المحرر موضوع: أين تقف قضية المسيحيين العراقيين ؟  (زيارة 1229 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سعد عليبك

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 471
    • مشاهدة الملف الشخصي
                                    أين تقف قضية المسيحيين العراقيين؟
 

سعد عليبك/ ملبورن
saad_touma@hotmail.com


  لم يحدث في التاريخ ان تم حل قضية وفق رغبات أصحابها استناداً فقط الى قيم الحق و الباطل، ولو حدث ذلك لكانت قضية الفلسطينيين و اللبنانيين و الأمازيغ و الكورد والأقباط و التيموريين و القبارصة و الأرمن و اقليم الباسفك و ايرلندا الشمالية و دارفور ومئات القضايا الأخرى  للشعوب المظلومة و المطالبة بحقوقها المنتشرة حول العالم قد تم حلها ببساطة ودون اراقة دماء.
كما لم يحدث في التاريخ ان تم التعامل مع اية قضية  بإعتبارها هي كل قضايا الحياة و الموت ، وبدونها لا يكون عيش ولا حياة، بل ان التاريخ مليء بشعوب و اقوام صبرت على الظلم و تحملت انواع الإستبداد و لعقود و قرون من السنين الى ان جائها الفرج و حققت مطالبها في الوقت المناسب بعد ان اكتسبت الامكانيات و القوة الكافية للنهوض من جديد.

   ان ما وصلت اليه أحوال المسيحيين من الكلدان والسريان و الآثوريين في العراق مثير للحزن لدى اجيال كاملة في الوطن و خارجه ، عاشت و تربت على فكرة انهم اصحاب الأرض الأصليين و بناة حضارتها ، ولكن هذه الفكرة لم تقم بصفاتها المحورية وهي ان تكون قابلة للحركة و التقدم نحو الهدف المنشود في نيل الحقوق الكاملة لهذا الشعب المظلوم لأسباب مختلفة ، اهمها يكمن في وجود خلافات داخلية تتمثل في سجالات قومية و تناقضات ايدولوجية و اختلافات مذهبية ، و اخرى خارجية تتعلق بنظرة الأكثرية عليهم كمواطنين من الدرجة الثانية و كأقلية يحق لها العيش فقط دون ان يكون لها دور في تحديد مستقبل البلد ، بالإضافة الى وجود نزعة تعصبية تدعو الى تهجيرهم و اخلاء المنطقة كاملةً منهم كما حصل لليهود في منتصف القرن السابق.

  كما نجد احياناً إقامة أبراج من الأهداف المستحيلة للقضية من قبل بعض المندفعين و العاطفيين، تؤدي الى اتساع الفجوة بين الأهداف و القدرات، ويتم فيها تجاهل المواقف العالمية و المتغيرات الحاصلة فيها ، لذا فإن حالة الشعب هنا و ان لم تسير نحو الأسوأ، فإنها ستبقى متخلفة عن الركب مقارنة بالشعوب الأخرى المتعايشة معها. كما ان طرح العديد من الأهداف المختلفة و المتناقضة ( مع بعضها البعض غالباً) سيؤدي حتماً الى تشتيت اي توجه او عمل قد يكون مناسباً ، وعليه  سيعم التشاؤم وستسود بين ابناء الشعب فكرة استحالة وجود اي حل للقضية حتى على المدى البعيد.

  و عندما تبدو القضية مستحيلة الحل ، فإن انصارها وأصدقائها لابد ان يأخذوا في الإنصراف واحداً بعد الآخر، و خاصة عندما يعجز أصحاب القضية عن تكوين قيادة شرعية واحدة قادرة على تمثيلها و الدفاع عنها بالإتجاه الصحيح ، و على العكس نجد بأنهم  يؤيدون بالعاطفة و الحماس وجود سلطات متعددة تمارس الإنتحار الفردي او الجماعي ، لذا فإن احداً في العالم لا يجد مصلحة في تكريس وسيلة للتعامل مع مثل هذه القضية و اصحابها كونها غير قابلة للتحريك ثم الإنجاز لعدم توفر المستلزمات الأساسية والعوامل الضرورية والدوافع المشجعة في تفعيل القضية و انجاحها ، و بالتالي ستصل الى طريق شبه مسدود و الى مكان لا يعرف بعده اتجاه الحركة.

وهنا على وجه التحديد يمكن الوقوف عند السؤال " اين تقف قضية المسيحيين العراقيين بالضبط " ؟ و ان نجيب عليه بكل تواضع:

 فهي تقف " شعبياً وجماهيريا" عند النقطة التي يدفع فيها المسيحيون و في مقدمتهم من هم في المدن الكبيرة ثمن سياسات بدأت بالفشل في التعامل مع مثيلاتها في الساحة و كذلك مع القوى العراقية و العالمية خلال السنوات السابقة و الى اليوم. حيث القتل و الخطف و الإغتصاب و التهجير و تفجير الكنائس و قتل رجال الدين و سوء الأحوال المعيشية التي اصبحت محطة تتوقف عندها حياة و مسيرة المسيحيين دون وجود امل في مستقبل آمن و مشرف.

