المحرر موضوع: تاريخ السريان الأرثوذكس  (زيارة 2120 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ابن النهرين

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 142
    • مشاهدة الملف الشخصي
تاريخ السريان الأرثوذكس
« في: 19:15 20/05/2008 »
تاريخ السريان الأرثوذكس


قداسة سيدناالبطريرك مار أغناطيوس زكا الأول عيواص
بطريريك أنطاكية والرئيس الأعلى للكنيسة الأرثوذكسية
الجامعة في العالم وعضو المجمع العلمي العراق


تأسيس كنيسة انطاكية :
الكنيسة السريانية الارثوذكسية هي كنيسة انطاكية . تأسست في فجر المسيحية ، يوم كانت انطاكية عاصمة سورية ([1]) واحدى العواصم الثلاث في الدولة الرومانية ([2]) .دخلت المسيحية مدينة انطاكية على يد بعض تلاميذ السيد المسيح الذين تشتتوا هاربين من اورشليم بسبب الاضطهاد الذي آثاره اليهود ضدهم بعد استشهاد اسطيفانس رئيس الشمامسة حوالي سنة 34 م . كما زارها برنابا احد التلاميذ السبعين ، ثم الرسول بولس حيث مكثا فيها سنة كاملة مبشرين . ونشر فيها الرسو ل بطرس تعاليم الانجيل ، كما اتخذها مقراً لكرسيه الرسولي سنة 37 م على الارجح . ويجعل بعضهم تنصر انطاكية على يد الرسول بطرس على مرحلتين ، الاولى تنصر اليهود وقيام كنيسة مسيحية منهم ([3]) والثانية تنصر الوثنيين من آراميين ويونان وعرب ، بعد البت في قضية كرنيليوس وقبوله في الكنيسة ([4]) . ومن مجرى الحوادث نستنتج إن بطرس الرسول في مجيئه الثاني إلى انطاكية ، امتنع عن مخالطة المتنصرين من الأمم الوثنية حتى بعد عمادهم خوفا من مسيحيي اورشليم الذين كانوا قد اختصموه في حادثة كرنيليوس . غير أن الرسول بولس قاومه علانية ([5]) . فقد حاول بعض المتنصرين من اليهود أن يلزموا المتنصرين من الأمم بان يختنوا أي أن يتهودوا قبل أن يتنصروا، وعقد مجمع اورشليم سنة 51م للبت في هذه القضية، وقرر المجمع ((إلا يثقل على الراجعين إلى الله من الأمم بل يمتنعوا عن نجاسات الأصنام والزنا والمخنوق والدم)) وأرسل هذا القرار إلى انطاكية بيد بولس برنابا ومعهما يهوذا الملقب برسابا وسيلا([6]). ومن هنا نلمس أهمية كنيسة انطاكية في فجر المسيحية .ويسجل سفر أعمال الرسل غيرة أعضاء كنيسة انطاكية ومحبتهم للأخوة إذ أنهم جمعوا صدقة وأرسلوها إلى فقراء اورشليم بيد برنابا وشارل ، كما أن أتباع السيد المسيح سموا مسيحيين الأول مرة في انطاكية([7]) .وتغيب بطرس وبولس عن انطاكية لدواعي التبشير ، فأقاما عليها أسقفين هما : افوديوس اسقفا على المسيحيين من الذين من أصل وثني ، واغناطيوس اسقفا على المسيحيين الذين من أصل يهودي([8]) واتحد الطرفان برباط الروح تحت رئاسة أغناطيوس النوراني بعد سنة 68 م فأطلق هذا على الكنيسة انطاكية عبارة الكنيسة الجامعة ، حيث جمعت الختان والغرلة معا ، وهو أول من استعمل هذا الاصطلاح في المسيحية([9]) .
اللغة السريانية في انطاكية :
تعرف اللغة السريانية بالآرامية أيضا([10])، فقد كانت قديما لغة الآراميين(6) الذين استوطنوا منذ القرن الخامس عشر قبل الميلاد بلاد أرام الشام وأرام النهرين(7) وانتشرت هذه اللغة في العالم القديم انتشارا واسعاً ، وصارت حروفها حروف هجاء للغات شرقية عديـــدة(8) حتى رأيناها على عهد الملك نابو بلاصر لغة البلاط البابلي ، وجعلت على عهد داريوس الكبير (521 ـ 486 ق.م) اللغة الرسمية بين مقاطعات الإمبراطورية الفارسية(1)، بل امست لغة دولية في الشرق كله زمنا طويلا (2)، وكان اليهود قد تعلموها واستعملوها منذ السبي البابلي في القرن الخامس قبل الميلاد ، بل صارت لغتهم اليومية إذ نسوا العبرية. لذلك تكلم السيد المسيح ورسله بالسريانية (3)، واستمرت سائدة في قسم كبير من الشعوب الشرقية حتى أواخر القرن السابع للميلاد إذ انتشرت اللغة العربية ، فأخذت السريانية تتقلص رويداً رويداً (4)، ولا تزال لهجاتها محكية حتى اليوم في طور عبدين بتركية ، وقرى الموصل وغيرها في شمال العراق ، وقرية معلولا المجاورة لدمشق في سورية، وأثارها ظاهرة في أسماء مدن وقرن عديدة في الشرق الأوسط ، وفي اللهجات العامية في قسم كبير منه(5). وفي فجر المسيحية كانت اللغة السريانية لغة أهل أنطاكية الأصليين لا سيما القاطنون في ضواحيها كما كانت لغة سائر بلاد سوريا الداخلية(6) وكانت أيضاً لغة اليهود المهاجرين إلى انطاكية. أما اللغة اليونانية فكانت لغة المستعمر (بكسر الميم الثانية) ولغة الجالية اليونانية التي استقدمها السلوقيون(7) .واستعملت كنيسة انطاكية اللغة السريانية في طقوسها الدينية ، ففيها أقامت خدمة أول قداس(8) كتبه بالسريانية مار يعقوب أخو الرب أسقف أورشليم ، ولا تزال جميع الكنائس السريانية في العالم حتى اليوم تتلوه بالسريانية إلى جانب لغاتها المحلية الوطنية . وكتب بها آباؤها مصنفاتهم الدينية والعلمية(1) .
