المحرر موضوع: لماذا لعنة الزمن تلاحق العراق؟  (زيارة 82 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل لويس إقليمس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 426
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
لماذا لعنة الزمن تلاحق العراق؟
لويس إقليمس
بغداد، في 10 كانون ثاني 2024
إذا كان للعراق أصلٌ بجاه ما حرّرته وحفظتهُ حضاراتُه في سابق الأزمان من مكتنزات الثقافة والفكر وفي معرفة أسس الكتابة الأولية قبل غيره من الأجناس البشرية، فقد ضاع شعبُه، أو بعضٌ منه في أواخر الأزمنة بين جهلٍ وتخلّف وتبعية ولهاثٍ وراء التفاهات والترّهات والخرافات بطرق ووسائل شتى. فسواءً مَن بقي في الداخل يعيش متحسّرًا على أيام الزمن الجميل متعايشًا غصبًا عنه مع معاناته اليومية منذ أكثر من عشرين عامًا خاصةً، وهو يراقب مديات الفساد والإفساد لدى صناع القرار برعاية أمريكية صرفة مشبوهة الأهداف والأغراض وبالتشارك مع دولة جارة لا تتوانى في ضمرِها عداوةً تاريخيةً لا تقبل الشك، أو مَن آثر العيش على فتات الغير في دول الشتات الكثيرة مراقِبًا خجلاً ممّا يجري، فالإثنان مظلومان وضائعان في متاهات لها أول وليس لها آخر حتى قيام القضاء والقدر بإعادة الصحّ إلى صحيحه! وإلى ذلك الحين، وعساه قريب، ننتظر مطرَ السماء الغزير بطوفانه الوطني الصحيح الذي يعيد الوطن والشعب إلى نصابهما وطبيعتهما التاريخية ووزنهما الدولي الحقيقي بعيدًا عن الدخلاء والطامعين.
في اعتقادي، كلّما تقدّم الزمن وإلى حينٍ، سوف لن يخرجَ العراقيون المقهورون والبؤساء في أحوالهم الهشّة من قيود هذه الترّهات العديدة التي التصقت بحياتهم بشريط لاصق سيّءٍ السمعة والفعل في الدين والمذهب والقومية، العقيمة في مجملها. بل إنّ لعنة الزمان قد لاحقت وما تزالُ تلاحقُ شعبَ العراق بجميع أطيافِه، إنْ استحقاقًا أو غدرًا سواءً في الداخل أو في دول الاغتراب المرّ. فالسماء، كما يبدو غاضبةٌ ممّا يحصلُ في أوساط الأمّة العراقية التي فقدت كلّ مقوّمات الأمم الطبيعية منذ سنوات، عندما خرجت أولاً عن الطبيعي في ضرورة استمرار الحكم الملكي الذي أمَّنَ استقرارًا نسبيًا للبلاد والشعب الذي عرفَ الأمن والسلام وشيئًا من الرفاهة والتقدم في الحياة، وتميّزَ عن غيره من شعوب المنطقة في شتى صنوف العلم والمعرفة والاقتصاد والسياسة والإنتاج والإبداع والفن والصناعة والزراعة وما إلى ذلك ممّا أجلسَه لعقودٍ متتالية في مصاف الدول المتقدمة والمتمدنة والمتعايشة سلميًا وشعبيًا. والواقع أن العراق بزوال النظام الملكي بتلك الطريقة البشعة والجبانة، بدأ بالانحدار التدريجي نهو الهاوية، لغاية ما أوصله الغزاة ودول الغرب الطامعة بثرواته وإرثه إلى واقعه المأساوي الحالي. وهذا عينُه، حالُ سائر الدول والشعوب التي ضحّت بأنظمتها الملكية كفيلة الاستقرار، بعد أن كانت هذه الأخيرة من ركائز الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي لغاية تدخل الأشرار والانتهازيين في تغيير بوصلة الحياة فيها، ليس إلى الأفضل بل نحو الأسوأ في كلّ شيء. ولعلَّ جارتَنا الشرقية التي كانت في سابق الأيام في أيام النظام الشاهنشاهي الملكي أفضلَ شرطيّ لرعاية مصالح الغرب الطامع تندرج ضمن هذه الشعوب والأمم بلا شك عندما تغيرت في السلوك والأداء والفكر والأيديولوجيا المتخلفة.

القشّة القاسية
جاءت القشّة التي قصمت ظهرَ العراق وشعبَه عندما دقّ العسكر أسفينَه في سلسلة من الانقلابات الدموية المتتالية التي حيكت بمؤامرات داخلية وخارجية بدءً من الانقلاب التعسفي على المَلَكية المتمدنة في 1958  لغاية سقوط البلاد على أيدي الغازي الأمريكي وأعوانه في 2003. ولا أريد هنا التعريج على حقبة السبعينات والثمانينات والتسعينات التي فرضت أدوارًا متناقضة في حياة مكوّنات الشعب العراقي في ظلّ النظام السابق الذي لم يعرف المحافظة على نعمة السماء ببدء حقبة تختلف عن سابقاتها في التنمية الاقتصادية بفضل مدّخرات إنتاجية النفط والغاز وغيرها من الثروات المعدنية الكثيرة المتميزة التي تفجّرت وزادت  وتطورت، إضافةً إلى القدرات البشرية العلمية والمبدعة الهائلة التي اتسم بها أبناء الوطن على طول تاريخهم الزاخر. وبفضل هذه جميعًا شهد العراق نموًا إقتصاديًا وتطورًا ملحوظًا في كل الميادين، لاسيّما العلمية والمعرفية والاجتماعية والخدمية وفي البنية التحتية منها على السواء. وكان يمكن استغلال كل هذه الإيجابيات في زيادة ميزانيات البلاد للأفضل ونحو الأحسن لغاية إبقاء العراق وسمعته في صدارة دول المنطقة التي كانت بعضُ بلدانها الفتية تتمنى ولو شيئًا يسيرًا ممّا شهده بلدنا من تطور وتقدّم ونماء في الوسط الإقليمي والعربي، بل والدولي أيضًا.
