المحرر موضوع: اعلام السريان في ثقافة المدى  (زيارة 1870 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل fadyaliraqi2

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 206
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
متابعة فادي كمال يوسف / عنكاوا كوم / مكتب بغداد

نشرت جريدة المدى العراقية موضوع تحت عنوان ( من أعلام السريان.. حنين بن اسحق ودوره في حركة التأليف والترجمة السريانية والعربية ) للباحث فؤاد يوسف قزانجي . نقدمة لقارائنا الأعزاء لما له من فائدة ادبية و تاريخية :
فؤاد يوسف قزانجي
استاذ في التاريخ والمعلومات
هو أبو زيد، حنين بن اسحق العبادي "194-260هـ" والعبّاد قبائل من بطون العرب اجتمعوا على المسيحية بالحيرة، وكانوا قد هاجروا مع قبائل عربية اخرى مثل بنو شيبان واياد واسد اليها من اليمن وبعض اجزاء من الجزيرة العربية في القرن الثالث للميلاد خاصة بعد خراب سد مأرب وامسى العيش صعبا في بعض انحاء اليمن. ولد حنين في الحيرة عام "810م" وكان والده صيدلانيا له حانوت لطب الأعشاب والنباتات، فنشأ حنين محبا لمهنة الطب تواقا لها. وكان انسانا مؤمنا بدينه مواضبا للذهاب الى الكنيسة حتى صار يخدم فيها كساعور، وينسب اليه عبديشوع الصوباي تأليف كتاب "مخافة الله" خلال فترة شبابه.

ويبدو انه تعلم في شبابه كتابة السريانية وربما الفارسية اضافة الى اللغة العربية، ويذكر ابن أبي أصيبعة عن بداية شبابه قائلا: "ان اول ما حصل لحنين من الاجتهاد والعناية في صناعة الطب، سافر الى بغداد ملتحقا بمجلس الطبيب يوحنا بن ماسويه" الذي كان مشرفا على اطباء البلاط العباسي. وكان حنين إذ ذاك يلحّ في السؤال بمجلس ابن ماسويه، وهذا ما كان يصعب على يوحنا، وكان يباعده في قلبه، اذ ان حنين من اهل الحيرة الذين يشتهرون بالتجارة والصيرفة. فسأل حنين عن بعض ما كان يقرأ عليه من مسائل في الطب، فغضب أستاذه يوحنا وقال له: "ما لأهل الحيرة وتعلّم صناعة الطب!، صر الى فلان قرابتك حتى يهب اليك مالا تتعامل به في الصيرفة". ثم أمر به فأخرج من مجلسه، فخرج حنين حزينا مكسور الجناح. وعوّل بالاعتماد على نفسه في تعلم الطب. وغاب عن اهله سنتين سافر فيها الى بلاد الروم قضاها في إحكام تعلّم اللغة اليونانية التي كانت مصدرا رئيسا لتعلم الطب، وتوصل هناك في تحصيل بعض كتب الحكمة والطب وقراءتها. وكان حنين قبل ان يلتحق ببيت الحكمة شعث الشعر وينشد شعرا باليونانية لعله لهوميروس، كما يقول ابن القفطي. ثم سافر الى بغداد وعمل مترجما في بيت الحكمة وذلك في نهاية عهد الخليفة هارون الرشيد تحت اشراف الحكيم جبرائيل بختيشوع. وقد ترجم الى جبرائيل أقساما قسّمها بعض الروم من كتب جالينوس أشهر طبيب يوناني. وكان جبرائيل يخاطبه بكل احترام وتبجيل. وحدث ان اطّلع كبير الأطباء يوحنا بن ماسويه على ما ترجمه حنين من تلك الفصول من كتب جالينوس التي تسمى بالفاعلات، فأعجب بها وانبهر بحسن الترجمة والتعبير فسأل الطبيب قائلا: "أترى المسيح قد اوحى في دهرنا الى أحد؟!". فقيل ليوحنا ان هذه الترجمة الرائعة هي لحنين بن اسحق من اهل الحيرة الذي طردته من مجلسك وأمرته ان يصبح صرّافا (1). وهكذا اعترف يوحنا انه لم يقدّر حق قدره. ولازم حنين يوحنا بن ماسويه الذي كان مشرفا على الترجمة في بيت الحكمة، وكان حنين انذاك أي في عام "225هـ" شابا يبلغ الحادية والثلاثين من العمر تمكنه على قدر كبير من المعرفة. كان الخليفة عبد الله المأمون "198-218هـ/ 813-833م" محبا للثقافة ميالا الى الفلسفة والحكمة وكان بينه وبين امبراطور الروم مراسلات، فكتب الى امبرطور الروم يسأله في انقاذ ما يختار من العلوم القديمة المحفوظة في خزائن الكتب في القسطنطينية من المؤلفات اليونانية. وقد ارسل الخليفة سلما الذي كان صاحب بيت الحكمة كما بعث معه الحجاج بن مطر ويحيى بن البطريق الى بلاد الروم. وبعد ان جلبت الكتب القديمة وغالبيتها في الطب والفلسفة وساهم حنين في ترجمة هذه المؤلفات الى العربية وإصلاح ما ينقله غيره من المترجمين.
