المحرر موضوع: هل فقد يراعي براعته  (زيارة 256 مرات)

0 الأعضاء و 4 ضيوف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل شمعون كوسا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 201
    • مشاهدة الملف الشخصي
هل فقد يراعي براعته
« في: 21:05 24/04/2024 »
هل فقد يراعي براعته
شمعون كوسا

لقد دأبت على جعل الموسيقى صديقا لا يفارقني في كافة طلعاتي المنفردة . لي  جهاز تسجيل صغير ، ضمّنته مختلف الأصوات والألحان والأغاني التي تعجبني ، من  آرامية وعربية وتركية وكردية وفارسية . عندما اختار الموسيقى ، لا انتقي  إلا ما يرفع النفس ويطربها. أبدأ السير وأتركُ الاصوات  تتسلسل بنفس الوتيرة في محاذاة النهر ، تحت اشجار باسقة وارفة الظلال ، بين حدائق لا تقبل  دخيلا في حقول  زهورها ، وسط  سهول منفتحة الاطراف ، او قرب مرتفعات  ، وكلها تدعو السائر الى المضيّ قدما ، وإطالة النظر نحو آفاق بعيدة ، آفاق تدعو للصمت والتفكير تارة ،  والى إسكات العقل طورا ، لتضع الناظر في جوّ ضبابي ، تكتنفه الاسرار من كافة الجهات.
أتجاوز أحيانا تسلسل الاغاني ،  فاذهب مباشرة إلى ما يطربني ، وسيّان لديّ إن كنتُ قد سمعتُ اللحن لعشرات أو حتى مئات المرات ، لان اللحن الاصيل والصوت الجميل لا يفقدان سحرهما بتاتاً . في نزهة اليوم ، إخترتُ الالحان الفارسية . إن قلتُ لا اعرف لماذا افضّلُ هذا اللون على غيره ، اكون مجانبا للحقيقة ، لأني بالرغم من انطرابي لكل موسيقى جميلة  ، اللون الفارسي يقرّبني الى بقاعنا ، الى جبالنا الشاهقة ، الى صخورنا وشلالاتنا . نعم ، الاغنية الفارسية تسير بيّ في طريق يؤدي الى منطقة حاج عمران ، مرورأ بشلالات  كلي علي بك ، وعين جنديان السحرية ، ومياه  بيخال الازلية  التي تنبع من وسط الجبل   وتتدفق  بقوة لتنساب مُزمجرة  كجيش عرمرم . ويتواصل  السير نحو منطقتي  ناو بردان الشهيرة  ،  جبال ووديان وأنهر تتوقف عند الحدود الفارسية ، أي منطقة الحاج عمران .
اسمّي الحدود  بالفارسية ، لكي لا اصاب بضيق لدى ذكر اسم ايران ، بلد تخلى عن تاريخه وتفرغ الي بَسط  حُكم إلهي صارم جديد ، يتفنّن في تنويع مناهجه الظالمه.  عهد جديد قاتم ، لا يرتاح لما هو طبيعي ، لما هو حرّ وجميل وكل ما يدعو للفرح والانشراح ، لأن ما يهمه هو محاسبة مواطنيه على خصلة شعر تجاوزت حدّها فوق الرأس ، او ألبسة يراها تُغضب  الإله  وتعكّر مزاجَه. ولا اريد ان استرسل اكثر لأنه حديث يبدأ ولا ينتهي.
 عودةً الى جهاز تسجيلي الصغير ، كنتُ اسمع لحنا جميلا بصوت عذب اجهل صاحبه ، ولكن اللحن ورخامة الصوت حملاني الى تلك المناطق . كنت مع اللحن ارتفع ، واهبط ، وانبسط  ، وارفرف بين الجبال والوهاد والتلال والشلالات ، وبعض هذه الجبال الشاهقة وُلدت أصلاًَ مكللة بالثلج . كانت الالحان ببعض نبراتها   تسمو بيّ عاليا جدا  وتتركني هناك اتلذذ في حالة انخطافي، وعلى حين غرة كنت اراني متجها نحو الاسفل بهدوء . وهكذا بين ارتفاع وهبوط وانبساط ،  والبقاء معلقا في الفضاء ، كنت أمرّ في امكنة تعيدني ، ولو لوهلة ، الى اوقات ذقت فيها النعيم.
