المحرر موضوع: في بغداد عشية الاستفتاء  (زيارة 926 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبدالمنعم الاعسم

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 788
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
في بغداد عشية الاستفتاء
« في: 00:15 20/10/2005 »
في بغداد عشية الاستفتاء

عبدالمنعم الاعسم 
aalassam@hotmail.com   

  مساء الثلاثاء 11 اكتوبر..كان مطار بغداد الدولي يعجّ بالطائرات.. سبع طائرات في يوم واحد..انه تطور لافت..قال ذلك موظف كان يتولى تنظيم طوابير المسافرين، بخليط من الشكوى والامل، واضاف، نستعين بطائرات (تشارتر) لتغطية طلبات السفر المتزايدة..وكان سيسترسل في حديثه لولا سؤال اربكه لم يكن ليتوقعه منّي، قلت له: هل ان ازدياد طلبات السفر يتزامن مع اقتراب موعد الاستفتاء على الدستور بعد اربعة ايام؟ اعني، هل يهرب العراقيون الى مكان آمن خوفا من انهيار حالة الامن في بغداد؟ رد عليّ بسرعة: لا أدري..يمكنك ان تسألهم..العراقيون لا يترددون الآن في ابداء رأيهم؟ انظر، هناك شخص وضع صورة صغيرة لصدام حسين على صدره .

رحت ابحث عن صاحب (الصورة) فاصطدمت بطفل، لاطفته بالقول: انت مسافر  أم قادم؟ لم يجبني، لكنه قال في صيغة سؤال بليغ: انت من ربُعنا؟. فامسكت بطرف الموضوع حتى لا يضيع، قلت لتطمينه: نعم، نحن رَبُع، وراحْ نْشارك بالاستفاء ،  فأومأ لي برأسه اشارة الى الموافقة الضمنية،  لكنه تهرّب عن كشف  هويته ووجهة سفره، بل وهرب بالسر عمن نكون نحن (الربْع) ليترك المجال واسعا نحو الاعتقاد بان ثمة استقطاب بين العراقيين لتكوين(مرابع) محصنة اتقاء اخطار التفتت، وبان السياسة بما هي الاهتمام بالشأن العام صارت زادا لكل مخلوقات العراق، والاطفال منهم في المقام الاول.

منذ ان فارقتُ بغداد قبل سبعة شهور، كنت كمن نسي شيئا على قارعة احد الطرق،  فرحتٌ ابحث عنه، واتهجأ شكله السريّ عبر صف غير منتظم لاعمدة النور، غير ان الليل الداهم واندفاع السيارة الجنوني ضيّع محاولاتي عبثا، بل وحوّل الكون كله الى شئ، أو صرّة مرمية على قارعة الطريق..وفي لمح البصر صارت بغداد الواضحة في التاريخ والجغرافية والتقاويم سراً، وصار الوصول اليها احتمالا، وذلك حين اوقفتنا مفرزة مسلحة  في استدارة، هي اقرب الى الصحراء، غاب عنها العالم وانشغلت عنها الخليقة، مذً رجل الشرطة الملثم راسه ليستطلع لغز السيارة المتعجلة، فاعطى بسبّابة يابسة الامر بالمضّي، فيما التمع على جانب من حافلة الشرطة شعار لصبيية تعلق الامل على الدستور والاستفتاء عليه ب(نعم). 

ماذا تغير من بغداد بين اوائل آذار واوائل تشرين الثاني؟ آنذاك كانت قد خرجت عاصمة الخبر الاول  توا من الانتخابات، واليوم تعدّ للدخول في الاستفتاء..وانا، الصحفي، شاهد في تلك  وشاهد في هذه..لكن، حقا، ماذا تغيّر في هذه المدينة التي تطل صباح كل يوم، ومنذ ثلاثة اعوام، من شرفة مانشيتات صحف العالم ومقدمات النشرات الاخبارية ؟ انه سؤال مهم يتصل بحاضرة خُططت في درابينها اولى اطالس العالم فيما يقترح عليها ان تستقيل من جميع الاطالس لتصبح غابة للوحوش ومفترقا لطرق البرابرة .

ما تغير في بغداد هو الاتي: الجدار الذي كان يستخدمه الملثمون للتخفي  والحماية  وتوجيه القذائف يمينا وشمالا انهار تماما، وبدا الجميع وجها لوجه..وتلك من علائم   المعركة السافرة التي تلزم المزيد من التأمل..والعودة الى الموضوع.
ــــــــــــــــــــــــ
..وكلام مفيد
ـــــــــــــــــــــــ
."وما فسد الناس، لكن اطّرد القياس ، وما اظلمت الايام، لكن امتد الظلام".

الهمداني [/b] [/size][/font]