المحرر موضوع: ج1) السنة الآشورية الأكيتو إنعكاس لصورة الكون على الأرض  (زيارة 567 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل دانيال سليفو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 117
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
السنة الآشورية الأكيتو إنعكاس لصورة الكون على الأرض

(الثقافات العظيمة المؤسسِة للحضارات تنثر بذورها، وتتدحرج ثمارها عبر الزمن، وتُخّلد في الحاضر بأزهى الصور وأرقاها).

مدخل الموضوع :-

تتعزز قيمة الهوية الاصيلة لعراق بيت النهرين، بامتلاكها أعظم تراث كوني يتم ممارسة تفاصيله الاحتفالية سنوياً، حيث يعد مهرجان أكيتو أقدم احتفال برأس السنة الجديدة في العالم. ويتمكن للإنسان العراقي عموماً والآشوري على وجه الخصوص، المنتمى شعورياً ووجدانياً بالأصول الحضارية، من استثمار نقاط الضوء للابداع الحضاري المتميز لبناء الشخصية المنتجة للمستقبل. ومن خلال الاطلاع على التراث الديني والثقافي والتاريخي للشرائح و ( المكونات) العراقية المختلفة، نكتشف على العموم بانها جميعاً ورثت الحضارات العراقية القديمة من سومر وأكد وبابل وآشور بشكل أو بآخر.
 وكآشوريين لازلنا نعاني من الغربة والإعياء عند البحث عن فهم حقيقة معاني الأصول الحقيقية لمناسباتنا التراثية، ولكن هناك أيضًا مشكلة كبيرة تتمثل في أن التاريخ الآشوري الجديد - مثل تاريخ الشرق الأدنى القديم بشكل عام - لا يزال يُنظر إليه على نطاق واسع من خلال العدسات الغربية ومغلفًا في المصطلحات الغربية.
. وأغلب الدراسات تعتمد على المصادر التقليدية الكلاسيكية والتي هي الأخرى بحاجة الى المراجعة والتحليل إعتماداً على الذات في الدراسة والبحث وفي محركات البحث في الأنترنيت والذكاء الاصطناعي، للإحاطة على كل الجهود وبمختلف اللغات.
كان مهرجان أكيتو عند الآشوريين والبابليين يقام في الربيع، إيذانًا بولادة الطبيعة من جديد، وتوكيد الشرعية الملكية بدعم السلطة الإلهية، وتأمين حياة ومصير الشعب للسنة القادمة مع الإيقاع الزراعي السنوي المتزامن مع  التحضير وحراثة التربة والزراعة. يبدأ المهرجان في اليوم الأول من شهر نيسان ( نيسانو) الذي يتزامن مع شهر أبريل ويستمر لمدة 12 يومًا على عدد الأشهر الشمسية للسنة، وعدد أبراج السماء( أبراج الحظ )، ويمثل تقليديًا بداية العام لأنه يتبع الاعتدال الربيعي.

بوابة الاكيتو: بوابة الدخول الى العام الجديد الأخضر. وصراع الحوت والحمل

يبدأ الأكيتو (الفرح بقدوم عام جديد) في 21 آذار ويستمر الى الأول من نيسان، حيث تُقدم القرابين والنذور، وتُسّير المواكب الأحتفالية. ويبدأ الشعب الاحتفال بقدوم الربيع بالأناشيد المتداولة المتوارثة ، وكان عيداً للسومريين والبابليين وصولا للآشوريين، بل الى شعوب العالم أجمع حينذاك، حيث يُعلّق الأجداد (وبعض المعاصرين أيضاَ) في اليوم التاسع والعاشر، باقات الورود وعشب سنابل القمح الأخضر على الأبواب لتتعرف عليهم الآلهة وقواها الخيّرة في تجوالها حول المدن والقرى لتجزيهم في العام الجديد، وتُعاقب المتلكئين عن الاحتفال والغير مؤمنين بها، ممن لم يحتفلوا ويعلقوا الباقة (دقنا دنيسن) على الأبواب!.
وفي استعارة متطابقة مع الرواية الأسطورية للصراع أو بالأحرى دورها في تحديد المصائر والمقادير، تم تشبيه خسوف القمر المُستمر زهاء الثلاث ساعات، بمحاولات الحوت ابتلاع القمر وحجز نوره، من أجل إهلاك المُنقذ المُخّلص للبشرية والذي أتخذ أسماءاً عديدة مثل (الحمل وتموز ومردوخ، وأشور ونينورتا وأسماء أخرى عديدة للآلهة والملوك الذين نذروا أنفسهم للحرية ولخير الشعوب.
وعند فترة الخطر المُحيط بالمُنقذ المتزامن بالخسوف، تخرج الشعوب الجزعة والقلقة على مصير الملك الحاكم المُخلص، بالدق على الأدوات والاوعية المنزلية المعدنية لتصُدر أصواتاً مزعجة عالية لإخافة الحوت حسب معتقداتهم الذي يُشكل هلالاً بهيئة الفم المفتوح، مرددين بما معناه (حوته يا منحوته.. هدّي گمرنا العالي!)، ويزداد منحى القلق والجزع تصاعدياً، حينما يدخل القمر الى الأفق (ظل الأرض)، حاملاً معه جروح المُنقذ ، ويتحول لونه الى الأحمر المصفر (لون الدم). ليبتعد الحوت مرعوباً (عند نهاية الخسوف)، ويتوقف عن محاولة ابتلاع والتهام الملك الذي يخرج من العالم السفلي ويُنقذ من أيدي تيامات آلهة الجحيم، بمساعدة عشتار (نجمة الصبح الزهرة- فينوس) ، التي تقترب من الهلال لتخليص تموز ( او يونان بالسرد التوراتي) من فوهة الحوت!  ليعود الفرح والاحتفال والرخاء ويعم الخير والازدهار.

