المحرر موضوع: الإتفاقية . . واحتمالات التلاقي الأميركي ـ الإيراني ! 2 من 2  (زيارة 648 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل مهند البراك

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 521
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الإتفاقية . . واحتمالات التلاقي الأميركي ـ الإيراني !
   2  من  2
                                                                                                  د. مهند البراك

   من ناحية اخرى وعلى الصعيد ذاته، تواجه ادارة الرئيس بوش ـ حتى يناير القادم ـ مشكلة مواجهة نتائج الحرب التي اعلنتها وتخوضها في العراق وافغانستان، حيث وصلت الحالة في افغانستان الى حد سعي حكومة كارزاي الى التفاهم مع طالبان لتحقيق الأستقرار وفق وكالات الأنباء الدولية و الأميركية ذاتها، و تواجه في الوقت نفسه مشكلة استحقاقات توقيتات القضية العراقية، وبالأخص : تحكّم البند السابع بالقضية العراقية ، تقرير شكل، حجم و الفترة الزمنية لتواجد القوات الأميركية و انسحابها وترابط ذلك بقرارات دولية ، و الحاجة للأتفاق مع الحكومة العراقية لتنظيم تلك الإستحقاقات باتفاقية، في ظروف لايحسد عليها الجانبان .
   في وقت يعيش فيه الإقتصاد الأميركي خاصة والعالمي عامة، مشاكل الإنهيار المالي ـ المصرفي والمساعي المبذولة لتقليل اضراره و مخاطره، و في وقت تتزايد فيه التهديدات الإعلامية الأميركية ـ الإيرانية المتبادلة حدّة . وتبرز امام الجانب الأميركي مشكلة مواصلة السعي لأضعاف تنسيق و محاولات تكتّل مجاميع الأسلام السياسي والأرهاب الإسلامي مع بعضها وخاصة الكبيرة منها كما هو الحال بين القاعدة و الأقطاب الإيرانية الأكثر تطرفاً كفيلق القدس، بعد الضربات الموجعة التي تلقتها القاعدة في العراق .   
   وفي خضم محاولات حامية لجعل فوز الرئيس الجديد باراك اوباما كحد فاصل كبير يؤسس لتطلعات الولايات المتحدة الأميركية  الجديدة للقرن الواحد و العشرين . . تطرح المشكلة العراقية في قلب ذلك الحد الذي يتطلب برأي اوساط واسعة تعمل له : صياغة موقف واضح من القضية العراقية، و ايجاد حل لموقع الحكومة العراقية الذي يعتبره قسم منهم بكونه ( جزء من المشكلة و ليس الحل ) بتقديرهم !
   في وقت يعلن الجميع فيه انهم يريدون " خروج الأميركان من العراق " ، ابتداءً من الحكومة العراقية و البرلمان العراقي ... و انتهاءً بالرئيس الأميركي بوش الذي اشعل الحرب ذاته، على اساس تحقيق انسحاب يوقف الخسائر الأميركية المتنوعة من جهة، و يستند الى الأخذ الجاد برأي الحكومة العراقية والجوار معاً ، كي لا يتمزق العراق الذي ان حصل فانه سيهدد الولايات المتحدة بخسائر اكبر من جهة اخرى ، وفق التقديرات تلك ذاتها .
   الأمر الذي يوضحه زبينغيو بيرجنسكي (1) اقرب المستشارين السياسيين للرئيس الجديد اوباما بتشجيعه في بداية ولايته على الحديث مباشرة مع الرئيس الإيراني نجاد ، حتى بدون تعقيدات التمهيد للقاء ورغم تهجّم الرئيس الإيراني نجاد المتكرر على الولايات المتحدة ، لأن القضية تخص ايران و اهميتها كدولة و ان نجاد لايشكّل سوى منصب المسؤول الثالث المتغيّر فيها بعد المرجع الأعلى علي خامنئي، الأمر الذي لايمكن فيه اعتبار مواقفه، بكونها مواقف ثابتة للدولة الإيرانية، على حد تقديره .
   بل ويذهب بيرجنسكي ابعد في موقفه داعياً الى اتخاذ خطوة على غرار الخطوة الأميركية التي اتخِذت تجاه الصين الشعبية في مطلع سبعينات القرن الماضي  . . حين زار الرئيس الأميركي نيكسون ومستشار امنه القومي كيسينجر، الرئيس الصيني ماو تسي تونغ " رغم اصرار ماو على حقه باستخدام السلاح النووي الذي ان استخدم، فانه يمكن ان يتسبب بموت 300 مليون انسان فقط . . والذي لا يعني الكثير امام تحقيق الأهداف !! ومع ذلك فانه لم يؤدي بالرئيس نيكسون حينها الا ان يذهب بنفسه الى الصين . . " وفق حديث بيرجينسكي (2) . 
