المحرر موضوع: المحكمة الاتحادية العراقية.. فيك الخصام وانت الخصم والحكم  (زيارة 200 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31502
    • مشاهدة الملف الشخصي
المحكمة الاتحادية العراقية.. فيك الخصام وانت الخصم والحكم
ضع النزاهة جانبا، هل أداء المحكمة الاتحادية العراقية مقبول؟
MEO

ليست كيانا مقدسا
منذ تأسيس العراق بحدوده الحالية، والمحاكم العليا تتعاقب عليه في كل نظام حكمه، مؤدية وظيفة تختلف عن وظيفة المحكمة العليا في نظام اخر. ففي عام 1925 مثلا نصت المادة 81 من دستور المملكة العراقية على ما يلي:

"تؤلف محكمة عليا لمحاكمة الوزراء وأعضاء مجلس الأمة المتهمين بجرائم سياسية تتعلق بوظائفهم العامة ولمحاكمة حكام محكمة التمييز عن الجرائم الناشئة عن وظائفهم والبت في الأمور المتعلقة بتفسير هذا القانون وموافقة القوانين لأحكامه."

وفي عام 1968 نص الدستور المؤقت للانقلابيين على ان انتخاب اعضاء المحكمة العليا يتم من قبل مجلس الوزراء باقتراح من وزير العدل ويتم تعينهم بمرسوم جمهوري.

هذه المقدمة ضرورية ليعرف القارئ ان المحكمة العليا ليست كيانا مقدسا او خطا احمرا مثلما يحاول البعض اضفاء هالة من القدسية عليها، فما هي قدسية محكمة يتم تعيينها والتحكم بها وتسخيرها لتوجهات احزاب؟

لقد تشكلت المحكمة الاتحادية العليا الحالية بموجب الامر رقم 30 لقوات الاحتلال الاميركي عام 2005 وتم نشره في جريدة الوقائع العراقية في عددها 3996 في 17/3/2005 اي قبل استفتاء الشعب العراقي على الدستور في 15/10/2005.

ينص الدستور العراقي في المادة 92 الفقرة (ثانيا) على ما يلي:

"تتألف المحكمة الاتحادية العليا من القضاة وخبراء في الفقه الاسلامي يحدد عددهم وتنظم طريقة اختيارهم بقانون يسن بأغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب."

ولغاية يومنا هذا لا يوجد خبراء للفقه الاسلامي في هذه المحكمة وكذلك لم يسن اي قانون يحدد عدد اعضاء المحكمة او الية اختيارهم ولا حتى عدد سنوات خدمة اعضائها، ولا يزال قانون رقم 30 للحاكم الأميركي للعراق بعد الاحتلال بول بريمر هو الاساس في تشكيل المحكمة الاتحادية. والمفارقة في موضوع هذه المحكمة ان التعديل الوحيد الذي اجري على قانونها كان بعد ان احيل عدد من اعضائها للتقاعد فاضطر البرلمان لرفع اسماء قضاة اخرين للمصادقة عليهم. فاين هي الحالة الدستورية التي تجعل من هذه المحكمة شرعية وقراراتها باتة؟ وان كانت فعلا دستورية فلماذا وافق أطراف الاطار التنسيقي اثناء مفاوضات تشكيل الحكومة على سن قانون للمحكمة الاتحادية؟

لقد اوقعت المحكمة الاتحادية نفسها في الكثير من القضايا الشائكة التي تضع علامات استفهام كثيرة حول اداءها ولا نقول نزاهتها، فقد تكون هذه الهفوات ناتجة عن تدخلات وضغوطات يتعرض لها افراد هذه المحكمة، ومن هذه الهفوات:

* اصدرت المحكمة الاتحادية عام 2006 اكدت فيها ان الهيئات المستقلة تتبع فقط لمجلس النواب.

ثم اصدرت عام 2011 قرارا نفت فيه قرارها السابق واكدت ان الهيئات المستقلة تتبع فقط السلطة التنفيذية.

* اصدرت عام 2007 قرارا رفع فيه الدستورية عن قانون الانتخابات لسنة 2005 الذي جرت على ضوئه الانتخابات الاولى عام 2005 من خلال تأكيدها على عدم دستورية المادة المتعلقة بالية حساب المقاعد الخاصة بالمحافظات، ثم جائت وعارضته مع احكام المادة 49/اولا من الدستور موضحة ان هذا الانتهاك الفاضح لا يلغي نتائج الانتخابات لانها جرت بموجب قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية، وبذلك انتهكت المحكمة الاتحادية العليا المادة 143 من الدستور الذي الغى قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية فاعتمدت عليه في التحكيم حول انتخابات جرت بعد الغائه.

* فسرت الكتلة النيابية الاكبر بالكتلة البرلمانية المشكلة في الجلسة الاولى من الدورة البرلمانية الجديدة وهذا التفسير كان لانتخابات عام 2010 حيث كان هذا التفسير يصب في مصلحة تولي طرف معين رئاسة مجلس الوزراء. ثم فسرت الكتلة الاكبر عام 2022 تفسيرا مغايرا ليصب مرة اخرى في صالح نفس الطرف لكن بطريقة مغايرة للطريقة الاولى.

* اصدرت قرارا عام 2010 اقرت فيها بان اختصاصها تشمل الاختصاصات الواردة في القانون رقم 30 لعام 2005، ثم عادت وتنازلت عن صلاحية النظر في الطعون الخاصة بالقضاء الادارة في نفس القانون. وبذلك فقد اضافت لنفسها صلاحيات ثم الغتها.

* اقرت المحكمة الاتحادية عام 2011 انه لا يجوز لمجلس النواب سن او اقتراح اي قانون الا بموافقة السلطة التنفيذية وذلك ارضاء لرئاسة الوزراء في تلك الفترة، ثم عادت في عام 2015 لإعادة صلاحية تقديم البرلمان لمقترحات القوانين.

* اصدرت عام 2011 قرارا منعت فيه النواب من طلب التفسيرات الدستورية وحصرتها في رئيس الجمهورية او رئيس مجلس النواب او احد نائبيه او رئيس مجلس الوزراء، ثم عادت عام 2017 وسمحت بطلب التفسيرات الدستورية من قبل الامين العام لمجلس الوزراء.

* لم تعترض المحكمة الاتحادية على اقالة حيدر العبادي لنواب رئيس الجمهورية استجابة للتظاهرات الشعبية آنذاك، لكنها اعادت عام 2016 نواب رئيس الجمهورية بضمنهم المالكي (المقال سابقا) الى المنصب في تحدي واضح لمطالب المتظاهرين قبلها.

* تفسيرها للمناطق المتنازع عليها. فقد اصدرت عام 2013 قرارا بانها غير مختصة بإعطاء الراي في موضوع المناطق المتنازع عليها. ثم رجعت عام 2017 فعرفت المناطق المتنازع عليها بانها الاراضي التي كانت تدار من قبل حكومة اقليم كردستان بتاريخ 19/3/2003 ثم عادت بعد ذلك بأشهر ونسفت تعريفها الاول بتعريف اخر وهو "ان المناطق المتنازع عليها هي التي لم تكن تدار من قبل حكومة اقليم كردستان في 19/3/2003."

* رفضت ترشيح مرشح الديمقراطي الكردستاني عام 2021 ليصب في صالح أطراف اخرى.

* عملت مرة اخرى لصالح طرف معين حينما طالب التيار الصدري وبعض المستقلين المحكمة بحل البرلمان عام 2022 مبررة ذلك بـ "عدم الاختصاص" وعلى ذلك استمر البرلمان العراقي بالعمل رغم تجاوز المدة الدستورية لعمله. في حين انها الغت شرعية برلمان اقليم كردستان بحجة انتهاء المدة الدستورية له.

* تفسيرها لنصاب انتخاب رئاسة الجمهورية من خلال ثلثي عدد اعضاء البرلمان.

* اصدارها قرارا ضد قانون النفط والغاز في اقليم كردستان في شباط عام 2022 في توقيت كان فيه الديمقراطي الكردستاني يجري مباحثات تشكيل الحكومة مع التيار الصدري ومحمد الحلبوسي وبذلك خلط الاوراق لصالح الطرف المنافس.

* اصدار قرارات الحكومة الاتحادية بإرسال سلف مالية الى اقليم كردستان تكملة لمبالغ رواتب موظفي الاقليم. ومن الواضح الاغراض السياسية الكامنة وراء هذا القرار.

* ما ذكره السيد مشعان الجبوري في اخر لقاء تلفزيوني يعتبر تصريحا خطيرا يفترض اجراء تحقيق دقيق حوله، حيث قال ان رئيس المحكمة العليا الحالي هدده بضرورة خروجه من التحالف الثلاثي الذي كان ينافس الاطار التنسيقي على تشكيل الحكومة في الانتخابات الاخيرة.

ان سكوت رئيس المحكمة الاتحادية عن هذا التصريح يؤكد صحة ما ذهب اليه السيد الجبوري. فالسكوت هذا لا يمكن ان يفسر بانه ترفع عن سفاسف الامور، لان الموضوع هذا ليس شخصيا كي يكون رئيس المحكمة الاتحادية حرا في التنازل عن حقه بمقاضاة السيد الجبوري وانما هو اتهام لدور شخصية معنوية يترأس مؤسسة يفترض انها مستقلة وبعيدة عن التجاذبات السياسية، وهو ملزم بالدفاع عن الشخصية المعنوية واظهار الحقيقة للشارع العراقي.

* في الدول المحترمة هناك شروط يجب ان تتوفر في رؤساء الهيئات المستقلة من بينها ان لا يكونون منتمين لاي حزب وليست لديهم ميول سياسية، ويكونون قليلي الظهور في المناسبات العامة والمناسبات الاجتماعية وان يتجنبوا الدخول في المزايدات السياسية... لكن ما لاحظناه في رئيس المحكمة الاتحادية الحالي انه حاضر في المناسبات الاجتماعية، اخرها كان حضوره مراسيم وفاة والدته وكان في استقبال وتوديع المعزين، ومرة اخرى ظهرت ميوله السياسية من خلال الحفاوة التي كان يخص بها برلمانيو طرف سياسي معين مقارنة بالمنتمين للأطراف الاخرى، مما يضع تساؤلات كثيرة حول نجاح السيد العميري في الحفاظ على مسافات متساوية مع جميع الفرقاء.

* ان اختيار السيد هادي العامري نجل رئيس المحكمة الاتحادية لمنصب محافظ ديالى يشير ايضا الى العلاقات المتميزة بين السيد رئيس المحكمة وبين هذه الاطراف السياسية، رغم عدم اهلية المرشح للشروط القانونية المفترض تواجدها في المرشحين وخاصة فيما يتعلق بشرط العمر. والغريب ان السيد هادي العامري نشر في رسالة له موافقة السيد رئيس المحكمة الاتحادية على تولي نجله هذا المنصب مما يعتبر خرقا خطيرا للقانون والأعراف. ولولا الضجة التي اثارها الراي العام على هذا الترشيح لتم تمرير الموضوع واصبح ابن رئيس المحكمة الاتحادية محافظا.

استنادا على النقاط اعلاه يتوضح لنا ان اداء المحكمة الاتحادية وكل قراراتها تصب في صالح طرف واحد من الأطراف في العراق على حساب بقية الاطراف، والطرف السياسي "المستفيد" هذا حريص جدا على ابقاء وضع المحكمة الاتحادية على ما هو عليه حاليا ليسهل له تمرير ما يراه مناسبا لمصالحه "وكله بالقانون". ورغم ان مفاوضات تشكيل الحكومة الحالية كان يؤكد على وضع قانون للمحكمة الاتحادية يبعدها عن المناكفات السياسية الا ان "المستفيدين" من الوضع الحالي للمحكمة الاتحادية لم ينفذوا لغاية اليوم تعهداتهم بشان هذا القانون مما يفقد المحكمة ما تبقى له من شرعية ودستورية.