المحرر موضوع: الانسحاب الأميركي من العراق يعزز استحواذ الولائيين على السلطة  (زيارة 261 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31549
    • مشاهدة الملف الشخصي
الانسحاب الأميركي من العراق يعزز استحواذ الولائيين على السلطة
مستقبل التعاون الأمني بين واشنطن وبغداد يتطلب تعديلات تراعي تحول ديناميكيات القوة.
العرب

فك الارتباط يضر بالطرفين
الكثير من الغموض يحيط بمستقبل العلاقة الأميركية – العراقية، وبخاصة عندما يتعلق الأمر بكيفية إنهاء الوجود الأميركي في العراق. ويعود هذا الغموض إلى وجود الكثير من الفاعلين في هذه العلاقة، وبخاصة الحكومة الأميركية والحكومة العراقية والميليشيات العراقية الموالية لإيران والحكومة الإيرانية.

بغداد - تحل في هذا الشهر الذكرى الحادية والعشرون للإطاحة بنظام صدام حسين في العام 2003، فيما وصلت العلاقات بين بغداد وواشنطن مرة أخرى إلى نقطة انعطاف.

ويقول عمر النداوي، وهو محاضر زائر في التاريخ في معهد الخدمة الخارجية في تقرير نشره معهد واشنطن، إن سبب التوترات الحالية يعود إلى تنامي نفوذ حلفاء إيران السياسيين وشبه العسكريين في العراق، ومن بينهم أشخاص مصنّفون على لائحة الإرهاب، العازمين على الاستفادة من المعارضة الشعبية للدعم الذي تقدّمه الولايات المتحدة لإسرائيل في حربها على غزة لتحقيق طموحهم بإخراج الولايات المتحدة من العراق.

ويشكل الوضع معضلة لواشنطن التي تهدف إستراتيجيتها المعلنة إلى تعزيز “عراق آمن ومستقر وذي سيادة بعيدا عن النفوذ الضار”، وهذه إستراتيجية تتطلب شراكة أمنية لـ”تعزيز قدرة العراق على مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية لسيادته”، إلا أن هجمات الميليشيات ضد القوات الأميركية في العراق وسوريا والأردن وأماكن أخرى في المنطقة باتت تشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق هذه الإستراتيجية.

وأدت هذه الهجمات التي بلغ عددها حوالي 170 هجوما بين أكتوبر وفبراير إلى إنشاء بيئة معادية وتزامنت مع أزمات أمنية أخرى في أوكرانيا وغزة/إسرائيل والبحر الأحمر حيث تهدد صواريخ الحوثيين الأمن البحري. وفي الوقت عينه، أصبح مستقبل العلاقة الأمنية بين الولايات المتحدة والعراق موضع تساؤل. فبعد سبع سنوات على ما حققته هذه الشراكة في هزيمة داعش في المنطقة، يبدو أن فائدتها تتضاءل في أذهان القيادات العراقية.

بعد أشهر من الهجمات المستمرة التي شنتها الميليشيات، شهد العراق فترة من الهدوء النسبي الحذر نتيجة إقناع إيران الميليشيات، من خلال قائد الحرس الثوري، بوقف الهجمات في فبراير بعد أن شن الجيش الأميركي سلسلة ضربات انتقامية شديدة قضى فيها قادة رئيسيون في الميليشيات ممن شاركوا في تخطيط الهجمات ضد القوات الأميركية.

يتعين على واشنطن وحلفائها إيجاد طرق لتكبيد السياسيين العراقيين ثمنا أكبر لقاء تطبيعهم دور الميليشيات وإخضاع الدولة العراقية لحكام طهران

وفي غضون ذلك، وافقت واشنطن على طلب بغداد بشأن التفاوض على انسحاب قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة. ولكن على الرغم من وقف التصعيد، لا يزال مستقبل التعاون الأمني بين الولايات المتحدة والعراق غير مؤكد، بينما يتطلب نهج واشنطن تعديلات تراعي تحول ديناميكيات القوة والواقع السياسي في بغداد.

وفي هذا الصدد، كشف الهجوم الكبير الأخير الذي شنته الميليشيات وأسفر عن مقتل ثلاثة جنود أميركيين في قاعدة البرج 22 في الأردن، عن حقيقة مثيرة للقلق واجه الكثير من المراقبين صعوبة في إدراكها منذ تشكيل الحكومة الحالية في بغداد في أكتوبر 2022، وهي أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ليس مسؤولا عن العراق. فالميليشيات المدعومة من إيران والفصائل المتحالفة معها، والتي ساعدت في وصول السوداني إلى منصبه، هي من تتخذ القرارات في حين يتصرف رئيس الوزراء كما يرضيها.