مكانة كنيسة انطاكية الدينية :تعتبر كنيسة انطاكية أقدم الكنائس المسيحية وأشهرها بعد كنيسة أورشليم، وقد ازدادت أهميتها بعد خراب أورشليم سنة 70م على يد طيطس الروماني. فمنها أنطاق التلاميذ إلى أنحاء العالم المعروفة عصرئذ فنشروا تعاليم الإنجيل، وأسسوا الكنائس والديارات والمدارس، وقام فيهم العلماء الأفذاذ الذين أناروا العالم بالعلوم الدينية والمدنية(2).ولآباء كنيسة انطاكية السريانية فضل يذكر بالفخر بدراسة الكتاب المقدس بعهديه ، فقد نقلوه إلى لغتهم السريانية بتقول منها المعروفة بـ (( البسيطة )) كما نقلوه إلى العربية ، والفارسية ، والمليالم ( لغة جنوبي الهند )(3) وتناولوه شرحا وتفسيرا ، وتركوا لنا في ذلك بحوثا مستفيضة تعد مراجع مهمة في هذا المضمار . كما كان لهذه الكنيسة في الماضي الفضل في حمل لواء الإنجيل إلى مختلف الأمم كبلاد العرب، وأرمينية ، والهند ، والحبشة . وقدمت ألوف الشهداء في سبيل ذلك(4) .
الكرسي الأنطاكي أسسه الرسول بطرس :
أجمع المؤرخون الثقات(5) على جهود الرسول بطرس في انطاكية سورية وتأسيسه فيها كرسيه الرسولي ، كما أسلفنا ، وهو أول أساقفتها أي بطاركتها الذين إليه يتسلسلون . فيقول اوسابيوس القيصري ( المتوفى سنة 340 م) : (( في السنة الرابعة بعد صعود المسيح نادى بطرس بكلمة الرب في أنطاكية العاصمة الكبرى وصار أول أساقفتها ))(6) ويقول أيضا في تاريخه البيعي : (( كما أشتهر أغناطيوس الذي اختير اسقفا لأنطاكية خلفا لبطرس)) (7). وقد خصص هيرونيموس(8) في جدول الأعياد السنوية اليوم الثاني والعشرين من شهر شباط ، ( عيد تأسيس كرسي مار بطرس الرسول في انطاكية ) . ولا تزال الكنيسة الرومانية تحتفل به حتى الآن(1) .وهكذا صار القديس بطرس الرسول أول بطريرك جلس على هذا الكرسي الرسولي وتعاقب عليه بعده بطاركة عظام جلهم من صدور العلماء .(2)
مقر الكرسي الأنطاكي :
كان مقر الكرسي الأنطاكي مدينة انطاكية حتى سنة 518م وبسبب المتاعب الكثيرة التي عانتها الكنيسة ، فقد نقل إلى أديرة ما بين النهرين حتى استقر في القرن الثالث عشر في دير الزعفران قرب ماردين في تركيا ، ونقل سنة 1959 إلى دمشق .
اسم بطاركة انطاكية :
كان البطاركة عند تنصيبهم تحفظ لهم أسماؤهم الأصلية فلما ارتقى إلى الكرسي البطريركي يشوع سنة 878م اتخذ اسم أغناطيوس تيمنا باغناطيوس النوراني الشهيد الذي خلف الرسول بطرس في انطاكية . وحذا حذو البطريرك يشوع أربعة بطاركة بعده ، فلما اعتلى الكرسي البطريركي يوسف بن وهيب مطران ماردين سنة 1293م وهو أغناطيوس الخامس ثبتت هذه العادة من بعده ، ولا تزال حتى اليوم ، وهي أن يسبق اسم المنتخب للكرسي البطريركي اسم مار أغناطيوس .