   على اساس السعي لأحتواء صراعات المنطقة بعيدا عن الفعاليات الأميركية العسكرية المباشرة ، ولقطع الطريق على تلاقي قوى الأسلام السياسي و التفرغ لمواجهة القاعدة . . في مسعى مشابه للجهود التي بذلتها الولايات المتحدة في عزل الصين عن الإتحاد السوفيتي كما مرّ، ولأجل عدم الأنعزال عن التكتل الآسيوي الصاعد المتلاقي مع روسيا و اليابان من جهة اخرى ، ولفسح المجال لدوائر المال و السياسة في الولايات المتحدة و الغرب لإعادة بنائها على غرار آليات ماتم في مواجهة الأزمة الأميركية في فيتنام . 
   فيما يرى قسم آخر . . ان التعويل على انتهاء ولاية بوش وانتظار مباشرة ولاية اوباما الجديدة للبيت الأبيض قد لايحد من اصرار الجانب الأميركي على المضي في سياسته في المنطقة . . لأن الأسباب التي جعلت الإحتكارات الأميركية الكبرى تعلن الحرب على العراق من اجل النفط لاتزال قائمة ، بل وتشكّل المفصل الأكثر تشبثا لمواجهة الأزمة المالية ولأنجاح المساعي المبذولة لمواجهة نتائجها الإقتصادية ، ولتوفير المال اللازم لمواجهة المخاطر السياسية الأقتصادية والإجتماعية الداخلية " مصالح الأمن القومي " التي صارت تهدد النظام الأميركي ذاته الآن تحديداً . . ان تم التراجع بالكامل عن نهج عسكري كلّفه الكثير الكثير بالرجال والأموال في العراق والمنطقة .
   من جهة اخرى . . فان تزايد دور ايران في المنطقة و الموقف الأيجابي الداعي للتعايش معها من دول المنطقة، كسعي دول التعاون الخليجي للتعاون مع ايران ، والتي تجسّدت بدعوة " عبد الرحمن العطية " الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، الى ضرورة التوصل الى حل دبلوماسي لأزمة الملف النووي الإيراني . . فيما تواصل لجان مشتركة جهودها لتشكيل منظمة امنية ايرانية ـ خليجية .
   في وقت تبذل دول الخليج فيه جهوداً متزايدة لتحرير عملتها من الدولار الأميركي رغم كونه في امس الحاجة لها الآن ، و يشهد دعوة رئيس الوزراء البريطاني براون لدول الخليج لدعم احتياطي صندوق النقد الدولي و دعوته الملحة لمشاركتها في مؤتمر الأصلاح المالي الدولي لمواجهة الأزمة . . كل ذلك يؤشر الى ان الجهود الخليجية تلك تصب لصالح اقامة علاقات طبيعية مستقرة مع ايران و تشكل ضغطا على اجندة الموقف الأميركي الأكثر تشدداً تجاه ايران . .
   ايران التي يرى متخصصون بانها تعتبر نفسها انها شاركت فعلياً في اسقاط الدكتاتورية، وان دورها لم يكن منحصراً بالسماح فقط للأميركيين باسقاط النظام بالحرب . . و كان موقفها ذلك واضحاً منذ اول اجتماع لقوى المعارضة العراقية مع الجنرال غارنر كاول مسؤول اميركي، والذي عقد في الناصرية اثر سقوط النظام، حين اصرّت القوى الإسلامية الشيعية المدعومة من قبلها على انفرادها بالسلطة البديلة لسلطة صدام . . و عملت منذ ذلك الحين على تحقيق (احتلال هادئ) لأهم مرافق الدولة العراقية وخاصة العسكرية والأمنية و المالية وبشكل غير نظامي ( غير موثق وغير مقيّد بقوانين دولية ) . 
   وفي السياق ذاته فانهم يحذّرون من مغبّة افتراض تخلي ايران عن التعاون مع الدول العربية ـ التي لا تعارض الإتفاقية من منطلقات متنوعة ـ  ومن افتراض عدم امكانية التوصل الى اتفاقية، و انسحاب القوات الأميركية من العراق . . التي ان حصلت في ظروف العراق و المنطقة الآن !! فانهم يرون ان  ايران ستسعى إلى نزع فتيل الخلافات الشيعية ـ الشيعية و تضغط لتوحيد صفوفهم في مواجهة : العرب السنة، العلمانيين السنة و الشيعة، والأكراد . . وبالتالي محاولة جديدة من مستوى اعلى لإشعال الحرب الداخلية التي قد تؤدي الى تقسيم العراق فعلا، خاصة وأن السناتور جوزيف بايدن نائب الرئيس الأميركي الجديد اوباما قد عبر عن هذه الفكرة مراراً في وسائل الاعلام، و حصلت على "عدم ممانعة " مجلس الشيوخ الأميركي .