 عُدت الى البيت ، واتجهت في الحال الى القلم لاترك اثرا مكتوبا لما احسست به ،  قبل ان تخفّ حرارة الاحساس. لم أكن قد رسمت الحرف الاول ، عندما رأيت القلم يعاندني. اندهشت قليلا ، واعدت الكرة ، واذا باليراع  قد اضرب، قلت أيعقلُ ان ابقى عاجزا عن تسطير  ما عشته من حالة خاصة وايصالها الى غيري؟ أنا الذي اكتب دوما لإشراك غيري بما يخطر ببالي وما افكر به ، لا سيما وان ما عشته اليوم هو حسّ جميل جدا ومن نوع خاص ،  شعور لا يمكنني إخفاءه . تناولت القلم للمرة الثالثة، ولكن دون جدوى. 
أمام هذا الطريق المسدود ، إلتفتّ الى القلم ، واذا به يُدير رأسه حياءً ، كمن ارتكب ذنبا فيلجأ الى الاختفاء أوالهروب. تناولته وحركته في كل الاتجاهات ، وهززته وتوسلت اليه كي يسعفني في مسعاي ،  واذا به يترك اصابعي من جديد  ويتدحرج.
لم أقوَ على تركه،  ودُرت حوله من كل الاتجاهات. أردت ان ألحظ َ فيه حركة أو أية ردّة فعل ، فأتيتُه  بوجهٍ باسم غير اني لم ألقً جوابا ، رجوتُ دموعي كي تنهمر حزنا ولكنه لم يتأثر، وضعتُ نفسي في حالة غضب  بوجه متجهم ولم يُعر لي ايّ اهتمام.  وآخر دور لعبته، هو الظهور بوجه حائر في زمانه ، ولكني كنت  كمن يتعامل مع  جثة هامدة.
قلت في نفسي ، أين  هذا اليراع ؟ ايام كان يقفز بين يدي ويدعوني للكتابة ؟ ايام كانت تهجرني الافكار وأرى نفسي في صحراء قاحلة ، كان هو يقود اصابعي نحو كلمات تهديني الى جمل وافكار ، لماذا جفّ هذا القلم ؟ بغية التأكد من سلامته فكرت بان أجربه في موضوع عادي ، واذا به يهبّ مسرعا ، يقفز  كالسابق بين يدي ، يسايرني ، ويكتب دون توقف .
أمام تساؤلاتي ،  وحيرتي وصمتي ، رأيت القلم يدنو منّي وهو باكٍ وادهشني عندما قال : لماذا تحير يا صاحبي  وتحرجني  أمام الناس؟  إن ما أحسستَ به من سعادة خاصة ، شبيه بما  تسمّونه انتم في دياناتكم أسرارا. هذه الاسرار غير قابلة للوصف . لكلّ شخص له إحساسه المرهف الخاص ، وهو الوحيد الذي يذوقه ويشعر ويلتذّ به ، ويكون هذه الاحساس احيانا صعب الوصف ويعسر التعبير عنه . عملية الوصف تتمّ عادة بالمقارنة والتشبيه ، غير إن بعض الاحاسيس الخاصة ، لا نستطيع ان نقارنها او نشبهها.  الاحساس الذي  يُفضي بك الى قمة غير معتادة ، يذهب الى حدّ ان يكون شه نعيم روحي.
نظرتُ الى  القلم وقلت له : من أين اتيتَ بهذه الحكمة ؟ قال لي: إنها ليست حكمة ، لقد اقتنيت ردّي هذا نتيجة تجاربي معك. كم من مئات المرات كنتُ طوعَ بنانك ، وأداةً بين اصابعَ  ، تأتمر بأوامر يدّ ، تُنفّذ ما يمليه عليها العقل . ينتفض العقل بحثاً عن كوّة أو نافذة أو حتى ثقب صغير يفضي به الى بقاع نيّرة أو مروج خصبة،  فيدعوك الى تلك البقاع  لاستقاء إلهامك ومن ثمّ صياغة مواضيعك . انا شبيه بالعقل الاصطناعي الذي يختزن المعلومات  من صاحبه  الكثير من ، وإني ارى بان رسم سعادتك اليوم يفوق طاقاتي.
تناولتُ يراعي وضممته الى صدري بحرارة ، واعتذرت له  ، ووافقت على النتيجة التي صاغها  ، كخاتمة حديثي .
انا اعرف باني تورّطت في حديث سوف يملّ منه الكثيرون ، او يتناوله البعض باستخفاف او  استهزاء ، ولكنه حوار اعجبني جدا بمعية يراع حكيم تعرض لتعسفي  !!!.
 


