المحرر موضوع: نينوى والموصل المسيحية ـ الحلقة ال 19 ـ يوسف حودي  (زيارة 2945 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل josef1

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 4780
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

                             الحلقة ال 19 نينوى والموصل المسيحية

  لقد تفنن وابدع البناوؤن الموصليون بالبناء ويشمل ألبناء الدور والمحلات والكنائس والاديرة والجوامع والمساجد وكذلك المدارس ودوائر الدولة . وكان البَناء المسيحي يشتغل عند المسلم ، وكان المسلم يقدره لما يقوم به من جهد واخلاص في البِناء ولما له خبرة في ذلك ، وكان يأتمنه في دخوله الى داره خاصة اذا أراد ان يعمل ملحق بالبناء او ترميم داخل داره ، حيث ان اعمال صيانة الجص كل 10 ـ 20 سنة وخاصة في الاماكن التي يتاثر الجص بالماء كالرطوبة مثلا حيث يتلف الجص بالماء ، بعكس السمنت الذي يقاوم الرطوبة ، وقد اشتهر البّناء الموصلي وخاصة المسيحيين منهم بعمل العقادة ( العقدة ) وبالعامية العكادة ، والقبة والمنارة في الكنائس والجوامع والمساجد والاديرة وغيرها من المحلات التي تحتاجها ، وقبل ان اتتطرق الى طريقة البناء ساتطرق الى المواد التي تستعمل في البناء سابقا ،( الجص والحجارة والآجر والطابوق والحلان والمرمر وكذلك الطين ) وقد عوض السمنت عن الجص والحجارة وغيرها في بعض الاعمال كالسقوف والاسس والجدران المسلحة بالحديد ، منذ النصف الاول من القرن الماضي ، وبعد معرفة السمنت الذي يستعمل بالاضافة للبناء في عمل البلوك حيث عوض عن الحجارة لقوته اولا ولسرعته في العمل ثانيا ، وهذه المواد المستعملة في البناء قبل الاسمنت  .

 1 : الجص ـ ويسمى من يقوم بعمل الجص ( الحجار ) ، اما عمل الجص فيكون بواسطة ( الكور ) ، الذي يبنى 
                من الجص او الطين والحجارة او الخرشان الخفيف على شكل قبة او مخروط راسه في الاعلى وقاعدته في الاسفل ، حيث تجمع الحجارة الكلسية من أماكن قريبة من محل الكور على ظهور الحيوانات سابقا او تنقل بالسيارات حاليا ، وكذلك يوضع الخرشان وهو الجص المأخوذ من هدم الدور القديمة ، حيث يقلل من تركيز او شدة الحجارة الكلسية ، فاذا اريد صنع جص سريع التصلب مع الماء ومنه الجبس ، يكثر من الحجارة الكلسية ويسمى جص ( شداد ) ، ويستعمل عادة هذا الجص للعقدة . اما جص البناء فيضاف للحجارة الكلسية كمية كبيرة من الخرشان أو الطين ليكون بطيئ التصلب وارخص كذلك بألسعر ، وبعد ان توضع المواد المذكورة أعلى الكور يتم  الحرق من الاسفل وكانوا يستعملون الاخشاب او التبن ثم النفط الاسود لرخص سعره بعد ان عرف النفط . ويستمر في الحرق لعدة ايام الى ان يستوي الجص ويترك ليبرد لمدة اسبوع ، بعدها يقوم الحجارون وفي القرى الاهالي بجمع الحجارة المستوية ودقها بعد وضعها بشكل دائري ، من قبل الدواب لتجر مايسمى مندرونة ، كما كان يستعمل لدق الحنطة لعمل الحبية وما شابه ذلك ، فاذا صار الجص ناعما يسرد بواسطة سراد ، وما تبقى من السرد يدق مرة ثانية ليصبح ناعما ، وقد استعمل في النصف الثاني من العقد الماضي المكائن لتنعيم الجص ، كالمكائن التي تقوم بطحن الحبوب ، وينقل الجص من خارج المدينة الى داخلها بواسطة الطنبر ، وهو صندوق مكعب يسحبه حصان يقوده سائق ، طوله حوالي مترين وعرضه موالي متر ونصف وارتفاعه حوالي المتر او اكثر ، او ينقل بوسطة الدواب اذا كان البناء قريبا من الكور ، او ينقل بالاثنين معا الطنبر اولا ثم على ظهر الحمار بوضع الخرج وهو عبارة عن كيس قوي الى الدار ، أو بواسطة اكياس ينقلها العمال الى الدار او تستعمل العربة ، وعند معرفة وسائل النقل الحديثة استعملت السيارات والسيارات القلابة وخاصة الصغيرة منها ، وقد يباع الجص بالمحلات بعد تعبئته في اكياس أو كواني مع بقية مواد البناء  .