أما" سياسياً " فهي  تقف عند مصالح زعامات الأحزاب السياسية المتعددة و المجالس القومية و الشعبية السياسية المتنوعة و التحالفات و التكتلات الهزيلة ، منها المسيّرة و منها التي لا تجيد الحركة، و التي تتاجر بالقضية من اجل مصالح شخصية و فئوية مؤقتة.
جعلوا  هؤلاء من هذه القضية كرة يتقاذفونها فيما بينهم يمينا و يساراً ثم الى الوراء ، وتستمرو تتكرر هذه الحالة دون ان تتقدم خطوة نحو الهدف الحقيقي و الذي لا يعرفه او يتجاهله عن قصد الكثير من السياسيين .

  و" قومياً"  فهي تقف عند الإستمرار في المحاولات للنيل و مسخ أعرق و أقدم قومية عرفها بلاد النهرين وهي القومية الكلدانية في خلق قومية جديدة مركبة تحت حجج واهية ، منها كونها " اي القومية الجديدة" مؤقتة لحين ايجاد حل مناسب لها ، بينما مروجيها يحاولون جاهدين ادخالها رسمياً في الدساتير و كأنهم بذلك قد حققوا النصر النهائي لهذا الشعب.

  هذه هي النقطة التي يقف عندها المسيحيون العراقيون ولا يريد المسؤولون عنها الإعتراف بحقيقتها وبمسؤوليتهم عنها عندما ارادوا العمل بطريقتهم الخاصة ضمن الساحة الداخلية دون الإنفتاح الفعلي نحو تدويل القضية اسوة بالشعوب الأخرى ، وعملوا ضمن دائرة التكتيك للوي ذراع منافسيهم من خلال تحالفات و تكتلات متضادة تعمل وفق تعليمات خارجية وتتبع نهجاً بعيدا عن مبادئها و ايدولوجياتها في اكثر الاحيان، و نسوا  حقل الإستراتيجية من أجل الكسب السياسي العام للشعب.
 و عندما يستمر الحال بهذا الشكل ، فإن جمود القضية يصبح هو النتيجة الطبيعية ، وعندما يصبح الجمود هو النتيجة ، فإن اوضاعاً استراتيجية على مستوى الوطن و الإقليم و العالم تبدأ في الحركة و تحتل المسرح و معها تتغير المصالح و العلاقات و التحالفات ، ولا يبقى لدى أصحاب القضية الاّ ضرب الأكف حسرة و الماً.

  كل شركائنا في الوطن  لديهم اصدقاء ومساندين الاّ نحن، فالشيعة لهم ايران ، و الكورد لهم امريكا و بريطانيا و العديد من الدول الأوروبية و الإقليمية الذين ساندوهم  بفرض خط 36 ، التركمان لهم تركيا .
و كل طرف من هذه الأطراف له خطط و برامج و استرتيجيات يغيرها حسب مصالحه و حسب المتغيرات السياسية الداخلية و الخارجية .
  كل شعب يبحث عن حقوقه و فيدراليته ثم دولته المستقبلية و عن علاقاته الخارجية و الداخلية ، الا نحن نصف نيام في محطة الانتظار . كل نال ما يريد او في طريقه الى تحقيق اهدافه و تطلعاته و نحن غائصين في سبات عميق نتخبط بين سهل نينوى وسهل اربيل و الدورة و حي السنك و البتاوين و غيرها لا نعرف اين هي وجهتنا ،هل نطالب  بحكم الإدارات المحلية ام بالحكم الذاتي اللاذاتي ام  فيدرالية السكوت و الإنتظار، الى ان يتم توزيع اراضي قرانا و بلداتنا الواحدة تلو الاخرى حسب اهواء و مزاجات اصحاب النفوذ و من لف حولهم دون ان يكون لنا رأي يسمع ، والى ان يتم تهجير ما تبقى من هذا الشعب الى خارج الحدود.

    الحالة لم تعد تتحمل الإنتظار، فالإنتظار في هذه الظروف يعني الإنتحار، وعليه فإن وضع المسيحيين العراقيين و قضيتهم تتطلب المباشرة بتدويلها باسرع ما يكون ، بطرحها على الأمم المتحدة و الدول الكبيرة في العالم ليساهموا في ايجاد حل مناسب لها كما يجدونه لغيرهم  و بعكسه فإن احداً غير مستعد ليتابع قضايانا و يناضل من اجل حقوقنا التي لا يجهلها إلاّ بعض السياسيين من هذا الشعب.
امكانياتنا و فاعليتنا لو وجهت بهذا الإتجاه ستأتي بنتائج ايجابية ، و خاصة  ان الضروف الحالية ملائمة جداً للتحرك نحو هذا الهدف و لدينا المببررات و الأسباب العديدة التي ستساندنا في الوصول الى النتائج المرجوة.

  تدويل قضية المسيحيين العراقيين  ليس فيها اي خجل او احراج ، فهو حق من حقوقهم المشروعة اسوة بباقي اطياف الشعب العراقي ، ولا يعني قطعاً الطعن او ضرب الوحدة الوطنية العراقية ، بل ان نيل حقوقهم هو خطوة نحو بناء الديمقراطية الحقيقية في العراق، كما اننا يجب ان لا نقف مكتوفي الأيدي وشركائنا في الوطن كل منهم يخطط لبناء بيته كما يشاء.
   لذا يجب على مؤسسات شعبنا الكلداني و المسيحي عموماً المنتشرة حول العالم ان يغيروا من طروحاتهم و مطاليبهم من الدول الغربية و الأمم المتحدة اثناء لقاءاتهم و تظاهراتهم و تبديلها من المطالبة بمساعدة اللاجئين... الى المطالبة بإيجاد حل جذري للسكان الأصليين و المسيحيين العراقيين في وطنهم الأم.