المحرر موضوع: صعود وهبوط الحالة الكردية  (زيارة 198 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31525
    • مشاهدة الملف الشخصي
صعود وهبوط الحالة الكردية
سبب الانحدار البطيء والتدريجي هو الكرد وليس سواهم بسبب الإدمان على تبديد الفرص وعدم القدرة على تشخيص عللهم.
جوان ديبو

منذ ولادة المسألة الكردية كأحد تمخضات الحرب العالمية الأولى، لم يبق أمام الكُرد من سبيل لأجل انتزاع حقوقهم أو البعض منها سوى اقتناص الفرص النادرة والتي تجسدت في ابتلاء الدول التي توزع عليها الكُرد بالمصائب والويلات. وترسخت هذه القناعة لدى الكُرد بعد رفض الأنظمة المتعاقبة في تلك الدول الاعتراف بخصوصيتهم ومنح حقوقهم بالتراضي. بالإضافة الى عجز الكُرد عن انتزاع حقوقهم أو البعض منها رغم المحاولات العديدة التي باءت بالفشل بسبب الفارق في ميزان القوة بين الكُرد والدول التي جابهت تلك المساعي بالسحق والتنكيل.

على هذا الأساس، قامت جمهورية مهاباد ذات الأمد القصير في كردستان إيران في سنة 1946 والتي لم تدم سوى أحد عشر شهرا إثر الانهماك والإنهاك الإيراني في الحرب العالمية الثانية. وعلى هذا الأساس أيضا تمتع إقليم كردستان العراق منذ 1991 بالحكم الذاتي واسع النطاق وبالفيدرالية منذ 2003 عقب إسقاط نظام صدام حسين من قبل الولايات المتحدة.

ومنذ اندلاع الحرب الأهلية السورية في 2011 ضمن أحداث “الجحيم العربي”، استحوذ الكُرد في سوريا على اهتمام دولي وإقليمي لافت كونهم كانوا رأس الحربة في محاربة تنظيم داعش، ومنذ 2014 أسس قسم منهم “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”. وعلى الرغم من غياب الإجماع السياسي والجماهيري الكردي حول شرعية وكردية هذه الإدارة، إلا أنه لا يمكن عدم إنسابها نهائيا إلى الكُرد أو على الأقل إلى فصيل كردي له امتدادات كردستانية على الرغم من تخليه عن البرنامج القومي الكردستاني.

◙ الكردي هكذا كان ولا يزال، تنفتح قريحته على مصراعيها عندما يتعلق الأمر باتهام الآخرين بإفشال مساعيهم في الحرية والاستقلال بما في ذلك التضخيم والتلفيق والفبركة

هذا التألق النادر والفريد والمفاجئ الذي طرأ على المشهد الكردي العام والذي كان طي النسيان والجمود والمراوحة في المكان لسنوات وعقود، حدا بالبعض إلى وصف ما جرى بصعود الحالة الكردية كما خلص إلى ذلك الباحث اللبناني حازم صاغية منذ 2013 عندما نشر مقالا في صحيفة الحياة بعنوان “الأكراد: الحالة الصاعدة”. بينما ذهب البعض الآخر أبعد من ذلك عندما قام بوصف ما يجري كرديا بـ”الربيع الكردي” حسب الباحث الأميركي ديفيد فيليبس مؤلف كتاب “الربيع الكردي: خارطة جديدة للشرق الأوسط” والمعروف بتعاطفه الشديد مع القضايا الكردية.

لكن سرعان ما أعقب هذا الصعود المباغت في الحالة الكردية هبوط حاد لا يزال جاريا على الرغم من أنه لم يكن مفاجئا للكثيرين من المطلعين على خبايا التاريخ والحاضر السياسي الكردي. ومن صور هذا الانحدار ما حصل في إقليم كردستان العراق عقب استفتاء الاستقلال في خريف 2017 من خسارة المناطق المتنازع عليها بما فيها مدينة كركوك، وتقليص صلاحيات سلطات الإقليم الكردية لصالح السلطة المركزية في بغداد، والمخاوف المتصاعدة في الإقليم من خسارة الفيدرالية برمتها بشكل متدرج وممنهج.