 2 : الحجارة : ـ وتجلب للبناء من مناطق بعيدة عن الموصل او بجوارها او من الدور المهدمة ، وسابقا كانت تنقل بواسطة الحيوانات ثم السيارات وتهيأ للبناء ، او تجلب تدريجيا حسب الحاجة اذا لم يكن ساحة متسعة للحجارة ، وعند بناء العمارات الحديثة في الاحياء الخارجية للمدينة يتعهد المقاول بنقل الحجارة الصخرية قرب الارض المعدة للبناء ، ويرصفها بشكل منتظم بارتفاع متر عادة لكي يقاس الطول والعرض والارتفاع ليخرج الحجم بالمكعبات ، وكان يباع مكعب الحجر الى العقد الثامن من القرن الماضي باقل من دينار ( الدينار كان يساوي اكثر من ثلاث دولارات ) . وكان متعهد بيع الحجارة يرصفها بوضع الحجارة ذات الواجهة المنتظمة يضعها في الامام او الزاوية ، ويضع بقية الحجارة في الخلف ثم يذرعها اي يقيس حجمها ويحسب ثمنها . ثم ينقل العمال الحجارة وتوضع أطراف البناء وفي الداخل حسب الحاجة ، والحجارة الكبيرة جدا عادة تكسر اذا كانت عرض الاسس لا تستوعبها ، وجميع الحجارة الكبيرة والصغيرة والصغيرة جدا تستعمل في البناء .

 3 : الآجر : ـ ويستعمل في خارج مدينة الموصل اكثر من داخلها ، ويصنع داخل قوالب خشبية طول ضلعها معدل 25 سم وبسمك معدل 5 سم ، ويعمل من الطين والتبن وبعد ان يجف في الشمس يستعمل في البناء او يوضع في كور يشبه الكور الذي يصنع منه الطابوق .

 4 : الطابوق : ـ ويستعمل في الموصل قليلا بالنسبة لاستعمال الحجارة ويصنع من الطين بقوالب طولها ( 24 ×12× 8 ) سم . او ضعف القياس ويسمى دبل ، وبعد ان يجف الطين يوضع في كور يشبه الاكوار الموجودة في المناطق خارج بغداد عند دخول المدينة من الجانبين .

       5 : الحلان والمرمر : ـ لون الحلان احمر فاتح مائل الى الاصفرار ، ويتآكل بسرعة اذا تاثر بالمياه والامطار ، ويستعمل في البناء بالاضافة الى تغليف البناء ، وسهولة الحصول عليه افضل من المرمر . اما المرمر فيكون أكثر صلابة من الحلان ، ويقوم النقارون بتقطيع الحلان والمرمر بواسطة المواشير الحديدية ، حيث يقوم نقاران يمسكان منشار بطول حوالي 80 سم لتقطيعها ، او يستعملون العِدد الحديدية كالمنقار والشوكة لتهذيب او تنظيم الحجارة ، وعملها منتظمة او عمل زوايا لها لوضعها في اركان البناء الاربعة  . اما في الوقت الحاضر فمعامل الحلان والمرمر منتشرة في جانبي الموصل الايمن والايسر بالمنطقة المسماة بالملوثة معتمدة على مقالع الحلان الموجودة طريق تلعفر في الساحل الايسر والمناطق المجاورة ومنها ومنها عقرة وميركي وتلكيف في الساحل الايسر ، ولا زالت اكثر من نصف معامل الحلان الى عام 2003 يملكها المسيحيون حيث عندهم خبرة بهذا المجال ن اما نقر وبناء الحلان والمرمر فيبدع بها النقارون والبناؤون المسيحيون.

6 : الطين : ـ ويستعمل قليلا في البناء داخل مدينة الموصل وكثيرا في القرى المجاورة ويصنع منه اللبن او الاجر او الطابوق ، ويصنع من الطين الاواني الفخارية والتنانير التي يصنع منها الخبز وغيرها ، وقد تبنى الحجارة بالطين بدل الجص لرخص سعره وتوفره بكثرة وفي كل مكان ويفضل الطين الاحمر في جميع الاعمال  .
 وعند معرفة السمنت  زاد استعماله في النصف الثاني من القرن الماضي ، وخاصة في بناء الاحياء الجديدة خارج قصبة الموصل ، وكذلك بناء المدارس والمستشفيات والمعامل والكنائس والجوامع والدوائر ، حيث يعرف السمنت بمقاومته للرطوبة وللعوامل المناخية اكثر من الجص وكذلك طول بقاءه بسبب استعمال الحديد معه في عمل السقوف والجدران والاسس وغيرها ، وذلك ما يعرف بالكونكريت المسلح ، واقتصر استعمال الجص على بياض الجدران والسقوف .