سلطة الكرسي الأنطاكي وعلاقته بالكراسي الرسولية الأخرى :
نشأ في القرن الأولى للميلاد النظام الكنسي فسمى أسقف المدينة الرئيسة بالمتروبوليت ومعناها أسقف أم المدن أي قاعدة المملكة ، وعن طريق المجامع الإقليمية والمسكونية ربطت الأسقفيات بالمطرانيات وحددت سلطة الكراسي الكبرى المتساوية بالسلطة في انطاكية والإسكندرية ورومية . ثم أضيفت القسطنطينية في مجمع القسطنطينية سنة 381 م إلى الكراسي الثلاثة وحازت هذه الكراسي الأربعة مكانة مرموقة لمكانة المدن المذكورة السياسية وموقعها الجغرافي(3) ، وأطلق على أسقف كل منها في أواسط القرن الخامس لقب بطريرك ومعناها رئيس الآباء(4) .ولكل من هذه الكراسي حدود معينة تخضع الكنائس الموجودة فيها لسلطته الدينية عن طريق الكراسي المحلية أي مراكز المطرانيات والأسقفيات .(5) وقد حدد المجمع النيقاوي سنة 325م في قانونـه الســادس سلطة هذه الكراسي بقولــه:
((فلتحفظ العادة القديمة في مصر وليبيا والمدن الخمس لأن الأسقف الاسكندري يكون له السلطان على كل هؤلاء كما أن أسقف رومية له هذه العادة أيضا ومثل ذلك فلتحفظ الكرامة سالمة أيضا في الكنائس التي في انطاكية وفي الأبرشيات الأخرى)) (1).
الشركة بالإيمان وسلطة المجامع :
كانت الكراسي الأربعة رومية والقسطنطينية والإسكندرية وأنطاكية واحدة بالعقيدة الدينية ، وفي شركة روحية وكانت هذه الكراسي متساوية في السلطات والامتيازات ، وكان أصحابها عند انتخابهم يبعثون بصورة إيمانهم بعضهم إلى بعض لنيل يمين الشركة . ولم تعتبر الشركة بمثابة تنصيب للبطريرك في وظيفته بل كانت فقط شرطا ضروريا لممارسة الوظيفة بطريقة شرعية(2) وحوادث التاريخ تشهد بأنه لم يكن لأصحاب هذه الكراسي الأربعة الكبرى حكم اوتونومي(3) وحسب بل هو حكم اوتوكيفالي(4) أيضا . إذ لم يكن لأحدها حكم على الآخر ، ولا يتدخل رئيس بشؤون غيره البتة . كما لم يكن يحق الأسقف ما التدخل بشؤون أسقف آخر ، وكلما اعترضت مشاكل محلية داخلية ، أو خلاف بين الأساقفة في الأبرشية الواحدة كان يعقد مجمع إقليمي من أساقفة الأبرشية برئاسة أسقف الأبرشية العام للفصل في هذا الخلاف ، ويعتبر المجمع أعلى من الأسقف بل هو أعلى سلطة في الأبرشية الواحدة . وإذا ما برزت مشاكل عامة وقضايا إيمانية كبرى كان يعقد مجمع عام أو مجمع مسكوني(5) وسلطانه يعلو سلطان الأساقفة كافة بمن فيهم أساقفة الكراسي الأربعة الكبرى . وقوانينه نافذة المفعول في الكنيسة جمعاء ذلك أن أساقفة العالم جميعا يدعون إليه ، ويحصر اغلبهم ، ولا يتغيب منهم احد إلا بعذر مشروع فتمثل فيه الكنيسة الجامعة ، ويشترك بأعماله اغلب أساقفتها ويقبلون قراراته ، ويعتبر السلطة العليا في الكنيسة(6) .فلم يكن لأحد الأساقفة حتى أساقفة الكراسي الأربعة الكبرى سلطان على البت في الأحكام والقضايا الإيمانية الكبرى منفردا ، بل كان ذلك من حق المجامع . وان تضارب الآراء وتشعب القرارات في المجامع المكانية الإقليمية والعامة في قضية إيمانية تربك الكنيسة الجامعة، وعندما تدرس هذه المسألة في المجمع المسكوني المتوفرة فيه شهادة الكنائس الرسولية يصدر المجمع فيها حكمه فتقبله الكنيسة الجامعة كأنه حكم السماء . وكانت المجامع تعقد لإقامة الحجة على أصالة التعليم الصحيح ودحض الهرطقات ، فدستور الإيمان النيقاوي مثلا كان متضمنا في كتابات الآباء بالتفصيل ومقبولا من الكنيسة منذ فجرها ولكن المجمع صاغه بشكل واضح ، وألزم قبوله على المؤمنين تحت طائلة الحرم(7) .
انقسام الكراسي الأربعة الكبرى :
في عام 451م انعقد المجمــع الخلقيدوني(1) وأدت نتائجـــه إلى انقسام الكراســـي الرسولية الأربعة إلى قسمين ، ضم القسم الأول كرسي رومية وكرسي القسطنطينية ، وضم القسم الثاني كرسي أنطاكية وكرسي الإسكندرية . وقد استمر الكرسيّان الأخيران متحدين بالإيمان حتى اليوم ، ولكل منهما رئاسته الخاصة واستقلاله التام كما كان منذ بدء النصرانية . أما الكرسيان الروماني والقسطنطيني فقد انقسما على ذاتهما في القرن الحادي عشر للميلاد .
منطقة الكرسي الأنطاكي :
كان للجالس على الكرسي الأنطاكي مقام سام في الكنيسة ، وكان سلطانه الديني يمتد من بحر الروم غربا إلى أقصى بلاد الفرس والهند شرقا ، ومن حدود آسيا الصغرى شمالا إلى تخوم فلسطين جنوبا(2) . وكانت كنيسة أنطاكية واحدة ويسوسها كلها بطريرك واحد ، ولم يكن غيره في كل بلاد المشرق(3) التي كانت تشمل بلاد الشام وفلسطين وقليقية وبعض من بلاد آسيا الصغرى وما بين النهرين وبلاد فارس بأسرها(4) وسلطانه يشمل جميع المسيحيين في هذه المنطقة على اختلاف قومياتهم وأجناسهم ولغاتهم ، وكان للأبرشيات الكبرى رؤساء أساقفة وللأبرشيات الصغرى أساقفة يتولون إدراتها الروحية وهم تحت طاعته(5) .