وهاجمت الميليشيات العراقية من داخل الأراضي العراقية وخلافا للقانون جنودا أميركيين على خطوط حدودية دولية وقتلتهم، إلا أن حكومة السوداني لم تدن ما قامت به، بل وقفت إلى جانب الجناة بدلا من الولايات المتحدة التي قُتل مواطنوها أو الأردن الذي انتُهكت أراضيه.

ومع استمرار المحادثات حول مستقبل التعاون الأمني بين الولايات المتحدة والعراق، يحتاج المفاوضون وصانعو القرار إلى مراعات الكثير من الاعتبارات المهمة.

ومن الضروري أن يبقى الوجود الأميركي ملموسا على الأرض في العراق. فإذا نجحت إيران ووكلاؤها في طرد جميع القوات الأميركية من العراق وتقليص النفوذ الدبلوماسي الأميركي، ستزداد الميليشيات النافذة جرأة وتحكّما بالاقتصاد العراقي والأجهزة الأمنية العراقية.

ويرى البعض أن هذه السيطرة بدأت بالفعل وهي تعرض قدرة العراق على الاستقلال عن السيطرة الإيرانية للخطر وتزيد من احتمالات وقوع الشرق الأوسط تحت هيمنة طهران و”محور المقاومة” التابع لها.

سبب التوترات الحالية يعود إلى تنامي نفوذ حلفاء إيران السياسيين وشبه العسكريين في العراق

وفي ما يتعلق بالتداعيات المباشرة، قد يتم حقا اختبار قدرة العراق على مواجهة تهديد تنظيم داعش في حال انسحاب الولايات المتحدة من أراضيه.

وأدى التحالف العالمي لهزيمة داعش بقيادة الولايات المتحدة دورا أساسيا في هزيمة التنظيم الإقليمية ومواصلة ردعه. ومن شأن إزالة هذا الوجود الباعث على الاستقرار تقويض الانتصارات التي تحققت بشق النفس وتعريض المدنيين العراقيين للخطر في المناطق التي قد يعود فيها تنظيم داعش إلى الظهور. كما أنه بانسحاب الجيش الأميركي قد يذهب وسيط أساسي في العلاقة المتدهورة أساسا بين بغداد وأربيل، ويشير بالتالي غياب التحالف كحاجز تنسيق بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان إلى احتمال تدهور التنسيق الأمني بين القوات الاتحادية وقوات البيشمركة، لاسيما في الفجوات الواقعة بين خطوطهما في محافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك العسيرة حيث لا تزال فلول داعش تنشط.

ويهدد نقل القوات الأميركية إلى إقليم كردستان العراق، كما اقترح بعض الخبراء في الشأن العراقي، بالمزيد من التدهور في العلاقات بين بغداد وأربيل بتحويل أربيل إلى هدف كبير لهجمات الميليشيات.

وقد حرصت الميليشيات وإيران وحلفاؤها في البرلمان العراقي والسلطة القضائية العراقية على معاقبة الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم وتقويض استقلاليته الاقتصادية ومكانته السياسية.

ومن شأن الانتقال إلى أربيل أن يمنحها ذريعة جديدة لمهاجمته والاعتداء عليه، وسيكون ذلك بمقدورها نظرا لأن مدى وصولها ونطاق قدرتها الهجومية اتسع بعد إضافة طائرات بدون طيار بعيدة المدى وصواريخ باليستية وصواريخ كروز.

وما يثير القلق أيضا هو الصراع الداخلي بين قادة حكومة إقليم كردستان. كما يحتمل أن تتزايد التوترات والعداء بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وخصمه حزب الاتحاد الوطني الكردستاني المتحالف مع الإطار التنسيقي في حال مغادرة قوات التحالف، لاسيما إذا قاطع الحزب الديمقراطي الكردستاني الانتخابات في الإقليم احتجاجا على تدخل المحكمة الاتحادية العليا.

ومع إعادة توجيه الجهود الأمنية التي تبذلها الأحزاب الكردية لمواجهة التهديدات المتصاعدة بين أربيل والسليمانية وأربيل وبغداد، قد يتضاءل الاهتمام والموارد المتاحة للتصدي لتهديدات المتطرفين، بمن فيهم داعش.

ولكن ليس الأكراد وحدهم المعرضين لتهديد إيران وحلفائها العراقيين. سيزداد شعور الميليشيات بالأمان بعد مغادرة التحالف، وستعمل بالتالي على توسيع نطاق انتشارها وتهميش المجتمعات العربية السنّية واستمالة قيادييها أو تحييدهم، كما فعل رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، خلال فترة ولايته.