وفي سوريا بدأ الانحسار الكردي بالتزامن مع الغزوات والاحتلالات التركية المتعاقبة ابتداء بمدينة عفرين في ربيع 2018 وانتهاء بمدن سرى كانيه وكرى سبي في خريف 2019، ولا يزال التهديد التركي قائما بقضم بقية المناطق وتقويض ما تبقى من سلطة الإدارة الذاتية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي.

كالعادة التي أدمن عليها الكُرد وهي إنساب أسباب كافة الإخفاقات والانتكاسات التي منيوا بها عبر التاريخ والحاضر إلى الآخرين وتبرئة الذات أو الذوات الكردية المتخاصمة، يعزو معظم الكُرد حاليا وخاصة قواهم السياسية عوامل هذا الهبوط السريع، والذي كان متوقعا من قبل الكثيرين، إلى الآخرين سواء الدول التي يعيشون تحت ظلها بشكل قسري أو القوى العالمية الحاضرة بقوة في المشهد الإقليمي كالولايات المتحدة وروسيا.

هكذا كان ولا يزال الكردي، تنفتح قريحته على مصراعيها عندما يتعلق الأمر باتهام الآخرين بإفشال مساعيهم في الحرية والاستقلال بما في ذلك التضخيم والتلفيق والفبركة، لكنه يصاب بالبكم والتلعثم والطناش عندما يتعلق الأمر بتحديد وتقييم وتحليل دور الكُرد أنفسهم في إفشال محاولاتهم في انتزاع الحقوق والمساهمة القصدية وغير القصدية في تهديد وتقويض تجاربهم وإنجازاتهم.

بالعودة إلى فيدرالية إقليم كردستان العراق التي تعود بجذورها عمليا إلى 1991 والحالة المتردية الراهنة التي وصلتها، فالسؤال المحوري والطاغي هنا من بين عشرات الأسئلة هو: ما هي الأسباب والعوامل الحقيقية التي تحول دون تفاهم واتفاق إدارتي أربيل والسليمانية حول المسائل الخلافية القديمة الجديدة والتي ترجع إلى عقود خلت وجلها حول الامتيازات والنفوذ وتقاسم الكعكة المهددة بالانهيار والزوال؟ ما الذي يمنع الطرفان في أربيل والسليمانية من تقديم نموذج عصري للحكم قابل للحياة والصمود؟ ما هي عوامل استشراء الفساد المالي والإداري من الأعلى وإلى الأسفل في الإدارتين؟

ما الذي يدفع بشباب الإقليم إلى الهجرة وركوب المخاطر أملا في الوصول إلى الجنة الموعودة بعد أن تحول إقليمهم إلى جحيم لهم ونعيم للمتسلطين؟ من المسؤول الحقيقي عن تداعيات استفتاء سبتمبر 2017؟ هل هو إيران وتركيا وأزلامهما في بغداد أم القراءة السياسية البدائية لأصحاب فكرة استفتاء الاستقلال المشروعة كمبدأ؟ لكنها كانت مثارا للجدل من ناحية التوقيت الخاطئ وهشاشة البيت الكردي الداخلي وعدم المقدرة على ترجمة نتائجها على الأرض وما قد يتمخض عنها من ردات فعل عدوانية من بغداد وطهران وأنقرة. وكنتيجة كانت الفكرة ومحاولة ترجمتها على أرض الواقع مغامرة غير محسوبة العواقب دفع الكُرد نتائجها الباهظة على الصعيدين الميداني والمعنوي. والسؤال الملح هنا: هل المسؤولون عن هذه المثالب والمصائب والتخبطات هم بغداد وطهران وأنقرة أو الأميركان أم أن جل المسؤولية تقع على عاتق الكُرد وقيادتهم السياسية؟

◙ الصعود الكردي السريع الذي استشرفه البعض في بداية مأزق "البؤس العربي" كان يحمل في ثناياه عوامل خفوته وتراجعه، وبالتالي تحول هذا الصعود إلى هبوط مراحلي ومؤلم

وبالنسبة إلى الكُرد في سوريا واحتلال عفرين في ربيع 2018، لماذا لم يصغ حزب الاتحاد الديمقراطي إلى التحذيرات الروسية قبل الغزو التركي بأكثر من سنة؟ لماذا لم تأخذ إدارة الاتحاد الديمقراطي المطالب الروسية على محمل الجد والتي تمثلت بتسليم عفرين إلى روسيا والنظام السوري وبانسحاب القوات الكردية منها تفاديا للغزو التركي وفصائل المعارضة السورية الموالية لأنقرة؟ لو تم تنفيذ المطالب الروسية من قبل بي واي دي حينذاك، ربما لم تكن ستتعرض عفرين للاحتلال التركي ويتعرض عشرات الآلاف من سكانها الكُرد إلى التهجير وتوطين النازحين العرب والتركمان الموالين لتركيا بدلا منهم، وما نجم عن ذلك من تغييرات ديمغرافية هائلة لغير صالح الكُرد.

لماذا غامر وقامر بي.واي.دي (المجلس الوطني الكردي) بالكُرد في سوريا وكأنهم مجرد ممتلكات وأصول؟ بالمقابل، لماذ يتعاون الخصم الكردي اللدود لبي.واي.دي مع المحتل التركي بعد أن بارك احتلاله لعفرين وبقية المناطق الكردية واصفا الغزو والاحتلال بالتحرير؟ لماذا يصر هذا المجلس على البقاء مع الائتلاف السوري المعارض الموالي لتركيا، هذا الائتلاف الذي لا يكنّ سوى البغضاء والأحقاد ضد الكُرد في سوريا نافيا أبسط حقوقهم، حيث ارتكبت الفصائل الموالية له أبشع الجرائم بحق المواطنين الكُرد العزل في عفرين وغيرها؟ وبالتالي، من هو المسؤول عن انحطاط وتدهور العقل السياسي الكردي؟ هل هم الكُرد أم الآخرون؟

الصعود الكردي السريع الذي استشرفه البعض في بداية مأزق "البؤس العربي" كان يحمل في ثناياه عوامل خفوته وتراجعه، وبالتالي تحول هذا الصعود إلى هبوط مراحلي ومؤلم ومكلف للغاية. والربيع الكردي الذي تراءى للبعض المتلهف لم يكن سوى خريف في الجوهر والمضمون. والمسؤول الحقيقي عن تحويل سكة الصعود السريع والمفاجئ إلى سكة الانحدار والانحسار البطيء والتدريجي هو الكُرد وليس سواهم بسبب الإدمان على تبديد الفرص وعدم القدرة على تشخيص عللهم للبدء في العلاج، وذلك بسبب قصور وعجز العقل السياسي الكردي أو بالأحرى عدم تبلوره بالمعنى الاصطلاحي للكلمة.

الصعود السريع والمفاجئ في الحالة الكردية منذ اندلاع اضطرابات “الشقاء العربي” كان بفضل وفعل الآخرين أكثر منه مما كان نتيجة فعل الكُرد أو حنكتهم السياسية، وربما يمكن إيعاز ذلك في جانب منه إلى الصدفة التاريخية المؤازرة. وأما الهبوط غير المفاجئ والمراحلي والمتوقع فكان ولا زال بفعل الكُرد أنفسهم. هذا الشعب الحائز على المرتبة والجائزة الأولى في عدم فهم لعبة السياسة والعلاقات الدولية وفي إيذاء الذات وعدم المقدرة على تشخيص عللها بهدف التصويب والتطهير والتأسيس لنضال سياسي جديد في الجوهر يتماشى مع روح العصر الذي نعيشه بغض النظر عما إذا كنا من المتيمين بروح هذا العصر أو من الناقمين عليها.