بمقاومة الاحتلال الغاصب كدعاية عربية ملتزمة بالمصير العربي المناهض لإسرائيل، فيما واقع الحال يشير بكل وضوح إلى فضائح بتلقي حكومة الدولة اليهودية دعمًا ومساعدات إنسانية وتسويقية ولوجستية عديدة لمنع انهيارها. ولولا هذا الدعم الكبير من الغرب وأمريكا وبعض الدول العربية المطبِّعة لانهارت أسطورة اسرائيل منذ الأيام الأولى للحرب الأخيرة التي شكلت نقطة تحوّل في الفكر العربي المقاوم والديني الممانع لدول المنطقة المجاورة أو القريبة من الدولة اليهودية.
في اعتقادي، إنّ ما شهدته اسرائيل هذه المرة من تراجع في القدرات البشرية والتسليحية والدفاعية بل وحتى الهجومية يفوق ما تعرضت له من خسائر معنوية أيضًا وليس مادية فقط. فقد تزلزلت قدراتها التسليحية وبدا الخوار الدفاعي في صفوف أفراد جيشها الذي يقاتلُ عدوًا شرسًا مدرَّبًا على أيادي عسكرية بمنهجية واضحة وإرادة أيديولوجية في هذه المرة تختلف عن سابقاتها في حروب ومعارك سابقة. فالمشارك في هذه الحلقة الهجومية لا ينتمي للدولة الفلسطينية ولا للصف العربي في رؤيته في المقاومة المسلحة، أو بالأحرى لا يأتمرُ بأوامر الحكومة الفلسطينية الرسمية المعترَف بها رسميًا ودوليًا وبالإجماع العربي، ما يعني وصف الحرب الجديدة بكونها حرب عصابات وأطراف منفردة مسلحة ومدربة ضدّ دولة متجبرة لا تنوي الدخول في تسوية سلمية للصراع التاريخي القائم. ومن غير المستبعد التكّهن بنتائج مأساوية قادمة أخرى للشعب الفلسطيني أو بالأحرى للجهات المتورطة في عملية طوفان الأقصى المتمثلة بحركة حماس الخارجة عن سلطة الدولة الفلسطينية "الشكلية" من دون أن تنتهي بنتيجة إيجابية لصالح الشعب الفلسطيني الذي يتوق عقلاؤُه، برغم قلّتهم، لتفعيل الجهود الأممية لإيجاد حلّ سلميّ دائمي للمشكلة القائمة بعد أن أضاعوا فرصًا عديدة لإنهاء المأساة بالقبول بمقترح الدولتين بحدود عام1967 التي رسمها المجتمع الدولي آنذاك. وطالما ارتبط مصير هذا الشعب  بوجود عناصر فوضوية متشدّدة وغير ملتزمة هي الأخرى بتفعيل سبل ومسالك التهدئة وتحقيق السلام الدائم في إطار دولتين جارتين وفق الأعراف الدولية وبرعاية المجتمع الدولي بعيدًا عن أشكال المقاومة المرتبطة أخيرًا بأجندات دولة إقليمية غريبة مكروهة وغير مستحبة عالميًا، فلن يكون هناك سلام دائم بين الشعبين المتحاربين على الأرض والوجود والمصير والوعود. والحكمة تقول، لا أمان ولا سلام لحمقى لا يعملون العقل والحكمة في إرساء سبل العيش المحترم لشعوبهم وفي تهيئة أدوات السلم الأهلي وسط مجتمعاتهم المختلفة في الدين والإتنية والثقافة وفي تأمين القوت الشريف والأيادي المنتجة لشعبٍ اعتادَ طَرقَ أبواب الاستجداء والاستعطاف من المجتمع الدولي منذ بدء أزمته المستفحلة. 
الكلّ خاسرون
من المعروف واقعيًا، أن جميع المتورطين في الحروب خاسرون لا محالة: الفاعل والمفعول، الداعم والمدعوم، المحرِّض والمحرَّض على السواء. ومن ثمّ، فلا فائزَ ولا منتصر في نهاية المطاف، بل قد يزيد المغتصِبُ وأدواتُه من إصرارِهم على تمدّد الصراع ما شاؤوا بأدواتٍ جديدة مبتكرة طالما الغرب الماكر ورعاة السياسة والاقتصاد الدوليَّين يتحكمون بمصير العالم، ما فسح المجال لأعلان "بن نتنياهو" علانيةً بتمنياته أن يشهد العالم أجمع مناسبةَ الاحتفال بالذكرى السنوية المائة لإنشاء دولة إسرائيل من دون خجل ولا خشية من أحد، بدل حزم الحقائب وعودة الموعودين بوطن بديل من حيث جاؤوا، كما انتشر في أوساط هؤلاء علانيةً. فمَن يُصرُّ على الحرب والسلاح والمقاومة بمثل هذه الوسائل في عالمنا المعاصر سبيلاً للفوز وتحقيق النصر على هذا الكيان واهمٌ وساذجٌ. فالعالم يحكمُه أسياد الاقتصاد والسياسة والتخطيط وليس أدوات الفوضى والعربدة واستغلال سذاجة الشعوب وتخلّفها وجهلَها. وهؤلاء هم مَن يتحملون وزر هذه الأخطاء وإشعال هذه الحرب وغيرها كما في سابقاتها. وقد يكون في لاحقاتها أيضًا في حالة عدم حسم الأوضاع بين الفرقاء الأعداء في حدود الخسائر الراهنة والحدود القائمة وطالما تمكنت مشيئة الأسياد من ترويض المجتمع الدولي وإقناع عدد لا بأس به من دول العالم المتعاطفة أصلاً مع تظلمات الشعب اليهودي ومآسيه عبر التاريخ تحقيقًا للوعود التوراتية بدولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل.