المحرر موضوع: تداعيات انضمام السويد للناتو  (زيارة 120 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31502
    • مشاهدة الملف الشخصي
تداعيات انضمام السويد للناتو
انضمام السويد للناتو المثال الأكبر على إعادة رسم خارطة الأمن الأوروبي لعالم ما بعد حرب أوكرانيا.
MEO

ضع الحياد جانبا وانضم للصراعات
شكلت الازمة الأوكرانية مدخلا لإعادة ايقاظ الكثير من القضايا التي تم تبريدها في فترة من الفترات. ومع توسع دائرة الحرب الروسية الأوكرانية، شعرت الدول الأوروبية خصوصا والغرب عموما بضرورة النظر بجدية نحو إعادة هيكلة الامن الأوروبي عبر حلف الناتو تحديدا، وهو امر تعتبره موسكو مسا بأمنها القومي الذي تعتبره خطا احمر في إدارة علاقاتها الخارجية مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. وانطلاقا من هذه الحساسية المفرطة في العلاقات الأوروبية الروسية، شكَّل انضمام السويد الى عضوية حلف الأطلسي، النقطة الأشد حساسية تجاه موسكو، لاسيما وان سياسة ستوكهولم الحيادية خلال قرنين ونيف من الزمن، شكلت جانبا مريحا لموسكو وسط منطقة تضج بالمشاكل والقضايا الملتهبة، بخاصة ان روسيا حاليا بأمس الحاجة لتوفير بيئة ليست معادية في ظل احتدام الصراع مع أوكرانيا وانعدام ابواب الحلول الممكنة.

فالسويد ومنذ العام 1814 تاريخ آخر الحروب التي خاضتها مع جارتها النروج، شكلت سياسة حيادية متكاملة في علاقاتها الخارجية، فابتعدت عن النزاعات والحروب وظلت بعيدة عن تداعيات الحربين العالميتين الأولى والثانية، كما سياسات الاحلاف ومن بينها عدم الانضمام الى حلف الأطلسي عند انشائه في 14 مايو/أيار 1955 رغم تماهيها مع السياسات الأميركية الإقليمية والدولية، كما ظلت الركيزة الفارقة لسياسات الدول الاسكندنافية الثلاث السويد والنروج والدانمرك في بحر الشمال، على الخاصرة الغربية الرخوة للاتحاد السوفياتي السابق وروسيا حاليا، إضافة الى فنلندا ودول البلطيق الثلاث ليتوانيا واستونيا ولاتفيا التي كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو سابقا.

فيما تنتقل السويد حاليا الى الضفة الأخرى لأوروبا التاريخية، لتستلقي في أحضان الناتو وتنخرط في سياسات لم تعتد عليها خلال فترات طويلة وتظهر وكأنها تضع نفسها تحديدا في مواجهة موسكو بالنظر لخلفيات الانضمام وتداعياته المرتقبة، لاسيما وان موسكو سارعت منذ بداية التحضير للانضمام الى التعبير عن حالات التوجس من الخطوة السويدية وصولا الى حد اعتبار الخطوة تحديا في سياق الاصطفافات الجارية بخصوص الازمة الاوكرانية، لاسيما وانها اقترنت أيضا مع دخول النروج وفنلندا الى الحلف، والتصريح الروسي علانية بإمكانية نشر أسلحة نووية في منطقة بحر الشمال، وهو بمثابة تهديد علني ومباشر الى الدول الاسكندنافية وغيرها في المنطقة.

والمفارقة في الانضمام السويدي الى حلف الناتو وتخليها عن سياسة الحياد، لم يكن معبدا بالزهور، بل واجه معوقات كثيرة، ابرزها الموقفين التركي والمجري، اللتين عارضتا عملية الانضمام وعرقلتا الإجراءات التنفيذية، ولكل منها أسبابها الخاصة. فالانضمام للحلف ينطلق في المبدأ من تأمين الاجماع على دخول أي عضو جديد، ويكفي اعتراض واحد ليوقف الاجراءات بكاملها، وهو امر اتخذته تركيا على قاعدة دعم لاجئين اكراد في السويد تتهمهم انقرة في الوقوف الى جانب انقلاب 2016، علاوة على المواقف التي تلت قيام لاجئ كردي بإحراق نسخة من القرآن الكريم امام السفارة التركية في استكهولم واحراق دمية بشكل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان. الا ان قبول تركيا طلب السويد ازاح عقبات الانضمام مؤخرا. فيما التوقف المجري انطلق من سياسات الاتحاد الأوروبي لجهة تمنعه عن دفع مساعدات مقررة بقيمة 5.8 مليار يورو لمكافحة تداعيات جائحة كورونا، اعتراضا على سياسة الرئيس المجري المتصلة بالحريات وحقوق الانسان التي يعتبرها الاتحاد منتهكة وتمارس لاجراءات تتنافى مع سياسات الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي لجهة مبادئ الديموقراطية والحكم الرشيد، وبالتالي ان اعتراض المجر على الانضمام السويدي للحلف هو بمثابة اعتراض على سياسات الاتحاد الأوروبي الذي يشجع الانضمام السويدي والمواجهة للسياسات المجرية الداخلية.

وفي أي حال من الأحوال، ان تراجع كل من تركيا والمجر، أفسح المجال للسويد في خلع قفازات الحياد الذي اعتمدته وان لم يكن مرضيا تجاه بعض الازمات الإقليمية والدولية، الا انه يشكل بداية عبّرت عن استفتاء سويدي للتخلي عن حياد خدم مصالحها واشتهرت به، رغم زجها في الاتحاد الاوروبي الذي مارست فيه جوانب كثيرة سياسية وامنية وعسكرية تتماثل وتتطابق مع تداعيات ومستلزمات حلف الناتو باستثناء السياسات المتصلة بمظلات الحماية النووية التي تديرها الولايات المتحدة عبر الحلف.

ان تخلي السويد عن سياسة الحياد ودخولها حلف الناتو الى جانب دول اخرى، قد كرّس إعادة رسم جديد لهندسة الامن الأوروبي، في ظل احتدام الصراعات في أوروبا وحولها، وفي ظل الارتياب الروسي لما يجري على حدوده الأوروبية التي تشكل أبرز قضاياه، الحرب الأوكرانية، وما استجد خارجها كما يجري في غزة والبحر الأحمر والبحر المتوسط. فهل سيكون القرار السويدي ملائما مع مقتضيات الامن والسلم الإقليميين والدوليين، ام سيكون سببا اخرا لاستعار النزاعات والصراعات في أوروبا وغير منطقة من العالم؟

ان مبدأ الامن والسلم الدوليين الذي قامت عليه الأمم المتحدة ضُرب في بيت ابيه من خلال سياسات الاحلاف التي انطلقت بعد نيّف من السنوات بدءا من حلف الأطلسي ووارسو، مرورا بعشرات الاحلاف القارية والإقليمية التي انشأتها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، والتي كانت غطاءً لمرحلة الحرب الباردة، ورغم انتهائها، تشكل الخطوة السويدية ضخا جديدا في سياسات الاحلاف ومنها حلف الناتو.