طريقة البناء وعمل العقدة (العكادة ) في الموصل

 ساتطرق في بناء الدور كنموذج لبناء العمارة الموصلية : ـ يبدأ البناء بحفر الاسس بعمق وعرض يتجاوز المتر تحت الارضية المراد بناؤها ، حيث توضع الحجارة ثم تدك عدة ايام بعد رشها بالماء لتصبح متينة ويتوقف العمق والعرض حسب نوع التربة المراد البناء عليها . وبعد ملؤها بالحجارة والجص يقوم البَناء بتثبيت اركان الغرف ، فيبدأ بعمل زاوية حيث يضع احجار منتظمة فوق بعضها وبيده مسطرة وشاقول ( وزان ) ليتأكد ان الحائط عمودي او مستقيم ، بعدها يذهب الى الزاوية الاخرى ويبني عدة احجار بارتفاع الزاوية الاولى ثم يمد بينهما خط ويبدأ بالبناء وتسمى هذه ( خرزة ) . وتكون عادة بارتفاع متر وبعد الانتهاء من بناء هذه الجهة يذهب ويبني الجهة الاخرى ، حتى يكمل بناء الجدران الاربعة وعادة يساعد الاسطى بناء آخر يسمى الخلفة ، وبعد ان تبنى الجهة الخارجية من الجدران وتكون بحجارة اصغر ويسمى هذا العمل بالموصلي ( التشحيط ) .بينما في بناء الجهة الامامية من الجدار وتكون الحجارة اكبر تسمى ( التسريج ) .

 وتوضع حجارة صغيرة مع الجص بالوسط وتسمى العملية ( سطم ) ، ولا يترك فراغ الا ويملأ بالجص ، وبارتفاع خرزتين ما يقارب مترين اواقل حسب ما يريد صاحب البناء ويكون عادة بارتفاع الابواب والشبابيك الى ان يصلوا الى عمل العقدة او ( العكادة )  .  ويعاون البَناء او البَناؤون ( الجَبال او الجَبالون ) وهم الذين يمزجون الجص بالماء ،  ويسمى الصحن الكبير الذي يستعمله الجبال ( الطشط ) او الطاسة في وسط وجنوب العراق . وقطره بحوالي ( 60 ـ 80 ) سم ، اما من يساعد البَناء فهو عامل جيد ومتمرس في البناء ويسمى ( المروج ) ، ويكون هذا العامل مستعدا ليصبح بَناء بعد فترة التدريب والعمل ، اما عمال البِناء فيكونون بدرجات منهم من ينقلون الجص أو الحجارة ، وينقل الجص اما باليد مباشرة من قبل الصغار أو بالسطل عند نقلة لمسافة او للاعلى ويضع ماء اسفل السطل لكي لا يلصق الجص بالسطل .

 وتكون اعمال الحجارة المنقولة متزامنة مع اعمال البناء حيث يكون النقار او النقارون متهيئون لذلك ، حيث تبنى اركان الابواب والشبابيك بالحلان وكذلك سقوفها ، وعادة ما تكون مستطيلة فوق الباب او الشباك أو مدورة ومزخرفة ومنقوشة بتفنن النقار والنقارة ومعظم اعمال البناء الفنية كانت محصورة بالنقارين والبنائين المسيحيين ، وقد يكون العمال من اهل الدار او الاقارب او الاصدقاء   .

 طريقة عمل العقدة  ( العكادة )
بعد ان تصبح الجدران بعلو مناسب عادة بارتفاع الابواب والشبابيك او اقل من ذلك ، فاذا كانت الغرفة مستطيلة تكون العقدة جمالية ، فيضع البَناء المسطرة المسماة ( الشبثة ) على الحائطين المتقابلين الطويلين ، ثم يضع الجص فوق المسطرة وسمك الجص بقدر سمكها ويكون بحوالي  5 سم  ، ثم يعمل مثلها للحائطين الصغيرين ، أما اذا كانت الغرفة مربعة او تشبه ذلك فتعمل الشبثة على الحيطان الاربعة وتسمى العقدة ( بكداشية ) ، ثم يعقد بالخرشان لانه خفيف والجص بوضع الجص الشداد
 ( سريع التصلب ) ثم الحجارة ، وكلما وضعت حجرا يمسكها احد العمال خفيفي الوزن او احد الاولاد ويكون فوق العقدة ودائما البَناء ينبهه ليكون حذرا في مسك الحجارة ، وكلما يضع حجرا مع الجص يضع اخرى بجانبها وهكذا الى ان يجف الجص . وبالطبع العامل يتحرك فوق العقدة ، اما البناء فيتحرك على الاسكلة المصنوعة من الاخشاب تحته  .