مفريانية المشرق :
أطلق على البلاد الواقعة شرقي المملكة الرومانية اسم بلاد المشرق ، وكانت في فجر المسيحية تحت الحكم الفارسي ومنها جاء المجوس إلى بيت لحم وسجدوا للرب وقدموا له الهدايا(6) ولما عادوا إلى بلادهم أذاعوا فيها بشارة الميلاد . كما كان فيها جاليات يهودية كان قوم منها في أورشليم يوم الخمسين ، ويذكر سفر أعمال الرسل أن أولئك كانوا من الفرثيين والماديين والعيلاميين والساكنين في ما بين النهرين(7) . ولا بد أن الذين امنوا من هؤلاء حملوا معهم مصباح الإنجيل إلى بلادهم .
ويذكر التاريخ الكنسي أن ادي احد السبعين تلميذا ، أرسله أخوه الرسول توما إلى مدينة الرها السريانية عاصمة الاباجرة ، فشفى ملكها ابجر الخامس من برصه ، وتلمذه ، مع أهل المدينة كافة . ثم بشر في آمد ( ديار بكر ) وجنوبي بلاد ارزن ، ووادي دجلة الشرقي وبازبدي ، وجاء إلى حدياب ( اربيل )(1) حيث استقر مع رفيقه ماري وواصلا نشر البشارة في هذه البلاد . ويضيف المؤرخون السريان مار ميخائيل الكبير ، وابن العبري ، وابن الصليبي ، أن الرسول توما قد مر بهذه البلاد في طريقه إلى الهند . وبشر أهلها . وهكذا انتشرت النصرانية في أطراف بلاد المشرق كافة منذ القرن الأول للميلاد ، وأنشأت فيها الكنائس وبعض الأسقفيات . وفي صدر القرن الثالث كثر عدد المراكز الأسقفية وانتظمت تدريجيا حتى تكونت منها رئاسة عامة مقرها المدائن ضمن حدود المنطقة الكنسية الخاضعة للكرسي الرسولي الأنطاكي(2) ولقب أسقفها بمطران المشرق أو جاثليق المشرق ، وسمي بعدئذ بمفريان(3) المشرق(4) .وكان لجاثليق المشرق سلطة عامة على كنائس منطقته متحدا مع البطريرك الأنطاكي ، وقد زعزع الوضع السياسي أركان هذا الاتحاد ذلك أن مقر الكرسي الأنطاكي كان في أراضي المملكة الرومانية أما بلاد المشرق فكانت خاضعة للحكم الفارسي ، وكانت العداوة متمكنة مابين الفرس والرومان(5) .وفي سنة 431م حرم مجمع أفسس نسطور بطريرك القسطنطينية فتحزب لنسطور عدد من أساقفة سورية ، ومعظم أساتذة مدرسة الرها وتلامذتها ، وانتشرت تعاليمه في بلاد المشرق ولم يسلم منها سوى تكريت وأرمينية ، وانقسم السريان من حيث العقيدة الدينية إلى قسمين ، ومن جراء ذلك انقسمت اللغة السريانية أيضا من حيث لفظها وقلمها إلى قسمين يعرفان بالتقليدين الغربي والشرقي نسبة إلى مواطن الشعب الذي كان يزاولهما أي بلاد الشام الغربية ، وبلاد ما بين النهرين الشرقية والعراق وأذربيجان . والقسم الشرقي قطع علاقته مع الكرسي الأنطاكي ، ويستثنى منه الشعب العراقي الأرثوذكسي(6) الذي استمر أمينا للكرسي الرسولي الأنطاكي وعانى في سبيل ذلك الأمرين . ففي سنة 480 وشى برصوما أسقف نصيبين النسطوري بالمؤمنين الأرثوذكس في بلاد المشرق لدى فيروز الملك الفارسي ، وقال أنهم يتجسسون لحساب المملكة البيزنطية ففتك بالعديد منهم وسفك دماءهم النقية . وبعد موت برصوما ، زار بلاد المشرق خرسطفورس جاثليق الأرمن ورسم الراهب كرماي مطرانا على دير ما متى وخوله سلطة رسامة أساقفة كما كان لجثالة المشرق ، ورسم خرسطفورس أيضا الراهب احودامه البدي اسقفا لباعرباي(7).وفي سنة 559 تفقد مار يعقوب البراد عي كنيسة المشرق ورسم مار احودامه مطرانا عاما
أي جاثليقا عليها ، وعدّ هذا أول مطران عام على المشرق بعد أن استولى النساطرة على كرسيها(1) .
وفي سنة 628م عقد صلح بين المملكتين الفارسية الرومانية فأرسل البطريرك أثناسيوس الأول (595ـ631) كاتبه الربان يوحنا إلى المشرق فقابل المطرانخرسطفورس رئيس دير مار متى وفاتحه بموضوع إعادة العلاقات ما بين الكرسي الأنطاكي وكنيسة المشرق ، فعقد هذا مجمعا حضره الربان يوحنا وأربعة من الأساقفة القريبين وانتخبوا ثلاثة رهبان هم ماروثا وايثالاها وآحا وأخذوهم إلى البطريرك ليرسمهم أساقفة فاعتذر حفظاً للعادة القديمة في كنيسة المشرق ، فقام الأساقفة الشرقيون برسامتهم أساقفة بحضور أساقفة البطريرك . ثم قام البطريرك برسامة ماروثا مطرانا لتكريت وخوله الرئاسة على بلاد المشرق بالنيابة عنه(2) . منه هنا نعلم انه كان لكنيسة المشرق حكم ذاتي ، ولجاثليقها سلطة عامة على أبرشياتها ، فالجاثليق يرسم أساقفتها ، والبطريرك الأنطاكي يرسمه جاثليقا ، كما أننا نرى في التاريخ أن البطريرك الأنطاكي يرسم من آباء المجمع الأنطاكي باشتراك جاثليق المشرق ، وكثيرا ما حدث شقاق في الكنيسة لمخالفة هذا التقليد .
وأطلق على مار ماروثا التكريتي ( المتوفى عام 649م ) اسم مفريان لأول مرة ، وهكذا أخذت المفريانية تتسلسل منذ ذلك الحين . ومما يجدر بالذكر أن أبرشيات المشرق اتسعت ونمت عبر التاريخ حتى أنها فاقت أبرشيات الكرسي الأنطاكي عددا وشأنا على عهد العلامة مار غريغوريوس يوحنا ابن العبري مفريان المشرق ( 1264 ـ 1286م) كما صرح هو نفسه . ويعتبر ابن العبري من أشهر مفارنة المشرق علما .
وكان مقر الكرسي المفرياني في بدء الأمر في تكريت ، وظل فيها حتى سنة 1089 م فرحل المفارنة بعد ذلك ا إلى الموصل ثم أعيد المقر إلى تكريت ثانية حتىسنة1152م إذ انتقل إلى دير ما متى وأحيانا إلى برطلة قرب الموصل ثم الموصل .وكانت العادة قديما عند ارتقاء المفريان إلى الكرسي أن يحفظ له اسمه الأسقفي ، ومنذ القرن السادس عشر اصطلح على تسميته بباسيليوس مضافا إلى اسم المفريان الشخصي .وقد ألغيت رتبة المفريانية سنة 1860 بقرار مجمعي بعد وفاة المفريان مار باسيليوس بهنام الرابع الموصلي .
استئناف رتبة المفريانية :
في 21 أيار سنة 1964 استأنفت رتبة المفريانية وصار مقرها في الهند وذلك بقرار من مجمع كوطيم ، في جنوب الهند ، الذي عقد برئاسة البطريرك مار أغناطيوس يعقوب الثالث ، وعضوية مطارنة السريان في الهند والمطارنة الثلاثة الذين رافقوا قداسته من الشرق الأوسط ، وكان كاتب هذه السطور احدهم ، وقرر المجمع على أن تكون الهند وشرقيها المنطقة التي يرأسها المفريان(3) ومفريان الهند اليوم هو غبطة مار باسيليوس بولس ، والمفريان ينتخب من المجمع المقدس في الهند ويرسمه قداسة البطريرك . وهو يمثل الكنيسة السريانية في الهند بالاشتراك بمجمع انتخاب البطريرك ورسامته .
انقسامات في الكرسي الأنطاكي :
طرأت على الكرسي الأنطاكي عبر التاريخ حوادث مؤلمة قسمت أتباعه إلى فرق عديدة وأضعفته ، ولا بد لنا في هذه العجالة من أن نلم ببعض هذه الحوادث .
فمنذ سنة 330م والى سنة 360 م اغتصب الكرسي ستة اريوسيين ، ثم تبوأه القديس ملاطيوس إلى سنة 381م ثم فلابيانس الأول وفي عهدهما رأس فئة أرثوذكسية الأسقف بولينوس ثم اوغريوس (362 ـ 394) وفي أثناء نفي ملاطيوس قام دخيلان اريوسيان وزعيم شرذمة أبو لينارية(1) ودام هذا الشقاق حتى سنة 412م فلما اعتلى مار الكسندروس الكرسي وحّد صفوف الارثوذكسيين .أما الانقسامات التي مزقت جسم الكنيسة السريانية وشعبها إلى فرق عديدة وكنائس شتى فهي كالآتي :
في سنة 431م شجب مجمع أفسس تعليم نسطور بطريرك القسطنطينية الذي زعم بأن السيد المسيح هو اقنومان وطيعتان . وتحزب له يوحنا بطريرك انطاكية وحذا حذو هذا خلفه دمنوس وهو ابن شقيقته . غير أن مجمع أفسس الثاني 449م حطه من رتبته وأقام بدلا منه مكسيموس . ولاقت تعاليم نسطور قبولا لدى بعض السريان في المملكة الفارسية وأطراف سورية وفلسطين وجزيرة قبرص ، فتألفت منه كنيسة انسلخت من الكرسي الأنطاكي سنة 498م وأقامت لها رئيسا أطلق على نفسه لقب ( جاثليق ) وكان أول جاثليق اسمه باباي وجعل مقره في سلوكية القريبة من المدائن كما مر بنا ونقل مقره سنة 762م إلى بغداد وفي أوائل القرن الخامس عشر نقلوه إلى القوش وسنة 1561م إلى أرمية(2) .