المحرر موضوع: وأخيرا عادت تركيا دولة علمانية  (زيارة 119 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31521
    • مشاهدة الملف الشخصي
وأخيرا عادت تركيا دولة علمانية
هُزم أردوغان في ولايته السلطانية قبل أن يُهزم حزبه في إسطنبول.
فاروق يوسف

أتاتورك من هزم أردوغان
أكثر من عشرين سنة ورجب طيب أردوغان يحكم تركيا، مرة رئيسا للدولة ومرة سابقة رئيسا للحكومة وكان يتوقع أن يخرج من السلطة بطلا قوميا. غير أن ما حدث في الانتخابات البلدية الأخيرة أكد أن سياساته كانت السبب الرئيس في هزيمة حزبه، حزب العدالة والتنمية. وهي هزيمة تنطوي بشكل أساس على اندحار المشروع الديني الذي تبناه الرئيس التركي لا في أسلوب الحكم داخل تركيا حسب، بل وأيضا في سياسة تركيا الخارجية وعلاقاتها بمحيطها الإقليمي ظنا منه بأن ذلك المشروع سيقوده إلى الكرسي الذي تخيل أنه سيعتليه سلطانا لأمبراطورية عثمانية جديدة.

أخطأ أردوغان حين لم يستوعب المعادلات التي قامت عليها الدولة التركية الحديثة، دولة أتاتورك التي فكت ارتباطها بكل التاريخ القديم وكان في إمكانه أن يفصل بين المنطلقات النظرية لحزبه والفرصة التي سمحت له بقيادة دولة حديثة، قامت سمعتها على نجاح مشروعها الاقتصادي الذي كانت التنمية أساسه. ما حدث أن أردوغان استهلك سمعة القوة الاقتصادية التي حظيت بها تركيا وقد صارت مركزا مهما للسياحة العالمية في مغامراته الشخصية التي ركز من خلالها على تلميع شخصيته التي صارت محط اختلاف بين القوى الدولية بالرغم من أن كل الشعارات التي رفعها سواء ضد الغرب أو ضد إسرائيل كانت فارغة من المحتوي الحقيقي. فليس لدى أردوغان ما يُخيف في ظل بقاء تركيا عضوا في حلف الناتو الذي هو تحالف عسكري غربي تقوده الولايات المتحدة معني بأمن إسرائيل وسلامتها.

لقد عمل أردوغان عبر العشر سنوات التي كان فيها رئيسا على تهديد الأمن والاستقرار في العالم العربي من خلال دعم تركيا المباشر لمختلف التنظيمات والجماعات الإرهابية وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين التي أعتقدت بعد أن وصلت إلى السلطة في مصر وتونس أن الطريق صارت أمامها سالكة للإستيلاء على السلطة في دول عربية أخرى وفي مقدمتها سوريا. وما شجع ذلك الاعتقاد أن أردوغان وضع كل إمكانات تركيا في خدمة ذلك المشروع الإخواني الذي فشل في الصمود أمام الحقيقة. لقد هُزم أردوغان في ولايته السلطانية قبل أن يُهزم حزبه في اسطنبول التي كان عمدة لها وكان قد اعترف ذات مرة أن مَن سيُهزم في اسطنبول لن يتمكن من حكم تركيا. 

كان أردوغان شريرا في علاقته بالعالم العربي بالرغم من أن دولا عربية معتدلة كانت قد دعمت وجوده في السلطة من خلال مشاريع استثمارية صبت في الاقتصاد التركي مبالغ خيالية. غير أن الرجل المأخوذ بأوهام تعود إلى قرون غابرة لم يتمكن من إدراك وفهم حقيقة أن العالم قد تغير ولم يستفد من تجربة إيران المنبوذة إقليميا والمكروهة عالميا. يوم اعتلى أردوغان كرسي الحكم رئيسا كان الاقتصاد التركي في قمة إزدهاره. أما اليوم وقد تراجعت الليرة في أسواق الصرف إلى أسوأ درجاتها فإن الإقتصاد التركي قد وصل إلى أسوأ مراحل إنهياره. ولا مبالغة في القول إن الليرة التركية انتصرت بهزيمتها على الرئيس وحزبه. ولو أن أردوغان كان متعقلا في سياساته الإقليمية لأدرك أن العالم العربي الذي عمل على الإضرار به يمثل عاملا أساسيا في دعم الاقتصاد التركي. ولكن مرضه العقائدي دفع به إلى الانتحار بالاقتصاد ومن ثم بمستقبل حزبه.

فوز الأحزاب العلمانية وبالأخص حزب الشعب سيمهد الطريق إلى مرحلة ما بعد أردوغان. ولكن ذلك لا يعني أن الاقتصاد التركي سيتعافي إلا بطريقة تدريجية ذلك لأن الكثير من القوى الداعمة كانت قد فقدت ثقتها بتركيا، بالرغم من أن الرئيس أردوغان وبعد سنوات من الحرب المستترة على مصر اتخذ إجراءت للتخفيف من حمولة الوجود الإخواني غير أن تلك الإجراءات لم تنفعه في الوقت الضيق. فأوروبا بعد أن هددها بملايين المهاجرين السوريين وابتزها كما لو أنه كان يعمل على مقايضتها، قد اتخذت موقفا مناهضا لإستمراره في الحكم. وما كان لها أن تحقق ذلك إلا بالطرق الديمقراطية التي كان الانهيار الاقتصادي واحدا من أعمدتها.   

في لحظات معينة ظهر أردوغان باعتباره بطلا، غير أنه لم يكن بطلا حقيقيا. ذلك لأن جمهوره الحقيقي كان يفكر في أحوال الليرة فيما استسلم هو لخياله العقائدي الذي أفقده أخيرا اسطنبول وأنقرة ومدن تركية أخرى. الأهم من ذلك أن تركيا الدينية عادت إلى تاريخها علمانية.