متصل شوكت توســـا

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2244
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: هل فقد يراعي براعته
« رد #1 في: 00:42 25/04/2024 »
الأخ الاستاذ شمعون كوسا المحترم
تحيه طيبه
 أخي شمعون يراعك يزداد براعه,إذ كما إعتدناك,لا تلقِ بسنارك الا حيث يطيب للسمك اللذيذ الإقامة .
وجود علاقه بين الكاتب وقلمه مسأله تكاد توصف بالتقليديه والمعتاده عندما تمتلك أصابع الكاتب السلطه الميكانيكيه الكامله في تحريك القلم بقصد إستنطاقه عنوةً لإخراج الكلمات التي يودها الكاتب دون أي وازع وديّ بين الإثنين, فيتحمل القلم وزر تجاسر سيده عليه.
في مقالكم الذي أضاف لقائمة مقالاتكم العديده جماليه شخصيا أحسدك عليها, قدمتم للقارئ صيغه مغايره لما هو سائد عن هذه العلاقه ,حيث جاءت بالهيئه التي يتلقاها  صاحب كل قلم تقليدي كجرس تنبيه يستفزه ليوقظه على فرضيه مجازيه مفادها بان للقلم ايضا عيون ومشاعر تعطيه الحق والقوه في غربلة الأحمال التي يراد منه تصفيطها بحسب حركات أصابع الكاتب, فتراه يتجمد ويتعذر بشتى الحجج لانه نازك لا يتحمل الملامه ولا يطيق رؤية سيده في حال مغايرلما اعتاده .   
هنيئا لكم بقملكم الودود,وأغلب الظن أن القارئ يوّد التعرف على مثل هذه العلاقه المنتظمه , وإلا فهو اول من يعاني من اي غبن يلحقه الكاتب بقلمه او العكس.
تقبل تحياتي

غير متصل شمعون كوسـا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 220
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: هل فقد يراعي براعته
« رد #2 في: 11:44 01/05/2024 »
اخي شوكت
لقد حاولت ان اكتب لك والمقال لا زال خلف الستار ولكني لم اعثر على نافذة الرد والان ايضا طولبت بالتسجيل وكلمة السر لكي تفتح ابواب الردّ.
أما بعد ُ ، لا اعرف ما الذي عساي اضافته الى كلامك البديع عن الكاتب وقلمه . نعم القلم جزء لا يتجزأ من الكاتب ولولاه لما عُرف الكاتب وبقيت افكاره تتكدس داخله ولا تترك له متنفس سوى الانزواء في حالة اجترار وتأمل مستعرضا خلجاته بينه وبين نفسه مستعينا بالفضاء والطبيعة بهوائها واشجارها وحقولها وجبالها ثم يعود منطويا يعيد الخزين من جديد ويسيتعرضه ويسكت .القلم مهم ، الا يقال عن الشخص المسؤول عن اعداد خطابات المسؤول بانه قلم الرئيس او القائد ؟ اليس القلم الذي فتح اعيننا على ثقافات الامم وآدابها واطلعنا على عوالم جديدة ؟ شكرا لك يا شوكت الذي ينهل من منبع لا ينضب ، فيكتب ويكتب ، وكأن زيادة العطاء يزيد خزينه .دمت سعيدا معافا.