ولما انقسمت الكراسي الأربعة الكبرى إلى اثنين كما مر بنا على اثر مجمع خلقيدونية عام 451م ، عمت الفوضى النظام الكنسي وبدأ التدخل في الأبرشيات بطريقة لا شرعية ، واعتبر الاصطياد في الماء العكر مكسبا عظيما ، واستطاع الكرسي الروماني أن يكسب مطرانا نسطوريا هو طيمثاوس مطران قبرص الذي انضم إلى الكنيسة الكاثوليكية سنة 1445م مع فئة من كنيسته السابقة فأعلن البابا الروماني اوجانيوس الرابع بأنه (( لا يجوز من الآن فصاعدا أن يعامل هؤلاء السريان الراجعون من النسطرة كهراطقة ، ويجب أن يسموا بعد اليوم كلدانا ))(3) وسنة 1450م عاد هؤلاء إلى كنيستهم الأولى . وعلى أثر الخلاف الشديد الذي جرى في كنيستهم الأولى بسبب بطريركها عقد مجمع في الموصل وانسلخ عن شمعون قسم كبير من الشعب انضموا إلى الكرسي الروماني سنة 1553م ورسم لهم البابا يوليوس الثالث بطريركاً هو يوحنا هو يوحنا سولاقا ، ولم يثبت هذا الانسلاخ طويلا إذ أن البطريرك يوحنا سولاقا قتلا سنة 1555م وقطعت العلاقة مع الكرسي الروماني ثم توحدت الرئاسة سنة 1830م في عهد البطريرك يوحنا هرمزد ، إذا كان البابا لاون الثاني عشر قد أبطل سنة 1827 تمييز بطريركية آمد من بطريركية بابل ، واقتصر على بطريرك واحد يجلــس في الموصل ويدعى بطريـرك بابــل . ونصب في أواسـط القرن التاسع عشر البطريرك يوسف أودو(1) ويتصف بمحبة الكنيسة الشرقية وتقاليدها العريقة.ونعود إلى الكرسي الأنطاكي في مركزه فنراه منذ عهد مكسيموس سنة 449م وحتى سنة 512م قد اغتصبه بطاركة تبعوا عقيدة مجمع خلقيدونية وآخرون متذبذبون ، واشتهر في هذه الفترة العصيبة مار بطرس الثاني المعروف بالقصار .وفي سنة 512م نصب مار سويريوس بطريركا على انطاكية خلفا لفلبيانس الذي عزله المجمع الأنطاكي لتذبذبه في المعتقد ، ودبر مار سويريوس الكرسي بأمن وسلام حتى سنة 518م إذ توفي الإمبراطور انسطاس الأرثوذكسي وخلفه يوسطينوس الأول المؤيد لمجمع خلقيدونية الذي نفى في تلك السنة معظم الأساقفة الارثوذكسيين ومن جملتهم مار سويريوس الذي انتقل إلى جوار ربه بمنفاه في مصر سنة 538م وخلفه مار سرجيس وهكذا لم تزل البطريركية الأنطاكية السريانية متسلسلة إلى يومنا هذا .وانتهز أتباع المجمع الخلقيدوني فرصة نفي مار سويريوس وأقاموا منهم بطاركة أشهرهم افرام الامدي ومن هنا أي من سنة 518م تبدأ سلسلة البطاركة البيزنطيين وهم ( الروم الأرثوذكس) وكان اغلبهم سريانا ، وفيهم قسم من الجاليات اليونانية . وقد أطلق عليهم لقب الملكيين أي أتباع الملك ، لإتباعهم عقيدة مجمع خلقيدونية التي تبناها الملك عصرئذ . وكانوا يستعملون الطقس السرياني وفي القرنين العاشر والحادي عشر استبدلوه بالطقس اليوناني ، ولعدم معرفتهم اللغة اليونانية ترجموه إلى لغتهم السريانية ، وفي الأجيال المتأخرة بعد تعلمهم اليونانية استعملوا الطقس اليوناني باليونانية والعربية ، وجمعوا الكتب السريانية في خزانة دير السيدة في قرية صيد نايا بالقرب من دمشق واحرقوها(2).في القرن السابع حدث خلاف بين أتباع المجمع الخلقيدوني في منطقة الكرسي الأنطاكي، بسبب ظهور تعليم المشيئة الواحدة والمشيئتين في المسيح ، وانفصل على أثرها الرهبان الموارنة في لبنان وأقاموا لهم بطريركية خاصة ، وفي القرن الثاني عشر انضموا إلى الكرسي الروماني (3)وسموا بطريركيتهم ببطريركية انطاكية(4) .وفي أوائل القرن الثامن عشر حدث خلاف آخر في صفوف الروم الأرثوذكس أدى إلى ترك بعضهم بطريركيتهم واتباعهم الكرسي الروماني وأقاموا لهم بطريركية خاصة دعوها ببطريركية انطاكية وأطلقوا على أنفسهم اسم الروم الكاثوليك .وتشعبت أيضا البطريركية السريانية الأنطاكية ، ففي أوائل القرن السابع عشر خرجت عنها في حلب فئة بتحريض الرهبان الكبوشيين وبمساعدة قنصل فرنسا ، وقصدوا مطرانا مارونيا سنة 1657م فرسم لهم القس اندراوس اخيجان الأرمني المار ديني الأصل اسقفا نادوا به بطريركا بعدئذ ، وبه تبتدئ سلسلة بطاركة السريان الكاثوليك(5) .وفي الربع الأخير من القرن الثامن عشر انضم قسم من السريان الأرثوذكس في العراق إلى الكرسي الروماني وذلك بدهاء القنصل الفرنسي الذي كان يشير على الحاكم العثماني في الموصل لتثقيل كواهل المسيحيين بالضرائب الباهظة ومن جهة أخرى كان يبث المرسلين الدومنكيين بين المسيحيين السذج يرغبونهم في طلب حماية فرنسا كي يتخلصوا من تلك الضرائب شريطة أن يخضعوا فقط لبابا روما ، وهكذا دخلت الكثلكة العراق وكان أهل قره قوش أول من اعتنقها سنة 1761م وبعد أواسط القرن التاسع عشر امتدت إلى برطلة فالموصل(1) .