   من ناحية اخرى ، يرى فريق من المراقبين، ان تشبث الطرفين ـ الإيراني و الأميركي ـ بمصالحهما في العراق و المنطقة، المواقف المتشددة للسلطة الأسرائيلية الحالية من الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني ، و تشبث ايران ببرنامجها النووي مقابل البرنامج النووي الأسرائيلي وتضاؤل فرص نزع السلاح النووي في المنطقة، اضافة الى صراع القوى الدولية الكبرى عليها . .
   قد يؤدي الى مخاطر اتفاق اميركي ايراني بمعاهدات ذات بنود سرية لا يعلن عنها، في زمن كثير التعقيد يلوّح بالعودة الى عهد الأتفاقات السرية و الأتفاقات العسكرية في تحديد مناطق الفعل و ممارسة النفوذ في المنطقة الأكثر حساسية في عالم اليوم ، رغم تصريحات سياق الأحداث اليومية التي تصاعدت مؤخراً اثر حادثة دير الزور السورية من جهة، و تعزيز ايران لهيمنتها العسكرية في مضيق هرمز بانشاء القاعدة البحرية العسكرية الجديدة فيها، من ناحية اخرى . 
   والذي منه اتفاق اميركي ـ ايراني في ملف العراق ، على اساس كونهما دولتي احتلال على اراضيه : احتلال نظامي تمارسه الأولى ، واحتلال غير نظامي تمارسه الثانية . . يضمن لهما مصالحهما بلا حساب لحقوق الدولة العراقية و الشعب العراقي باطيافه كلّها، الأمر الذي حدث و تكرر مع دول الجوار منذ تاسيس الدولة العراقية واستمر في العهود اللاحقة . . موظفين حالة الضعف التي يمر بها العراق الآن بسبب تركة النظام السابق و حروبه، وبسبب الحرب الأخيرة و الإحتلال المركّب الأميركي ـ الإيراني الحاصل في البلاد . في منطقة تعيش لأسباب متشابكة متنوعة ـ رغم كل التطورات العالمية ـ استمرار  الصراعات العنيفة و روح التوسع و ممارسة الهيمنة، التي تؤججها اكثر الإحتكارات النفطية و المصالح الدولية و الصراعات الطائفية . .   
   الأمر الذي يطرح و بشدّة ومن اجل ايقاف النزيف المتواصل ، ضرورة التوافق على الممكن الآن بين الأطراف العراقية و خاصة الرسمية و المقررة منها، من اجل التراص حول الموقف العراقي الموحد . . موقف موحد يعكس صحوة الروح الوطنية و  التوافق الوطني بعد ست سنوات من تجربة انواع المشاريع الوافدة التي لم تؤدِّ في المحصلة النهائية الاّ الى مزيد من الدمار و الضياع، والى التهديد بعودتهما بعد كل استقرار.   
   موقف عراقي موحد . . بعيدا عن النفاق السياسي و عن تغليب المنافع الذاتية الضيّقة و محاولات فرضها على الآخرين بدعوى الإدعاء بكونها هي الموقف الوطني و غيرها خيانة، من اجل خلق مستلزمات الدفاع عن المطالب و الحقوق الوطنية لكل المكونات العراقية مسلمة و مسيحية، سنية و شيعية، عربية و كردية و تركمانية و ايزيدية و اخرى . . على اساس انتماء الجميع المتساوي للوطن الأم و من اجل التطوير اللاحق لتلك الحقوق .
   موقف عراقي مستقل ينسجم مع تعطش الشعب العراقي الى السلم و الحرية ضمن سياق حركة تطور المنطقة . . باعتماد الشفافية في الموقف من الإتفاقية وفي محادثاتها  و اعتماد تفعيل مشاركة شعبية واسعة من اجل الحقوق ! واذا كان هناك اجماع عراقي على جدولة انسحاب القوات الأميركية و الأجنبية ، فان الأمر يتطلب من الحكومة العراقية في الوقت نفسه السعي لحل المشاكل العالقة مع ايران مباشرة و على اساس كونهما دولتين مستقلتين جارتين من دول العالم النامي !! (انتهى)



7 / 11 / 2008 ، مهند البراك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.   مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر .
2.   راجع مقابلة زيغنيو بيرجينسكي في برنامج " هارد توك " من بي بي سي بالإنكليزية في 14 / 10 / 2008 .