المحرر موضوع: نظرة ثاقبة في اصدار مارينا بنجمين، " جمرات ملتهبة"  (زيارة 146 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حنا شمعون

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 761
    • مشاهدة الملف الشخصي
نظرة ثاقبة في اصدار مارينا بنجمين، " جمرات ملتهبة"

العراق هو مهد الحضارات وموطن الشعر والنخيل، وزراعة الأخير من دون بقية الأشجار هي عن طريق الفسيلة التي تنمو جنب الام وتحمل صفاتها بفعل البيئة من لتربة ومناخ والملاصقة وحين تفصل عن الام تنمو على تلك الصفات.
في كتابها الثاني  بالسريانية والذي حمل عنوان GOMREY LWIKHEY اي جمرات ملتهبة، اثبت لنا مارينا بنجمين ان الشعر والأدب يسري في الدم لا بسبب الوراثة انما بسب البيئة المحيطة.

بعد تردد-- بسبب الأنشغال-- حضرت الأمسية الخاصة لأقتناء نسخة من الكتاب وحسناً فعلت فقد تعرفت على مارينا أكثر لأعطي رأيي الثاقب في قصائدها.  كنت اعرف ان مارينا هي ابنة أديب آشوري هو رابي اختيار بنيامين موشي، وهاجرت في صغرها من العراق ومدينة كركوك بالذات، اي انها لم تتقن العربية جيداً ولم تتعرف على المتنبي او على سركون بولص و نازك الملائكة او غادة السمَّان. لم تجاري الأول لفارق الزمن ولكنها جارت الثلاثة الآخرين، فالشعر مثل الأدوات الزراعية او البيتية كل منها لها زمانها وهي تنتشر كالموضة.
وقبل ان يأخذني الحديث بعيداً عن خاصية الفسيلة اقول مارينا  في قصيدتها  "MGHALTA المجلة" وفي البيت الأول  كتبت - واعتذر عن الترجمة ليست مثل الأصلي وهي بتصرف:
في حضن ابي مشغولة بالدمى لعباتي
و المرح كان كل الذي يدور في خلدي
بين يديه مجلة وهو مشغول بقراءتها
لا يريد ان يرفع عينيه من سطورها

وفي الأبيات التالية تتحدث كيف انها كطفلة نزلت من حضن أبيها وأستقرت على الأرض وصدفة تقع عينها على عنوان المجلة وهو "نينوى" . تحفظ هذا لحدث العارضي في ذاكرتها لبعد وفاة والدها وترى اسمها هو الأخر مكتوباً على المجلات لتُحسب مع الشعراء الآشوريين..
وكذلك قرأتُ قولها ان والدتها شجعتها بقوة نحو الأدب لتأخذ مكان والدها كما نالت التشجيع من أفراد عائلتها جميعاً.
وهكذا فهي نشأت في بيئة ثقافية وكان لا بد لها أن تبدع في هذا المجال. 

مارينا تكتب شعرها السرياني باللهجة الأثورية وشعرها معاصر رغم انها تكتب ببمختلف اوزان الشعر السرياني المعتمدة قديماً وحديثاً  هذا الشعر  سهل وبسيط و يعتمد على عدد الهجآت في السطر الواحد بينما الشعر العربي القديم ( العمودي)  هو أعقد وأصعب يعتمد على بحور معينة، اما المعاصر من الشعر العربي  غالبه حر وهو يعتمد على الموسيقى مقيدة بالبحر المتعدد السطور، لكن ليس بالقافية دوماً.
عند مارينا الوزن وجوب والقافية هي مفضله وإن كانت احياناً مشوبة بالضمائر.. لاحظت مارينا تكتب الخماسي والخماسي المزدوج. وكذلك تكتب الثماني والأحد عشر حسب  الحرية في التعبير ورأيتها مرة تكتب الرباعي  كما في قصيدة ( JARGEH PSHIREH اي سطور ذائبة ) التي تقع في 34 بيت وكل بيت يحوي ستة اسطر. تعمدتُ ان اغور في هذه القصيدة البسيطة التركيب كي أتمكن من معرفة الغاية من هذا الجهد ماذا تريد أن تقول للقاري في سبع صفحات.
البيت الأول اترجمه مع نص يماثل الهجآت في الأصل كي يكون القاريء الكريم على بيّنة من نظم الشعر السرياني:
MBAR KOL TAR'A
DILEH DWIRA
KHDA HAQYAT EET
AKH MGO KTHAWA
DSHARYA QE$$AT
D EET W LEET
وترجمته:
وراء كل باب
الذي هو مغلق
هناك حكاية
كالّتي في الكتاب
لتبدأ القصة
"كان اكو ماكو"
ويجب الملاحظة هنا ،وفي كل بيت، ان السطر الثالث والسادس ملتزمان بنفس القافية ( ظاهر جلياً في الأصل المكتوب بالأنجليزي)، كما ان كل سطر مكون من اربع هجآت كما اسلفنا.
بعد قراءتي للقصيدة عدة مرات توصلت الى بعض ما تريد قوله مارينا في هذه القصيدة فهي ترسم لنا صور من يوم ثلجي بارد ، لكن ليس كما ترى المشهد بل كما تؤوله هي، لان لو رسمت المشهد مثلما تراه فسيكون انطباعي ليبقى هكذا في ذاكرتها، لكن فضلت هنا ان تكتب قصتها على ثلج ذلك اليوم كي تصور الذي تريده من خلال التأويل والتحليل وفي اليوم التالي او فيما بعد تذوب الحروف وتمحو الكلمات وحتى القصيدة تزول بفعل ذوبان PSHARA الثلج.
احدى حكايات في هذه القصة التي محاها  ذوبان الثلج ذكرت فيها انها من خلال القاءها نظرة خلال شباك احد البيوت رأت رجلاً مسنناً يعبيء ورق لفاف بالتبغ ليصنع سكارته وحوله أطفال  حسبتهم احفاده وحسبته هو يحكي لهم حكاية قديمة تزرع فيهم الأيمان وتعلمهم المحبة و يبتعدوا عن السيئات.