مار يعقوب البراد عي
عندما بطش قياصرة البيزنطيين برجالات الكنيسة السريانية الارثوذكسية وقتلوا بعضا ونفوا آخرين ومات غيرهم من شدة الاضطهاد وتشرد غيرهم ، لم يبق للكنيسة السريانية سنة 544م سوى ثلاثة مطارنة . في هذه الفترة العصيبة قيض الله للكنيسة رجلا هماماً هو مار يعقوب البراد عي الذي قصد القسطنطينية فاستقبلته باحترام الملكة تيودورة ابنة قسيس منبج السرياني وزوج الإمبراطور جوستينيان التي كانت تخدم أساقفة الكنيسة المنفيين وتساعدهم في ضيقهم . وبهمتها رسم مار يعقوب مطرانا عام سنة 544م على يد مار تيودوسيوس بطريرك الإسكندرية الذي كان آنذاك منفيا في القسطنطينية ، واشترك معه بالرسامة ثلاثة أساقفة كانوا في السجن . فشمر مار يعقوب عن ساعد الجد وجال متفقدا الكنائس ومثبتا المؤمنين ورسم سبعة وعشرين مطرانا ، ومئات الكهنة والشمامسة ، وانتقل إلى جوار ربه في 30 تموز سنة 578م وعيد له الكنيسة(2) .وهكذا صمدت الكنيسة السريانية الأرثوذكسية أمام عاصفة الاضطهاد البيزنطي وحافظت على الإيمان الرسولي المؤيد من المجامع والمسكونية الثلاثة . وبقي كرسيها الأنطاكي متحدا مع الكرسي الاسكندري حتى اليوم مشتركين بالإيمان الواحد والعقيدة الواحدة ومعهما الأرمن الأرثوذكس وأتباع الكنيسة السريانية الارثوذكسية في الهند والكنيسة الأثيوبية.وقد سمى البيزنطيون في معجمهم السابع في القرن الثامن للميلاد الكنيسة السريانية الارثوذكسية بـ ( اليعقوبية ) نسبة إلى مار يعقوب البراد عي . وغايتهم من هذا النعت الدخيل النيل من كرامة هذه الكنيسة العريقة التي هي سريانية أي مسيحية أرثوذكسية ، وليس مار يعقوب سوى أحد أبائها الميامين فهو ليس بمؤسسها ، كما أنه لم يأتها بعقيدة مستحدثة ، لذلك تستنكر بشدة هذا النعت الدخيل(3) .ولابد أن نذكر أيضا أن الكنيسة السريانية الارثوذكسية تستنكر تسمية (الموتوفيزيقية) التي هي ( الاوطاخية ) المعتقدة باستحالة الطبيعة الناسوتية في السيد المسيح إلى الطبيعة الإلهية وامتزاجها بها وتبلبل خواصها . والكنيسة السريانية الارثوذكسية تنبذ اوطاخي وتعاليمه وتطبع على غرار مار كيرلس الاسكندري بالاعتقاد أن السيد المسيح كامل بالناسوت وكامــل باللاهوت ولــه طبيعة واحدة مــن طبيعتين متحدتين بدون اختــلاط والامتزاج ولا استحالة(1) .
الكنيسة السريانية الارثوذكسية اليوم
يربو عدد أبنائها على مليوني نسمة ، تقطن الأغلبية الساحقة منهم في الهند ، والباقي ينتشرون في سورية ، ولبنان ، والعراق ، والأردن ، وتركيا ، ومصر ، وأوربا ، والاميركتين ، واستراليا .ويعتبر البطريرك الأب العام لجميع السريان الأرثوذكس في العالم . تجب طاعته على المطارنة والأساقفة والكهنة والرهبان والشمامسة والشعب قاطبة . وينادى باسمه قبل اسم الجاثليق في الهند ، والمطارنة في سائر الأبرشيات في أثناء القداس الإلهي وفي ختام الصلوات اليومية وفي الاحتفالات الدينية والخدمات الكنسية ، كالرسامات . لقبه قداسة الحبر الأعظم مار أغناطيوس ( فلان) بطريرك انطاكية وسائر المشرق والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الارثوذكسية الجامعة ، ( في العالم ) . ومن حقوقه الدينية ، رسامة الجاثيليق والمطارنة والأساقفة المنتخبين شرعا . وتقديس الميرون ، على أن يعاونه في ذلك على الأقل اثنان من المطارنة . كذلك له حق عقد المجامع ، وهو رئيس المجمع المقدس ( السنودوس) ولا يمكن عزله إلا إذا ابتدع بدعة في الدين المسيحي والإيمان الأرثوذكسي المقرر من المجامع والمسكونية الثلاثة ( نيقية والقسطنطينية وافسس ) وتعاليم الآباء القديسين ، أو خالف قوانين الكنيسة أو أصيب بمرض عقلي لا يمكن شفاؤه أو ساءت سيرته .
