المحرر موضوع: الإنقلاب الذي لم يقع  (زيارة 992 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سعيد لحدو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 88
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الإنقلاب الذي لم يقع
« في: 15:43 11/06/2008 »
الإنقلاب الذي لم يقع
10 حزيران 2008
سـعيد لحــدو
الإنقلاب الذي تحدثت عنه بعض وسائل الإعلام الأوربية والعربية في الأسبوع المنصرم، والذي زُعِم أن آصف شوكت صهر الرئيس السوري كان ينوي القيام به وفشل، ليس هو الإنقلاب الذي حلم به السوريون والكثير من غير السوريين طويلاً، وبخاصة بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد عام 2000. ومع توريث الإبن السلطة، بالطريقة التي فُبرِكَت بها تلك العملية لتكتسب صفة قانونية، خاب أمل معظم هؤلاء بالإنقلاب الذي كانوا ينتظرونه في تركيبة السلطة الحاكمة في سورية آنذاك وفي سياساتها المتبعة على الصعيدين الداخلي والخارجي .واستعيض عن ذلك لدى بعضهم بالتمني ببعض الإصلاحات ولو بشكل مرحلي وتدرجي. مستمدين آمالهم تلك من بعض التصريحات التي أطلقها في حينه الرئيس الوريث الجديد والتي أوحى من خلالها بأنه مزمع على القيام بما يُنتظر منه كشاب عايش روح العصر وشاهد تطوراته المتلاحقة. وبحسب ظن هذا البعض، لابد أنه تعلم شيئاً مما شاهده وعايشه. وبخاصة أنه أمضى بعض الوقت في بريطانيا للتخصص في طب العيون التي، بدون أي، شك لا غنى عنها (أي العيون) لمن أراد أن يرى ويتخذ الدروس والعبر مما رآه.
إن كان للشاعر العربي كل العذر حين تعشق أذناه قبل عينيه، ذلك ربما لإدراكه ما لحبيبته من المزايا الطيبة للروح التي قد تستتر خلف الشكل المائل للعين، وبخاصة إذا كان ذلك الشكل يشتكي من بعض العيوب والنواقص التي لا حيلة للمخلوق في إتيانها أو حجبها. إلا إن عيون السوريين سئمت النظر إلى الواقع المتقيح بأدران الفساد المستشري على حساب المواطن، وهذا ما لا دخل للخالق به. أما آذانهم التي كان من المتوقع لها أن تعشق مضامين المواقف "المبدئية والسياسة الحكيمة للقائد الرمز"، فقد قرفت وصمَّتْ من الشعارات الزائفة والحديث الفارغ والمكرر لدرجة الغثيان عن الإنجازات التي لم يسبق أن قام بها أحد، ولم نرها أو نلمس آثارها قط، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، عن الجهود المستمرة للإصلاح السياسي والاقتصادي، وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، ومحاربة الفساد ومحاسبة المفسدين. ومع كل تلك الجهود المزعومة لا نلمس إلا تراجعاً مستمراً على كل صعيد، وازدياداً مضطرداً للفساد والمحسوبيات، وتضخماً مرضياً بأرصدة المفسدين والانتهازيين من أزلام السلطة وأركانها على السواء. وكي لا ننسى، فإنه يجري الحديث أحياناً أيضاً عن استعادة جولاننا الحبيب. وإن جرى بعض التقصير هنا أو هناك فلأنها، أي السلطة، مشغولة بالتحضير لمعركة التحرير تلك، سواء بالسلم أو بالحرب.تلك المعركة التي إن قدر لها أن تأتي يوماً على يدي هذا النظام وبأي شكل أتت، فلن تأتِ إلا لتدعيم مواقع أركان السلطة وزيادة نفوذ المتنفذين من مافيات الاقتصاد وعنتريات السياسة الفارغة من كل مضمون يفترض أن ينعكس إيجاباً على واقع الحياة التي يعاني منها المواطنون من الشرائح والفئات الاجتماعية كافة. وهنا لم يرَ السوريون بكل أطيافهم القومية وتياراتهم السياسية من كل تلك الوعود أو الانقلابات المنتظرة إلا المزيد من القهر والكبت والملاحقة والاعتقال لكل من وسوس له شيطان الوطنية أو داعبت أحلامه فكرة العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص أو همست له طموحاته باستراق النظر من نافذة الحرية إلى فضاء العالم المتحضر، أو أغوته الثورات البرتقالية بالتعبير عن تململه عن الواقع المزري.
لقد حافظ الوريث بأمانة تامة على إرث الموروث وزاد عليه في بعض الجوانب حين انفلت عقال المحيطين به وتحرروا من كل قيد أو مساءلة كما تحرروا من قبل من ضمائرهم الوطنية ومارسوا هوايتهم المتعددة الوجوه والأشكال بامتصاص دماء الشعب ونهب وتفريغ خزينة الدولة، لكنه افتقد للحنكة السياسية التي ميزت والده حين كان يتراجع بذكاء المدرك للعواقب في اللحظة الحرجة، وبذلك كان ينقذ رأسه ونظامه في كل مرة يجد نفسه محاصراً بظروف لا قبل له بمواجهتها. لكن ما يحصل اليوم في سورية لايشبه أية سياسة. وما هو إلا استثمار عائلي انتفاعي في مزرعة الحكم التي استُخدِمَتْ لوحةُ الوطن عليها للتمويه. لذلك فإن أي انقلاب إن وقع، كما تردد مؤخراً عن الصهر العزيز الذي قد نسمع عن "انتحاره" قريباً، فإنه لابد وأن يقع ضمن العائلة ذاتها ومن أحد أفرادها الخلص. وفي  هذه الحالة لايمكننا تسمية ذلك انقلاباً لأنه لن يغير شيئاً مما هو حاصل اليوم، كون المصالح والسياسات تبقى هي هي وإن تبدلت الأسماء. وما دام البلل قد وصل إلى ذقن العائلة "المالكة" بعد أن بات النظام واقفاً على ساقين منخورتين من القصب المتعفن، فلا بد والحالة هذه أن يتداعى عند أول هبة ريح من أية جهة جاءت. وما صموده المؤقت إلا لأنه لم تهب عليه بعد ولا حتى نسمة هواء تجعل من تمايله زعزعةً لبنيانه الهش. وكلما مر الوقت كلما تعمق النخر والتعفن، وكلما تقاربت لحظة الانهيار الكبير. هذا الانهيار الذي لن يشبه أي انقلاب. وهنا نعوِّلُ على وطنية السوريين والمخلصين الشرفاء من كل مكونات المجتمع السوري، لأن يحرصوا على عدم تحول ذلك الانهيار للنظام إلى انهيار للدولة ومؤسساتها، التي يجب أن تصان بقدر عالٍ من المسؤولية الوطنية. حتى إذا رحل النظام غير مأسوفٍ عليه، ألا يكون هناك خاسرٌ سوى أزلامه ومريديه. فالشعب السوري يستحق أن يكون له موقع بين الأمم المتحضرة، كما كان عبر التاريخ. وبين أبنائه الغيورين سواء، ممن هو أسير سجون النظام اليوم أو ممن هم خارجها، الكثير ممن هو قادر على أن يجعل من سورية وطناً متميزاً يعايش العصر وقيمه الإنسانية السامية.