إذا نجحت إيران في طرد القوات الأميركية ستزداد الميليشيات النافذة جرأة وتحكما بالاقتصاد والأمن
وشكل شهر نوفمبر الفائت منعطفا مهما في هذه الحملة عندما تحرك القضاء العراقي المسيس لإقالة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي. ومنذ ذلك الحين، تمنع فصائل الإطار التنسيقي انتخاب بديل عنه من ترشيح التكتل السنّي الأساسي.

وفي محافظة صلاح الدين، أجبر الإطار التنسيقي المحافظ المنتخب على التنحي بعد أن هدده ممثلو الإطار بـ”صراع جديد” في المحافظة. وفي نينوى، استقال المحافظ الشعبي قائد الجيش السابق نجم الجبوري في نوفمبر قبل انتخابات المحافظات بعد استبعاده على خلفية تهم ملتبسة تتعلق باجتثاث حزب البعث. أما في ديالى، وعلى الرغم من افتقار فصائل الإطار التنسيقي إلى الأغلبية (7 مقاعد من أصل 15 في مجلس المحافظة)، فقد أصبحت الأحزاب العربية السنّية التي تشغل المقاعد السبعة الأخرى في موقع المتفرج على القتال الدائر بين فصائل الإطار التنسيقي حول اختيار محافظ جديد.

وإذا كان العراق يتمتع بالقليل من سيادة القانون، فلن يتمكن أي من تلك الأحزاب والسياسيين الخاضعين لحملة التطبيق الانتقائي للقانون التي يقوم بها الإطار التنسيقي من الحكم أو شغل منصب عام. فضعفهم هو سبب معاناتهم.

وما يعتبر أكثر خطورة هو الاعتداءات المتزايدة على حرية التعبير والحقوق المدنية في جميع أنحاء البلاد، والتي تسارعت وتيرتها منذ فبراير. وقد أظهر هذا القمع الذي يشارك فيه رئيس الوزراء والرئيس والسلطة القضائية والقيادات البرلمانية اعتمادا متزايدا على أجزاء متشددة من قانون العقوبات تعود إلى حقبة البعث وتنص على تجريم أي شخص يقول شيئا يعتبر مهينا للحكومة أو البرلمان أو الجيش أو المحاكم.

مع ترسخ جذور هذه الفصائل وسيطرتها على البرلمان والسلطة التنفيذية والقضائية ووسائل الإعلام الحكومية وغيرها من المؤسسات، ستُحسم الأمور وتخمد المنافسة السياسية، وستكون العواقب على المدى الطويل خطيرة. فإذا أجرى العراق انتخابات أخرى في خريف العام 2025، قد يخرج بحكومة يتمتع فيها المتطرفون العنيفون المدعومون من إيران بسيطرة مطلقة على المجلس التشريعي وبالتالي على جميع فروع الحكومة الأخرى.

ويؤدي استيلاء عملاء إيران على سلطة صنع القرار في بغداد، كما اتضح من خلال الهجوم على قاعدة البرج 22 وتداعياته، إلى زيادة خطر أن تصبح ولاية فارسية معاصرة تابعة لطهران. ومن الناحية الإستراتيجية، من شأن توطيد هذه الدينامية أن يؤدي إلى تحول جمهورية إيران الإسلامية فعليا إلى إمبراطورية جديدة في الشرق الأوسط.

ولتغيير هذا المسار ومنع إيران من الاستيلاء على الدولة العراقية سيتطلب الأمر اتخاذ إجراءات فورية وفعالة. من حيث المبدأ، ستتيح المفاوضات بين بغداد والتحالف استمرار وجود التحالف في العراق. وحتى في هذه الحالة، لا ينبغي اعتبار مجرد وجود قوات التحالف، مهما كان ضروريا، على أنه إستراتيجية في العراق.

كما يجب ألا تتوقف هجمات الطائرات المسيّرة وغيرها من التدابير الحركية المناسبة ضد أسوأ الإرهابيين ومنتهكي حقوق الإنسان لأن الحرس الثوري دعا إلى وقف إطلاق النار، إذ يساعد تنفيذها بانتظام على إرغام قادة الميليشيات على الاختباء ويحد من حريتهم في العمل ويحرمهم من المبادرة، كما يمنح المجتمع المدني والنقاد متنفسا. ويجب أن تستمر التهديدات والضربات إذا أسفرت المفاوضات عن مغادرة قوات التحالف العراق، إذ من شأن ذلك أن يجعلها عنصر ضغط أكثر قيمة.

وأيضا يتعين على واشنطن وحلفائها إيجاد طرق لتكبيد السياسيين العراقيين ثمنا أكبر لقاء تطبيعهم دور الميليشيات وإخضاع الدولة العراقية لحكام طهران.