المحرر موضوع: أين يقـف الأب من أولاده  (زيارة 961 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Michael Cipi

  • عضو مميز متقدم
  • *******
  • مشاركة: 5252
    • مشاهدة الملف الشخصي
أين يقـف الأب من أولاده
« في: 18:03 08/04/2008 »
أين يقـف الأب من أولاده

بقـلم : مايكـل سـيـﭘـي / سـدني
 
يسرني أن أوفــّر العـناء ، عـلى ضعـيفي النفـوس المهـرولين في الخـفاء ، وأصحاب الذيول المتقـرّحة الهـزّازة في العـراء ، منـذ أيام العـهـد البائـد وحـتى اليوم ونحـن في عـهـد الوفاء . والذين يهْـوَوْن الإصطياد بالمياه الآسـنة ، وقـلوبهـم من القـذارة عَـفِـنة ، وأصابعـهـم من الرياء الأسـود داكـنة . فأنا أوصيهـم بالغـوص في المستـنـقـعات ، عـسى أن تـدغـدغ البعـوضة ألسِـنـتــَهـم فـيشـعـرون بالصدمات ، أو دودة تــُـطـعِـمهـم مِن رَيقـها أو ضـفـدعات . فـمياه الينابـيع الصافـية ليست مشاربهـم ، بل إنـّهـم يرتــَوون من سواقـيهـم المتآكـلة مثـلهـم ، فيعالجـون عـطـشـهـم ، ويحـقــّـقـون دنيء مآربهـم وأقـول لهـم : إن الأب في مقالي ، هـو الرجـل المبارك مع إمرأة شـريكة حـياته وبغـيرها لا يـبالي ، والذي يفـتخـر بأولاده الأنجال ، وزينة لعائلته في كـل حـقـل ، وكـثيرون مثـله يطمحـون إلى الكـمال . ومَن لا يكـتفي بهـذا القـدر من ردع السجال ، فـلـيستفـسر مني الآن الآن وليس غـداً في النهار أو في الليل ، ليحـصل عـلى الجـواب الشافي في الحال ، ولا يُـتمـتم كالجـراد بـين وُرَيقات جافة في البَـوْر من الحـقـول .
في صيف عام 1963 قـضيتُ بضعة أيام في بغـداد لزيارة والدي الساكـن في غـرفة مستأجـرة عـنـد عائلة بطناوية في غاية الطيـبة والكـرم ( من عائلة گـيزي ) . وكان رب الأسرة يكـن لي إحـتراماً رغـم سـنـّي القـليلة المـدى ، لِـما عـرفه عـني خـلال تـلك الأيام القـصيرة من ميولي الكـنسية وإنـتباهي المركـّـز إلى حـكاياته الشعـبـية ، فـقال لي مرة : لو جاءني الملاك گـوريّـل في الليـل وقال ، أنا قادمٌ من عـنـد الله ومُخـول بأمـر كي آخـذ روحاً واحـدة فـقـط من أسرتكَ دون تحـديـد ، فـمَن تـريـدني أن أخـتار؟ ثم إسترسـل رب الأسـرة في حـديثه لي قائلاً : سأفـكـّر وأقـول لنفـسي أنـني إذا إخـترتُ زوجـتي ليأخـذ الملاك روحَـها ، فـسوف أحـزن عـلى تــَيــَـتــّم أولادي منها ، وأبتلي بفـقـدانهـم رعايتها ، وإذا إخـترتُ أحـد أولادي ! فـمَن أخـتاره منهـم ؟ صغـيرهـم ، كـبـيرهـم ، أوسطهـم ، أم واحـداً بالقـرعة بـينهـم ؟ لا يمكـنـني ذلك أبـداً لأنـني عـلى بُـعـد متساوٍ منهـم جـميعـهـم ، وإذا تألــّم أحـدهـم أصابني ألـَمَه كـما لو كان كـلــّهـم ، إنهـم مِن صُلـبي كـما لستُ أرى أيّ فارق في أضلاعـهـم ، إذن ما هـو الحـل ؟ وأردف رب الأسـرة وهـو يصف المشـهـد الإفـتراضي فـقال : سأطـلب من الملاك أن يأخـذ روحي ، فأنا بنفـسي أضحّي ، كي يـبقى أولادي وأمّهـم في مَـرَح . إن هـذا المشهـد الخـيالي الذي وصَـفـَه لي رب الأسرة ذاك ، يعـني أشياءاً كـثيرة ، فالمسافة بـين الأب وأولاده متساوية ، والحـب الذي بـينه وبـين أيّ واحـد منهـم ليس مخـتلفاً ولا يتغـيّـر بتعاقـب الليل والنهار ، حـتى لو أن الأولاد ليسوا يكـنــّون لوالـدهـم الحـب عـينه . نعـم إنّ المقايـيس الصحـيحة تـرى أنْ لا يخـتلف الأبناء في ودّهـم تجاه أعـضاء أسرتهـم ، ولكـن المثالية شيء والواقـع شيء آخـر ، والأولاد في كـل الأزمنة والبقاع ، لهـم رغـباتهـم المخـتلفة وآراؤهـم المتغايرة وميولهـم المتـنوعة وإخـتياراتهـم المتباينة ونظراتهـم المتميّـزة وأذواقـهـم المتلونة ، وهـذه تجـعـلهـم مخـتلفـين بمقـدار أو بآخـر ، ولا يُـشـترط أن يتماثـلوا أو يتساوَوا في مشاعـرهـم تجاه والـدتهـم أو والـدهـم . وكَـم من إبن ترك أباه وإبتعـد أو نسيَ أمه وقـعـد ، لكـن الوالـد يـبقى يسأل إبنه ليحـضر معه الموائـد ، لابل إذا فارقه قـد يـبكي له بكـل جَـد ، والأم تبقى تحـنّ ويتـصدّع قـلـبُـها ألماً لإبتعاد إبنها عـنها . إنها مشاهـد مألوفة في حـياتـنا وحـياة آبائنا ، وستـتـكـرّر عـنـد أحـفادنا ، فـلا تشـكــّـل غـرابة  عـنـدنا .
واليوم نحـن الشـغـيلة بكـل أصنافـنا مع متقاعـدينا ، والعِـلــْميّـون والرياضيّـاتيّـون والمهـنـدسون معـنا ، كـلنا نعـرف أشكالاً هـنـدسية جـميلة في بـيئـتـنا . فـمَن منـّا لم يرَ المربع والدائـرة والمستطـيل والمثـلث ........ ولكـل منها مـركـزه الهـندسيّ الذي يُـحـدّد بسـهـولة مكانه ( في أغـلب الأحـيان يمثــّـل مـركـز ثـقـلها أيضاً ـ نـترك ذلك لمناسبة شائـكة ) ، ورغـم جـماليتها ، إلاّ أن هـناك ظروفاً معـينة تـتطلب منا إخـتيار الأقـرب منها ، للحاجة الأوجـب فـيها . فـقـد سـمِعـْـنا كـثيراً عـن الدوَران ، الطاولة المسـتـديرة ، الـدائـرة الفـلانية ، دورة التخـرّج ، حـيث تـتـكـرّر فـيها كـلمة الدائرة ومشـتقاتها ، وليس الطاولة المربعة مصطلحاً مألوفاً ، ولا مربّع التخـرّج كـلاماً معـروفاً ! إنّ لـذلك أسبابه المنطـقـية عِـرفاً ، فـما هي يا تــُرى ؟ للدائـرة مـركـز في وسطـها والأب يحـمل شـعـلة مضيئة عـنـدها ، يَـشعّ نوره بشـدة متساوية عـلى الجالسين في مُـنحـنيات محـيطها ، إنها أنصاف الأقـطار متساوية فـيها ، فـالخـلود لأجـدادنا البابليّـين مخـترعـيها ، وهـنيئاً لكـل الشـعـوب مستـثـمريها . ولكـن والـدنا إذا وقـف في وسط مـربّـعـنا فإنه سـيُـبعِـد نفـسه عـن الأربعة المـدبّـبة المؤلمة رؤوسـها ، وستخـتل الموازين عـنـدها ونخاف عـليه وعـليها ، فالمربعات ( كـَـرْخِه ) مِن شأن فـلاحـينا هُـم أدرى فـيها . ولن اكـلــّمكـم عـن المثـلثات والمستطـيلات فالفـتـنة في مراكـزها تكـون أشـدّها .