المحرر موضوع: محاكمة صدام حسين "التاريخية" ساذجة، هل ننتظر إلى أخرى شبيهة في 29 أكتوبر؟  (زيارة 1084 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Ali Abdulal

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 8
    • مشاهدة الملف الشخصي
محاكمة صدام حسين "التاريخية" ساذجة
هل ننتظر إلى أخرى شبيهة في 29 أكتوبر؟
علي عبد العال

أفسدتْ أول محاكمة عراقية مختصة تتهم الرئيس السابق صدام حسين طابع "الحدث التاريخي". وتلخصت "محكمة العصر" إلى مجرد اعتبار صدام حسين "مجرم جنائي". أي مجرم "عادي" يقتل الناس بغض النظر عن وضعه السياسي ومكانته في الدولة كونه "رئيس الجمهورية والأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي والقائد العام للقوات المسلحة". وتم توظيف قاض مختص بالجرائم الجنائية هو السيد رزكار محمد أمين الذي وجد نفسه في ورطة حقيقية من حيث أنه يجب أن يقضي بالعدل والحرفية القانونية لمجرمين غير عاديين. إذ انهم رموز حكم وأعضاء في مؤسسات الدولة ليقاضيهم كمجرمين عاديين، أو في أسهل الأحوال، كقتلة "رسميين" في محكمة جنائية.
  وضع المحكمة وهويتها غير مقنعة وغير صحيحة. إرادة الإدعاء العام بدت بعيدة كامل البعد عن هيكلية المحكمة الجنائية التي كان محتواها الظاهر محاكمة هذا النفر من رموز السلطة على اعتبار أنهم مجرد أشخاص ارتكبوا جرائم جنائية مخلة بالقانون. وتحولت قضية "قضاء الدجيل" إلى مجرد "قضية جنائية". أي، وببساطة متناهية، أرادت المحكمة الجنائية تصوير الحدث كونه مثل أي خصام يقع في الشارع أو في مقهى ويتمخض عن مقتل ضحية ما. هذا هزال قانوني وهزال سياسي يستحق السخرية بحق.
الذنب لا يقع على عاتق رئيس المحكمة القاضي رزكار محمد أمين الذي بدا كيسياً ومتوازنا بحكم موقعه القانوني المتواضع. لكنه يقع على عاتق الدولة الجديدة التي تبدو حالها أكثر هزالا من هذه المحكمة، محكمة أبشع دكتاتور في العصر الحديث.

"العراق الجديد" يُعد بحق دولة جديدة بكل معنى الكلمة. بالأحرى دولة تحبو على الأربع بالمفهوم الدولي الجديد. لكن كان من الممكن بلوغ مرحلة الفطام بعد هذا الجهد والتضحيات التي استغرقت العامين وأودت بالكثير من الضحايا بشكل عشوائي ووفرت الكثير من الفرص للتطور لا للنكوص والتراجع.
هذا تهميش صارخ لما كان ينتظره الشارع العراقي بأوجاعه الحقيقية وأوراقه ضحاياه الثبوتية وأدلته القانونية. ومن ثم فسحت هذه المحكمة للمتهمين إلى تحويلها لمحكمة سياسية، بدل أن تكون محكمة جنائية كما كانت يجب أن تكون. ليس من المعقول لا قانونيا ولا جماهيريا أن يُحاكم صدام حسين كونه مجرد "مجرم جنائي" حتى واقعة الدجيل هي قضية سياسية بحت. نعرف جيدا أن صدام حسين وأعوانه يمكن أن يساقون للإعدام وفق لائحة الاتهام الخاصة بقضاء الدجيل، لكن الخلل بدا واضحا وكبيرا بين لائحة الإدعاء المطولة الركيكة و التي لخصت عدم رزانة المحكمة وعدم معرفة القضايا الرئيسية التي ستنعقد المحكمة تحت عناوينها، مما أربك القاضي البسيط والواضح الذي راح يلبي شروط المتهمين بسليقة "أخلاقية" وليست قانونية. حتى أنه تجاهل عدم نهوض المتهم الأول صدام حسين أمام انعقاد الجلسة وحضور القاضي كما هو مفروض في جميع محاكم العالم الجنائية.
  القاضي رائد جوحي هو المسؤول عن هذا الخطأ القانوني والقضائي الفادح. وهو يتحمل المسؤولية الكاملة عن سير هذه المحاكمة التي لا نود أن تجللنا بالخيبة مرة أخرى في التاسع والعشرين من الشهر الجاري، تشرين أول /أكتوبر 2005. بدا القاضي رائد جوحي، على الرغم من شكله اللطيف والواثق، وحزمه المشكوك بأمره حتى الآن، لا يمتلك الإرادة الحقيقية، ولا الشعبية العراقية الحقيقة ولا السيادة اللازمة التي يتطلبها القضاء العادل. لذا جاءت المحكمة أشبه بالنكتة وأقل من المنتظر حتى بحساب أشد المعايير من التسهيل.
صدام حسين ليس "مطيرجي" قتل بعض أبناء الحارة بسبب الطيور. وليس هو "خليل أبو الهوب" لتقام من أجله محكمة جنائية تدينه بالقتل العمد. إنه رئيس الجمهورية العراقية والقائد العام للقوات المسلحة والأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي أطاح بالعراق ومرغه وشعبه في الحضيض، وأباد بقرار رئاسي اقضيه وبشرا ودولة إلى الهلاك. أما أن نحاكمه على هذا القدر وأما أن لا نحاكمه من الأساس.

تجربة فريدة

إنها تجربة فريدة بحق. فلم يتسن للقضاء لا في الشرق المتخلف ولا في الغرب المتحضر، محاكمة دكتاتور بهذا الوزن الثقيل أمام العدالة، بل وأمام وسائل الإعلام بهذا النقل الحي والمباشر عبر الفضاء. فغالبا ما يقتص الحدث الجوهري منهم بالقصاص العادل، الموت قتلاً وسحقا بالأحذية وتمزيقا أرباً أربا. لكن هذا هو التاريخ يعيد الفرصة للعراقيين بسن القوانين الجديدة مرة أخرى. لذلك يبدو "الاختراع" العراقي على هذا الصعيد ضعيفا على نحو واضح. وهو وقع في ورطة محيرة تسمح له الوقوع فيها عندما أختار محاكمة دكتاتور العصر كونه "مجرم جنائي". وهي رغبة قضائية تحاول تجاهل الصفة السياسية لطبيعة المتهم.

 المنتظر والمأمول من القضاء العراقي، وعلى الرغم من هذه التجربة الفريدة في نوعها، إعطاء الفرصة الكافية لتشكيل محكمة مهنية مختصة بجرائم الحرب، وبالجرائم المرتكبة بحق الإنسانية والحقوق البشرية. وقد أتيحت مثل هذه الفرصة على مدى ما ينيف على العامين للقضاء العراقي لكي ينجز مثل هذه الأعمال الخالدة التي ستدخله التاريخ من جديد كشعب حضاري سنَّ أول القوانين في العالم. لكن يبدو أن قدرنا هو التسطيح والمهزلة التي نخجل شديد الخجل من كثر سذاجتها وانفتاحها على المجهول.  [/b] [/size][/font]