نشاط حنين في مجال النقل والترجمة
كان من بين الذين أشرفوا على حركة الترجمة في بيت الحكمة بنو موسى بن شاكر وهم ثلاثة اخوة عرفوا بخبرتهم في علم الحساب والهيئة والآلات، وكانوا يعطون الى جماعة من النقلة ومنهم حنين بن اسحق وحبيش بن الحسن وثابت بن قرّه وغيرهم في الشهر نحو خمسمائة دينار للنقل والملازمة. وكانت الترجمة الحرفية سائدة بين النقلة قبل حنين، ولعل أشهر هؤلاء المترجمين الذين اتبعوا هذه الطريقة يوحنا بن البطريق وعبد المسيح بن ناعمه الحمصي وكانوا يترجمون عادة من اللغة اليونانية، ولكن عندما حلّ حنين في بيت الحكمة، استن طريقة في الترجمة اعتمدت على نقل المعنى الصحيح نقلا دقيقا محكما استنادا الى المعاني الشاملة لكل جملة ترد في النص ومن ربط المعنى الكلي للجمل بعضها مع البعض الآخر. وحسب هذا الأسلوب يتكون مضمون الكتاب او النص المترجم (2).
وكان التراجمة السريان قد استنوا تقليدا في نقل علوم ومعارف اليونان الى اللغة السريانية في وقت مبكر ربما من القرن الخامس الميلادي لدعم مدرسة جنديشابور الطبية ومدرسة الرها التي كانت تهتم بالفلك وحركة النجوم. وقد بني أول بيمارستان "مستشفى" في الشرق قرب مدرسة الطب في جنديشابور في بداية القرن السابع للميلاد وكان من اوائل المشرفين على هذه البيمارستان احد اجداد جرجس بن جبرائيل بن بختيشوع وهي الأسرة التي انجبت اجيالا من الأطباء استفادت منهم بلاطات بني العباس وكذلك اكاديمية بيت الحكمة في بغداد.
كان حنين كما ذكرنا في ترجمته حريصا كل الحرص على اداء النص اليوناني اداءا صادقا، واعانه على ذلك انه لم يكن مترجما او ناقلا وحسب، بل كان طبيبا بارعا وذو ثقافة ومنطق ويعرف الفلسفة اضافة الى اجادته للغة العربية. وقد استحكم في الترجمة من خلال وجوده الطويل في بيت الحكمة، ولا نعتقد انه تسلّم رئاسة بيت الحكمة في زمن الخليفة المأمون، انما بقيت بعهدة أستاذه يوحنا بن ماسويه، لكن حنين كان هو المسؤول عن الترجمة في بيت الحكمة وحسب، واننا بذلك نختلف مع بعض الذين ذكروا توليه لرئاسة بيت الحكمة من بينهم الباحث ماهر عبد القادر(3)، والباحث رشيد الجميلي (4). وفي الحقيقة لقد جعل التراجمة السريان من لغتهم الواسعة التي تنقل منها علوم ومعارف اليونان الى اللغة العربية، وهذا ما طبقه حنين ومدرسته في الترجمة منذ توليه رئاسة الترجمة في اواخر عهد الخليفة المأمون. إذ نرى ان حنينا كان يترجم من اليونانية الى السريانية ليتولى ابنه اسحق أو ابن اخته حبيش وبقية تلامذته تتمة الترجمة الى العربية، ويعود حنيبن اخيرا يدقق في النص العربي النهائي ويحرره أي يصححه.
ويعلّل الباحث رشيد الجميلي في أطروحته المتميزة قائلا: "أنني ارى وراء ذلك رغبة حنين وجماعته في نشر لغتهم السريانية، حيث يضطر الشخص الذي يرغب بالإطلاع على علوم ومعارف اليونان الى ان يتكلم اللغة السريانية: 1. كي يسهل عليه قراءة هذه الترجمات على الرغم من معرفتنا بأن الكتب السريانية كانت تترجم بدورها الى اللغة العربية، 2. العمل على إغناء التراث السرياني بعلوم ومعارف التراث اليوناني الأمر الذي يكسبه اهمية فوق اهميته الأصلية، 3. رغبة حنين في اشراك الآخرين من المترجمين الأمر الذي تطلب التوسع في دائرة النقلة السريان" (5).
