المحرر موضوع: آثار العراق ذاكرة العالم  (زيارة 1276 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبد الحسين شعبان

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1288
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
آثار العراق ذاكرة العالم
« في: 23:31 10/09/2008 »
آثار العراق ذاكرة العالم   


 

 

عبدالحسين شعبان
“حماية الآثار الثقافية في ضوء أحكام القانون الدولي الانساني” كان موضوع ندوة حقوقية مهمة تم تنظيمها بمبادرة من اتحاد الحقوقيين العرب واللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي وبمشاركة من خبراء دوليين واختصاصيين وحقوقيين في عمان (5  6 يوليو/تموز 2008)، ولعل أهمية هذه المبادرة تكمن في تسليط الضوء على سرقة وتدمير الآثار الثقافية لاسيما في العراق في العام 1991 وبعد الاحتلال عام 2003. وقد شغل الموضوع العراقي معظم أعمال الندوة وأبحاثها خصوصاً لجهة تحديد المسؤولية الدولية، كما انشغلت الندوة بسرقة وتدمير الآثار الثقافية في فلسطين لاسيما محاولات تدمير المسجد الأقصى منذ العام ،1969 كما توقفت عند الدور “الاسرائيلي” في سرقة وتدمير الآثار الثقافية في لبنان لاسيما بعد الغزو “الاسرائيلي” العام 1982 وخلال عدوان العام ،2006 وقد سبق لليونسكو أن أصدرت نداءات بهذا الخصوص شددت فيها على وجوب إعادة المسروقات الأثرية والحفاظ عليها.

وبخصوص الحالة العراقية فإن اليونسكو أكدت على إعادة الآثار العراقية المسروقة سواءً بعد غزو الكويت وحرب قوات التحالف ضد العراق واندلاع انتفاضة في جنوب العراق في شهر مارس/آذار 1991 أو خلال وبعد الاحتلال الامريكي  البريطاني للعراق وسقوط بغداد في 9 ابريل/نيسان 2003.

ورغم أن تحرك اليونسكو لم يكن بالمستوى المطلوب مقارنة بحملتها ضد تدمير تماثيل بوذا من قبل حكومة طالبان الأفغانية، والأمر ذاته تشترك فيه، عدد غير قليل من المنظمات الدولية  ذات العلاقة التي تباطأت أو تلكأت في التحرك لانقاذ الآثار الثقافية العراقية ومطالبة المجتمع الدولي بالحفاظ عليها وإعادتها وملاحقة المتهمين وتقديمهم للقضاء.

ورغم اتفاقية اليونسكو لعام 1970 التي تناولت التدابير الواجب اتخاذها لحظر منع استيراد وتصدير ونقل الممتلكات الثقافية بوسائل غير مشروعة، مشددة على دول المنشأ اتخاذ الاجراءات المناسبة لحجز وإعادة تلك الممتلكات الثقافية بالطرق الدبلوماسية، وفرض العقوبات والجزاءات الادارية على كل من يتسبب في فرض تلك القوانين، وعلى الدول التي تتعرض آثارها للسرقة أن تستعين بالدول الأخرى، وأن تشترك في الأعمال الدولية لوضع الخطوات الضرورية لمراقبة الصادرات والواردات والتجارة الدولية، إلاّ أن الأمر لم يكن بمستوى المسؤولية التي تقع على عاتقها، فضلاً عن ذلك فقد نقلت آلاف القطع الأثرية النادرة بوسائل مختلفة ووجدت طريقها سوق التداول السوداء.

وجاء في الاتفاقية، أن نقل الممتلكات الثقافية وتصديرها من قبل دولة الاحتلال الأجنبي يعتبر عملاً غير مشروع وعلى الدول الموقعة على هذه الاتفاقية قبول دعاوى لاسترداد المسروقات والمفقودات الثقافية  وتسليمها إلى أصحابها الشرعيين.

وقد ذهبت الكثير من الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية لاسيما في العقود الاربعة الماضية إلى تأكيد ذلك ومنها:

 اتفاقية لاهاي لعام 1954 (دخلت حيز التنفيذ عام 1956) والبروتوكول الاول عام 1954.

 اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي لعام 1972.

 النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية عام 1998 والتي دخلت حيّز التنفيذ في العام 2002.

 البروتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي 1999 والذي يتضمن احكاما جنائية دولية، حيث دخل حيز التنفيذ العام 2004.

 اتفاقية حماية التراث الثقافي المطمور بالمياه عام 2001.

 اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي لعام 2003.

 اتفاقية حماية وتعزيز وتنوّع أشكال التعبير الثقافي عام 2005.

ولعل هذه الاتفاقيات الدولية إضافة إلى اتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها لعام 1977 فضلاً عن قواعد القانون الدولي الانساني تشكل مرجعية قانونية دولية لا بدّ من إعمالها بخصوص الحالة العراقية الصارخة، ذلك إن خسارة العراق ليس في الاحتلال فحسب رغم مسؤولياته عن كل ما حدث في العراق لاسيما حل مؤسساته العسكرية والأمنية وتعريض أمنه للفلتان وكذلك استشراء ظاهرة الارهاب والميليشيات والفساد والرشوة، بل في التدمير المنهجي للعقول والأدمغة العراقية وللذاكرة العراقية بنهب وتخريب التراث، وهذا العمل يتطلب جهداً انسانياً وجماعياً دولياً من جانب المؤسسات والمنظمات الحقوقية لمقاضاة المسؤولين واستعادة الآثار المنهوبة، لاسيما وأن قسماً منها وبخاصة ما يتعلق ببابل وما له علاقة باليهود قد تم تهريبه إلى”إسرائيل” كما ذكرت بعض المصادر، الأمر الذي على المجتمع الدولي أن يتخذ اجراءات تحقيقية وعقابية لاستعادته وجميع المسروقات.

ولا يمكن اليوم الاكتفاء بالتشديد على ضرورة احترام تراث العراق، بل إن الأمر يتطلب اتخاذ اجراءات حازمة وملاحقة المتهمين وتقديمهم إلى القضاء الدولي، ناهيكم عن تعويض العراق جبراً للضرر وجزءاً من المسؤولية والعقوبة.

إن مواقف القوات المحتلة اللامبالية إزاء نهب التراث الثقافي، فضلاً عن تخريبه بإقامة معسكرات قريبة منه، يوجّه إصبع الاتهام إلى القيادة العسكرية، إضافة إلى المسؤولية الفردية وعلى أقل تقدير اتهامها بالتواطؤ أو بالتقصير للقيام بمهماتها المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية، إن لم يكن عن عمد وسابق إصرار.

وإذا كانت اتفاقية لاهاي والبروتوكول الأول الملحق بها قد خلا من مبدأ التعويض، فان بروتوكول لاهاي الثاني 1999 قد أكّد على التعويض وتحديد المسؤولية الجنائية الفردية ووجوب مقاضاة المسؤولين وانزال العقاب بهم.

وكسابقة قضائية حديثة، فقد كان من بين التهم الموجهة إلى المتهمين في يوغسلافيا بارتكابات ضد الانسانية وجرائم الابادة الجماعية وجرائم الحرب، تهمة تدمير الممتلكات الثقافية، الأمر الذي يمكن اقتفاؤه وتوجيه تهم إلى قوات الاحتلال بحكم مسؤولياتها الاولى، إضافة إلى ضرورة مطالبتها باخلاء الاماكن الأثرية وتعويض العراق عن الأضرار التي لحقت به جراء ذلك، وهذا من مسؤولية الحكومة العراقية التي عليها المطالبة باعادة المنهوبات وتقديم المسؤولين عنها من القوات المحتلة إلى القضاء بمن فيهم بعض المتورطين من العراقيين، خصوصاً وان مفوضية النزاهة سبق لها أن تناولت مسألة الفساد المالي والاداري حيث وجهت الاتهام إلى 93 مسؤولاً كبيراً، بينهم 15 وزيراً.

* باحث ومفكر عربي
صحيفة الخليج الاماراتية ،الأربعاء ,10/09/2008