كان بودي ان أخوض في نقاش قصائد اخرى استوقفتني طويلاً واعجبتني منها التي عنوانها PANJARA اي الشباك وكانت قد القتها في أمسية الترويج لكتابها مع الشاعر الكبير نينوس نيراري. تتبعت مارينا بشغف وهي تتلو هذه القصيدة وفي النهاية فاتتني الكلمات لان الجمهور القريب من المنصة اهتز في صخب ليمنعني في سماع آخر كلمات القصيدة ، وحين توقيع كتابها سألتني مارينا اي من القصايد أعجبتني. أجبتها كلها ولكن الشباك لم اتيقن نهايتها فاخبرتني النهاية ان كل الذي جرى كان عبارة عن حلم..
قصيدة اخرى أعجبتني هي SHARIROTHA W DOGLA اي الحق واالكذب، فقد ذكرتني بحادثة تجربة يسوع المسيح من قبل الأبليس اذا انهزم الأخير بعد ان قول يسوع له : «اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ، وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ!» لوقا ٤- ٨.
تركيب القصيدة هي رباعيات على الوزن الثماني النرساي. انظروا حجة الكذب في هذه القصيدة:
ANA ETLY DILANAYATHA
DYAWAN JWAB LKOL BOQARA
KI MAPLKHILI GO EQOTHA
W KI QAREELI DOGLA KHWARA
وترجمته:
انا لي خصائص
لأعطي جواباً لكل سؤال
يستخدمونني في المحن
ويسمونني كذب ابيض

مارينا الواعية في هذه القصيدة التي هي حوار الكذب مع الحق تعطي الغلبة للحق حين استشهدت بكلمات المسيح في قوله " انا الطريق والحق والحياة."  يوحنا ١٤- ١٦

في الحقيقة كثير من القصائد في هذا الكتاب هي حوارية  في الطريقة المثلى للتوضيح والارشاد وهذه احدى غايات مارينا في كتابة الشعر، اضافة الى جرءتها في الافصاح عن الحب الأغرائي بلا عوائق او كتمان..

كتابة الشعر تتحكمه ضوابط الدراسة، لكن الآشورييون المعاصرون لم يكن لهم منهج دراسي موحد ليكون لهم عامل مشترك في الكتابة كما هي الحال في العربية مثلاً ، انما كل ملّة قومية آشورية صقلت الجغرافية لهجتها  لتنتج شعراءها فهناك الآثوريون وهناك اهل السهل النينوي وهناك اهل القرى الجبلية اضافة سكنة المدن الكبيرة . مارينا تكتب بالآثورية وهي من سكنة المدن الكبيرة لكن ما من اسم او فعل او صفة حين الصرف او الإضافة الى الضمير، الا وكتبته قواعدياً كما هو واجب ولذا نرى حركات الصمت MBATLANA او الجمع SYAMI او التركيخ ROKAKHA ظاهرة كلما احتاج الأمر ، امر متعب في الكتابة والطباعة لكن ظروري للكتابة الصحيحة.

الكتاب أنيق جداً وغلافه ثخين Hard cover، ويقع في 128 صفحة من الحجم المتوسط . التصميم هو من إبداع الفنان نيلسون تمرز،  إذ خطّ اسم "مارينا" بالسريانية بشكل فني معاصر و أخّاذ، كما صفحات الداخل فيها صور لمارينا وعليها الكتابة. امر مكلف لكن ضروري للتعبير.

انا متأكد لو ان شعر مارينا تُرجم الى العربية فإن نقاداً كثيرون سوف يشيدون بموهبتها الشعرية في تصوير المشهد. وأكثر من كل هذا، المُشاهِد لأداها في قول الشعر تبهره موهبتها في القاء بل تجسيد الكلمات بالأداء الصوتي والحركي يكاد يبلغ قمة فن التمثيل المسرحي بشكل يضيف خاصية  اخرى على خصائص الشعر المتعارف عنه  من انه وزن ، موسيقى وقافية ومعنى.
مارينا الشاكرة ذكرت  في الأمسية المذكورة عدة اسماء كانوا عوناً لها في مسيرتها الأدبية ، وانا في تصفحي للكتاب أيقنت ان أعلى وسام نالته ماريتا كان من الشاعر القومي المعروف يوسبٍ بيث يوسبٍ الذي خصها بقصيدة عصماء من ثلاثين سطراً  واصفاً  شعرها مع الأطراء على موهبتها الخاصة، فقال عنها ما ترجمته؛
قصائدها مثل جوهرة     بالحكمة مليئة مثقيلة
انشودة كخرز القلادة     صوتها على الأذن غنوة

 في الختام. اقول ان مارينا مثابرة لأبعد الحدود فالشعر وخاصة النوع التصويري الذي تكتبه يحتاج إلى وقت وخيال واسع لترتيب المشهد فالقصيدة عندها هو مشروع لا بد ان تنجزه. وانا متأكد اننا سوف نرى المزيد من ابداعاتها وسوف نراها على المسرح كثيراً بطلب من الجمهور كي تشنف آذان مشاهديها بقصائدها الموسيقية التشويقية..
                 حنا شمعون / شيكاغو