كان حنين إضافة الى كفاءته في النقل شديد التمحيص والدقة في ترجماته، حيث كان يستعين بنصين او ثلاثة ويقوّمها ثم يكتبها حتى تبدو كالأصل عناية واهتماما، وهذه الأمانة في النقل جعلت الخليفة المأمون يجزل له العطاء. في الحقيقة ان حنين سلّم بالأخذ والعطاء بين اللغتين العربية والسريانية، وكان أسلوبه سهلا واضحا، وفي سبيل الوضوح لا يرى غضاضة في استعمال بعض التعابير العامية المتداولة وكذلك في تخيّر اللفظ الملائم والتعبير الدقيق الذي كان من مستلزمات التأليف والترجمة لا سيما اذا ما أراد انشاء مصطلحات سريانية أو عربية جديدة.
ألّف وترجم حنين في مجالات علمية متعددة أبرزها الطب المدني وطب العيون أو الكحالة والصيدلة أي امتحان الأدوية والعقاقير العشبية وكذلك الطبيعيات والدين والاخلاق التي ألف لها ثلاثة كتب بالاضافة الى ترجمته على الارجح التوراة حسب النقل السبعيني إلا ان هذه الترجمة لم تصل الينا (6). وهكذا خلّف حنين في الترجمة مدرسة علمية او جيلا من المترجمين التاريخيين أفادوا الثقافة العربية سواء اولئك الذين عملوا معه في بيت الحكمة أو الذين تفرقوا ليستمروا في ترجمة ما تبقى من التراثين اليوناني والسرياني.
ان اولئك المترجمين على اختلاف اثنياتهم، كانوا يستخدمون طريقة المقابلة بين النسخ، وكانوا قد استفادوا كثيرا من ترجمات حنين التي زخرت بالمصطلحات العربية الجديدة في الطب (7).
حنين والطب
خلّف حنين وراءه ثروة فكرية هائلة تمثلت في مؤلفاته في طب البدن وطب العيون والأدوية بالاضافة الى ما ترجمه من كتب جالينوس وابقراط وغيرهما في الطب، يساعده عدد من التلامذة في النقل والمعرفة الذين عملوا في بيت الحكمة وقد بلغ عددهم اكثر من عشرة مساعدين بينهم ابنه اسحق الذي كان طبيبا وعارفا بالفلسفة ويعد من افضل مترجمي الفلسفة وابنه الآخر داود الذي لا نعرف شيئا عن نشاطه، وابن اخته حبيش بن الحسن الاعسم واصله من سريان انطاكيا وعيسى بن يحيى بن ابراهيم ومنصور بن باناس واصطيفان "اصطفى" بسيل "باسيل" وموسى بن ابي خالد ويحيى بن هارون وابو عثمان بن علي وغيرهم. وقد ترجم حنين معظم كتب جالينوس التي وصلت بيت الحكمة، واورد الباحث ماهر عبد القادر "112" كتابا مترجما لحنين منها "16" كتابا من تأليف جالينوس (8).
بعض المؤرخين والباحثين أو الكتّاب وصفوا حنين بن اسحق بأنه ناقل او مترجم جيد وحسب، ولكن الحقيقة ان حنين يعد واحدا من أبرع الأطباء في تاريخ الطب السرياني- العربي، كما انه يعد عالما في الصيدلة فقد عرف الأدوية المركّبة والأدوية المفردة أي البسيطة التركيب والتي كان أصلها من النباتات والأعشاب أو من بعض أوراق الشجيرات أو قشور اللبان والزهر وغيرها. اما المركّبة فقد كانت خليطا نباتيا وحيوانيا، واحيانا يضاف اليها بعض المركبات الموجودة في الاحجار والطبيعة، لذلك استطاع حنين ان يعرّب بشكل جيد بعض التعابير اليونانية ويضيفها الى اللغة العربية في حقل الطب والأدوية المركبة في كتابه "المنهج المنير في معرفة اسماء العقاقير" وفي ايجاد مصطلحات للمعاجين والمراهم والمضمضة والترياق والأشربة و الدهان وغيرها. وقد ذكر ابن القفطي بأن حنين، "كان بارعا في اللسان العربي شاعرا خطيبا فصيحا لسنا"، وإن لم يصلنا من شعره شيء.