لكنّ الذي حصلَ بفعل فاعلٍ متعجرفٍ وغير جدير ولا مقدِّر لحساب نتاجات البيدر والحقل بصورتها الصحيحة، عَكَسَ الأوضاع نحو التردّي في كلّ شيء بعد خوضه حرب الخليج العبثية الأولى وانزلاقه آنذاك للانحدار المتشظّي في حرب الخليج الثانية التي زادت من عبثية السياسة التي انطلقت منها شرارة القرار الأكثر إيلامًا بحق الشعب والأكثر استسلامًا للعبث بمقدراته بل بقدرات شعوب المنطقة بسبب المزايدات غير محسوبة النتائج. وكما ساهمَ الغربُ المنافق بشيءٍ من تنامي هذه العبثية في فكر حكّام الأمس وفي الرؤية القاصرة لقيادة النظام السابق بتحرير القيود عن رجل الدين مثير الجدل بإعادته من منفاه إلى إيران في 1979، انطلاقًا من فرنسا المنافقة التي كانت تتبجّح بصداقتها مع الشعب العراقي آنذاك ونظامه السياسي أكثر من غيره، فالأحداث تشي بكون تلك الخطوة  لم تكن أكثرَ من نكاية برجل المرحلة القادمة في العراق حينذاك. والأرجح استقرَّ الرأي آنذاك بوضع حدٍّ لطموحاته التي أغاضت الصديق قبل العدو والغريب. من هنا، جاء قرار الأسياد بتغيير اللعبة وممارسة الضغوط لدفع النظام السابق للسقوط في الهاوية وفي فخاخ الأسياد وأدواتهم بدءً من خوض حربيه الضروسين في المنطقة ومرورًا بالعقوبات الاقتصادية التي فرضها المجتمع الدولي في صفحة الحصار القاسي والبشع معًا على الشعب وليس على أركان النظام. إضافةً لتأليب قوى المنطقة جميعًا وحكامها للتخلّص من نظامه بوسائلهم المشبوهة المرعبة وغير الأخلاقية وليس عبر دعم الشعب والمظلومين ومساندتهم  للتخلّص منه عن قناعة وطنية مستقلّة، ما يضفي على تلك القرارات صَفة المؤامرة الكبرى، ليس على النظام السابق فحسب، بل ضدّ الشعب وجيش البلاد القوي كي يُهان هذا الأخير بتلك الطريقة الفجّة ولا تقوم له قائمة بفعل اتفاقِ مَن أسموا أنفسهم بالمعارضة العراقية "الوطنية" غير الصادقة كجزءٍ من مؤامرة الأسياد. ونحن اليوم ومنذ السقوط مازلنا نعاني من نتائج ما ولّدته تلك الأحداث بحسرة وحرقة قلب وأسى مترحمين على تلك الأيام وشخوصها غصبًا عنّا.
من هنا كانت التحضيرات ليوم السقوط الأكبر في 2003 عندما تلاقت الأفكار والأطماع مع المسوّغات والحجج والأعذار الوهمية التي سقطت الواحدة تلو الأخرى لاحقًا باعترافات ساسةِ أقوى دول العالم الذين جيّشوا الجيوش والمنظمات والحكومات والسياسيين وأصحاب القلم من أجل تصديق أكاذيبهم. وهؤلاء إنٍ لم تلاحقهم لعنة السماء ودعاءُ الثكالى وأحوالُ المحرومين والفقراء والبؤساء، فإنهم لن يتوانوا عن مواصلة الدعاء على المتسببين بمصيبة العراق الكبرى بالثبور والفناء ما عاشوا هم وأبناؤُهم وأحفادُهم، وإلى حينٍ. فما اقترفه الغرب المتغطرس والمدّعي بالديمقراطية وحقوق الإنسان الكاذبة من خطايا كبيرة  بحق الشعب العراقي أولاً والأحرار من شعوب المنطقة والعالم ثانيًا، لا يمكن غفرانُه والتسامح معه. ويكفي ندمُ الشيطان الأكبر"أميركا" المجرمة على فعلتها وعضّها الأصابع العشرة لواقع الحال الراهن بسبب شكل التوافق الذي جرى آنذاك بينها وبين دول التحالف الدولي الماكر السائر في ركابها، ومنها فرنسا التي ينبغي عليها التكفير عن فعلتها الأكبر عندما صفعَت العراقَ والعرب بفكّ عقال عدوّ العراق الأكبر في 1979 ووضعه على رأس السلطة مضمرًا نوايا مكنونة الأهداف والأغراض والخطط. وعلى أمثال أمريكا وفرنسا، سوف يظلّ العراقيون يلعنون كلّ مَن جارى وساهم معهما في تهيئة القرارات المجحفة بحق العراق غدرًا وظلمًا وبهتانًا ونكايةً. ومنهم مَن ندموا على فعلتهم الشنيعة، كما فعلتها بريطانيا باعتراف رئيس وزرائها "توني بلير" الذي اعتذر عن جريمته. أمّا المتسبّب الأكبر والحاقد المتجافي والكذّاب الأرعن بوش الكبير وابنه الصغير، فلمْ يفعلاها لغاية الساعة، ولن يفعلاها أبدًا.