والبطريرك مسؤول تجاه المجمع المقدس المؤلف من مطارنة الكرسي الرسولي الأنطاكي كافة الذي يعتبر السلطة العليا في الكنيسة ، ففيه يتم انتخابه ، وتنصيبه ، وإقرار انتخاب المطارنة والأساقفة ، والتحقيق معهم ومحاكمتهم في حالة مخالفتهم العقيدة والقوانين البيعية ، ونقلهم من أبرشية إلى أخرى ، وعزلهم ، وقبول استعفائهم، وكذلك تأسيس أبرشية جديدة ، أو إلغائها ، ويعتبر اجتماع المجمع المقدس قانونيا إذا اجتمع فيه ثلثا المطارنة وتتخذ قراراته بالأكثرية وتعتبر نافذة بعد تصديق البطريرك عليها .(2)وتتألف الكنيسة اليوم من أربع وعشرين أبرشية ، عشر منها في الهند والباقي في البلاد الأخرى . ويرأس كلا من هذه الأبرشيات مطران يدير شؤونها الروحية ، ويرسم لها الكهنة والشمامسة والرهبان ويكرس المذابح والهياكل ، ويقدس الزيت المقدس للعماد ويسن القوانين المحلية التهذيبية لخير أبرشيته وله مجلس كهنوتي ومجالس محلية واستشارية .وتحافظ الأبرشيات على الإيمان الأرثوذكسي وتتمسك بالتقليد الرسولي القديم وتمارس الطقوس البيعية باللغة السريانية إلى جانب اللغات المحلية .لقد كان لهذه الكنيسة في الأزمنة الماضية مئات الأديرة ، بقي منها اليوم عدد ما زال عامرا ، أشهرها في الشرق الأوسط : 1. دير مار متى قرب الموصل في العراق . 2. ودير مار كبرئيل في طورعبدين ـ تركيا ويعود تاريخهما إلى القرن الرابع للميلاد . 3. ودير مار حننيا ( الزعفران ) في ماردين ـ تركيا الذي ساس في القرن الثامن للميلاد . وفي كل من الديرين الأخيرين مدرسة اكليريكية ابتدائية . 4. ودير مار مرقس في القدس الذي يعد من مفاخر المسيحية إذ هو (( العلية )) التي أكل فيها السيد المسيح الفصح مع تلاميذه حسبما ظهر من رقيم اكتشف في كنيسة الدير سنة 1940 م يعود تاريخ كتابته السريانية إلى ما قبل القرن السادس للميلاد ، جاء فيه ما ترجمته (( هذا هو بين مريم أم يوحنا الذي يدعى مرقس )) . وللكنيسة معهد لاهوتي في العطشانة ـ لبنان ، ومعهد آخر في الهند يتخرج فيهما اكليروسها .
والكنيسة السريانية الارثوذكسية اليوم آخذة بالنمو ، والتقدم والازدهار ، قال فيها احد مؤرخي الروم الأرثوذكس ما يأتي : (( السريان شعب نشيط ، عامل ، مقتصد ، لذلك قلما ترى فيه متسولا . وبالرغم عن الأزمات الشديدة التي مرت به ما برح محافظا على مركزه الاقتصادي لحبه الدأب في العمل ن وبعده عن تقليد الغربيين بالإسراف والبذخ ))(1) . وقال مؤرخ بحاثة من الكنيسة الأسقفية في القرن الماضي ، ما يأتي : (( ليس من الصعب على العناية الربانية أن يمد هذا الشعب جذوره في الأرض ثانية ويحمل ثمارا كثيرة إذ قد تحرر من سيطرة عقيدة غريبة ، وسطوة أجنبية ، ومن الظلم والاضطهادات القاسية التي احتملها لمدة طويلة . فهو في الوقت الحاضر مع كل ضعفه يمثل الكنائس القديمة التي كانت في عصر غابر نضرة في شرق البلاد وجنوبها )) (2) .
والكنيسة السريانية الأرثوذكسية عضو في مجلس الكنائس العالمي ، انضمت إليه عام 1960 . وهي عضو في المجالس الكنسية المحلية ، وتتعاون مع سائر الكنائس المسيحية ، وتشترك في الحوار اللاهوتي المسكوني على النطاق الرسمي والخاص .
الخاتمة :
هذه صورة صادقة ، قد تكون غير متكاملة ، رسمتها لكنيسة أنطاكية . كنيسة الشرق الأصيلة ذات الشخصية المعنوية الكاملة من حيث الإيمان والعقيدة والليتورجية والخدمة ونشر البشارة الإنجيلية إلى أقصى الشرق . الكنيسة التي مزقت الانقسامات جسمها . وكلي أمل أن نرجع إلى مصادر تاريخها وندرس بإمعان أسباب تفكك أعضائها وتمزق شملها ، والنفور الذي دب في صفوفها فتعددت أسماؤها واختلفت اتجاهاتها . وبالصلاة ، والحوار ، يلم شعثها ، ويداوي جرحها ، وتعود شركة بالإيمان بين فرقها فتزول الحروم واللعنات وتحل البركات ، وتتحقق وحدتها كما كانت فجر المسيحية وفق روح الانجيل القائل : (( أن يكون الجميع واحداً ) .