ألّف حنين معجما في الطب يتضمن العبارات والمصطلحات الطبية الجديدة التي ابتدعها حنين. ويذكر ابن بهلول في مقدمة معجمه انه استعان بمجموعة من التفاسير السريانية لكنه لم يشرْ الى مصدرها، ويعتقد المؤرخون بأنها منقولة من معجم حنين. وكان حنين قد ألّف معجما آخر للمترادفات السريانية سمّاه "المترادفات" الذي ينسب خطأ الى جبرائيل بن بختيشوع. وقد قام زكريا المروزي في نهاية القرن التاسع للميلاد بتكملة معجم حنين حيث اضاف اليه زيادات عديدة.
ومن المؤسف ان معجم اللغة اليونانية والمعجم الآخر لحنين مفقودان، وقيل ان يشوع بن علي الطبيب احد تلامذة حنين قد اضاف الى معجم اللغة السريانية ايضا (9).
الفترة الأخيرة في بيت الحكمة
خلّف المأمون الخليفة المعتصم "218-227هـ" فكان منصرفا عن بيت الحكمة وحركة التأليف والترجمة، لأن المعتصم كان معنيا بالحرب والقتال أكثر من راعيا للعلم والمعرفة كما فعل المأمون او الرشيد، ولذلك لا نجد اخبارا تساعدنا على معرفة نشاط بيت الحكمة خلال خلافته. اما الخليفة الواثق "228-333هـ" فقد عني بترجمة العلوم النقلية اكثر منه بترجمة العلوم العقلية واعتمد بذلك على الطبيب يوحنا بن ماسويه في هذا المجال (10).
كان حنين باحثا يسعى الى طلب العلم طوال حياته حيث يقول انه في سبيل الحصول على كتاب "البرهان" لجالينوس الذي كان وجوده نادرا في زمانه "انني بحثت عنه بحثا دقيقا وجبْت في طلبه ارجاء العراق وسوريا وفلسطين ومصر الى ان وصلت الى الأسكندرية، ولكن لم أظفر إلا بما يقرب من نصفه في مدينة دمشق" (11).
وقد تجددت حركة التأليف والترجمة وتوسع النقل عن التراث القديم، ما احدث ازدهارا ثقافيا في العصر العباسي الثاني، لكن هذه الفترة "بداية القرن الرابع الهجري" كانت اقل نشاطا في حركة الترجمة. إلا انه يمكن القول ان الاهتمام بالعلوم النقلية قد استمر. وعن هذه الفترة يذكر ابن جلجل ان حنينا اختير للإشراف على الترجمة في عهد المتوكل، فهيأ حنين كتّابا عارفين في الترجمة، فكانوا يترجمون له وهو يصحح ما ترجموه.
المصادر
(1) ابن ابي أصيبعة، موفق الدين "600-668هـ" عيون الانباء في طبقات الأطباء، تحقيق نزار رضا. بيروت: دار مكتبة الحياة "ص261".
(2) الجميلي، رشيد حميد. حركة الترجمة في المشرق الاسلامي في القرنين الثالث والرابع للهجرة. طرابلس: الكتاب للتوزيع والطبع، ط1/ 182 "أطروحة دكتوراه في التاريخ الاسلامي، جامعة القاهرة، 1960" ص36.
(3) ماهر عبد القادر محمد. حنين بن اسحق: العصر الذهبي للترجمة. بيروت دار اليقظة العربية، 1988، 174 ص "48".
(4) الجميلي، رشيد. حركة الترجمة في المشرق الاسلامي.. المصدر السابق "ص236".
(5) الجميلي، رشيد. حركة الترجمة في المشرق الاسلامي.. المصدر السابق "ص39".
(6) أبونا، "الأب" البير "حنين بن اسحق" في كتاب، أدب اللغة الآرامية. بيروت: دار المشرق، ط2/ 1996 "الصفحات 318-320".
(7) ماهر عبد القادر. حنين بن اسحق. المصدر السابق "ص158".
(8) التكريتي، سليم طه "التعريب في الاسلام" سومر/ بغداد/ بغداد: مديرية الآثار العامة جـ1-2 مجلد32/ 1976 "ص371".
(9) دوفال، روبنس. تاريخ الأدب السرياني ترجمة لويس قصاب. بغداد: مطرانية السريان الكاثوليك، 1992 "ص317-318".
(10) ابن القفطي، جمال الدين ابي الحسن "ت 646هـ" تاريخ الحكماء وهو مختصر ابن الزوزني المسمى في المنتخبات من كتاب اخبار العلماء بأخبار الحكماء. بغداد: مكتبة المنى، د.ت "ص68".
(11) الجميلي، رشيد. حركة الترجمة.. المصدر السابق "ص92".