 وهناك عادة جارية بان يطلب البناء من ابن صاحب الدار بان يصعد في الاعلى ويمسك الحجارة فيلصق يده بالجص ويقول لصاحب الدار لا ترفع يد ابنك من بين الحجارة والجص الى ان تاتينا الحلاوية ( الاكرامية ) .واذا لم يصعد ولده يترك دائرة صغيرة في الوسط يقول لصاحب الدار لا اسدها الى ان تاتي بالخلعة ، يقول صاحب الدار ادلل ساتيك بالخلعة   .
 وعادة البناء يترك فتحة بقطر 15 سم لدخول الضوء او الشمس ولخروج دخان المواقد في الشتاء ، وبعد عمل العقدة او العقد ، يصعد البناء الى السطح ويضع حبوب او جرار مكسورة عتيقة في البواسيق ويثبتها بالجص او يقوم بعمل عقدة صغيرة اذا كانت العقدة بكداشية ، او يقوم بعمل عقدة واحدة طويلة من كل جانب تسمى الخشيم . يوضع فيها الحنطة او الشعير او المونة او اشياء اخرى بعد تسييعها بالجص من الداخل ، وفي الاعلى يساوي البَناء العقدة من احدى الجهات تسمى الصدر او ( الصدغ ) باللهجة الموصلية ، والاخرى الى محل تسليط الماء الى المزريب ، لان في الموصل ونينوى امطار شتوية غزيرة ومستمرة الى الربيع  .

 ثم بعد ان يسوي السطح بالخرشان الخفيف الناعم يغطى بالجص ويسوى بالكف ليكون خشنا ويتماسك معها بقوة ، ينقل الجص بصحون ويقوم البَناء بتسوية الجص بالمالج بصوة جيدة بارتفاع حوالي 5 سم ، وكل عدة سنوات اذا حدث شقوق في السطح يقوم بسدها بالجص الناعم او يقومون بتنقير سطح السقف بعمل حفر ليثبت الجص بالسقف مرة ثانية . واثناء عملية البناء ومنها العقدة ، يقوم البناء بطلب الجص او الحجر فيقوم دائما جص جص جص عدة مرات اذا اراد الجص ، اما اذا اراد الحجر فيقول حجر حجر حجر عدة مرات ، وعند بناء الغرفة يغني الموصليون ، ( بنيناك يا اودا بنيناك بالعزي بناك الصبي الاسمر ابو محزم الجزي ) ، او يسمى باسمه ايضا مثلا أبو يوسف او ابو فلان ابو محزم الجزي ، وبهذه الاغاني يقلل التعب او يخفف من النهار الطويل . حيث ان البِناء يستغرق البناء يستغرق النهار بطوله من طلوع الشمس الى مغيبها وفي بعض الاحيان يشغل فانوس او يعمل ضوء لتكملة العقدة او الشغلات التي يجب ان تنتهي وتكمل  .

                  فن بناء الحلان والمرمر

 لقد تفنن النقارؤون الموصليون بنحت الحلان المستعمل بالبناء ، فيقومون بعمل زخارف ونقوش بديعة خاصة في الواجهات ، ومحلات الجلوس المعروف ( الايوان ) ، فمعظم أركان الابواب والشبابيك تعمل من الحلان كذلك واجهات الدور ، اما الكنائس او الاديرة والجوامع والمحلات فيتفنن البناؤون والنقارون في نحتها وبنائها واثارها لا زالت شاخصة  والقديمة منها مشمولة بالرعاية من دائرة الاثار العامة . فاليدخل الى كنائس الموصل يشاهد روعة هذا الفن الرائع ، ويستغرق وقت نحت وتهذيب الحجارة أكثر من وقت بناءها ، ويتفنن النقارون المبدعون في هذا المجال ، ومما يذكر ان جميع النقارون الموصليون هم من المسيحيين ، حيث يتعلم الحرفة الابن من ابيه وكذلك تكسب الخبرة بالممارسة  .
 ليس كل بناء عادي يستطيع بناء ديكورات الحلان والزخارف والاشكال والاقواس ، هذا العمل يحتاج الى ذكاء وخبرة وممارسة عالية لعمل مثل هذا الابداع الفني ، ولهذا نرى القليل منهم واصل العمل في هذا المجال واستمر في تنفيذه ، ولا ننسى دخول الالة الحديثة في تنفيذ أغلب الاشكال الهندسية والديكورات بدون قدومة اليد التي كانت اغلب الاشكال تنفذها ولو بطيئة التنفيذ  .

                                 يوسف حودي

 

   
الصورة أدناه هي لدير مار كوركيس بالموصل حيث روعة البناء الموصلي