المحرر موضوع: العراق بين التهويمات الطائفية والقومية والصراع الدموي  (زيارة 627 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Hamdan Kharban

  • عضو جديد
  • *
  • مشاركة: 3
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
العراق بين التهويمات الطائفية والقومية والصراع الدموي

عزيز العراقي

التوازن في طبيعة الحياة الحالية في العراق , لايسمح بأعلان الانحياز للعدالة والحق كموقف عملي , بقدر ما هو متروك لأفعال وردود افعال تقع تحت تأثير مجموعة الصراعات التي تلف المجتمع , والتي تختلف في شدتها من التباعد النفسي الى الصراع الدموي . وقد اوجد هذا الوضع حالة من العجز يصعب على القوى السياسية في تجمعاتها الحالية الخروج من مأزقها , ليس على مستوى تحالف القوائم فقط , بل على مستوى مكونات القوائم ذاتها . ولا يشذ عن هذا الا القائمة "الكردستانية" التي تتوحد تحت راية الحلم القومي , -وبغض النظر عن الأستعجال والرغبة في حرق المراحل التي تمارسها القيادة القومية الكردية – يبقى هذا التوحد "الظاهري" مهدد بعدم توحيد الأدارتين , وعدم التوجه الجدي لبناء تجربة ديمقراطية حقيقية تنهض بالأمكانيات الأنسانية للشعب الكردي , وتحارب الفساد الاداري , والعشوائية في التوجه الاقتصادي , والتسلط البوليسي والحزبي في كلا الادارتين السليمانية واربيل .

ان غياب المشروع الوطني الذي يوحد توجهات المكونات السياسية , ويحدد لها سلم الأولويات في بناء العملية السياسية , واعادة بناء اجهزت الدولة . تلازم مع التهالك في ركوب الموجة الطائفية والقومية العالية  التي تفجرت على اثر انهيار النظام المقبور . والتي وضعت المكونات السياسية الشيعية بالذات – بما فيها العريقة منها – في لجة البحث عن اماكن لمد نفوذها وفرض سيطرتها في ارض لم تزرع بغير سطوة البعث ولمدة زادت على الثلاثين عاما . وسرعان ما ظهر التنافس , رغم التوحد "الظاهري" ايضاً تحت عباءة مرجعية السيد علي السيستاني , ومصلحة النفوذ الايراني على بعض التنظيمات في تشكيل قائمة "الائتلاف" . وكان اكبر نجاح لهذه القائمة مع "الكردستانية" هو الأستعجال في في لفلفة كتابة الدستور , وصياغته بحرفية طائفية وقومية جعلته الاساس في عدم التوافق الوطني .

ان المشاعر الوطنية التي تؤسس للمشروع السياسي الوطني لايمكن ان تنمو بقوة دون مطالبة الاجنبي -والعداء اذا اقتضت الضرورة - والنضال لتحقيق الاستقلال والأرادة الحرة . وهو ما افتقدت اليه القائمتان , وهذا لايمنع القائمة "الكردستانية" من الاعتراف بالدور الامريكي في حماية المنطقة الكردستانية منذ عام 1992 , وكذلك مساعدتهم في ازاحة النظام البعثي بعد ان تلاقت مصالحهم مع مصلحة العراقيين في فرصة نادرة من التاريخ . وهو لايمنع ايضاً قائمة "الائتلاف" من التفريق بين تداخل الشعبين العراقي والايراني المذهبي والاجتماعي , وحتى تطلعات الشعبين نحو الانعتاق والتحرر , وبين مصلحة النظام الطائفي الايراني الذي سيطر على الجنوب والوسط واشبه مايكون بالاستعمار الاستيطاني الفرنسي للجزائر , ان لم يكن اكثر .

هذه الفجوة الكبيرة في المشاعر الوطنية التي احدثتها عدم سلامة توجه الطرفين . استغلتها عصابات البعث , واوغلت في جرائمها , وخلطت بين الانتقام من الشعب العراقي الذي لم يدافع عن نظامهم المقبور , وبين مقاتلة الاحتلال بأسم تحرير العراق , وحققوا ما عجزت عنه باقي الاطراف , واولها اعادة الثقة وعلاقات التعاون بينهم وبين الامريكان من جهة , وادعائهم الكاذب بمقاتلة الاحتلال حاليا من جهة اخرى .
في الوقت الذي سارت فيه عربة التعاون البعثي الامريكي , تتعثر عربة العملية السياسية العراقية بسبب الصراعات المستفحلة بين اطرافها , وبالذات بين مكونات قائمة "الائتلاف" والصراع الدموي بين "التيار الصدري" و"المجلس الاعلى" الذي تمكن من السيطرة على اغلب وحدات الشرطة عن طريق القيادي في المجلس السيد بيان جبر , عندما تولى وزارة الداخلية وبالأتفاق مع رئيس الوزراء السيد ابراهيم الجعفري ,
والتي ادخل في وحداتها الشرطة العاديين وبعض ضباط الصف من التيار الصدري لغرض اسكاتهم , وانفرد المجلس برتب الضباط والادارات العامة للشرطة . وكشف في وقتها عن بعض القوائم التي منحت فيها رتب عليا لأفراد المجلس وبعضهم لايحمل حتى الشهادة المتوسطة .
 
ان تهويمة "الانتصار الساحق" التي لاكتها قيادات المجلس الاعلى كثيراً بعد الانتخابات , تجسدت في مد النفوذ والسلطة , والاستحواذ على العقارات والاراضي , وخلق طبقة من رجال الدين اشبه ب"الآخوندية" الايرانية تتولى السيطرة وادارة المؤسسات الحكومية , دون ادنى بحث عن وسائل ناجعة للنهوض بالعراق , وانقاذه من مأزق الدماء اليومي . ومن المؤسف ان يمرض ويبتعد السيد عبد العزيز الحكيم في هذه الفترة الحرجة من تاريخ العراق , والمجلس الاعلى بأعتباره اكبر الاحزاب الشيعية لايتوحد تحت زعامة غيره , مهما كثر الحديث عن الحرص في استمرار وحدة المجلس , وانعكس التعثر في ادائه بعد توزع المسؤوليات . ويعتقد الكثيرون ان المجلس سيطوى تحت سيطرة فيلق بدر , كونه تنظيم عسكري يخضع في تنفيذ القرارات الى مراتبية دقيقة , والسيد عبد العزيز الحكيم اطال الله عمره واعاده الينا بالصحة الجيدة , يكاد ان يكون الوحيد الذي يستطيع ان يوازن بين ضرورات العمل الوطني وتداعيات الاختراق الايراني , وينقذ المجلس من التمزق الذي يهدده .
ان قائمة "الائتلاف" التي تقود السلطة بما تمثله من صراعات مختلفة بين اطرافها , اصبحت المعرقل الرئيسي لسير العملية السياسية . والتصريحات الأخيرة للسيد نوري المالكي رئيس الوزراء ورئيس حزب الدعوة ثالث مقومات "الائتلاف" , والتي هاجم فيها مكونات التيار الصدري تؤكد هذه الحقيقة . وقد انتبه حزب "الفضيلة" بشكل مبكر لهذا الواقع المؤلم , وسحب نفسه من "الائتلاف" لتبرئة ذمته من الانحدار الدموي الذي وصل اليه العراق . ولايوجد غير البرنامج الوطني لأنقاذ العراق , وانقاذ "الائتلاف" وباقي المكونات السياسية العراقية الاخرى .
ziziiraqi@yahoo.se