المهرجانات الدينية بين الدين والسياسة

 نظرًا لعدم وجود مفهوم واضح للفصل بين الدين والسياسة في الدولة الآشورية، خدمت المهرجانات أغراضًا سياسية ومجتمعية ( قومية) في توحيد رعايا الملك عند  تكريم إلالهة، وفي حالة مهرجان أكيتو، تم إضفاء الشرعية على حكم الملك من خلال مظاهر عامة يشترك فيها الجميع لموافقة الإله الراعي من حكمه. يتم الاحتفال بالمهرجانات على مدار العام لعدة أسباب منها: السنة الجديدة وأعياد ميلاد الآلهة والاحداث التي تحدد مصيرهم ومصير الملك والعامة.
ووفقًا لذلك، حصل مردوخ على رصيد متفوق خاص خلال مهرجان أكيتو. كان يُنظر إلى ميلاد العام الجديد نفسه على أنه مرتبط طقوسيًا بالخلق الأصلي للكون وأعادة النجوم الى مواقعها الاصلية على يد مردوخ الذي يعطي لوحة الأقدار الرمزية للملك، الذي جعله من جديد كسلطة عليا في بابل حيث حددت الآلهة مصير العالم كله والبشرية. وتميز أحد أيام المهرجان بقراءة احتفالية لإنوما إليش. من الممكن أيضًا إعادة تمثيل هذه الملحمة بشكل رمزي في أداء طقسي. في مرحلة معينة من المهرجان، يدخل الملك معبد مردوخ المعروف باسم إيساكيلا ( أيش گال- الواحد المتعالي)، وهو برج بابل المبني من قبل الآلهة، اذ يناطح ذروته السحاب بحسب ما هو مُعتقد قديماً ، لذا فإن الحديث عن ولادة الطبيعة من جديد في نيسان، مباشرة بعد الحصاد، هو أمر مسؤول وعميق في الوجدان الجمعي للشعب، وممارسة عقائدية راسخة مهمة، حيث  ترمز المواكب إلى مشاركة المجتمع في النصر الذي يحدث في الطبيعة، ويجدد تدمير مردوخ للفوضى وسيطرة الظلام والشر. ليتم  تحديد مصير المملكة والملك والشعب. على سبيل المثال، جورج رو، وصفه بعبارات أكثردقة، حيث يتساءل، هل موت الإله وقيامته وكفاحه بالطريقة الدراميتيكية هذه يوازي كفاحه ضد القوى الفوضوية الكونية وانتصاره عليها ؟ والجواب نعم بالتأكيد.

لعبت ملحمة الخلق البابلية، المعروفة باسم إينوما إليش، دورًا مهمًا خلال مهرجان أكيتو.  تصف ملحمة الخلق البابلية، إينوما إليش، كيف وضع مردوخ الكون كله في الحركة وحدد إيقاع التقويم تم تذكر عقيدة الكون ونشأة الكون أيضًا من خلال تلاوة Enuma Elish، التي تحكي قصة الأحداث البدائية.  - أي أنهم يرون أن أكيتو هو مهرجان للخصوبة يتعلق بالعبادة و الحداد الجماعي (وتمثل طقوس الإله تموز) ونزوله الى العالم السفلي عالم الموت ، وما يترتب عليه من بكاء ونحيب واللطم على الرؤوس والخدود ونثر الرماد وتمزيق الملابس الى جد العربدة الجماعية وغيرها من عادات يُراد منها التوسل والدعاء لإنقاذ الاله المخلص من الجحيم، لان بعودته وبدماءه المسكوبة في الأرجاء بشكل ازهار حمراء ( شقائق النعمان)، تُحيى البشرية ويتحسن الناتج الزراعي.

وكانت الممارسات الاحتفالية تجري في المعابد المقامة على عقيدة تؤمن بسيطرة وتحّكم الثالوث الإلهي المُعبر عن العناصر الأساسية ( الهواء والأرض والماء ) وهي آنـو وأنليل وإنكي على التوالي ونبذ العنصر الرابع النار( تيامات- ܬܝܡܐ - الموت)، إضافة الى أختها عشتار- إنانّا،  وهذه الاحتفالات هي بين أقدم الطقوس التي أظهرت شخصية الإله الذي يموت ويحيى ( تموز)، والتي يعرفها العلماء اليوم بطقوس الحداد الاحتفالية التي يموت فيها الإله ويعود إلى الحياة، مما يضمن الخصوبة والازدهار. منذ ان أقام البابليون دولتهم بدأ ميل يظهر نحو التوحيد، وتم النظر بأجلال الى الثالوث . وهناك ثالوث آخر يتمثل: سن اله القمر وشامش اله الشمس وعشتار الهة كوكب الزهرة وهي الأم الكبرى ومصدر الحياة.
( يُتبع).......